الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإذاعة والسينما
نشأت الإذاعة في الجزائر سنة 1928 (1). وكانت تغطي الأقاليم الثلاثة الرئيسية: العاصمة ووهران وقسنطينة. وكانت قوة الإرسال ضعيفة لا تتجاوز ال 500 كلم. وبمناسبة الاحتفال المئوي بالاحتلال عزم الفرنسيون على توسيع شبكة الإرسال وتدعيم قوتها حتى تصل إلى 12، 000 وات، وتصل من ألفين إلى ثلاثة آلاف كلم وكانت تسمى (إذاعة محطة الجزائر).
وخطط الفرنسيون أن يجعلوا من الإذاعة وسيلة جديدة لنشر التأثير بين الجزائريين باللغة الفرنسية والعامية العربة. ونادى باحثوهم بضرورة نشر الأفكار الفرنسية بلغة الأهالي. وقد وضعوا لذلك برنامجا يشمل حصصا باللغة الفرنسية والعربية تكون في شكل محاضرات ولقاءات عن الزراعة والتجارة والأسعار في الأسواق والبورصة، وغير ذلك من الموضوعات التي تهم الجزائريين والفرنسيين معا (2).
ورأى بعض الجزائريين، مثل السيد حشلاف، أن الفرنسيين اتخذوا (قرارا سياسيا) بمحاربة التأثير العربي (المصري/المشرقي) بدعوى تشجيع الإنتاج الجزائري من الأغاني والموسيقى. وينسب السيد حشلاف فضلا كبيرا إلى إذاعة الجزائر في تجديد الأغنية، وقال إن الإذاعة كانت تستهلك أعدادا كبيرة من الأشرطة، وأنه بفضل ذلك القرار السياسي احتفظت الجزائر بموسيقاها (العصرية الحقيقية) رغم التأثيرات التي خضعت لها. والغريب أن حشلاف لم يقل نفس الكلام عن التأثيرات الفرنسية والغربية على الموسيقى والأغنية الجزائرية، وكأن التأثير (الخارجي الأجنبي) الذي يخشى منه على
(1) من الذين شاركوا في حفل افتتاحها محمد العنقاء، وكان ينافس، رغم شبابه، الشيوخ أمثال وليد سيدي سعيد.
(2)
دهي DH? وجان دينيزيه (الاتصالات البحرية والجوية والبرية في الجزائر) في (كراسات الاحتفال)، ص 38.
الموسيقى الجزائرية هو فقط التأثير المصري (العربي)(1).
أنشأت إذاعة الجزائر خمس جوقات للعناية بأنواع الفنون الغنائية:
(1)
: الكلاسيكية تحت إشراف محمد فخارجي، وكان يساعده أخوه عبدالرزاق فخارجي.
(2)
: الصحراوية بقيادة أحمد خليفي.
(3)
: العصرية بقيادة مصطفى اسكندراني، تم ظهر فيها عبد الرحمن عزيز.
(4)
: القبائلية بإشراف الشيخ نور الدين.
(5)
: الشعبية بإشراف محمد العنقاء. وكل جوقة كان لها عدد من الفنانين. ونلاحظ أن الإذاعة الفرنسية لم تنشئ أية جوقة للموسيقى الجزائرية أو الوطنية أو العربية، فالتقسيم العرقي والجهوي واضح حتى في هذه الفنون. ومن الأسف أن نفس التقسيم ظل موروثا حتى بعد سنوات من الاستقلال.
ومع ذلك لم تتطور إذاعة الجزائر إلا بعد الحرب العالمية الثانية. فقد توسعت وتقوت. وأنشأت فرعا للقبائلية أيضا. وأصبح لها مجلة تسمى (هنا الجزائر) بالفرنسية والعربية. وكان يشرف على القسم العربي الشاعر الطاهر بوشوشي. وكانت الإذاعة تحتكر الانتاج الأدبي وتدفع أجورا مغرية للمساهمين معها، وأفسحت المجال لبعض الكتاب لكي يخاطبوا الجمهور. وأصبحت الإذاعة تنافس الصحافة اليومية، سيما بالعربية، لأن الأمية كانت تجبر معظم الجزائريين على سماع الأخبار والأحاديث منها بدل قراءتها في الصحف (2).
كما أن الإذاعة فتحت عهدا جديدا للتمثيل. ففي كل أسبوع كانت تقدم مسرحيتين، إحداهما بوليسية، وكلتاهما بالعربية الدارجة. وكانت تقدم الأغاني الفولكلورية (3). وذلك ساهمت، مع المسرح، في الدعاية
(1) حشلاف (مجموعة الموسيقى العربية)، 1993، ص 213، والنص مكتوب سنة 1973.
(2)
سعد الدين بن أبي شنب، مجلة (الأديب)، بيروت، عدد ممتاز، يناير 1954، والمقال نفسه منشور في مجلة (هنا الجزائر)، فبراير 1954.
(3)
سعد الدين بن أبي شنب، (الأدب الشعبي)، في (مدخل إلى الجزائر)، ص 307 - 308.
الاستعمارية من جهة والتعريف بالفنون الشعبية من جهة أخرى، ذلك أن الفرنسيين لم يكونوا يمانعون في الإبقاء على التراث المحلي بشرط أن لا يتطور إلى وسيلة وطنية وأن لا يخضع لتأثيرات غير فرنسية.
وفي سنة 1952 انضم عبد الكريم دالي المولود في تلمسان سنة 1914، إلى جوق الإذاعة الذي كان يشرف عليه محمد فخارجي. وكان دالي ماهرا في الموسيقى الغرناطية والحوزي. وكان معاصرا للعربي بن صاري في تلمسان ومن المعجبين به، غير أن المشاركة في مؤتمر القاهرة سنة 1932 سببت القطيعة بينهما حين اختار ابن صاري ابنه للمشاركة فيه وأهمل دالي (1).
…
ظهرت السينما في آخر القرن الماضي، ووصل نشاط المخرجين الفرنسيين إلى الجزائر. وأخذوا يصورون فيها الأفلام القصيرة والوثائقية ونحوها. وقد اهتموا بالمناظر الطبيعية المثيرة وألعاب الفروسية وحفلات الزواج التقليدية في المدن والأرياف، سيما في بو سعادة وبسكرة. وكانت بعض المناظر تربط بين حياة الجزائريين وحياة الشرق مثل فيلم (علي بابا). كما أن إخراج الأفلام لم يقتصر على الجزائر بل شمل المغرب العربي. ومن يرجع إلى كتاب (الحريم الكولونيالي) لعلولة يدرك اهتمامات المصورين الفرنسيين في بداية هذا القرن (2). وبين نهاية الحرب العالمية الأولى وسنة الاستقلال (1962) أنتج الفرنسيون أكثر من 200 فيلم عن الجزائر والمغرب العربي عموما، بما في ذلك الأفلام القصيرة. وهي تمثل ثروة فنية وشعبية عن السكان والأرض وتاريخ الاحتلال وأسلوب المعاملة والتفرقة العنصرية والعبث بالإنسان (الأهلي) وإظهار التفوق الحضاري الفرنسي. وكل هذه
(1) عن هذه الظروف انظر فقرة الموسيقى.
(2)
علولة (الحريم الكولونيالي)، 197. يحتوي على صور تاريخية بريدية كان الإعلام الفرنسي يوزعها على العالم، ومنها مناظر مؤذية عن المرأة في شتى الأشكال.
الأفلام كانت من إنتاج فرنسي - غربي وليس فيها إنتاج جزائري تقريبا. ولاحظ أحد الكتاب أن هناك خطة مرسومة لمنع الأهالي من دخول هذا الميدان حتى لا يشوهوا الصورة التي أراد الفرنسيون تقديمها عن أنفسهم كسمتعمرين. وقد قيل إن أول فيلم كبير صور في الجزائر هو الذي أخرجه جاك فيدير FEYDER سنة 1921.
وكان هذا المخرج قد جاء إلى الجزائر ومعه خمسة وعشرون فنانا، وجلب حوالي ستين من التوارق ومعهم المهاري، بالإضافة إلى عدد آخر جنده فيما بعد. واستغرق تصوير الفيلم (اطلنطيد) ثمانية أشهر، وصرف عليه مليوني فرنك بنقود ذلك الوقت. وأقام فيدير شهرين في تقرت والأوراس وجيجل لتصوير المناظر. وقيل إن الفيلم قد نجح نجاحا منقطع النظير حتى أن عرضه في باريس استمر سنة كاملة. ثم أخذ الفيلم يجول العالم، وقد عرض في أمريكا بعنوان (الأزواج الغائبون)(1). والظاهر أن الهدف من الانتاج السينمائي الفرنسي في الجزائر كان هو التركيز على الإثارة والغرابة لجلب المال والمتاجرة. وكان احتكار الإنتاج قد قطع الطريق عن الجزائريين الذين لهم ميول معادية للاستعمار.
وقد درس عبد الغني مغربي تاريخ السنما الفرنسية في الجزائر وخرج بنتائج مهمة. فلاحظ أولا أن الجماهير لم تكن قد تأثرت بالسينما، لأن معظم الدور المخصصة لها كانت في المدن الساحلية حيث الجالية الفرنسية. ولاحظ ثانيا أنه منذ 1895 أرسل لوميير مصوريه إلى الجزائر لالتقاط المناظر وتصوير أفلام قصيرة بلغت العشرة، ومنها أفلام: المؤذن، والحمار، والسوق العربية، وساحة الحكومة، وشارع باب عزون. وبعد سنة واحدة افتتح لوميير انتاجه وعروضه في الجزائر. وقد اهتم بعض الجزائريين بهذا الفن ولكن عددهم كان قليله. ومنهم الطاهر حناش الذي عمل في التصوير
(1) مارتن استيه لطفي M. A. Lautfi (شمال أفريقية في السينما الفرنسية 1895 - 1921) في (وقائع الاجتماع الرابع للجمعية الفرنسية للتاريخ الاستعماري) أبريل 1978، ص 132 - 137.
السينمائي وشارك في تمثيل بعض الأفلام. وعمل مصورا إلى جانب كبار المصورين السينمائيين الفرنسيين. واستطاع الطاهر حناش أن يخرج بنفسه فيلمين وثائقيين بعنوان (قسنطينة) و (غواصو الصحراء). كما لاحظ عبد الغني مغربي أن السينما الفرنسية كانت استعمارية في مواضيعها، وكانت مناظرها سياحية بالدرجة الأولى. وكان وجود الإنسان الجزائري فيها جزءا فقط من الديكور الاستعماري وجلب السخرية من الأهالي. وتدل أفلام المخرج وجورج ميليس على أنه كان يشوه وجه الجزائري بأفلامه، وتدل عناوينها على ذلك. ومنها (المسلم المضحك) و (علي يأكل الخبز بالزيت) و (علي بولحية)، الخ.
وقد لخص عبد الغني مغربي المواضيع التي دارت حولها السينما الاستعمارية فكانت هي:
1 -
السخرية من المستعمر (بالفتح) مثل الأفلام التي ذكرناها.
2 -
الاختلاط الجنسي، ومنها فيلما أرواح مسورة، وأوجه مبرقعة.
3 -
الغراميات المثيرة، ومنها الماسة الخضراء، وصراع بين رجلين، والرمال.
4 -
رسم المستعمر (بالكسر)، ومنها البلد، والأمير جان، والمغامر، وفي أفق الجنوب.
5 -
المرأة المستعمرة، ومنها في ظل الحريم، والشهوة، والمرأة والعندليب.
6 -
الصليب في خدمة المستعمر، ومنها نداء الصمت، والطريق المجهول.
7 -
السيف في خدمة المستعمر، ومنها الرقيب والمنبوذون، ووسام الشرف، وواحد من اللفيف.
8 -
المنحرفون الأوروبيون، ومنها الرمال المتحركة، وريح السموم. وكان من نتائج هذه السينما التأثير على بعض الفئات الاجتماعية، وربما شعر بعض المشردين سياسيا أن الصورة التي رسمها لهم المستعمرون