المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(المكتب الخيري الإسلامي) - تاريخ الجزائر الثقافي - جـ ٥

[أبو القاسم سعد الله]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الخامس

- ‌الفصل الأولالمعالم الإسلامية والأوقاف

- ‌مقدمة

- ‌مساجد العاصمة

- ‌آراء وتعاليق حول مصير مساجد العاصمة

- ‌بعض المساجد في إقليم العاصمة

- ‌مساجد إقليم قسنطينة

- ‌مساجد إقليم وهران

- ‌الزوايا في إقليم الوسط

- ‌الأضرحة في إقليم الوسط

- ‌تعاليق حول الآثار الإسلامية

- ‌الزوايا والأضرحة في إقليمي قسنطينة ووهران

- ‌الأوقاف

- ‌القرارات وتنفيذها

- ‌نماذج من أموال الوقف والإحصاءات

- ‌المساعدات الخيرية

- ‌(المكتب الخيري الإسلامي)

- ‌جمعيات الإغاثة الاحتياطية

- ‌الفصل الثانيالمنشآت والمراكز الثقافية (1)

- ‌ الصحافة

- ‌صحيفة (المبشر) الرسمية

- ‌جريدة المنتخب

- ‌المجلات الفرنسية

- ‌نشأة الصحف الجزائرية

- ‌الصحف السياسية والإندماجية

- ‌الصحف منذ 1940

- ‌المجلات العربية

- ‌التقاويم

- ‌الإذاعة والسينما

- ‌المطابع

- ‌الجمعيات والنوادي الثقافية

- ‌الفصل الثالثالمنشآت والمراكز الثقافية (2)

- ‌المكتبات

- ‌نظرة على مصير المخطوطات والوثائق

- ‌المكتبة العمومية (الوطنية)

- ‌المكتبة الجامعية

- ‌المكتبات العسكرية والبلدية والمدرسية

- ‌مكتبات الزوايا

- ‌المكتبات الخاصة

- ‌النساخة والنساخون

- ‌المتاحف

- ‌المسرح

- ‌نوع الفودفيل

- ‌نوع الكوميديا

- ‌ نوع الميلودرامة

- ‌ نوع الدرامة

- ‌المسرح الجزائري

- ‌الموسيقى

- ‌موسيقى البادية

- ‌آراء في الموسيقى التراثية

- ‌الفصل الرابعالجزائر في المغارب والمشارق

- ‌الهجرة نحو المغارب والمشارق

- ‌إلى الحجاز:

- ‌إلى المغرب:

- ‌إلى تونس:

- ‌إلى ليبيا:

- ‌إلى مصر:

- ‌إلى اسطانبول:

- ‌الروابط الروحية - الصوفية

- ‌الجامعة الإسلامية

- ‌بعض أعيان الجزائر في المشرق والمغرب

- ‌عائلة الأمير في المشرقالإخوة والأبناء

- ‌أبناء الأمير عبد القادر

- ‌إخوة الأمير عبد القادر:

- ‌زوار من المشرق والمغرب

- ‌زيارة الشيخ محمد عبده

- ‌مراسلات وأحداث

- ‌جمعيات وجرائد

- ‌مشاركات ورواسب

- ‌المحتوى

الفصل: ‌(المكتب الخيري الإسلامي)

والمساكين. ثم جاء ‌

(المكتب الخيري الإسلامي)

، لينظم هذه المساعدات أو الإغاثات.

المكتب الخيري الإسلامي

لقد قيل إن قانون إنشاء المكتب الخيري جاء لتدارك بعض التعويض الذي حرم منه المسلمون منذ الاحتلال نتيجة استيلاء الدولة على أملاك الوقف ومصادرتها دون أن تدفع أي تعويض عنها. وقد أصبح التعويض الآن (منذ 1857) عبارة عن إغاثات للفقراء، وكأن أملاك الوقف إنما أنشئت فقط لهذا الغرض. إن الإدارة الفرنسية قد حولت أملاك الوقف إلى ثكنات عسكرية وإلى طرقات ومنازل وساحات وكنائس وهدمت الباقي. وكل ذلك قد وقع بدون تعويض للمستحقين من ورثة وغيرهم. ويزعم الفرنسيون أنه منذ 1848 أي بعد مصادرة أملاك الوقف التابعة للمساجد والزوايا والقباب، أصبحت الإدارة الفرنسية هي المسؤولة على الصرف على التعليم والديانة والصدقات التي تنص عليها الوقفيات. هذا من حيث المبدإ، ولكن الواقع كان غير ذلك. فقد أهملت الإدارة التعليم العمومي للمسلمين، وتفرقت مصاريفه على مصالح أخرى (1). وأدمجت الإدارة أيضا الموظفين من رجال الدين (الأمة وغيرهم) في ميزانية الدولة أو الولاية، فكانوا يتقاضون أجورا فقط، فأين نصيبهم السابق من الوقف؟ وأين نفقات صيانة المساجد ونحوها المنصوص عليها في الوقفيات؟ أما الصدقات فقد دخلت أيضا في الوعود الضائعة، حتى قال أوميرا إن الإدارة لم تكن دائما وفية لالتزاماتها في هذا الباب (2). وتشهد الكتابات أن المداخيل من الوقف أخذت تتقلص بالتدرج نتيجة التخلص من المعالم بالبيع والهدم، والتنازل للمهاجرين الأوروبيين والبلديات، إلى أن انحصرت كل المداخيل في مبلغ ضئيل أصبح يستعمل

(1) انظر فصول التعليم.

(2)

أوميرا، (المكتب)، المجلة الإفريقية، 1899، 197.

ص: 186

للصدقات على الفقراء والمساكين (1).

انطلق تقرير المارشال فيان vaillant وزير الحربية من نقطة رئيسية، وهي افتقار الجزائريين نتيجة احتلال ديارهم وأملاكهم الدينية وخراب صنائعهم وتجارتهم. ولتدارك ذلك اقترح إنشاء مكتب خيري يوزع الصدقات على المحرومين من ميزانية هي في الواقع دين الدولة الفرنسية، كما قال، وليس تفضلا منها أو منة عليهم. ولا يقتصر هذا الافتقار على سكان العاصمة بل يشمل جميع المسلمين في الجزائر بدون منازع. وحصر المارشال في تقريره أسباب البؤس الذي شمل العدد الكبير من سكان الجزائر في:

1 -

بيع السكان لعقاراتهم أوائل الاحتلال عن طريق المضاربات، بأثمان بخسة، رغم أنها كانت تمثل ثروتهم التي يعيشون منها.

2 -

منافسة الصناعات الأوروبية لصنائع السكان المحلية، إذ بالتدرج قضت الأولى على الثانية، لإتقانها وسرعتها وضآلة كلفتها.

3 -

استيلاء الدولة الفرنسية منذ 1830، على عقارات الأوقاف، وهي العقارات التي أنشأها المحسنون المسلمون وأعطوها بطريق الوقف، إلى مؤسسات ووكلاء للعناية بالدين والفقراء والتعليم.

وبعد ذلك سرد المارشال الأسباب التي أدت بالإدارة الفرنسية إلى مصادرة الأوقاف، فوجدها فيما ذكرناه آنفا وهو: أن طريقة تسيير الوقف تجعل من السهل تهريب ريعه وعوائده بعيدا عن أعين السلطة وأعين الرقباء عموما، ومن جهة أخرى (كان التعصب على أشده) فكان من المخاطرة، في نظر الوزير، أن تترك فرنسا مبالغ مالية ضخمة في أيدي أعدائها مما يمكنهم

(1) في كراسات الاحتفال المئوية لخص جان ميرانت، وهو من خبراء إدارة الشؤون الأهلية، القوانين والإجراءات التي اتخذتها الإدارة الفرنسية بشأن (المساعدات)، انظر ص 32. وحين وصل إلى مرسوم وزير الحربية الذي سنتحدث عنه قال ميرانت إنه قام على القانون الفرنسي، وإنه ألغى نظام الصدقات وجاء بنظام الإغاثات. انظر لاحقا.

ص: 187

من استعمالها في الحرب ضدها. وقد اعترف المارشال ولكن متأخرا، أن الإدارة باستيلائها على الأوقاف، مهما كانت الأسباب، إنما تحملت هي المسؤولية التي كانت تقوم بها المؤسسات المصادرة، من حفظ المداخيل وصرفها في أوجهها الشرعية. وبناء على ذلك كانت الدولة تقدم للميزانية المحلية أو البلدية، مبلغا من المال ليوزع سنويا كإعانات على قدماء العاملين، وكصدقات وإغاثات لفقراء مدينة الجزائر. إن هذا في الواقع اعتراف من المارشال بأن كل ما بقي من مداخيل الوقف - كل أنواعه - هو المبلغ الذي تجود به الدولة على الفقراء، في شكل إغاثة، رغم أن الوزير كان صريحا عندما قال إن (ما ندفعه هو دين علينا وليس تضحية منا). وهذا هو المبلغ الذي يعينه المارشال 113، 510 فرنك. هذا فقط ما بقي، وهذا فقط ما كانت تقدمه الدولة الفرنسية (كتعويض) للمسلمين عما فقدوه باستيلائها على أملاكهم العقارية والدينية. ومع ذلك فلنتذكر هذا الرقم جيدا، رقم 113، 510 ف. سنويا. فإنه لن يبقى كذلك، بل سينخفض أيضا، رغم ضآلته الأصلية (1).

إن من نتيجة الاحتلال أنه بعد ربع قرن أصبح معظم سكان الجزائر فقراء بطريقة منظمة ومضمونة العواقب. ففي 1857 كانت 1،985 عائلة مسجلة في قائمة المستحقين للصدقات في مدينة الجزائر وحدها، ولكن الذين كانوا يأخذون الصدقة فعلا لا يتجاوزون 695 عائلة، وبمعدل فرنكين شهريا. وإلى جانب ضآلة المبلغ في حد ذاته فقد كان يمنح نقدا مما جعله يذهب في يومه وربما قبل منحه، إذ قد يكون دينا على صاحبه، فأين إذن مداخيل العقارات والأراضي والبنايات الدينية التي كانت موردا لآلاف الناس، وعشرات الوكلاء، بالإضافة إلى تنشيط العلم وإحياء الدين وصيانة مؤسساته؟

لقد اقترح المارشال على نابليون طريقة أخرى أجدى في نظره وأكثر عدلا

(1) عن تقرير المارشال فايان، انظر أوميرا، (المكتب الخيري)، المجلة الإفريقية، 1899، 199 - 201.

ص: 188

وأضمن اقتصاديا. وذلك بإنشاء مكتب يسمى (المكتب الخيري الإسلامي) تكون مهمته السهر على توزيع الصدقات على فقراء المسلمين، على أن تكون ميزانيته من المبلغ المذكور وهو 113، 510 ف. الذي كانت الوزارة تسلمه سنويا إلى الميزانية المحلية بالجزائر، فلا يكاد يرى النور ولا يستفيد منه إلا عدد ضئيل. وقد حصر المارشال اختصاصات المكتب فيما يلي: توزيع الإغاثات، وتلقى التبرعات والهبات، وتنظيم استغلالها، وإعانة الوالي (البريفي) على تنفيذ الإجراءات الخاصة بالمساعدات الخيرية للأهالي: وكان الهدف من كل ذلك هو مكافحة التعاسة والبؤس (1) الذي تولد عن حرمان المسلمين من عقاراتهم وبناياتهم الدينية وأملاك الوقف، وكساد صنائعهم، الخ.

أما أوجه الصرف فقد اقترح لها المارشال مجالات محددة رأى أنها هي التي تضمن الفائدة المثمرة للمنتفعين وليس الفائدة الآنية مثل الحصول على فرنكين في الشهر يذهبان أدراج الرياح بسرعة. وهذه هي أوجه الصرف في نظره:

1 -

إنشاء قاعة - ملجأ للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين الثانية والسابعة.

2 -

تخصيص عدد من المنح لتعلم الصنائع الفرنسية.

3 -

إحداث ورشة إنتاجية للفتيات المسلمات اللاتي لهن خبرة في أعمال الإبرة.

4 -

إحداث مورد (فورنو) اقتصادي يوزع المواد بثمن منخفض على ذوي الحاجة.

5 -

إنشاء محطة تمريض للأهالي يتلقون فيها العلاج المؤقت.

إن هذا المشروع (الإنساني) في لهجته يجب ألا ينسينا أصل القضية، وهي

(1) يذكر أن أوائل الخمسينات شهدت مجاعات وتدهورا اقتصاديا إضافيا في الجزائر.

ص: 189

الاستيلاء على أرزاق المسلمين ومواردهم، ودمجها في ميزانية الدولة الفرنسية، وحرمان المستحقين لها منها، وتعويضها بهذا المبلغ الزهيد ليكون مساعدة وصدقة.

ومهما كان الأمر فقد وافق نابليون الثالث على تقرير وزيره، وصدر رأيه في شكل مرسوم نص على إنشاء المكتب الخيري وتحديد أعضائه وميزانيته وطرق صرفها. ونلاحظ أن المكتب خاص بمدينة الجزائر، ولكنه قد عمم في غيرها بعد ذلك. وكان يتألف، كما جاء في البند الأول من المرسوم، من:

1 -

رئيس فرنسي في وظيفة مستشار الوالي (الريفي).

2 -

رئيس مكتب عربي ولائي (وهو أيضا فرنسي).

3 -

أربعة أعضاء فرنسيين يتكلمون العربية.

4 -

أربعة أعضاء مسلمين (جزائريين) يعرفون الفرنسية.

5 -

عدد غير محدود من الأعضاء الخيريين ومن النساء المحسنات. وهؤلاء جميعا لهم حق حضور الجلسات ولهم صوت استشاري، عندما يستدعيهم المكتب.

6 -

أمين مال يعينه الوالي في وقت لاحق.

وقد نص في المادة الثانية على أن الأعضاء المسلمين والأعضاء المستشارين والنساء المحسنات يعينهم الوالي (1)(البريفي). أما المادة الثالثة من المرسوم فقد نصت على أن المكتب يعتبر مؤسسة للمنفعة العامة، ويتمتع بالشخصية المدنية، ويسمح للمكتب بقبول الهبات والتركات التي يتقدم بها الأوروبيون طبقا للقوانين الجارية، أو المسلمون طبقا للشريعة الإسلامية (2).

وقد عرفنا أن ميزاية المكتب السنوية هي 113،510 ف. وأن المكتب

(1) نستعمل لفظ (الوالي) فيما يستعمل له اليوم عندنا، أو المحافظ في المشرق، وهو (البريفي) عند الفرنسيين. أما والي الجزائر العام فقد فضلنا أن نطلق عليه (الحاكم العام) للتفريق بين الوظيفتين.

(2)

انظر أوميرا، (المكتب الخيري ..)، المجلة الإفريقية، 1899، 201.

ص: 190

الخيري الذي حل محل مكتب مكة والمدينة، قد أصبح يوزع الميزانية على النحو التالي:

1 -

الملجأ 9، 100 فرنك.

2 -

الورشة 4، 200 فرنك.

3 -

محطة التمريض 9،020.

4 -

المورد الاقتصادي 8،200 فرنك.

5 -

منح التعليم 5، 400 فرنك.

6 -

العاملون السابقون والطلبة (1) 17،676 فرنك.

7 -

ملجأ الولي دادة 600 فرنك.

فجملة ذلك هو: 54، 196 فرنك، ثم يضاف إليه مبلغ 59،314 فرنك خصصت للفقراء، وبذلك نصل إلى المبلغ الأصلي وهو 113، 510 ف. والفقراء المشار إليهم هم الذين كانوا في الماضي في عهدة مكتب مكة والمدينة أو كانوا في عهدة غيره من مؤسسات الأوقاف. وقد لاحظ الوزير (المارشال) وكذلك السيد أوميرا أن المبلغ المذكور كان أقل بكثير مما كانت تأتي به أوقاف مكة والمدينة في السابق (2). ولكن المهم كما قال، أوميرا، هو تحديد المبلغ سنويا (ميزانية). والغريب أنه ليس هناك شيء ثابت بالنسبة للمسلمين في هذه الإجراءات الاجتماعية. فهذا المكتب وهذه الميزانية الضئيلة لم يدم حالهما أكثر من سنة، ثم حدث التغيير الذي استمر إلى أوائل القرن. ونستطيع القول إنه هو التغيير الذي أبى على الأصل ولكنه تحايل

(1) بضم الطاء وتشديدها وتسكين اللام، وتعني في الماضي المتعلمين والحافظين للقرآن الكريم والراغبين في مواصلة التعلم. وقد لاحظ محمد بن صيام في تمريره الآتي أن هذا البند (رقم 6) قد أضافه الوزير (المارشال فايان) للصرف على المساعدات (السياسية). ومما يلاحظ على هذا المشروع أن أموال الوقف أصبحت تستعمل في عهد الاحتلال لأغراض جديدة، مثل الجوسسة وشراء الذمم.

(2)

عرفنا أن مداخيل مكة والمدينة وحدها سنة 1839 كانت 131، 941، 13 فرنك. انظر السجل (طابلو)، سنة 1839، 157.

ص: 191

على ما بقي من مداخيل المسلمين وكاد ينفيها تماما، ولعل ذلك راجع إلى أن الفرنسيين كانوا يتصرفون وحدهم في الميدان، ولم يكن للمسلمين معهم صوت ولا رأي، حتى في الشؤون الخاصة بهم جدا كالأوقاف.

فبعد بضعة أشهر من صدور مرسوم 1857 حدث تعديل جذري في هيكله الإدارة الفرنسية في الجزائر، وهو ما يعرف بإنشاء وزارة الجزائر والمستعمرات وإلغاء منصب الحاكم العام، وقد تبع ذلك تعديلات وتغييرات في الأجهزة التابعة، كإدارة الولايات والقيادات العسكرية والمسؤوليات المدنية. ومن ذلك إنشاء مجلس عام على رأس كل ولاية من الولايات الثلاث، وإحلال الميزانية الولائية محل الميزانية المحلية والبلدية السابقتين. أما بالنسبة للمكتب الخيري فلم يتغير لا في اسمه ولا ميزانيته ولا تبعيته للولاية. ولكن الجديد هو أن مرسوم 10 ديسمبر 1858 فرض على الولايات تخصيص مصاريف للمساعدات العامة وخدمات الأهالي (المسلمين) المدنية، على أن تقدم مصلحة أملاك الدولة لصالح الولايات مداخيل الوقف القديم من بيع وشراء وإيجار، باعتبار الولايات هي المتوكلة على الأوقاف، ولا تعتبر المداخيل في هذه الحالة مساعدة للولايات.

وبناء على ذلك فإن الولاية أصبحت هي التي تنوب عن الدولة في تخصيص المبلغ المستحق (الميزانية) ومنحه للمكتب الخيري لصرفه في الأوجه المحددة بمرسوم سنة 1857. لكن مرسوم 1858 أدى إلى تناقص ميزانية المكتب بدل زيادتها. وقد تواصل النقص سنة بعد سنة إلى سنة 1869 حين لم تتجاوز الميزانية 23،000 ف. (من 113، 510 ف.) وكان من المفروض أن مصاريف المكتب الخيري لا تنقص إن لم تزد. وقد استمر ذلك الوضع المضطرب إلى 1872 (1). وهكذا وقع التلاعب الإداري بأموال

(1) أوميرا (المكتب الخيري ..)، المجلة الإفريقية، 1900، 60 - 65. لقد فسر والي الجزائر النقص في ميزانية المكتب الخيري بانخفاض المداخيل بسبب عدم بنايات الوقف. وهو عذر أقبح من ذنب. وقد مر بنا أن بعض الأوروبيين، في عهد الجمهورية الثالثة، قد استكثروا على المسلمين ذلك المبلغ الزهيد وطالبوا بمصاريف =

ص: 192

مداخيلها من أوقاف المسلمين، وهي أموال مستحقة لفقرائهم، ولكنها صرفت لصالح الفرنسيين وفي المشاريع الفرنسية العامة، كما حدث منذ الاحتلال.

ويرجع أصل التلاعب الإداري إلى سنة 1868 حين تدخل الحاكم العام المارشال ماكماهون وغير من اختصاصات المكتب الخيري ومن تبعيته. فإذا كان مرسوم 1858 قد جعل المكتب الخيري مؤسسة عامة تابعة للدولة الفرنسية، فإن مرسوم 1858 قد جعله مؤسسة ولائية (تابعة للوالي). أما قرار ماكماهون سنة 1868 فقد جعل المكتب الخيري تحت سلطة رئيس البلدية. ورغم الشك في شرعية ذلك القرار، كما لاحظ أوميرا (1)، فإنه بقي هو المعتمد بعد ذلك. وها هي الصلاحيات الجديدة والقديمة التي أصبح للمكتب تأديتها، بعد تدخل قرار ماكماهون:

1 -

دار العجزة والمرضى الميؤوس منهم، من الجنسين.

2 -

منح لتعلم الصنائع الفرنسية موجهة لصالح الأطفال الذكور من فقراء المسلمين.

3 -

ورشات (للبنات المسلمات؟).

4 -

الملجأ المخصص للأطفال بين الثانية والسابعة.

5 -

الإغاثات الموجهة للأهالي.

6 -

ملحقة الأيتام والمتروكات المسلمات.

وإذا كانت مصاريف الأبواب المنصوص عليها في مرسوم 1857 معروفة ومقدرة، كما سبق، وهي من مداخيل الوقف الإسلامي، فما المداخيل التي يصرف منها على الاختصاصات الجديدة؟ لقد نص قرار ماكماهون على أن تمويل المكتب يأتي من: الإغاثات والحسنات والهبات والتركات والتبرعات، والاشتراكات، والطلبات، والعرضات في المساجد والزوايا، ومن مداخيل الأفراح والملاهي والحفلات التي يقوم بها الأهالي،

= مشتركة منه بينهم وبين المسلمين. انظر ديون وكوبولاني. مرجع سابق.

(1)

أوميرا، (المكتب الخيري ..)، المجلة الإفريقية، 1900، 71.

ص: 193

ومن الاجتماعات العامة، ومداخيل المقاهي ذات الموسيقى الأهلية، والاستعراضات الهادفة إلى جلب الجمهور. ومن إعانة الحكومة المستخرجة من الصندوق العام للأقاليم. وقد لاحظ أوميرا أن جميع هذه العناوين لا تشمل المداخيل التي نص عليها مرسوم 1857، وهي مداخيل الوقف المستحقة دينا وليس منة أو تضحية كما قال المارشال فايان. وهكذا فإن قرار ماكماهون، قد زاد من مصاريف المكتب الخيري في الوقت الذي سحب منه المداخيل الأصلية والشرعية المخصصة له. وبالإضافة إلى ذلك حاول ماكماهون أن يغير أيضا من ملامح المكتب.

لقد ذكرنا أن ماكماهون أسند المكتب إلى رئيس بلدية الجزائر بدل الوالي، خلافا لمرسوم 1857 (الدولة)، ومرسوم 1858 (الولاية). وقد لاحظ أوميرا أن قرار مكاماهون يعتبر تخليا من الدولة عن صلاحياتها نحو المسلمين، لأنها هي التي صادرت أملاكهم في الأصل وتعهدت بمرسوم 1857، بتعويضهم ولو بالجزء اليسير الباقي من أوقافهم. ثم إنه كان في مدينة الجزائر عدة بلديات، فلماذا تخصيص بلدية هذه المدينة بالذات؟ ثم إن قرار ماكماهون غير شرعي لأنه أدمج المكتب في بلدية الجزائر، وجعله يقدم ميزانيته إلى مجلس البلدية للموافقة المسبقة عليها بينما المجلس لا حق له على المكتب، لأن ذلك يتناقض مع المرسوم المؤسس وهو مرسوم 1857 (1)، ومع ذلك بقي قرار ماكماهون، على تناقضه وعدم شرعيته في نظر أوميرا، هو الساري المفعول كما ذكرنا، رغم حدوث تغيير بسيط فيه سنة 1874 لا يمس الجوهر.

بالعكس، فإن التعديلات اللاحقة كانت كلها لغير صالح المكتب الخيري الإسلامي، ففي سنة 1872، عند فورة الاستعمار والحكم المدني في الجزائر والنقمة على ثوار سنة 1871، صدرت لائحة من مجلس الولاية العام تطالب الدولة بإلغاء الدين الذي عليها للمسلمين بدل مطالبتها بدفع مستحقاتها منذ 1858، (حين تنازلت للولاية عين دينها

(1) أوميرا، (المكتب الخيري ..)، المجلة الإفريقية، 1900، 74.

ص: 194

للمسلمين) (1). وبهذه اللائحة واجه المكتب الخيري أزمة مالية حادة. رغم وجود مورد جديد، وهو ما سمي (بوقف الشيخ القينعي).

لقد تأسس هذا الوقف سنة 1868 (في أعقاب المجاعة الكبرى)، من تركة المرحوم القينعي. وهو وقف بلغ بين 40 و 50 ألف فرنك. وكانت لجنة المكتب الخيري تعتقد أن الدولة الفرنسية المدينة ب 113، 510 ف. للمسلمين، إضافة إلى وقف القينعي ستجعل الميزانية ترتفع وتتحسن ليواجه المكتب الأعداد الكبرى من فقراء المسلمين المسجلين والذين كانوا ينتظرون التسجيل. ولكن ذلك كان وهما فقط من لجنة المكتب (2). فمن الناحية الرسمية لم ينضم وقف القينعي إلى إدارة المكتب الخيري إلى سنة 1875. وبدل أن تنمو به ميزانية المكتب أنقصت الإدارة مقداره من المبلغ الذي تعطيه للمكتب، متناسية أن أصل المداخيل إنما هو وقف المسلمين، وليس إعانة لهم أو تفضلا منها عليهم.

وربما من أجل ذلك افتخر الجنرال شانزي (الحاكم العام) سنة 1876 بأن ميزانية المكتب الخيري في ولاية العاصمة قد بلغت 390.904،68 + 90.372، 40 وأن عدد المستفيدين منها بلغم 5،663، فكان الفاضل منها 300، 332،28 (3). ولكن هذه الأرقام لا تقال على الحقيقة فإما أن تكون الميزانية قد جمعت إليها وقف القيعي أيضا وإما أن يكون عدد المستفيدين ضئيلا جدا بالنسبة لعدد المستحقين للإعانة.

(1) عرفنا أن قوانين 1839 جعلت أموال الوقف لا تسجل في ميزانية الدولة ولكن في عدة أنواع من الميزانيات، مرة سميت الكولونيالية، ومرة الإقليمية، ومرة المحلية والبلدية. وكان الاسم الأخير هو المستعمل عندما صدر مرسوم 1858 الذي أسس المجالس العامة على مستوى الولايات، كما أسس الميزانية الولائية. وقد لاحظ أوميرا أنه لا يوجد فرق كبير بين الميزانية الخاصة وميزانية الدولة في هذا الصدد ما دام كلاهما تحت إشراف الحاكم العام للجزائر.

(2)

أوميرا، (المكتب الخيري ..)، المجلة الإفريقية، 1900، 68 - 69.

(3)

الجنرال شانزي، (حكومة الجزائر)، 1877، ص 50.

ص: 195

والغريب أن طريقة الدخل والصرف كانت متشابهة أيضا سنة 1879 أثناء حكم ألبير قريفي. ففي هذه السنة كان دخل المكتب الخيري 367.355،76. بينما لم يصرف على المستفيدين سوى 112، 547، 53 ف. فكان الفاضل هنا أيضا 254.808،23 (1). وإذا صح هذا فإن البلدية (الفرنسية) التي آل إليها التحكم في ميزانية المكتب الخيري ومراقبتها هي المستفيدة في النهاية، وربما كانت تستعمل الدخل الفائض في مشاريع استعمارية، وهو الأمر الذي أسال لعاب الكولون فطالبوا بتوحيد ميزانية المكتب الخيري الإسلامي مع ميزانية المكتب الخيري الفرنسي (2). فقد جرى نقاش حاد سنة 1888 حول ضم المكتب الخيري الإسلامي إلى المكتب الخيري الفرنسي، بدعوى أن للأول مداخيل محددة بينما الثاني ليس له ذلك، وأن في دمجهما فائدة للجميع، كما قال المدعون، وأثناء هذا النقاش كتب عضو المكتب، السيد محمد بن صيام، تقريرا ذكر فيه بأصل الإعانة والدين الذي على الدولة الفرنسية نحو المسلمين.

ومما جاء في تقرير ابن صيام، بعد عرض تاريخي لقضية الوقف بين 1830 و 1857، أن غلاء المعيشة وانتشار الفقر ونقص الميزانية جعل المكتب لا يستطيع الصرف على المسجلين عنده من الفقراء فما بالك بالجدد. وبدل الزيادة، نقصت الميزانية عن المبلغ المحدد وهو 113، 510 ف. فقد انخفض إلى 107، 500 فرنك ثم إلى 105،000 ف. ثم إلى 75،000 ف. ثم 65،000 ف. وأخيرا انخفض إلى 60،000 ف. وبهذا المبلغ، ورغم وجود وقف القينعي، فإن المكتب لا يستطيع أن يصرف على ال 1،400 فقير مسجل وعلى أكثر من 2،000 سيسجلهم، وعلى صيانة

(1)(حكومة قريفي)، ص 105.

(2)

أنشئ بمرسوم سنة 1849 وكان المرسوم قد نص على إنشاء مكتب خيري فرنسي (أوروبي) في كل بلدية. وسبقته إلى ذلك (1848) أعمال جمعية نساء الرحمة وغيرها من الجمعيات. وقد استفاد منه سنة إنشائه وحدها 297 فردا من مجموع 824 فردا مسجلا. وكان المكتب خاصا بالفرنسيين والمهاجرين الأوروبيين. انظر طابلو (السجل) سنة 1846 - 1849، ص 129.

ص: 196

المؤسسات التابعة له. ولذلك طالب ابن صيام بالزيادة في الميزانية حتى ترجع إلى الأصل على الأقل، وهو 113، 510 ف.

وقد طالب محمد بن صيام في تقريره بوضع المكتب الخيري تحت وصاية الولاية، كما هو أصل مرسوم 1858. وشرح الدوافع التي جعلته يطالب بذلك، فقال إن البلدية هي في خدمة جميع المواطنين دون فرق في المواطنة ولا في الدين، وهي لا تقدم أية مساعدة للمكتب الخيري الإسلامي، فلماذا تكون هي الوصية عليه؟ ثم إن المكتب كان يتغذى من مداخيل إسلامية وهبات من المسلمين وإعانة (دين) من الحكومة كجزء من التعويض على الوقف الذي استولت عليه، ومن وقف القينعي الذي هو موجه للمسلمين، فما دخل البلدية (وهي فرنسية) في كل هذا؟ وكشف ابن صيام عن نية البلدية التي كان يسيطر عليها الكولون، فقال إن هدفها هو دمج المكتبين الإسلامي والأوروبي، لأن المكتب الأخير ليس له مصادر تمونه، وبذلك يستفيد من مال المسلمين. وما دامت البلدية لا تقدم أية مساعدة للمكتب الإسلامي فليس من حقها أن تتدخل في شؤونه، وطالب بأن يكون وضع المكتب الإسلامي كوضع المكتب الإسرائيلي المستقل بشؤونه. ثم انتهى ابن صيام بنقاط ثلاث، وهي:

1 -

المطالبة بوضع المكتب الخيري تحت رعاية الولاية كما كان الحال عند الإنشاء سنة 1857 (بل سنة 1858).

2 -

إلغاء ملجأ الأيتام الذي استحدثه قرار ماكماهون والذي كان غير موجود في الاختصاصات الأصلية للمكتب، وتخصيص حصته لتعليم الصنائع الفرنسية للمسلمين.

3 -

رجوع الدولة إلى المبلغ المنصوص عليه وهو 113، 510 سنويا، كما جاء أيضا في المرسوم المؤسس سنة 1857.

لكن صوت ابن صيام ذهب مع الريح. فقد ظل المكتب تحت وصاية المجلس البلدي لمدينة الجزائر. وظل ملجأ الأيتام تابعا له، وبيت الدولة

ص: 197

تقدم للمكتب المبلغ الذي كان يتضاءل، في شكل (إعانة) وليس في شكل تعويض عن أملاك الوقف المغتصبة كما هو الأصل. وظلت الدولة أيضا تطرح من ذلك المبلغ مقدار وقف القينعي. وقد لاحظ أوميرا بحق أن الإدارة الفرنسية كانت زيد نسيان مرسوم 1857 رغم أنه لم يلغ رسميا، (1).

ونذكر أن المبلغ المستحق سنويا للمكتب (هو 113، 510 فرنك) كان سيصل بين 1872 و 1896 إلى 2، 837، 750 فرنك، لكنه لم يتجاوز 1، 377، 300. والفارق وهو 1، 460، 450، قد استفادت منه الدولة أيضا خلال ربع قرن، كما فعلت منذ 1830 حين سخرت أموال المسلمين لخدمة مشاريعها الاستعمارية. وإليك الآن الإحصاء بالتفصيل حسب السنوات والمبالغ بالفرنك (2):

السنة

المبلغ

1872 -

.. 75،800

1873 -

.. 75،800

1874 -

.. 65،800

1875 -

.. 65،800

1876 -

.. 65،800

1877 -

.. 65،800

1878 -

.. 57،000

1879 -

.. 50،000

1880 -

.. 50،000

1881 -

.. 40،500

1882 -

.. 40،000

1883 -

.. 40،000

1884 -

.. 50،000

1885 -

.. 50،000

1886 -

.. 50،000

1887 -

.. 50،000

1888 -

.. 40،000

1889 -

.. 50،000

1890 -

.. 50،000

1891 -

.. 50،000

(1) أومير، (المكتب الخيري ..)، المجلة الإفريقية، 1900، 77 - 78.

(2)

المصدر: أوميرا، نفس المصدر، ص 70. وهناك مدلول آخر للمساعدات الخيرية يتمثل فيما يسمى صناديق الاحتياط والملاجئ ونحوها. وهذا النوع لا يعنينا هنا، لأن موضوعنا هو الأوقاف ومصيرها باعتبارها مصدرا للدين والعلم والسعادة الاجتماعية. أما النوع الآخر من الأفعال الخيرية فسنعالجه في مكانه. انظر لاحقا.

ص: 198

1892 -

.. 50،000

1893 -

.. 60،000

1894 -

.. 65،000

1895 -

.. 60،000

المجموع هو 1،377،300

وبين 1903 - 1928 انتشرت المكاتب الخيرية (أو الجمعيات) عبر تواريخ مختلفة في كثير من المدن. ففي ولاية العاصمة شملت هذه المكاتب البليدة وشرشال وبو سعادة والأغواط والمدية ومليانة والشلف (الأصنام). وفي ولاية قسنطينة عرفت المدن الآتية أيضا مكاتب خيرية: بسكرة، وجيجل، وعنابة، وبجاية، وميلة، بالإضافة إلى قسنطينة نفسها. أما في ولاية وهران فالمكاتب أنشئت في معسكر وتلمسان وغيليزان وسيدي بلعباس، إضافة إلى مدينة وهران (1). ويقول ميرانت إن المكاتب كانت تتغذى غالبا من المستعمرة، وهو يعني أنها من البلديات، وليست من الدولة مباشرة، وهو قول غير صحيح على إطلاقه. فقد عرفنا أن الميزانية الحقيقية كانت قد رصدت سنة 1857 وأنها معتبرة دينا على الدولة الفرنسية، وأن هذه قد تنازلت عنها إلى البلديات. والميزانية في أساسها كانت من مداخيل أوقاف المسلمين التي اغتصبت.

والأرقام التي ذكرها ميرانت تدل على انخفاض كبير في الميزانية المخصصة للمكاتب الخيرية الإسلامية بين 1901 - 1929. ونود أن نذكر بهذا الصدد أنه ابتداء من سنة 1900 أصبح للجزائر ميزانية مستقلة (للكولون) يسهر عليها المجلس المالي الذي أنشئ سنة 1898 والذي يسيطر عليه الفرنسيون تماما. وإليك الجدول الذي ذكره ميرانت، وأرقامه تشمل جميع المصاريف الخيرية وليس مصاريف مكتب الجزائر فقط. وكان ميرانت يريد

(1) جان ميرانت، (كراسات)، مرجع سابق، ص 34.

ص: 199

أن يلمع عهده (لأنه كان وقتها على رأس الشؤون الأهلية) وجهود فرنسا الاستعمارية، ولا تهمه الدقة:

1901 -

.. 140، 000 فرنك

1910 -

.. 310، 000 فرنك

1921 -

.. 600، 000 فرنك

1929 -

.. 1، 500، 000 فرنك

وخلال هذه السنوات الثلاثين تقريبا بلغت قيمة المساعدات المقدمة للمستفيدين الجزائريين: 19، 112،300 ف (1).

وهناك إحصاءات أوردها علي مراد عن المساعدات الخيرية تختلف عما جاء في إحصاء ميرانت. فمراد ذكر أنه خلال السنوات 1912 - 1930 توزعت المساعدات كالتالي، حسب السنوات وعدد المستفيدين (2):

السنة

مبلغ المساعدات

عدد المستفيدين

1912 -

.. 255، 975

16، 952

1914 -

.. 66، 243

3، 454

1918 -

.. 342، 227

14، 346

1920 -

.. 491، 228

14، 198

1922 -

.. 594، 219

17، 154

1924 -

.. 793، 796

21، 755

1926 -

.. 990، 416

27، 575

1928 -

.. 1، 246، 017

26، 730

1930 -

.. 1، 666، 766

21، 266

(1) ميرانت، (كراسات)، مرجع سابق، ص 34.

(2)

المصدر: علي مراد، (الإصلاح الإسلامي في الجزائر) ليدن، 1967، ص 72، عن (الإحصاءات العامة للجزائر).

ص: 200

وليس لدينا الآن مصادر أخرى تتحدث عن تطور العلاقات بين المكتب الخيري الإسلامي والسلطات الفرنسية بعد 1900، والذي نعلمه هو أن (الجمعية الخيرية) قد حلت محل المكتب الخيري، وأن بعض الأعيان المسلمين قد تداولوا عليه وعليها مثل الشيخ الطيب العقبي، وأن الجمعية الخيرية كانت تعقد اجتماعات سنوية بالعاصمة، تكون فرصة ليس فقط لتوزيع الصدقات ونحوها، ولكن أيضا فرصة للتضامن الاجتماعي بين الجزائريين. وكانت التبرعات تجمع أثناء الحفل السنوي، وفيه كان يتبارى الخطباء والشعراء في الدعوة إلى الإحسان والبذل. وكان التلاميذ، في عهد المدارس الحرة، يتبارون أيضا على الأناشيد والحث على طلب العلم عن طريق تمثيل الروايات الأدبية والتاريخية. وهكذا نرى نوعا من الرجوع إلى الأصل نتيجة استثمار الوقف لصالح المجتمع والعلم والصالح العام، ولكن (الإعانة) الحكومية ظلت متقشفة، وظلت حقوق المسلمين في التعويض عن أوقافهم مهضومة، وهي لم تنم تحت الإدارة الفرنسية بل نقصت وذابت أو كادت في غير ما أنشئت لأجله.

وكان الشيخ أحمد توفيق المدني الذي عاصر نشاط الجمعية الخيرية منذ العشرينات قد كتب عن الوقف والحكومة الفرنسية، وعن وقف الشيخ القينعي. فقال سنة 1931، إن رئيس بلدية الجزائر، ما يزال هو رئيس الجمعية الخيرية، وهو ما نص عليه قرار ماكماهون منذ 1868، وأن أعضاء الجمعية كانوا عشرة، خمسة من المسلمين وخمسة من الفرنسيين، وأن مداخيلها أو ميزانيتها كانت تتمثل في (إعانة) الدولة السنوية، وفي التبرعات والصدقات. وكان رأس مال الجمعية يبلغ 160 ألف فرنك، وهو فيما فهمنا من كلام الشيخ المدني لا يشمل مداخيل وقف القينعي. فإذا كان الأمر كذلك، فإن هناك زيادة ملحوظة بفضل الهبات والتبرعات والصدقات، وليس من المبلغ السنوي المقرر منذ 1857، وهو 113،510 فرنك. ويضيف المدني أن الجمعية الخيرية قررت أن تأخذ إتاوة على مداخيل المسرح والملاهي - كما نص على ذلك قرار ماكماهون - ولكن التنفيذ لم

ص: 201

يقع، ومع هذا المبلغ (160 ألف فرنك)، فإن المدني يقول إن الإعانات للفقراء لا تتجاوز خمسة فرنكات للشهر للعائلة الواحدة.

ويبدو أن الجمعية قد استمرت في اختصاصاتها التي رسمت لها (أي المكتب السابق) منذ 1868. فهي كما قال الشيخ المدني تشرف على:

1 -

ملجأ للعجزة والمقعدين يضم 42 شخصا.

2 -

ملجأ زاوية الولي دادة.

3 -

ومنح التلاميذ منحا ليواصلوا بها التعلم في الصنائع الفرنسية. ولكنه لم يذكر النواحي الأخرى التي كانت الجمعية (والمكتب قبلها) تصرف فيها الميزانية. وقد شكا من أن إعانة الحكومة قليلة والتبرعات والصدقات تكاد تكون مفقودة. ومعنى ذلك أن الجمعية كانت بعد قرن من الاحتلال في فقر مدقع. ولكن الشيخ المدني تدارك ذلك وقال إنه لولا وقف المرحوم القينعي الموجه للفقراء والذي كانت تديره الجمعية لكان (دور الجمعية لا قيمة له) ومن الملفت للنظر أن المدني يذكر أن ريع وقف القينعي يصل نحو مائتي ألف فرنك (200،000) سنويا (1).

وفي سلسلة من المقالات روى الشيخ حمزة بوكوشة عن جمال سفينجة، رئيس دار الصدقة الإسلامية (هكذا تحول الاسم)، نفس المساجلات بين السلطات وأعضاء الجمعية حول دمج الدارين الإسلامية والفرنسية. والأعضاء عندئذ هم: أحمد بن صيام، وعمر الموهوب، وحمدان بن رضوان، وزروق الحلوي، ورينيه فضيل (2).

لقد رأينا أن مآل الأوقاف الإسلامية مآل مؤلم ومضر بالصالح العام

(1) أحمد توفيق المدني (كتاب الجزائر)، ط. 2، 7 24 - 248. وقد توفي المرحوم القينعي سنة 1868. والغالب على الظن أن الشيخ المدني كان عضوا في الجمعية الخيرية، وله اطلاع واسع حول الموضوع. ولنذكر أن الجمعية الخيرة قد أنشئت بعد 1907 أي بعد قرار فصل الديانة المسيحية واليهودية عن الدولة الفرنسية، بينما بقيت الشؤون الإسلامية غير مفصولة عن الدولة الفرنسية. وعلى غرار ما فعلت الديانتان الأخريان، تكونت الجمعية الخيرية على أنقاض الكتب الخيري الإسلامي.

(2)

جريدة البصائر، 12 سبتمبر، 1947.

ص: 202