الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خلال فترة الهدوء والعزلة هذه عدة مؤلفات، بعضها ما يزال مخطوطا، ومنها (سلم الاستقامة) الذي قيل إنه يقع في سبعة أجزاء، وهو في الفقه. وتاريخ صحفه، وتاريخ الأباضية في سوف والجريد، وقد قيل إن كتبه بلغت نحو ستين مؤلفا.
ورغم هذا الإنتاج الغزير والمتنوع، فإن أبرز ما ميز حياة أبي اليقظان هو العمل الصحفي الذي أخلص له كل الإخلاص، وبرع فيه كل البراعة، ومن أجل ذلك أدرجناه في هذه الفقرة (1).
التقاويم
وقد فضلنا أن ندخل التقاويم في باب النشرات الحولية. والواقع أنه لم يصدر في الجزائر بالعربية إلا عدد قليل منها أولها هدية الأخوان في موافقة التاريخين وتوقيعات الزمان وفوائد متفرقة لها شأن، تأليف محمد الصالح العنتري، وقد طبعه سنة 1847 طباعة حجرية، ويعتبر أول تقويم عربي في الجزائر حسب علمنا. وكان العنتري يعمل خوجة في المكتب العربي بقسنطينة فطلب منه الضابط الفرنسي المسؤول على ذلك المكتب، واسمه بواسوني، أن يضع تقويما يتضمن التاريخ الهجري والميلادي وأخبار العلم والدين والسياسة والأدب والحوادث الجارية ونحو ذلك، وكان هدف بواسوني إشاعة التأثير الفرنسي بين الجزائريين بذكر الغرائب لهم وكذلك بعض الفوائد الطريفة والعلمية كمدخل لتقريبهم من الفرنسيين، ومن ذلك جلب الأمثلة على التعاون المصري - الفرنسي الذي نتجت عنه فوائد للطرفين، فلماذا لا يقتدي الجزائريون بالمصريين في ذلك. كما جاء في
(1) أشرنا إلى أن اخرين قد تكفلوا بدراسة اثار أبي اليقظان الصحفية ومجالاته القلمية، وعلى رأسهم صهره محمد ناصر، وكذلك صالح الخرفي، ومحمد علي دبوز، والزبير سيف الإسلام، كما نوه به ابن باديس في (الشهاب) أكتوبر 1931، وأحمد توفيق المدني في (حياة كفاح) 1/ 157.
هذا الكتاب الصغير أمثلة عن تحرر بعض العلماء مثل الشيخ حسن العطار الذي كان شيخا للأزهر، ومع ذلك كان يخالط الفرنسيين متحررا في آرائه. وقد اشتمل (هدية الإخوان) أيضا على أشعار في مدح الفرنسيين نظمها محمد الشاذلي وغيره. ومهما كان غرض بواسوني فإن هذا الكتيب الأول من نوعه قد لصق باسم العنتري (1).
أما ثاني التقاويم فهو الذي أصدره الشيخ محمود كحول سنة 1911 وقد استمر ثلاث سنوات، وكان مفيدا للغاية ومتنوعا. وكان اسم المستعرب لويس بودي يرافق اسم الشيخ كحول. ونظرا للإتقان العلمي والفني ونظام الطبع ووفرة الصور الخ
…
فإننا نعتقد أن إدارة الشؤون الأهلية هي التي كانت وراء هذا التقويم، فهي التي كانت تموله وتمده بالمعلومات والوسائل، ولكن تجربة الشيخ كحول في التعليم وفي المبشر وفي كوكب أفريقية، واطلاعه الواسع على الأدب العربي والتاريخ والدين والفلسفة جعلته يعطي (للتقويم الجزائري) - كما كان يسمى - مكانة مرموقة بين التقاويم.
وقد جاء في ديباجة العدد الأول (1911) هذه الشكوى والأمل المعقود على التقويم: (ويعلم الله أننا تحملنا عبء هذا المشروع وعناءه في باكورة أعوامه، ونفوسنا تحدثنا بأنه سيلقي من عموم القراء والمشغوفين بالتهافت على رياض الأدب وحدائقه إقبالا عظيما يشد عضده .... ويؤازره على التدرج في مدارج الحياة
…
ويكون ذلك برهانا ساطعا على دبيب الحياة في عروق إخواننا ونموها
…
وفي ذلك حجة بالغة على تقديرهم هذا العمل الذي يكون به للجزائرية ذكر عاطر بين إخوته من الأقطار العربية:
وما الحياة بأنفاس نرددها
…
إن الحياة حياة الفكر والعمل) (2)
(1) عن العنتري انظر رسالة العنتري إلى فيرو في كتابنا (أبحاث وآراء) ج 3. وكذلك كتابنا (القاضي الأديب: الشاذلي القسنطيني) وفصل التاريخ والرحلات.
(2)
مقدمة العدد الأول من (التقويم الجزائري)، سنة 1911. وكلمة (الجزائرية) تعني في ذلك الحين البلاد الجزائرية أو القطر.
وقد اطلعنا على الأعداد الثلاثة من التقويم فكانت تمثل ثروة كبيرة من المعلومات والنصوص القديمة والتراجم والصور والإحصاءات والأخبار والأشعار. أما اختيار الصور وبعض الموضوعات فهو اختيار فرنسي بطبيعة الحال، وكذلك التوجيه العام. ونذكر بأن التقويم قد صدر في عهد إدارة شارل جونار وانتهى بانتهائها (1913).
والتقويم الثالث هو (تقويم المنصور) الذي أصدره أحمد توفيق المدني في تونس،، ثم واصل إصداره في الجزائر بعد نفيه إليها سنة 1925. وقد صدر من التقويم في تونس أربعة أجزاء، وصدر منه في الجزائر حوالي ثلاثة أجزاء بدأها بالسنة الخامسة منه (سنة 1929) وكان تقويم المنصور موسوعة للعلوم والجغرافية والآداب والتاريخ والسياسة والحوادث والتراجم (1). وقد استكتب له الشيخ المدني عناصر بارزة وأقلاما معروفة عندئذ، فأمدته بمادة غزوة في شتى المعلومات. كما أن إطلاعه الواسع واهتمامه بالتاريخ والسياسة والحوادث الجارية ومعرفته باللغة الفرنسية، ونشاطه الجم، كل ذلك جعله يوفر ثروة طائلة من المعلومات لموسوعته التي كانت تخضع لتبويب حكيم.
ومن موضوعات التقويم الصادر بالجزائر: الوجود الفنيقي في أمريكا مع لوحة عليها كتابات منسوبة إلى بحارة فينيقيين.
ومن الذين ساهموا فيه عندئذ: محمد العاصمي، ومصطفى بن شعبان والشيخ المدني نفسه. وكان أحمد توفيق المدني شعلة من الحيوية حركت عددا من المشاريع الثقافية والصحفية في الجزائر خلال العشرينات، ومنها إنشاء نادي الترقي سنة 1927.
(1) لوحة غلاف تقويم المنصور رسمها عمر راسم، وهي إطار من الزخرفة العربية يضم العنوان واسم المؤلف. إضافة إلى أغصان متعانقة. وفي أعلى الإطار هناك النجم والهلال، وفي أسفله عبارة (العزيمة والثبات) وفي الجانب الأيمن من الإطار توقيع عمر راسم بالعربية وعلى يساره باللاتينية.
أما التقويم الرابع فهو (تقويم الأخلاق) الذي أصدره محمد بن العابد الجلالي في فاتح 1927 (1345 هـ)، وقد طبعه في المطبعة الجزائرية الإسلامية بقسنطينة، ويقع في 179 صفحة. وقد جعل شعاره مقولة الخليفة أبي بكر الصديق:(أدن من الموت توهب لك الحياة). حاثا الشباب على الإقدام والنشاط وعدم الخوف من المستعمرين. وكان دافعة في إصدار التقويم هو المساهمة في النهضة المباركة - كما قال - لعله يفي (بحق من حقوق الوطن) عليه. والمعروف أن الشيخ محمد بن العابد كان من رواد الفكر الوطني ودعاة النهوض والحرية. ولذلك كانت مقدمة التقويم ونصوصه كلها تعبر عن هذه الروح الثائرة.
كان مخطط الجلالي أن يصدر التقويم سنويا، ويضمنه (أنواعا من الفوائد وفنونا من الأدب) وأولها الأخلاق التي اعتبرها عماد النهضات عند الشعوب. ولذلك أطلق على مشروعه اسم (تقويم الأخلاق)، وعرف التقويم بأنه كتاب سنوي يكون مرآة للوطن، بما فيه من خير وشر، حسب تعبيره، وقال إن من خصائص التقويم أن يضم مباحث في مختلف العلوم والآداب والنظم الإدارية وتاريخ البلاد (وروحها الوطني والأدبي) وفائدته معرفة الإنسان لبلاده ليغار عليها، ويدافع عنها، وإن غرض التقويم هو تنوير البصائر والعقول (لكي ندرك وجودنا في هذه البلاد). واعتبر الجزائري ما يزال شاخصا مندهشا كأن (الطبيعة قد قذفت به قبل الأوان). وقد تعمدنا أخذ بعض الأفكار من تقويم الأخلاق لتدرك أن الشيخ الجلالي كان متحمسا لإنشاء التقويم لا لغرض تجاري أو إشهاري وإنما بدافع وطني، وإسهاما منه في (خدمة العلم وتأييدا لنهضتنا المقدسة) كما قال.
وقد بوبه إلى اثني عشر بابار وكلها على قسمين يحملان نفس العنوان وهو (مبحث الأخلاق والآداب الإسلامية). وقبل الوصول إلى هذا التقسيم جاء بعناوين مثل: القضاء الإسلامي في الجزائر، وعلم الميقات، وجغرافية الجزائر، وفي القسم الأول من مبحث الأخلاق والآداب الإسلامية أورد
الأبواب التالية: التراجم (ابن رحال وعمر راسم وابن العربي)، والأدب الجزائري، وجواب الباب العالي عن تقسيم تركيا. وفي القسم الثاني ذكر: حركة العلم، والتعريف بعقبة بن نافع، والمؤلفات، والمؤسسات الجزائرية، وقد لاحظنا أن بعض الموضوعات هي مجرد عناوين كان يريد الحديث عنها فأوعزته المادة، فيما يبدو، كما أن الصفحات في الفهرس لا تتناسب مع الموضوعات. وقد وعد بتوسيع التقويم في السنة الموالية في موضوعات مثل نظام القضاء والمجالس النيابية.
وقد بدا لنا أن تقويم الأخلاق مشروع طموح أراد به صاحبه أن يشق طريقا وحده فعسر عليه لأسباب علمية ومادية. وقد قال إن فكرة التقويم بدت له فجأة، ولم تختمر في ذهنه طويلا. وإلا أراد أن يقدم به خدمة لبلاده ولو خالف، كما قال، ما توقعه الشرقيون (عرب المشرق)، وما نصحه به زملاؤه الناصحون. ذلك أن الجلالي كان يرى أن الجزائر لها خصوصية وأن الأقطار العربية الأخرى متفوقة عليها (في جميع شؤون الحياة) وأقر بأنه (لم يحذ حذو التقاويم العربية في تنظيم تقويمنا)(1) لأن من رأيه أن يكون تقويم كل بلاد صورة صادقة لحياتها.
ورغم هذا الطموح والوعد بإصدار التقويم خلال السنة الموالية واستدراك النقص، ونحو ذلك، فإننا لا نعلم أن الشيخ الجلالي قد أصدر عددا آخر من تقويمه. وقد عاش طويلا بعد ذلك. ولعل الأسباب المادية وعراقيل الطبع قد وقفت ضده ويكيفيه أنه وضع الأساس لفكرة مختلفة عن دور التقاويم، وهي خدمة الوطن وأهله وتربية الأخلاق وغرس الروح الوطنية فيهم.
ولم يصدر بعد ذلك فيما نعلم، تقويم آخر سوى مشاهدات محمد الساسي بلحاج محمد السوفي (2). وهو عمل قد يدخله البعض ضمن
(1) انظر مقدمة تقويم الأخلاق، قسنطينة، 1927، ص 4 - 6، وكذلك ص 178.
(2)
صوره لي أخي علي من نسخة متاكلة. وجاء فيها أنه صدر سنة 1927. بينما صور =
الرحلات أو المذكرات. وقد سماه مشاهداتي في الجزائر (العاصمة)، وصدر سنة 1949، وهو عمل صغير الحجم لا يتجاوز العشرين صفحة، وكان قد كتبه ليكون مقالة في إحدى الجرائد التونسية. ذكر المؤلف أن والده من سوف وأمه من الشاوية، وقال إن من عادته تسجيل ما يشاهده حاضرا أو مسافرا. تحدث عن انطباعاته ومشاهداته في الاقتصاد والأخلاق والسياسة والمجتمع، ولكن بدون تعمق. ويبدو أم يقف مع الحركة الإصلاحية والسياسة الوطنية ضد الشعوذة والاستعمار. وقد اعتبر تاريخ 1830 نقطة تحول في (ذهاب عزنا وشرفنا وقوميتنا) واعتبر الداي حسين متهورا وأشاد بالجزائر القديمة. وذكر من الرجال الذين لقيهم في القطار وتحادث معهم في التاريخ والأدب: أبو القاسم البيضاوي، ومن الصحف جريدة (المغرب العربي) التي وصفها بالمصالية - نسبة إلى الحاج أحمد مصالي زعيم حزب الشعب - كما ذكر جريدة (الوطن) التي تصدر عن حزب البيان، (ومجلة إفريقية الشمالية) التي أصدرها إسماعيل العربي - بينما لم يذكر جريدة (البصائر). وأشار إلى جمعية العلماء والجمعية الخيرية وجمعية أهل الزقم (سوف)، بينما لم يذكر نادي الترقي. وقال إن في الجزائر ثلاث مطابع ومكتبة عمومية، وأضاف أن الإذاعة أصبحت في كل مكان.
ومن ضمن المشاهدات موضوعات في الفلك وقواعد الصحة والرياضة، وعلم النبات، والتجارة والخياطة والصناعة، بالإضافة إلى حديث عن المكتبات والآثار والتربية. ونشر نفس المؤلف (مشاهداتي في قسنطينة) أيضا حوالي سنة 1955، وضمنه موضوعات شبيهة بالأولى ولكن خاصة بمدينة قسنطينة. وهو في 37 صفحة، ومن موضوعاته المدارس والأدب والأخلاق إضافة إلى الاقتصاد والجمعيات ووصف المدينة وقائمة بأسماء بايات قسنطينة خلال العهد العثماني (1).
= لي أخرى سعد العمامرة، وهي المطبوعة سنة 1949، ولم نحقق الآن هذا الأمر.
(1)
أرسل إلي نسخة منه سعد العمامرة. وهي كاملة. يناير 1997.