المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌آراء في الموسيقى التراثية - تاريخ الجزائر الثقافي - جـ ٥

[أبو القاسم سعد الله]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الخامس

- ‌الفصل الأولالمعالم الإسلامية والأوقاف

- ‌مقدمة

- ‌مساجد العاصمة

- ‌آراء وتعاليق حول مصير مساجد العاصمة

- ‌بعض المساجد في إقليم العاصمة

- ‌مساجد إقليم قسنطينة

- ‌مساجد إقليم وهران

- ‌الزوايا في إقليم الوسط

- ‌الأضرحة في إقليم الوسط

- ‌تعاليق حول الآثار الإسلامية

- ‌الزوايا والأضرحة في إقليمي قسنطينة ووهران

- ‌الأوقاف

- ‌القرارات وتنفيذها

- ‌نماذج من أموال الوقف والإحصاءات

- ‌المساعدات الخيرية

- ‌(المكتب الخيري الإسلامي)

- ‌جمعيات الإغاثة الاحتياطية

- ‌الفصل الثانيالمنشآت والمراكز الثقافية (1)

- ‌ الصحافة

- ‌صحيفة (المبشر) الرسمية

- ‌جريدة المنتخب

- ‌المجلات الفرنسية

- ‌نشأة الصحف الجزائرية

- ‌الصحف السياسية والإندماجية

- ‌الصحف منذ 1940

- ‌المجلات العربية

- ‌التقاويم

- ‌الإذاعة والسينما

- ‌المطابع

- ‌الجمعيات والنوادي الثقافية

- ‌الفصل الثالثالمنشآت والمراكز الثقافية (2)

- ‌المكتبات

- ‌نظرة على مصير المخطوطات والوثائق

- ‌المكتبة العمومية (الوطنية)

- ‌المكتبة الجامعية

- ‌المكتبات العسكرية والبلدية والمدرسية

- ‌مكتبات الزوايا

- ‌المكتبات الخاصة

- ‌النساخة والنساخون

- ‌المتاحف

- ‌المسرح

- ‌نوع الفودفيل

- ‌نوع الكوميديا

- ‌ نوع الميلودرامة

- ‌ نوع الدرامة

- ‌المسرح الجزائري

- ‌الموسيقى

- ‌موسيقى البادية

- ‌آراء في الموسيقى التراثية

- ‌الفصل الرابعالجزائر في المغارب والمشارق

- ‌الهجرة نحو المغارب والمشارق

- ‌إلى الحجاز:

- ‌إلى المغرب:

- ‌إلى تونس:

- ‌إلى ليبيا:

- ‌إلى مصر:

- ‌إلى اسطانبول:

- ‌الروابط الروحية - الصوفية

- ‌الجامعة الإسلامية

- ‌بعض أعيان الجزائر في المشرق والمغرب

- ‌عائلة الأمير في المشرقالإخوة والأبناء

- ‌أبناء الأمير عبد القادر

- ‌إخوة الأمير عبد القادر:

- ‌زوار من المشرق والمغرب

- ‌زيارة الشيخ محمد عبده

- ‌مراسلات وأحداث

- ‌جمعيات وجرائد

- ‌مشاركات ورواسب

- ‌المحتوى

الفصل: ‌آراء في الموسيقى التراثية

حركات الرجلين عندهن فيها رشاقة ملحوظة. والرقص النسوي غير خاص بالنائليات طبعا (1).

‌آراء في الموسيقى التراثية

أ - رأي محمد سفنجة ورواني: في 1905 قام السيد رواني بدراسة للموسيقى العربية في الجزائر واستعان في ذلك بالسيد محمد بن علي سفنجة رئيس الموسيقيين الجزائريين عندئذ (باش قياثري). وكانت الدراسة لاحقة لنشر إدمون يافيل تسجيلاته عن الموسيقى الجزائرية سنة 1901، كما ذكرنا. وقد شجع الحاكم العام شارل جونار، الاهتمام بهذه الموسيقى وارتبط ذلك التشجيع بعدة جوانب من الحياة الثقافية الأخرى. وقد لاحظ رواني أن هذا الاهتمام قد أدى إلى إنقاذ هذا الفن الموسيقي الذي يحتقره الفرنسيون ويقارنون بينه وبين الموسيقى الفرنسية ثم يخلصون إلى تخلفه وانحطاطه ويهملونه، وقد أصيب بعدة نكبات خصوصا منذ عهد الجمهورية الثالثة إذ شمل الإهمال والاحتقار كل حياة الجزائريين بما فيها الموسيقى الأهلية. ويذهب رواني إلى أن الموسيقى العربية ما تزال قائمة منذ عهد الخلفاء الراشدين. وزعم أن سجلات الموسيقيين كثيرة وجاء بشهادة (المعلم) سفنجة على وجود ألف نغم مما يعرفه هو وحده.

ونحن لم نتصل مباشرة بسجلات المعلم سفنجة ولذلك سنأخذ آراءه مما رواه هو لرواني. يقول سفنجة إن هناك أولاد النوبات المتألفة من مقدمة وافتتاح وإنشاد بطيء جدار ثم إنشاد أسرع منه، يأتي متتابعا بطريقة محددة، ومنتظمة. وكل الموسيقى تكتب على وتيرة واحدة. وتفسير ذلك أن الموسيقى تتألف من أجزاء متميزة ومحددة بدقة. فهناك المستكبر الصنعة وهو نوع من التمهيد يعدل العازف خلاله آلاته ويجربها. ثم هناك التوشية أو

(1) بودلي R.V.C. Bodley (الموسيقى العربية والرقص)، في (الجزائر من الداخل)، لندن 1927، ص 94 - 100.

ص: 448

الافتتاح الموسي، ثم المصدرات أو الكرسي، ثم يأتي البطاحي مسبوقا أيضا بالكرسي في حركة سريعة، ثم الدرج، ثم انصرافات، وهي سريعة، ثم يأتي المخلص وهو أسرع من السابق، وهكذا فإن كل نوبة تتألف من 20 إلى 25 نغمة منه.

والنوبات هي المفضلة دائما عند الموسيقيين. ويطلق عليها الموسيقيون المحترفون اسم (الموسيقى الغرناطية أو الأندلسية)، وتسمى أيضا الموسيقى القرطبية والإشبيلية، وهي تمثل الذكريات القديمة والمجيدة للعرب والمسلمين وروح حضارة ازدهرت وشعت على أوروبا وغيرها. إنها عند البعض هي الموسيقى الكلاسيكية، وهي موسيقى الصنعة Sana'a . والعرب، كما يقول رواني، يعتبرونها هي فن الأوبرا عند الأوروبيين. وتختلف النغمات في النوبات، حسب الوقت والمزاج، وبذلك يتشكل الصوت أو النغم. وكل حفلة موسيقية عربية تختلف نوباتها عادة بحسب الوقت. مثلا إذا وقعت الحفلة بعد الظهر فإن نوباتها تكون كما يلي:

من الساعة الواحدة إلى الثانية: نوبة سيكا

من الرابعة إلى السادسة: نوبة رمل

من السادسة إلى الثامنة: نوبة رمل مايه

من الثامنة إلى منتصف الليل: نوبة مجنبة وغريب تحسين

من الواحدة إلى الثانية صباحا: نوبة رصد ومسمون (مسموع؟)

من الثانية إلى الثالثة: نوبة عربي

من الثالثة إلى منتصف النهار: نوبة ماية، ذيل، رصد ذيل

ومن جهة أخرى، فإن هذه النوبات تتماشى مع الشعر الذي يغني أيضا من حيث المعاني، فمثلا نوبة مايه تتغنى بالشعر الغنائي الذي يمجد الطبيعة، وهكذا (1).

(1) رواني J. ROUANET (الموسيقى العربية) في (مجلة الجمعية الجغرافية للجزائر SGAAN 1905، ص 304 - 333 للمقال كله. انظر مثلا ص 8 32 - 329.

ص: 449

كما تحدث المعلم سفنجة لرواني عن النقلبات، تلك الأغاني الأقل كلاسيكية والتي يقدرها الناس كثيرا. وهي مسبوقة بمقدمات يظهر فيها المغني والمطرب العازف على الآلة قدرته وتحكمه في النغم. وقد حدثه أيضا عن الموسيقى المسماة (العربي) أي موسيقى المدن الكبيرة، وعن موسيقى الحوزي وهي موسيقى المدن الأقل أهمية. ثم حدثه عن القصائد وعن القدريات ثم عن الزنداني. والقدريات والزنداني يتضمنان أغاني شعبية مخصصة للنساء وليس هناك مطرب حسب رواني، يرغب في أداء هذين النوعين (القدريات والزنداني)، ولكنهما مع ذلك معروفان لكل الناس في الجزائر، ولهما قيمة كبيرة في التوثيق والتقاليد الشعبية. وكنموذج لهذه الأغاني العربية الشعبية فإن المسمعات كن ينشدن (يا مولات العين الكحلا)، وهي زنداني تونسي يقصد به كل امرأة لها عينان سوداوان جميلتان.

وإضافة إلى ذلك هناك الأغاني الدينية. وهي عادة تقوم على تمجيد القرآن الكريم وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم. وكذلك الختمات والأدعية والتوسلات، والإسراء والمعراج ونحو ذلك. فكل هذا كان يغني بالنوبة الغرناطية في الاحتفالات الدينية (1).

أما الآلات الموسيقية المستعملة إلى فاتح هذا القرن فيذكر منها المعلم سفنجة لرواني مجموعة بأسمائها. ومن بين هذه الآلات ساذج قديمة جدا ترجع، كما قال، إلى العصور الإسلامية الزاهرة، وقد حافظ عليها معلمون موسيقيون بارزون. وهذه هي أسهاؤها وبعض صفاتها:

1 -

الكويترة (القيثارة)؟ وهي بنت اللوث Luth القديم، فهي من الآثار الباقية.

2 -

العود الفارابي، أيضا من الآلات القديمة، ومنها الأثر الإغريقي.

3 -

الرباب الجزائري الذي يختلف عن الرباب الفارسي، وهذا هو

(1) نفس المصدر، ص 322 - 330.

ص: 450

الجد للرباب الجزائري، وله وتران بدائيان. وجسم الرباب من خشب الأرز.

4 -

الكمنجة، وهي آلة عصرية حلت محل الكمنجة العربية - الفارسية في الجزائر، منذ حوالي قرنين (حوالي ثلاثة قرون الآن). وهي تشبه الرباب. Violin

5 -

القانون، وهو آلة من الآثار العبرية والآشورية. وهناك أيضا آلة القانون المصري.

6 -

الطار، أو الطبل أو الدف، وهي آلات متشابهة ولكنها مختلفة في إيقاعاتها.

7 -

الدربوكة، ولها علاقة بالرقص، وهي ترجع إلى عهود مصر القديمة.

8 -

الجواق أو الناي Flute، وآلة القنبري أو القيتارة الصغيرة، ثم الغيطة المستوردة إلى الجزائر من بلاد الترك (1).

ويأتي بعد ذلك الحديث عن الغناء والمغنين والمغنيات. وقد كان المعلم سفنجة باشں قياثري في الجوقة (الفرقة) النسائية، وهو الذي استخرج أغنية كانت شهيرة عنوانها (القد الذي صباني)، من ديوان قديم، وهي من نوع السيكة. وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على الراية القديمة بين الأغنية العربية والأندلسية، ولذلك فإن ما بقي منها محفوظا كون مرجعا للمؤلفين يرجعون فيه إلى ماضي الموسيقى العربية المجيد، وهم لا يتأثرون بأي نوع من أنواع الموسيقى بل يستعيرون من تراثهم المذكور، وهكذا كان يفعل الأهالي، كما يقول رواني الذي لاحظ أن السيكة قد طرأ عليها تغيير منذ حوالي ثلاثين سنة (أي منذ حوالي 1875)، وذلك بإدخال النغمة الطويلة عليها. ولعله روى ذلك عن سفنجة أيضا. كما ذكر أن ميزان القصيدة في تلمسان هو: 3 أوقات، يتلوها 3 أوقات، ثم وقتان.

(1) رواني (الموسيقى العربية)، مرجع سابق، ص 331.

ص: 451

وأورد رواني قائمة من أسماء المغنين عندئذ، وكان أغلبهم من المسلمين، ولكن كان من بينهم أسماء أجنبية يبدو أن أصحابها من يهود الجزائر (1). ويقول رواني إن هؤلاء المغنين كانوا يعتبرون آخر الممثلين للموسيقى العربية في الجزائر، وإنهم ورثة هذا الفن عن معلميهم الذين عاصروا الاحتلال الفرنسي. ولم يذكر لنا رواني ذلك الفنان المجهول الذي قضى ستين سنة من عمره يئن على آلة القيثارة ويطرب جمهوره الحزين في أحدى المقاهي بالقصبة. ولعله هو المسمى الحاج إبراهيم. وقد كان للحاج إبراهيم ابن يدعى الوليد، وكان أيضا من المغنين. ثم أورد أسماء أخرى مثل ابن سلام، ومنامش، وابن القبطان. وكان ابن القبطان من عائلة معروفة تعلم القرآن الكريم للأطفال (2). وكثيرا ما كانت الصلة وطيدة بين تجويد القرآن والغناء. واعتبر رواني محمد بن علي سفنجة أشهر المغنين الكلاسيكيين (الأندلسيين) في الجزائر عند كتابة مقاله، ثم ذكر موزينو وتواس الضارب على آلتي الرباب والكمنجة. وكان تواس مغنيا أيضا وسجل صوته على آلة الفونوغراف. ثم لاهو سرور، وهو مغني ولاعب على الكويترة أيضا. أما العازف على القانون فكان قدور بن وليد الطيب الذي يعد من الأفذاذ في هذا الفن في وقته، ثم محمد بن علي الشريف الضارب على الطار. ومنهم أيضا، علي ماضي (مهدي؟).

وهناك فريق من المغنيات أيضا، ويعرفن بالمسمعات، وكانت العائلات تبحث عنهن لإحياء الحفلات خلال المناسبات الاجتماعية كالزواج والختان وعودة الحجيج. ومنهن: يمينة بنت الحاج أحمد مهدي. وقد اعتبرها رواني أولى المغنيات والضاربات على الآلة. ثم فاطمة بنت محمد التي كانت تعزف أصعب الأنغام على الدربوكة. وهناك أختان مغنيتان، وهما زهور وتماني بنتا حامد، وكلتاهما كانت تضرب على الطار.

(1) أخذ يهود الجزائر الجنسية الفرنسية منذ أكتوبر 1870. وسبقت الإشارة إلى المغني يوسف عيني، وهو من اليهود.

(2)

عن ذلك انظر فصل التعليم المزدوج.

ص: 452

ولكن رواني أنذر بأن هؤلاء المشاهير في الطرب والموسيقى ليس لهم تلاميذ يأخذون عنهم، وأن مصير الموسيقى العربية بعدهم يتهدده الإندماج في موسيقى الغير والإنقراض تحت شعار التقدم. وإذا كان لهم هم سند أخذوا عنه قواعد الموسيقى والغناء فليس لهؤلاء سند يستمر في غيرهم. ودق ناقوس الخطر قاتلا إن الموسيقى الأندلسية (الغرناطية) ستختفي مع هؤلاء، وستنسى بعدهم الغراميات الكلاسيكية الجميلة. وقال إن هناك بعض النساء وبعض الهواة ولكنهم ليسوا من الدرجة التي تحافظ على هذا التراث الرائع. فهذه نكبة، على حد تعبيره، وقد تفطن لها الحاكم شارل جونار (1). ولكنه لم يذكر لنا ماذا فعل لتفادي وقوع النكبة، ولعل إنشاء جمعية (المطربية) وظهور رشيد القسنطيني وعلالو بعد الحرب العالمية الأولى يأتي في هذا السياق. إن رواني قد نظر إلى الموسيقى العربية عندئذ نظرة تراثية. وقد نبه جمهوره إلى ذلك. فقال إنها موسيقى غير متطورة أو تعبر عن فن متطور في حد ذاته ويتماشى مع العصر، فهي فقط عمل أثري مهم (وإنتاج شعب يعيش في البداوة)، فهي في نظره ظاهرة تاريخية ويجب أن ينظر إليها هكذا (2).

ب - رأي بارتوك: وها هو المستشرق المجري بارتوك يدرس أنواعا أخرى من النغمات الموسيقية. ويركز على إنتاج الآلات الصحراوية، أو إذا شئت الموسيقى البدوية. فقد حل بالجزائر سنة 1913 وذهب إلى منطقة بسكرة فدرس فيها نماذج من الموسيقى الأوراسية والميزابية والورقلية والزنجية وغيرها. وقسم أنواع النغم إلى ثلاثة، وهي الغناء أو الأشعار الغنائية الغزلية، والقصيدة المختصة عادة بمدح المرابطين والتوسل بهم، وإذا شئت الأغاني الدينية. أما الثالث فهو الغناء المرافق للرقص بالآلات. وهذه الآلات فيها ما عرفناه في المدن، وفيها ما ليس في المدن. فهناك الآلات التي تنفخ مثل الجواق والقصبة والغيطة، ثم الآلات الوترية Cordes، مثل

(1) رواني، مرجع سابق، ص 327.

(2)

نفس المصدر، ص 332.

ص: 453

القنبري، وهناك آلات النقر مثل الدربوكة والدف (البندير) والطبل.

وصف بارتوك أيضا أنواع الغناء والموسيقى، فوجد فروقا بين الغناء الجريدي (تونس) ويسميه غناء النظام الذي يسميه العامة (اللظام)، والغناء الغزلي وغناء (الدرز)، وهو أيضا من أغاني الحب المكشوف (1). ولاحظ وجود المدائح التي قيلت في رجال التصوف ومنهم شيخ الزاوية التجانية في تماسين وشيخ زاوية طولقة، وكذلك الرقص الصوفي عند الحضرة والزردات وغيرها، ومنها المدائح التي قيلت في الشيخ مصطفى بن عزوز البرجي (نفطة). كما تحدث بارتوك عن أنواع الرقص والغناء عند شاوية الأوراس، وموسيقى الأعراس، ورقص هز البطن، ونوبة سيدي عبد القادر (القادرية) في بسكرة، وكذلك الرقص الشائع في ورقلة وفي تقرت، والرقص عند الزنوج، وعند بني ميزاب، ورقصات الفروسية، ومنه أيضا الرقص القبائلي في بعض النواحي، وأخيرا تحدث عن النوبة التركية (2). وقد وصل عدد النغمات عند بارتوك إلى 65 نغمة.

ج - رأي داروي: وهناك دراسة للموسيقى العربية في الجزائر قام بها السيد لوسيان جان داروي سنة 1931، وهي جزء من دراسة شاملة عن الموسيقى الإسلامية في شمال أفريقية عندئذ. وتعتبر هذه الدراسة في الواقع تكملة ومواصلة لما قام به رواني في بداية القرن. وقد لخص السيد داروي ما وصلت إليه الموسيقى الجزائرية على يد الجيل الجديد الذي حذر السيد رواني

(1) ذكر بارتوك (الدرز) وهو غناء معروف في المنطقة، ولكن المترجم الفرنسي باربيس خطأه وقال إنه (الدرج) المعروف في الموسيقى الأندلسية. والغالب على الظن أن باروك غير مخطئ لأنه ذهب إلى المنطقة وحدثه الناس عن (الدرز) وليس الدرج. وكلمة (الدرز) هي الشائعة في وادي سوف أيضا.

(2)

بيلا بارتوك (الموسيقى العربية في بسكرة ونواحيها) في (حوليات معهد الدراسات الشرقية)، الجزائر، سنة 1960 - 1961، ص 301 - 336. ترجمة ليو - لويس باربيس. وعبارة المدائح المتعلقة بالشيخ محمد العيد التماسيني وعلي بن عمر الطولقي يهم منها أيضا أنها أذكار وأدعية لهما أو مدائح وتوسلات بهما. فالعبارة غامضة. عن الرجلين (محمد العيد وعلي بن عمر)، انظر فصلي التصوف.

ص: 454

من أنه جيل غير متعلم على أساتذة وليس له سند قديم، بل كاد يقول إن الموسيقى الجزائرية ستضيع على يد هذا الجيل الجديد. ومع ذلك فإن ما ذكره أحمد توفيق المدني (أيضا سنة 1931)(1) وما ذكره السيد داروي يدل على أن جيلا جديدا ظهر بعد ربع قرن وحافظ على الموسيقى العربية وواصل مسيرتها وأدخل عليها بعض التجديد. كما واصلت مراكز الموسيقى في العاصمة وتلمسان وقسنطينة رسالتها في عدة فرق وجمعيات موسيقية وفنية، واستمر أهل البادية والأرياف في استعمال آلاتهم وأصواتهم في المناسبات العديدة. ويلخص السيد داروي رأيه في أن انتشار التعليم قد ساعد على الاهتمام بالفن والموسيقى والشعر، وهو رأي فيه كثير من الصواب. كما أنه أبدى نفس التخوف الذي أبداه زميله رواني، وهو تعرض الموسيقى إلى التبسيط والتأثر بالموسيقى الأوروبية وعزفها من قبل أناس غير مؤهلين، بل إنه قال إن التقنيات الموسيقية قد أخذت في التراجع منذ نصف قرن.

بدأ السيد داروي دراسته بالتأكيد على أن للجزائر موسيقاها الخاصة، وأن عربها ما يزالون يحتفظون بها ويشجعون عليها باستمرار. وكان معهد الموسيقى (كونسرفتوار) يحتفظ بقسم خاص للموسيقى العربية يشرف عليه السيد ادمون يافيل. وبعد وفاته تولاه السيد محيي الدين باش تارزي. وكان يافيل محبا للموسيقى العربية، وقد عمل على نشرها والمحافظة عليها وأنشأ من أجلها فرقة (المطربية)، كما ذكرنا.

وهذه الموسيقى في نظر داروي، أنواع منها الديني والاجتماعي. فهي موجودة في صوت الأذان وفي المدائح النبوية والقصائد الصوفية. ولكن الحياة الدينية في نظر السيد داروي، خالية من البذخ والصخب. ولا تنشد الأناشيد الدينية سوى لتمجيد الدين وفي الأماكن الطاهرة. ويقول السيد داروي إن محيي الدين باش تارزي قد استعمل صوت الأذان بدون العبارات المعتادة حتى يحافظ على حرمة الطقوس الدينية. أما الموسيقى الاجتماعية

(1) سنعرض لرأيه في الموسيقى في جزء آخر.

ص: 455

فهي موجودة في حفلات الزواج ومواكب الأعراس في الشوارع حيث الغيطة الصاخبة ودقات الطبول، ورغم تجدد عادات الزواج فإن المواكب الاحتفالية والموسيقى بقيت محافظة على التقاليد القديمة.

وتتمتع العاصمة بمجموعة موسيقية غنية ومسجلة بالنوطة. وأشهر أنواعها هي النوبة الغرناطية. وهي، كما سبقت الإشارة (1)، نغمات موسيقية متواصلة سواء كانت صوتية (فوكال) أو آلية، أو كانت صوتية وآلية معا. وتكون متماشية ومنسجمة مع نغمة واحدة ولكن بإيقاعات ورموز مختلفة. فهي من هذه الناحية، حسب رأي داروي، تشبه الموسيقى الفرنسية المسماة (السويت) الكلاسيكية.

وهناك القصيدة التي هي شكوى ذات طابع ديني تقريبا. وهي شعر فصيح أو ملحون (زجل). والقصيدة مستمدة من البعد والفضاء الذي يستعمله المداح أو القوال، وهو شخص مغامر كان يتجول من مكان إلى آخر عبر البلاد. فالقصيدة إذن من إنشاداته (2).

وبالإضافة إلى القصيدة ذات الطابع الديني، نجد الزنداني. وهو إيقاع مستمد من حادثة صغيرة أو من لقطة سريعة تعبيرا عن الأنماط الاجتماعية في الحياة الشعبية. فهو في نظر الكاتب، يمثل موسيقى ماسحي الأحذية والخدم والحمالين ونحوهم.

وللإحتفالات مناسبات عامة وخاصة تكون فيها الموسيقى جولات. ففرسان القبيلة تسبقهم دائما الفرق الموسيقية بالغيظة والبندير مع إنشاد القصائد، تعبيرا عن الفرح والفخر. كما أن الضيفة الكبيرة التي تقام للشخصيات القيادية ترافقها أيضا الموسيقى أو المداح الذي ينشد القصائد،

(1) انظر تعريف النوبة في رأي دانيال سالفادور، سابقا.

(2)

الواقع أن المداح لم يكن يستعمل القصيدة الدينية فقط، بل كان يستعمل بالخصوص القصيدة - القصة المستمدة من السيرة ومن بطولات الأمجاد الإسلامية. وكان يمجد الماضي ويبكي الحاضر لاستنهاض الهمم، ولذلك منعه الفرنسيون بعد أن تفطنوا لخطورته. غير أن الفرنسيين كانوا يعتبرون ذلك الاتجاه في الغناء دينيا.

ص: 456

ولا تغيب الغيطة عن مثل هذا الحدث أيضا حيث تنشد القصائد أو الزنداني.

واستعمال الآلات يختلف من مناسبة إلى أخرى. ففي الاحتفالات العامة لا تناسب إلا الآلات الهوائية أو النافخة كالغيطة والجواق (الناي) وآلات النقر بكل أنواعها مثل الطبل والدف والطار والقلال والبندير الخ. أما الآلات الوترية فتناسب المنازل والمقاهي والجلسات الخاصة حيث يجلس الناس المهذبون، وهي تتناسب مع المجموعات الصوتية أو موسيقى الجوق. وكانت الآلات الوترية شائعة فيما يسمى بموسيقى الحضر التي كانت تعزف بالخصوص في المقهى - الجوقة. ولكن الناس المحترمين لم يكونوا يجلسون في هذه المقاهي لأن المغنيات فيها كن عادة من البغايا، وقد تحدث فيها الفضائح والضجيج والعراك. وبعد عقود من الاحتلال قيل إن السلطات الفرنسية منعت المقهى/ الجوقة الذي تحدث عنه بولسكي وغيره، ولكن بقي المقهى في ذاته حيث استمر الغناء. ويقول السيد داروي إن موسيقى المقاهي الحضرية كانت في عمومها جميلة جدا، والجمهور يستمع إليها في شوق وصمت، وكان يتمتع بها في عمق وتأمل.

أما الموسيقى العائلية فقال عنها إنها في حاجة إلى تجديد كبير. ويقصد بالموسيقى العائلية تلك المتصلة بالولادة وبالختان، والزواج، وأخذ البرنوس، وحناء العروس، قبل أخذها إلى بيت زوجها. ولم يقل داروي لماذا تحتاج هذه الموسيقى بالذات إلى التجديد، وهي كما قلنا محافظة على التقاليد. ألا يخرجها هذا التجديد عن أصالتها؟.

أما عن الآلات الأخرى غير الهوائية والوترية المذكورة، فقد ذكر السيد داروي آلة الكويترة التي كان العازف عليها يستعمل ريشة النسر. وهي نوع من القيثارة ذات الأوتار الثمانية. وقد عرفنا أنها كانت شائعة في تلمسان. وهناك آلات أخرى كان يستعملها العازفون أيضا، وهي الكمنجة والرباب ذو الوترين.

وإذا خرجنا من العاصمة فإننا نجد تلمسان التي تعد مركزا هاما للموسيقى العربية المسماة بالأندلسية. ولكن السيد داروي يذهب إلى أن

ص: 457

الشائع فيها هو موسيقى (الصنعة) التي يذهب آخرون إلى أنها من أنماط موسيقى العاصمة (1). ومهما كان الأمر فإن الأغاني المسماة بالصنعة ذات اتصال وثيق بموسيقى غرناطة وقرطبة، وهي ذات تأثير كبير. إن تلمسان التي كانت عاصمة ثقافية عربية منذ قرون قد حافظت على الفن الأندلسي ولها استعداد خاص لتذوقه وإنتاجه. وقد ازدهر فيها الشعر والغناء أيضا. وكانت مؤهلة ربما أكثر من غيرها لتمثيل هذا اللون من الموسيقى العربية.

وفي المناطق الجبلية مثل زواوة لون آخر من الموسيقى يتناسب مع عزلتها وجفاء الحياة فيها وبساطتها، شأن سكان الجبال والمناطق المعزولة في كل مكان. والموسيقى في هذه المناطق كانت غير مصقولة وأهلها يجهلون الآلة الوترية التي لا يستعملها إلا أهل المدن. ويستعمل الزواويون الغيطة والبندير والجواق الخشن. وذكر السيد داروي أن النساء هناك قد احتفظن بالموسيقى والأنغام وهن يعملن في الحقول. وكذلك الراعي وهو مستند على جذع شجرة وأمامه شويهاته، وهو يمسك بالجواق ليعبر به عن حبه وخيالاته وأحزانه. كل ذلك كان من صنع يده فهو الذي أحضر القصب وبرى الجواق وصقله ليكون صالحا للتنغيم.

ولم يتوسع داروي في بقية المدن والمناطق ليصف ما بينها من اتفاق واختلاف في الموسيقى (2). كما ألف الفنان ريمون ليريس مجموعة خاصة بالموسيقى العربية التقليدية وأغانيها في قسنطينة، ودرس التأثيرات التي طرأت عليها، واهتم بدراسة موسيقى الأوراس ميدانيا، ونجد الاهتمام بالموسيقى العربية أيضا عند فرنسيين آخرين أمثال ديرمنغام وسان سانس. SAENS (3)

(1) يرى السيد محمود قطاط أن الموسيقى الشائعة في تلمسان هي الغرناطية. انظر لاحقا.

(2)

لوسيان جان داروي L.J. DARROUY (الموسيقى الإسلامية في شمال افرفية) في (مجلة الجمعية الجغرافية) l 931 SGAAN، ص 34 - 50.

(3)

قوانار، (الجزائر)، ص 280 - 281. لم نطلع حتى الآن عن دراسة ديمنغام ولا =

ص: 458

د - رأي قطاط: أما الذي تناول الموسيقى بتوسع وعمق فهو السيد محمود قطاط. ورغم أن دراسته تعتبر متأخرة عن الفترة التي نعالجها فإن وصف تطور الموسيقى واستعمالاتها وألوانها لم يتغير كثيرا. وكان السيد قطاط قد درس الموسيقى الجزائرية في عدة مناسبات وأجرى حولها بحوثا ميدانية والتقى بشخصياتها الباقية سنة 1973، ثم سنة 1978، وقد نشر بحثا عنها سنة 1984، وهو الذي رجعنا إليه في المعلومات التالية (1). ونحن نعتبره من البحوث الجامعة والعميقة التي ربما لم يسبق بها. وقد استفاد قطاط من تجارب من سبقه، ومن الأحاديث التي أجراها مع الرعيل الباقي من الموسيقيين الذين تغلب عليهم الذاكرة والممارسة أكثر من التسجيل والكتابة.

ومنذ البداية عرف السيد قطاط الموسيقى الجزائرية بأنها من أسرة الموسيقى الواحدة في المغرب العربي، وأن هذه الموسيقى معتمدة على المقامات أو الطبوع ذات التوصيل الشفوي والتي تتبع النظام السباعي أو الخماسي أو المزج بينها. ونخرج من دراسته بأن هناك عدة أنواع من الموسيقى وليس نوعا واحدا، وهي الكلاسيكية (الأندلسية)، والشعبية والبربرية. وقد فصل في بعض الأنواع وأوجز في بعضها، وجاء بنماذج من النوبات الأندلسية ومراكز الموسيقى الشعبية، ولكنه اختصر الحديث عن الموسيقى البربرية والبدوية.

1 -

بالنسبة للموسيقى الأندلسية التي يسميها الكلاسيكية، فهي موسيقى حضرية تمثل ما توصل إليه المجتمع المدني - العمراني، حسب لغة ابن خلدون، من رقي في الذوق الفني الموسيقى. وبذلك فهي غير مختصة بالجزائر أو تونس أو المغرب أو ليبيا، بل هي تراث حضاري مشترك يتميز

= سان سانس، وكان الأول من رجال الدين الفرنسيين، واهتم بدراسة الإسلام الحديث.

(1)

محمود قطاط (التراث الموسيقي الجزائري) في مجلة (الحياة الثقافية)، تونس، عدد 32، 1984، ص 141 - 167.

ص: 459

برصيد النوبات. وقد عزف قطاط النوبة بأنها حصة أو تأليف موسيقى متكامل يأتي من مجموعة من القوالب الصوتية والآلية التي تعتمد في اللحن على وحدة الطبع أو المقام. فنوبة الماية مثلا تعني النوبة الملحنة في طبع الماية. ولكي تتم النوبة فإنها ترتبط بإيقاعات وحركات تتعاقب حسب قواعد محكمة (1).

وهذا الرصيد الموسيقي تختلف تسميته من بلد إلى آخر، بل ومن مدينة إلى أخرى. ويرى السيد قطاط أن تسميته بالأندلسي تسمية خاطئة. لأن أهل قسنطينة وتونس وليبيا يسمونه المألوف، وفي الجزائر العاصمة وما جاورها يسمونه الصنعة، وفي منطقة تلمسان يسمونه الغرناطي. أما في المغرب الأقصى فيسمونه الآلة أو الطرب. وأصل كل ذلك هو الموسيقى الحضرية القديمة - الكلاسيكية -. وقد انتشرت عبارة (الأندلسي) في العهد الاستعماري فقط، وربما بدأت مع تسجيلات إدمون يافيل سنة 1901 (2). ثم شاعت العبارة (الأندلسية) في الجزائر وفي المغرب العربي عموما. وقد لخص السيد قطاط الجولة التاريخية للفن الموسيقي العربي منذ تأسيس تلمسان سنة 59 هـ وازدهارها على يد أبي حمو الثاني وصلتها بالغرب الأقصى وتطور الحياة الحضارية في تيهرت والقلعة وبجاية وقسنطينة والصلة الفنية بتونس. ثم تمركز الإنتاج الفني والفنانين في الجزائر العاصمة منذ القرن 16. وقد أصبح تراث العاصمة من الموسيقى إذن مزيجا من تجارب المدن الأخرى. ولكن مع ذلك احتفظت تلمسان بأصالتها كما احتفظت قسنطينة بطابعها الذي أضيف إليه التأثير البدوي في المالوف (النوبات)(3).

2 -

الموسيقى الشعبية: وقد قسمها السيد قطاط إلى ثلاثة أقسام، حسب المنتجين لها ودرجة التطور في المدن والأرياف والبوادي. وقد اختار أن يجعل الموسيقى البربرية قسما ثانيا، وهي في نظرنا داخلة في القسمين

(1) انظر تعريف سالفادور وداروي للنوبة، سابقا.

(2)

رأينا أن السيد رواني أيضا قد نبه إلى أن استعمال كلمة (الأندلسية) للموسيقى العربية القديمة هو استعمال متأخر.

(3)

سنتحدث عن النوبات، كما توصل إليها قطاط، بعد قليل.

ص: 460

الموسيقى الشعبية الحضرية: وهذه تولدت من تمازج الموسيقى العربية القديمة والموسيقى الشعبية وهي بربرية وبدوية عربية. وقد تركزت الموسيقى الحضرية في المدن الرئيسية: العاصمة وقسظينة وتلمسان. فأما في العاصمة فمنها نوع العربي/ العروبي. وهو غالبا أداء يقوم به الرجال، ويتألف من بيت شعر له غصنان أو ثلاثة أغصان وينتهي بإنشاد منفرد وإيقاع حر. ثم نوع القادرية، وهي صنعة غناء تؤديه النساء المسمعات أو المحترفات للغناء (المسامع). ثم قادرية زنداني، وهو نوع من الغناء الأكثر إغراقا في الشعبية، وتتألف أغانيه من كلمات بسيطة ومؤثرة. وهناك نوع رابع من الغناء وهو الشعبي المولد حديثا وهو مزج من الآلات القديمة والحديثة المستعملة في أمريكا اللاتينية. وكلماته حرة وساذجة ولحنه سهل. وهذا النوع من الشعبي متأثر بتداخل التأثير الأجنبي مع القوالب المحلية. وقد حدث ذلك رغم تحذير رواني سنة 1905 وداروي سنة 1931 من أن الموسيقى العربية سيعتريها المسخ والتغير إذا لم يتداركها أهلها.

وفي قسنطينة بقي الزنداني، وهو نوع من المألوف المتأثر بالحياة الشعبية، كما قلنا، وتأثيرات أخرى مختلفة يعرفها أصحاب هذا الفن. وألحان الزنداني مرقصة، وكانت تستعمل في الحفلات النسائية. وهناك نوع آخر من الموسيقى الشعبية يسمى المهزوز، وهو يستعمل مع الزنداني أيضا في كامل منطقة قسنطينة، كما يستعمل فيها العروبي أيضا. والمهزوز يعتبر شديد الإيقاع لأنه عاطفي، وأساسه هو الموسيقى العربية القديمة (الكلاسيكية) ولكنه تأثر بالأنواع الشعبية.

أما في تلمسان فهناك الغناء المعروف بالحوزي، وهو مثل العربي/ العروبي الشائع في العاصمة. ويعتبر فرعا عن الأندلسية/ الكلاسيكية أيضا مع التبسيط في اللغة. وكان يستعمل القصيدة الغنائية الملحونة ذات القافية

ص: 461

الواحدة، وموضوعاته غرامية وغيرها. وقد ذكرنا أن (القصيدة) كانت من إنشاء المداحين المتجولين في الماضي ولها، كما يقول قطاط، أغصان تفصل بينها لوازم تنشدها المجموعة الصوتية. وهناك (الأغنية) التي تتناول موضوعات هجائية أو فكاهية باللهجة العامية. بالإضافة إلى (البواقل) التي كانت ترتجلها الفتيات في الماضي، وهي أكثر حيوية من غناء الحوزي.

3 -

الموسيقى البربرية: وقد درس منها السيد قطاط موسيقى وغناء زواوة (القبائل). ولاحظ عليها، كما لاحظ داروي، سمة الحزن والكآبة، ومع ذلك فلها مناسبات تكون فيها موسيقى مفرحة، كالأغاني الجماعية. وفي زواوة كل أنواع الأغاني المعبرة عن الحياة الاجتماعية والدينية، والفرح والحزن، والعمل، وكانت مرفوقة بالرقص الفردي أو الجماعي، والنسوي أو الرجالي. مثلا (اصبغرر) كان نوعا من الغناء يؤدى في الأعراس، و (امتداح) كان من الغناء الملحمي ينشده الشاعر بالبندير ويقدمه في شكل مواعظ، ثم (آشويق) الذي يشبه الآي آي البدوي والاستخبار العربي القديم (الكلاسيكي) والفلامنكو الإسباني. فهو غناء العزلة والتأمل والحزن. ومن ذلك (أحيحة) ويمثل أغاني العمل والنشاط في الحقول وطحن الحبوب، وتنشده النساء بالنقر على بعض الآلات مع الزغاريد والتصفيق، وهو من الموسيقى المرحة، وعد السيد قطاط أيضا نوعين آخرين هما (زاورار) وهو إنشاد يؤدى في الهواء الطلق عند جني الزيتون، و (آرني) الخاص بالألحان الراقصة وينشده شعراء قصائد الفرح والحزن.

ولم يذكر السيد قطاط ما إذا كان هذا الغناء الزواوي يتميز عن أغاني البربر في المناطق الأخرى، أو هو مشترك بينها. ونكاد نفهم أنه يقصد أنه خاص بزواوة لأنه ذكر بمد ذلك استطرادا لا تفصيلا، غناء الأوراس وميزاب ووهران وبعض المناطق الصحراوية، وضرب على ذلك مثلا بغناء (الإهليل) و (تقربت)، و (أقال). ذلك أن عبارة (الموسيقى البربرية) أوسع من الموسيقى الزواوية.

ص: 462

4 -

الموسيقى البدوية: ولم يفصل السيد قطاط القول في هذا النوع من الموسيقى رغم أهميته، ولم يذكر منه سوى نوع الآي آي، والقوال؛ كما أنه لم يتوسع في الحديث عن نوعين آخرين من الموسيقى، وهما: 5 - الموسيقى الدينية، 6 - الموسيقى العصرية.

ويبدو أن السيد قطاط اكتفى بدراسة الموسيقى الأندلسية/ الكلاسيكية وهي التي سماها الدارسون الفرنسيون الموسيقى العربية أو الموسيقى الإسلامية. ولا ندري لماذا رفض السيد قطاط تسمية هذه الموسيقى بالأندلسية وفضل عليها تعبير الموسيقى الكلاسيكية، بينما هذه كلمة أجنبية ولها مدلولها الخاص عند أهلها. والأجانب أنفسهم استعملوا الموسيقى العربية/ الإسلامية، وهو استعمال حضاري صحيح، وكذلك الأندلسية، رغم حدودها الجغرافية الضيقة، ولعل استعمال عبارة الموسيقى العربية أو التراثية سيحل الإشكال.

وسنتناول الآن دراسة قطاط لأنواع النوبة، وهي اثنتا عشرة كنا ذكرناها في موضع آخر (1)، وهي، حسب السيد قطاط: - الذيل، والمجنبة، والرمل، ورمل الماية، والغريب، والزيدان، والسيكة، والرصد، والمزموم، ورصد الذيل، والماية. ويضاف إليها المقطوعات المنفردة المسماة: الاستخبارات، والبشارف، والتوشية، والمصدرات. وكذلك يضاف إليها الانصرافات في أنواع الموال وغريبة الحسين، والجيركة، والعراق.

وفي قسنطينة رصيد من النوبات في عدد من البراول في إيقاعات الحسين والزيدان والسيكة، ويضاف إلى هذا الرصيد عدد من النقلابات (وهو أيضا نوع من النوبات) ضمن الطبوع الآتية: الموال والعراق والزيدان والسيكة والجيركة والمزموم ورمل الماية. وقد اعتبرها قطاط من النوبات الحديثة.

وللنوبة فى الجزائر أجزاء عديدة، منها:

(1) انظر رأي دنيال سالفادور، سابقا.

ص: 463

1 -

الدائرة ويعرفها السيد قطاط بأنها افتتاحية صوتية حرة الإيقاع تؤديها مجموعة لتدريب الصوت على الأداء الجيد بترديد ياللن

لن

كان.

2 -

استخبار الصنعة في العاصمة أو المسالية في تلمسان، وكلاهما يعني افتتاحا آليا بإيقاع حر أيضا. وخلاله يتمكن العازف من التحكم في آلته والنفوذ إلى مشاعر المستمع لأخذه معه بالنوبة.

3 -

التوشية وهي فاصل موسيقي آلي يتألف من مقاطع مستخرجة من أجزاء النوبة، يضبطها إيقاع البشراف أو القصيد وتبدأ بسرعة متوسطة ثم تسير بتسارع، وتنتهي ببطء شديد.

4 -

المصدرات وهي مقدمة آلية قصيرة ذات إيقاع خفيف (وتسمى الكرسي)، يقوم بها صاحب صوت قوي بكل وقار وهيبة.

5 -

البطاحيات، وهي المجموعة الغنائية الثانية في حركة أقل وقارا، وتأتي بعد الكرسي أو المقدمة.

6 -

الأدراج، وهي المجموعة الغنائية الثالثة، وتؤدي أيضا بعد الكرسي، وحركتها أسرع قليلا مما سبقها.

7 -

توشية الإنصراف وهي فاصل موسيقى آلي يأتي في وسط النوبة.

8 -

الإنصرافات وهي المجموعة الغنائية الرابعة أو هي الأولى بالنسبة للقسم الثاني من النوبة، وتأتي بعد الكرسي، كما تقدم، وحركتها خفيفة وسريعة، وتضبط على إيقاع التوشية.

9 -

المخلص، وهو آخر قطعة في مجموعة الإنصرافات وهو يؤدى دون الكرسي، وإيقاعه ثلاثي، وتكون حركته شديدة السرعة ثم تتباطأ بالتدرج.

10 -

توشية الكمال وهي قطعة آلية تختم بها النوبة. ويقول السيد قطاط إن هذه التوشية لم تبق إلا في تلمسان، وتسمى هناك بنوبة الحسين. وأجزاء نوبة النقلابات (ج. نقلاب) تتألف، حسب السيد قطاط، من:

ص: 464

الشنبر أو البشراف وهو استفتاح آلي، والاستخبار أو المستخبر وهو استفتاح صوتي. والكرسي أو الميزان وهو مقدمة آلية قصيرة. ثم النقلابات وهي أغنية واحدة أو مجموعة من الأغاني.

ومن خصائص النوبة في الجزائر استعمال الشعر الفصيح الموشح والشعر الملحون أو الزجل. ولكل شعر مطالع وأغصان ولوازم، الخ. كما تتميز النوبة بالغناء المنفرد، وتغيير سرعة الحركة الإيقاعية إذ تتسارع بالتدرج، والاستهلال بمقدمة آلية أو كرسي قبل كل مجموعة غنائية. وكانت الجوقة (الفرقة) قديما، تتألف من سبعة أشخاص يتوزعون الآلات من اليمين إلى اليسار، على أن شيخ الجوقة هو الذي يقوم بالإنشاد ويعزف على الرباب.

والآلات التي ذكرها السيد قطاط أشرنا إليها في مناسبات أخرى، ولكننا نذكر هنا بعضها أيضا لوجود أسماء أجنبية تقابلها، سيما بعد أن لاحظنا تطور الموسيقى ودخول التأثير الأجنبي عليها. فهذه الآلات هي: العود العربي الشائع في قسنطينة، والكويترة المستعملة في العاصمة وتلمسان، والكمنجة الكبيرة أو (آلتو)، والقانون، والفحل (الجواق) عند البعض، ثم السنيترة (المندلين)، والماندول، والبانجو، والبيانو. ولاحظ السيد قطاط أن بعض الآلات الكهربائية قد دخلت في الاستعمال أيضا. وفي رأيه أن هذا سيحدث ضررا. بالموسيقى العربية (1). فكان خوفه على الموسيقى كخوف رواني وغيره من عواقب التأثير الأجنبي على الموسيقى التقليدية: الأندلسية أو التراثية.

يمكننا القول إن الموسيقى العربية الجزائرية قد عانت من الإهمال والاحتقار والتعالي، كغيرها من الفنون وعناصر التراث الأخرى طيلة سبعين

(1) اعتمدنا، كما ذكرنا، في المصطلحات الموسيقية والتصنيفات على بحث السيد محمود قطاط، مرجع سابق. وكذلك على بحث السيد نجيب ماضي (الموسيقى العربية) في مجلة (المقتطف)، فبراير 1895، ص 115 - 122.

ص: 465

سنة تقريبا (1). وفي أوائل هذا القرن وقع الإلتفات إلى الجزائر الفولكلورية بتشجيع من شارل جونار الذي حكم الجزائر أكثر من عشر سنوات. وساهم إدمون يافيل بتسجيل هذه الموسيقى وإنشاء فرقة (جوق) لإنشادها والمحافظة عليها. وساعده على ذلك مجموعة من الفنانين الجزائريين المهمشين وعلى رأسهم محمد بن علي سفنجة. وبعد الحرب الأولى انطلقت التجارب والأنشطة على يد جيل جديد كان يساير حركة النهضة السياسية والثقافية. فكان رشيد القسنطيني الذي استعمل الغناء والمونولوج الساخر للطعن في البدع والخرافات والدعوة إلى اليقظة. واستعمل علالو أيضا المسرحية كوسيلة للتعبير والتوعية الشعبية.

وتولى محيي الدين باشں تارزي جمعية (المطربية) التي كان أسسها يافيل، ووظفها باشں تارزي في خدمة الغناء والموسيقى والتمثيل، وهو الذي طال عهده ومهر في فن المسرح، وأصبح كما يقول قوانار، مؤلفا ومغنيا وممثلا وموسيقيا ومنشطا. فكان باش تارزي بحق موهبة فريدة من نوعها. وقد طوع اللغة الدارجة للتعبير المسرحي. وتعاصر فترة مع رشيد القسنطيني الذي كان يقتبس من موليير وغيره، وقد ألف (أي رشيد) حوالي خمس عشرة ملهاة أو كوميديا، ومائة أغنية بالعربية الدارجة. وقد جلب الكثير من الجمهور الإسلامي. وتعتبر كوميديا (ابن عمي الاسطانبولي) من أشهر أعماله. وكان الموسيقار محمد ايقربوشن هو الضارب على البيانو، وقد أصبح من الموسيقيين العالميين (2).

إننا لا نستطيع أن نفصل فنون المسرح والغناء والموسيقى والرقص عن بعضها دون أن نضر بها أو نتعسف معها. فهي فنون متصلة أشد الاتصال،

(1) باستثناء دراسة دانيال سالفادور. وقد أشار هو نفسه إلى أن آخرين درسوا الموسيقى ولم يفهموها، وعرفنا أن بقايا الفنانين كانوا متوفرين إلى حوالي 1860، ثم احتل اليهود، فيما يبدو، مكان الصدارة فظهر يوسف عيني ثم يافيل. وكاد أثر محمد بن علي سفنجة يختفي لولا الإشارات إليه في دراسة رواني، وربما إشارات غيره أيضا.

(2)

انظر عنه فصل الفنون.

ص: 466

ونشأت عندنا على ذلك الاتصال، وإن جوقة المقهى في المدن هي التي تحولت إلى فرق عصرية وإلى أوركسترا وأوبريت. والجيل الذي ظهر بين الحربين هو الذي فرض المسرح، رغم الصعوبات، وحافظ على الموسيقى والغناء والفولكلور باعتبارها فنونا تتصل بالهوية الوطنية. فالأشعار الدينية والمناسبات الاجتماعية المشتركة، واللغة العربية الدارجة القريبة من الفصحى، والأمثال والحكم، كل ذلك كان وأصبح هو التراث المشترك بين كل الجزائريين. وعندما كانت جمعية العلماء تعمل على إحياء التراث وبعث التاريخ وتعليم اللغة العربية الفصحى وتصفية الإسلام من الشوائب، وفي الوقت الذي كان فيه حزب الشعب يعمل على افتكاك الهوية الوطنية سياسيا من مخلب الاستعمار واستعادة الحرية المغتصبة، في هذا الوقت كان الموسيقيون والممثلون والمغنون يعملون، من جهتهم، على تحقيق نفس الهدف ولكن بوسائلهم الخاصة. وقد عاصرهم عدد من الفنانين الموهوبين سنعرض لهم في فصل الفنون.

ص: 467