الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفزانية التي حاربت ضد العثمانيين (1).
ويغلب على الظن أن الجزائريين الذين استقروا في ليبيا كمهاجرين كانوا قلة، فقد كانت ليبيا بالنسبة إليهم منطقة أمن وعبور يقصدها التجار والحجاج والمغامرون، بالإضافة إلى المجاهدين الذين انضموا إلى الطريقة السنوسية من جهة، وإلى حرب الجهاد ضد الطليان من جهة أخرى. والقسم الأخير جاء من الجزائر ومن المشرق أيضا. فقد انضم متطوعون جزائريون من مصر والشام إلى المقاومة الليبية. وكان من بينهم الأمير علي بن الأمير عبد القادر وبعض أبنائه. ومنذ هذه الظروف وقع التعارف والتواصل بين الأمير علي المذكور وبين سليمان الباروني باشا النفوسي. ولا بد أن نذكر أيضا لجوء بعض بني ميزاب إلى ليبيا. وقد كانت تربطهم ببعض أهل جبل نفوسة علاقات مذهبية. وحوالي 1910 قصد الشيخ أحمد بن عليوة، صاحب الطريقة المعروفة، وبعض إخوته وأولاد عمه ليبيا للهجرة إليها والإقامة فيها.
…
إلى مصر:
ومنذ الاحتلال استقبلت مصر أيضا، أعدادا من الجزائريين. لقد كانوا ياتونها منفيين أو مهاجرين أو حجاجا، وفضلوا الإقامة فيها بعد أداء فرضهم. كما ورد عليها أعداد من الطلبة، فرادى بعض الوقت، ثم تكاثروا منذ الحرب العالمية الأولى، إضافة إلى بعض رجال السياسة المغضوب عليهم. كما نزلها زائرون ومعجبون بعلومها وصحافتها وآدابها. وكانت الاسكندرية بالذات تستقطب أعدادا من الجزائريين. ومنهم من تزوج هناك. أما في القاهرة فمعظم الجزائريين كانوا يقيمون بحي الأزهر الشريف أو رواق
(1) انظر تعريفنا بكتاب (ري الغليل) - تاريخ ملوك فزان - لابن عبد الجليل. وكذلك تاريخ تيمور (مصر) رقم 1472. وفي مجلة الشرق الفرنسية R de L'orient، سنة 1844 سلسلة من المقالات عن عائلة ابن عبد الجليل، بقلم سوتيل.
المغاربة. ومنذ القديم كان الجزائريون يعجبون إعجابا خاصا بمصر ويعتبرونها كعبة العلم والحضارة لأنهم كانوا يعرفونها أكثر مما كانوا يعرفون العراق وسورية، لوقوع مصر في طريق الحج.
من رجال السياسة الجزائريين الأوائل الذين هاجروا أو نفوا من بلادهم إلى مصر نعرف الباي حسن بن موسى - باي وهران، الذي كان طاعنا في السن زمن الاحتلال، وقد حمله الفرنسيون أوائل 1831 إلى الإسكندرية. وحوالي نفس الوقت حملوا إليها أيضا باي التيطرى مصطفى بو مزراق. أما الداي حسين فقد هاجر إلى مصر ونزل الاسكندرية بعد أن فشلت خططه في الرجوع إلى الجزائر وضاقت به ليفورنيا (إيطاليا)، وربما فعل ذلك لأسباب مادية أيضا. وهكذا رأينا ثلاثة من (حكام) الجزائر السابقين قد نزلوا مصر، ومع كل منهم (حاشيته) التي قد لا تقل عن الخمسين. وكان مع الداي حسين صهره وقائد جيشه الآغا إبراهيم، الذي عجز عن مقاومة الجيش الفرنسي في اسطاويلي (1).
أما العلماء فقد حلوا بمصر مهاجرين أو منفيين ثم طلبة ودارسين. كان رائدهم محمد بن العنابي الذي نفاه كلوزيل 1830، بدعوى أنه كان (يتآمر) لاستعادة الحكم الإسلامي إلى الجزائر، أي كان ينظم المقاومة ضد الفرنسيين. وقد وظف ابن العنابي بالاسكندرية وأصبح مفتي الأحناف بها، وطال عمره إلى 1853. وقد لحق به زميله في الفتوى بالجزائر وهو الشيخ مصطفى الكبابطي الذي نفاه المارشال بوجو سنة 1843 لمعارضته إدخال اللغة الفرنسية في المدارس القرآنية. وكان الكبابطي عندئذ مفتيا على المذهب المالكي. ولا نعرف أنه توظف في مصر، ولكنه أصبح من المدرسين في أحد مساجد الاسكندرية ربما لتدبير رزقه. وكان لابن العنابي وللكبابطي زملاء وتلاميذ في مصر نذكر منهم الفقيه إبراهيم السقا، والشاعر
(1) هناك أسماء أخرى من الحكام والقادة السابقين في الجزائر قد استوطنوا الاسكندرية بعد الاحتلال.
محمد عاقل، وعبد الحميد بك صاحب التاريخ المعروف باسمه (1) والذي ترجم فيه للشيخين.
واستقبلت مصر من الطلبة - العلماء محمد بن علي السنوسي، ومحمد بن عبدالله الزقاي، والحاج محمد بن الرقيق، والحاج علي بن البشير، ومحمد الصالح بن مهنة، وعثمان الراشدي، والمولود الزريبي، وغيرهم. وخلال الحرب العالمية الأولى كان بمصر مجموعة من الطلبة، بلغوا حسب إحصاء يرجع إلى سنة 1916، تسعة وعشرين طالبا، وكانوا من مختلف أنحاء الجزائر (2). ومن هؤلاء محمد الرزقي الشرفاوي من بلدية عزازقة، وكان الشيخ أبو يعلى الزواوي قد لقيه في مصر ووصف حياته. ومنهم المولود بن الصديق الحافظي الذي أصبح من كبار علماء الفلك وعضوا في جمعية العلماء قبل انفصاله عنها ورئاسته لجمعية علماء السنة المعارضة. وقيل إن الحاج علي بن البشير قد بقي في الأزهر ثمانية عشر عاما. وبعد رجوعه إلى الجزائر أسس مدرسة بسيق وانتصب للتدريس أيضا في جامعها الكبير. وكذلك قضى الحاج محمد بن الرقيق الغريسي سنوات بالأزهر وجاور فيه، وعندما رجع إلى الجزائر تولى التدريس في جامع معسكر.
وأما عثمان الراشدي فقد قاد ثورة بني شقران سنة 1915 وحكم عليه الفرنسيون بالإعدام هو وأبناؤه وبعض أقاربه (3). وقد أصبح ابن مهنة
(1) قدمنا دراسة عن هذا التاريخ في إحدى دورات مجمع اللغة العربية بالقاهرة - 1992، وهو منشور في مجلة المجمع.
(2)
وثيقة كتبها العقيد قاضي الشريف بلعربي، الذي أرسلته فرنسا في مهمة إلى مصر والتعرف على وضع الطلبة هناك. وهي بتاريخ 1916. وقدم تقريره إلى المصالح العسكرية الفرنسية. سلمني الوثيقة (النسخة) الاستاذ عمار هلال مشكورا، وهو الذي بحث في موضوع الطلبة الجزائريين في المشرق 1870 - 1918، رسالة دكتوراه الحلقة الثالثة - فرنسا 1983. والعقيد قاضي هو الذي أرسلته فرنسا أيضا ضمن بعثتها إلى الشريف حسين بالحجاز 1916. انظر سابقا.
(3)
المهدي البوعبدلي (علاقات الجامع الأزهر بالجزائر) في ملتقى الفكر الإسلامي السابع، تيزي وزو 1973، ح، ص 43.
والزريبي من المؤلفين والمدرسين. وثار كل منهما على البدع والخرافات في وقت كانت فيه الصولة للإدارة الفرنسية والطرق الصوفية، وسنعود إلى حياة الرجلين الأخيرين في مكان آخر (1). وفي سنة 1920 توجه الشيخ العربي التبسي إلى مصر للدراسة في الأزهر حيث بقي حوالي سبع سنوات. وبعد رجوعه أصبح من أقطاب العلم والتدريس في تبسة وسبق، ثم أحد قادة جمعية العلماء والنائب الأول لرئيسها.
وقد كانت الإجازات هي إحدى الدلائل على تلقي العلم والتتلمذ على المشائخ لا سيما إذا كانت الإجازات عن حضور ومواظبة واهتمام. ومن الذين أخذوا العلم بالإجازة من بعض شيوخ الأزهر نذكر الشيخ عبد الحميد بن باديس الذي أجازه شيخه محمد بخيت أثناء حجته. وفي سنة 1938 حل بمصر أحد تلاميذ ابن باديس، وهو الشيخ الفضيل الورتلاني، الذي أصبح من رجال الدين والسياسة في مصر حيث كان من المعجبين بالشيخ حسن البنا زعيم الإخوان المسلمين وفي نفس الوقت كان عضوا في جمعية العلماء.
والواقع أن مصر كانت مفتوحة لغير رجال الدين أيضا، مثل الصحفيين والتراجمة. ومن هؤلاء المثقفين الذين زاروا مصر في أوائل هذا القرن عمر راسم. وكان راسم مزدوج اللغة، وله غيرة على التراث العربي والإسلامي وارتباط فكري بالجامعة الإسلامية واطلاع على الفكر الغربي، ولا سيما الحركة الصهيونية والاشتراكية. ولا نعرف ان المجاوي قد زار مصر أو حج، رغم أن أحد كتبه المبكرة قد طبع في مصر سنة 1877 وقرظه أحد العلماء السوريين. ولعل هناك علماء آخرين قد ترددوا على مصر في غير الدراسة في الأزهر أو التجارة. وقد هاجر إليها الشيخ إبراهيم أطفيش، وبعد استقراره بها أسس (سنة 1925) مجلة (المنهاج) الشهرية التي أصبحت لسان حال
(1) جاء في قائمة العقيد قاضي اسم لأحد طلاب سوف عندئذ وهو غير واضح فيها. وبعد البحث والسؤال تبين أنه هو الحاج ستو العربي المعروف كروي. ولد 1877 وتوفي بمصر سنة 1954. وكان قد هاجر إليها 1910.
الجزائريين في مصر، واستمرت إلى سنة 1928. كما تعاون الشيخ اطفيش مع سليمان الباروني على طبع عدد من المؤلفات ذات الصلة بماضي الجزائر (1).
ولم تخل مصر من استقبال السياسيين الجزائريين أيضا في عهود لاحقة. كان الأمير عبد القادر دائما، شخصية سياسية رغم تخليه عن ممارسة السياسة. فقد زار مصر على الأقل مرتين، الأولى أثناء رجوعه من الحج والمجاورة سنة 1864، والثانية عند افتتاح قناة السويس سنة 1869. وفي كلتا الزيارتين كان محط الأنظار والإكبار، رغم أن ديليسبس وبعض الفرنسيين حاولوا استغلال وجوده لصالحهم مما أثار غيرة خديوي مصر عندئذ، وكانت بين الأمير والشيخ محمد عبده مودة ومراسلات. وقد حدثت ثورة عرابي باشا والاحتلال الإنكليزي لمصر أثناء مرض الأمير الذي توفي به، فلم نعرف موقفه من الأحداث التي جرت بين 1882 - 1883 (تاريخ وفاته). وقد طبع ابنه محمد باشا (ابن الأمير) كتابه (تحفة الزائر) بالاسكندرية سنة 1903، وهي السنة التي زار فيها الشيخ محمد عبده الجزائر، كما سنرى. وبعد الحرب العالمية الأولى زار الأمير خالد مصر لحضور مؤتمر الخلافة سنة 1924، ولكن مكائد القنصلية الفرنسية جعلت إقامته غير مرغوب فيها، وحكمت عليه محكمتها (القنصلية) بالخروج.
ومنذ هذه الفترة أصبحت مصر التي استقلت استقلالا منقوصا سنة 1919 - 1922، محطة رئيسية للسياسيين الجزائريين. وبعد الأمير خالد، وجدنا الأمير مختار الذي لعب دورا بارزا في جمع كلمة الجزائريين بالمشرق ولا سيما في مصر. وهو من أحفاد الأمير عبد القادر. وكان محل تقدير واعتبار لشخصه ولمكانة أسرته. وكان الشرق يعيش على السمعة ويعطي أهمية كبيرة لأبناء البيوتات الشهيرة. وقد جاء في أحد المراجع أن الأمير
(1) دبوز (نهضة) 2/ 11. كان الباروني قد أسس جريدة (الأسد الإسلامي) سنة 1908 بالقاهرة. وكانت سياسية أسبوعية. انظر عنه أيضا بحثنا (أضواء على حياة سليمان الباروني)، في مجلة الثقافة، 1995.
مختار كان من المؤسسين لعدة تنظيمات لصالح الجزائر والمغرب العربي، منها (جمعية الجالية الجزائرية)، و (لجنة الدفاع عن الجزائر)، ثم (جبهة الدفاع عن افريقية الشمالية) وكانت الأخيرة قد تأسست في 18 فبراير، سنة 1944 (1).
وكان الشيخ طاهر السمعوني قد جمع بين الفكر والسياسة، وسنتحدث عن آثاره في بلاد الشام، وإنما نقول هنا إنه جاء إلى مصر خوفا من فتك الأتراك به بعد أن ثبت لديهم تعامله مع أعدائهم ونظرا لإيمانه بالقومية العربية وانضمامه إلى حزب اللامركزية الذي كان يطالب بدور بارز للعرب ضمن الدولة العثمانية. وقد حكم جمال باشا والي سورية بقتل سليم السمعوني (وهو ابن أخ الشيخ طاهر) لدوره في حركة القومية العربية. وفي مصر أيضا التقى الشيخ طاهر بالشيخ أبي يعلى الزواوي الذي حل بمصر بعد الشام، والذي ربما كان على صلة بالقنصلية الفرنسية فيها لأنه (أي الزواوي) كان يعمل بالقنصلية الفرنسية في دمشق إلى حوالي 1915. وقد ساهم الزواوي في الصحف والمجلات هناك وفي سورية.
ومن أبرز النشطين السياسيين الجزائريين الذين زاروا مصر نذكر علي الحمامي صاحب رواية (ادريس) النضالية، وقد نشرها بالفرنسية في القاهرة. كما التحق الشاذلي المكي بمصر إثر حوادث 8 مايو 1945 ثم أصبح ممثلا لحزب الشعب فيها. وبعد تكوين جمعية الشبان المسلمين والجامعة العربية وتأسيس مكتب المغرب العربي في مصر، نشطت الحركة السياسية التي كان
(1) الفضيل الورتلاني، (الجزائر الثائرة) بيروت 1956، ص 284. حسب هذا المرجع فإن الرئيس لجبهة الدفاع هو الشيخ محمد الخضر حسين، ونائبه هو الأمير مختار. انظر ما كتبته عن الأمير مختار السيدة مي زيادة في كتاب سلمي الحفار الكزبري (مي زيادة وأعلام عصرها)، بيروت 1982، ص 483. وقد جاء في رسالة منها سنة 1939 (16 مارس) إلى الأمير مختار وزوجته (ألا بورك فيكما، يا سليلي البطل العظيم (الأمير عبد القادر) وبورك في الدم الشريف الذي يجري في عروق الأسرة الجزائرية المبجلة!).