الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مشاركات ورواسب
كان معظم الجزائريين ينتظرون الخلاص من المشرق: من الدولة العثمانية عندما كانت قوية ثم من مصر بعد أن سمعوا بنهضتها وشاهدوا ذلك فيها أثناء حجهم وزيارتهم (1). ومن الناحية الروحية كانوا دائما ملتفتين نحو الحجاز مهبط الإسلام. ولكن الحجاز عندئذ لا يقدم أية مساعدة سياسية أو مادية. وقد كانت الدولة العلوية (المغرب) مصدر قوة وإلهام لبعض الجزائريين قبل أن تغلب على أمرها ويحتل الفرنسيون أراضيها أيضا.
إن أحداث المشرق والمغرب كانت تصل إلى المتعلمين الجزائريين بشتى الطرق رغم الحواجز التي وضعتها السلطات الفرنسية. فمن جهة كانت جريدة (المبشر) الرسمية نفسها تذكر أحداثا، تراها هامة وتلونها بلونها الرسمي، فقد كانت تغطي أخبار الدولة العثمانية والفارسية والأفغانية والمصرية والهندية والمغربية. ومن حرب القرم إلى حروب البلقان، ومن ثورة عرابي باشا إلى حرب طرابلس، ومن إصلاحات السلطان عبد المجيد والدستور العثماني إلى جمعية الاتحاد والترقي، ثم من أحداث الشام (1860) إلى فتح قناة السويس، ومن الثورة العربية إلى إلغاء الخلافة الإسلامية
…
كل ذلك تحدثت عنه المبشر في قليل أو كثير. فكان الشرق حاضرا في أذهان الجزائريين، وكانوا يتخذون نحوه المواقف والصور.
ومن جهة أخرى كان حديث الصحف المحلية الفرنسية عن الإسلام يثير الجزائريين. ذلك أن كتابات الصحفيين أمثال سيرفييه صاحب جريدة (لاديباش) بقسنطينة عن الخطر الإسلامي، كانت لا تمر بدون تعليق
(1) لم تكن السياسة الدولية واضحة عندهم. فمصر كانت تحت النفوذ الأجنبي أيضا، سيما الفرنسي والإنكليزي، ثم احتلها الإنكليز سنة 1882. ومع ذلك كانت صورة مصر عند الجزائريين صورة الدولة الكبيرة التي سيأتي الخلاص على يدها أو على الأقل المساعدة الحاسمة.
عندهم، وكذلك كتابات المستشرقين الفرنسيين ورجال الكنيسة. وفي العهد الأخير (بين الحربين) اهتم جوزيف ديبارمي بتحليل نفسية (الإنسان الأهلي) وردود أفعاله نحو الإدارة الفرنسية ونحو الروابط الروحية واللغوية والتاريخية مع المشرق. وقد نشر ذلك في عدة مجلات وجرائد كانت لا تغيب عن الجزائريين، سيما بعد انتشار التعليم.
ومن جهة أخرى كانت الصلة بين فرنسا وبعض السوريين قوية، فكانت الصحف الفرنسية تنقل أخبار هؤلاء ونشاطهم الأدبي والعلمي سيما بعد حكم إبراهيم باشا لسورية ونهضة الأدب العربي على يد جماعة من اليسوعيين والمبشرين هناك. كما أن الحركة العربية المضادة للعثمانيين نبعت من هذه المنطقة. وظهرت عائلتا اليازجي والبستاني وغيرهما. ومن الأسماء المعادية للعثمانين والمنادية بالقومية العربية يوسف كرم ونجيب عزوري. كما ظهرت المدارس الخاصة المرتبطة بالدول الغربية كفرنسا وأمريكا وروسيا، وكان لكل من هذه الدول تأثيره الثقافي والسياسي في المنطقة. ويجب أن نذكر أنه كان لفرنسا مشروع أخذت تعد له العدة ثم عدلت عنه، وهو توطين المارونيين في الجزائر بعد فتنة الشام سنة 1860 (1).
والصورة التي قدمها الإعلام الفرنسي منذ الاحتلال عن مصر تقوم على أن هناك صداقة حميمة بين حكام مصر والفرنسيين. فهناك العلماء الفرنسيون يقدمون خبرتهم للمصريين، والبعثات العلمية المصرية المرسلة إلى فرنسا. بالإضافة إلى أن العلاقات الثقافية بين مصر وفرنسا كانت تقوم دائما، على أنها في أحسن مثال. فالترجمة والتمثيل والموسيقى والصحافة وما إلى ذلك تجد صداها في الإعلام الفرنسي بغزارة. وكان الفرنسيون يتتبعون نشاط المصريين المتخرجين من بلادهم مثل الطهطاوي وطه حسين ومحمد فريد، وينوهون بآثارهم وما هم مدينون به لفرنسا. وقد نالت كتب الشيخ حسن العطار (وهو
(1) انظر بحث جورج إيفير في المجلة الأفريقية عن ذلك.
لم يتخرج من فرنسا) وتخليص الأبريز للطهطاوي حظا كبيرا من التنويه (1). كما نوهت الصحف الفرنسية بزيارة إبراهيم باشا لفرنسا. وكان هدف هذه الصحف هو توظيف العلاقات المصرية - الفرنسية في خدمة العلاقات الجزائرية - الفرنسية.
ومن ذلك زيارة الفرقة الموسيقية المصرية للمغرب سنة 1905. وكان ذلك حدثا صغيرا لو كانت الأمور عادية. ولكن فرنسا ربطت بين هذا الحادث الصغير وسياستها في المغرب والجزائر، وشكلت صحيفة (الأخبار) شبه الرسمية والناطقة باسم الكولون في الجزائر، ذلك الخبر بشكل يبعث على السخرية. فقد ذكرت أن السلطان المغربي المولى عبد العزيز، قد استقدم الفرقة المصرية لتهدئة الخواطر وتبادل الهموم بين الشعبين المصري والمراكشي وأن هذا السلطان كلف وكيله في مصر ليبعث إليه فرقة مصرية أخرى من الموسيقيين والراقصين والراقصات ليزيل ما علق بخاطره من الهموم على إثر زيارة الامبراطور الألماني ويليام الثاني لطنجة. وقد مرت الفرقة المصرية من تونس إلى المغرب (عبر الجزائر؟) برئاسة الفنان موسى بركات (2).
ومنذ 1869 نشرت (المبشر) مقالة مطولة عن نشأة (الجمعية العلمية السورية) وبرنامجها. وكانت هذه الجمعية قد تأسست بزعامة بطرس البستاني (3). ولعلها كانت مدعومة من بعض الدول والهيئات الدولية، بينما كانت فرنسا تطرد السوريين من الجزائر إذا ظهر لها أنهم يثيرون الشغب
(1) مثلا أنظر محمد الصالح العنتري (هدية الإخوان)، ط. قسنطينة 184. وكذلك المجلة الآسيوية. J. A رقم 10 سلسلة 4، السنة 7 184، ص 259 - 262.
(2)
الفرقة الأولى وصلت المغرب أبريل 1904 بعد اتفاق فرنسا وبريطانيا المعروف على إطلاق يد كل منهما فى المغرب ومصر. وكانت أيضا برئاسة موسى بركات. انظر (الأخبار) عدد 15 أكتوبر 1905. وعدد الفرقة الثانية ثمانية، رجالا ونساء.
(3)
المبشر 15 أبريل 1869.
ضدها. فقد ذكر لويس رين أن سلطات بلاده قد طردت أحد السوريين سنة 1881 لأنه جاء إلى الجامع الكبير بالعاصمة (الجزائر) وأخذ يروج لرأي الشيخ محيي الدين يحيى بن شرف الشافعي في وجوب الهجرة من بلد يتسلط عليه الكفار (1).
…
ومن جهة أخرى كان الجزائريون يشعرون بالحرمان والكبت الثقافي، سيما أولئك الذين يعيشون على التراث العربي الإسلامي والذين اكتشفوا ذلك التراث بعد اليقظة التي بدأت أوائل هذا القرن. كان تلفتههم إلى المشرق تلفت العطشان إلى المنهل العذب. وكانوا يتتبعون أخبار الأدب والثقافة، وتطور الأفكار، ودور الأزهر الشريف، والمعارك بين التجديد والتقليد، أما السياسة الشرقية فكانت لا تهمهم إلا قليلا لأن الدول الكبرى هي التي كانت تحركها، ابتداء من ثورة الشريف حسين والانتدابات، ووعد بلفور وإنشاء الجامعة العربية، والانقلابات. ورغم عقلانيتهم فان الجزائريين كانوا يغارون على الإسلام والعربية، ويشككون أحيانا حتى فيمن كان مخلصا لدعوته في التجديد والتغيير.
وفي هذا الإطار هاجم محمد السعيد الزاهري طه حسين على (شعوبيته) فقد قرأ في جريدة بيروتية اسمها (النداء) أن طه حسين كتب في إحدى الجرائد المصرية أن المصريين خضعوا لبغي وعدوان شعوب متعددة من بينها الفرس واليونان والعرب والفرنسيون والإنكليز. ويبدو أن هذا الخلط في (الشعوب المعتدية) على المصريين قد أدى إلى غضب الشباب العربي في سورية والعراق حتى طالبوا حرق كتب طه حسين، بينما قامت عناصر فرعونية تدافع عنه. وقد دخل الزاهري إلى الميدان أيضا وانتقد طه حسين على شعوبيته، وجعل عنوان مقالته (الدكتور طه حسين شعوبي ماكر). وحكم بأنه كان ضد الإسلام والعروبة وأنه يعرف كيف يتستر عن شعوبيته.
(1) لويس رين (مرابطون وإخوان)، الجزائر 1884، ص 500. ومن هو ابن شرف هذا؟.
واستعرض الزاهري بعض آراء طه حسين من كتبه ليدلل على رأيه فيه (1).
وكذلك انتقد بعض الجزائريين المجمع اللغوي المصري على اختياره حسن حسني عبد الوهاب (من تونس) ليكون عضوا نائبا عن المغرب العربي. وفي نظرهم أن عبد الوهاب كان موظفا عند فرنسا في المهدية، وأنه كان تحت تأثيرها ومن ثمة فاختياره في المجمع إنما كان بإيعاز فرنسي (2). وكان ابن باديس أيضا، من بين الذين انتقدوا هذا التعيين (3). وليس ذلك منهم إلا غيرة على اللغة العربية والإسلام، لأنهم يعرفون نفوذ فرنسا أكثر ربما مما يعرفه الشرقيون الذين ينظرون إلى الموضوع عادة نظرة غير مسيسة.
وكان الجزائريون يعتبون على الشرقيين قلة اهتمامهم بقضايا المغرب العربي وانشغالهم بشؤونهم الخاصة ولو كانت تافهة، ويأخذون عليهم عقدتهم من الغرب واهتمامهم بشؤونه والأخذ عنه مهما كانت البضاعة التي يقدمها لهم. وفي كلمة تتميز بالحرارة كتب الشيخ فرحات بن الدراجي (عتابا إلى الشرقيين) سنة 1937 تعرض فيها لوشائج القربى بين المغرب والمشرق والصلات التاريخية والروحية، ومع ذلك فأنه لا يجد إلا الإهمال لشؤون المغرب من المشارقة. واستثنى من هذا العتاب مجلة الفتح والرابطة العربية وجريدة الشباب.
واتخذ ابن الدراجي مثالا على ذلك الإهمال واللامبالاة أن جمعية العلماء المسلمين وزعت نسخا من كتابها المعنون (السجل) على بعض الأعيان والمجلات، وطلبت من أصحابها كتابة تنويه بدور الجمعية في النهضة العربية والإسلامية، ولكنها لم تجد ما كانت تنتظره. كما أن نهضة
(1) محمد السعيد الزاهري، جريدة (الصراط) عدد 4 - 9 أكتوبر 1933. مقالة طويلة في صفحتين من الجريدة.
(2)
البصائر، عدد 53، 29 يناير 1937. وعنوان المقال هو (المجمع اللغوي المصري يعتدي على الأدب والأدباء).
(3)
جريدة البصائر، 1939. وبالخصوص حول تصريح أدلى به حسن حسني عبد الوهاب إلى محطة إذاعية فرنسية.
الجزائر بدأت منذ عقدين دون أن تغطيها في نظره، الصحف والمجلات المشرقية. وانتقد أيضا الكلمة (الهزيلة) التي كتبتها جريدة (السياسة) الأسبوعية المصرية. وكانت (الرسالة) محل نقد خاص عنده، لأنها تتخذ شعارها جمع أبناء البلاد العربية على وحدة الثقافة، ومع ذلك لم تكتب تقريظا للسجل المذكور رغم أن الجمعية قد أهدتها نسخة خاصة منه. ثم وجه الدراجي انتقاده إلى الزيات، صاحب الرسالة، على اهتمامه (براقصات أوروبا) وبالتوافه، ولكنه اعترف بأنه كتب عن الجزائر في إحدى افتتاحياتها العبارة التالية (وفي الجزائر رؤوس تدور من خدر السياسة، وقلوب تذوب من حرارة الظلم)، وانتقد الدراجي الشرقيين عموما على جهلهم بالأسماء الشخصية وأسماء المدن الجزائرية، فهم ينطقون وهران (أوران)، وقسنطينة (قسطنطين) بينما يتهالكون على كل ما هو أوروبي ولو كان مخلة بتقاليدنا مثل الروايات البوليسية (1).
ويدخل في هذا النطاق نقد الشيخ ابن باديس للشاعر أحمد شوقي الذي حكم، عند زيارته القصيرة للجزائر، على جهل وبؤس الجزائريين من خلال أطفالهم ماسحي الأحذية. وكان الشيخ أبو يعلي الزواوي الذي عاش طويلا في الشام ومصر كثير العتاب للمشارقة أيضا على قلة اهتمامهم بأحوال المغرب العربي، ولا نستثني من ذلك الشيخ الإبراهيمي الذي عاش في المشرق مرحلتين هامتين من حياته، وكانت له فيه صداقات وعلاقات.
وقد نالت مع ذلك، قضية تأبين الشاعرين شوقي وحافظ حصة من الاهتمام في الجزائر، وتتبع الجزائريون مبايعة شوقي بإمارة الشعر، وتأبينه بعد وفاته وزميله حافظ إبراهيم، بحنين كبير وحرص على المشاركة والحضور. ومع أن ظروفهم لم تسمح لهم بالمشاركة البدنية فقد اجتمعوا
(1) فرحات بن الدراجي (كلمة عتاب إلى إخواننا الشرقيين) في البصائر عدد 3 ديسمبر 1937. مقالة طويلة على ثلاث صفحات، وعدد الرسالة المشار إليه هو رقم 42.
على بكاء الشاعرين الكبيرين. كما نظم شعراؤهم في ذلك القصائد الحارة (1). وحتى لا يتكرر الغياب كتب (الشاب) الشاذلي المكي من تونس يقترح مشاركة الجزائر في تأبين مصطفى صادق الرافعي الذي كانت لجنة خاصة تحضر له في مصر، واقترح بعض الأسماء (2).
…
إننا نوهنا في هذا الفصل بشخصيات عديدة، ولكن مكانة خاصة يجب أن يحظى بها الشيخ صالح الشريف التونسي. فهذا الرجل كان طيلة خمسة عشر عاما. تقريبا شعلة متقدة ضد الاستعمار الفرنسي وصوتا مدويا لصالح قضية الجزائر وتونس. ومن واجب الجزائريين اليوم أن يحتفوا به وبإخوانه باش حانبه (علي ومحمد) ومحمد السنوسي، والمكي بن عزوز والخضر حسين والثعالبي وعلي بوشوشة، وإسماعيل الصفائحي وأضرابهم. فانهم لم يكونوا ينظرون إلى قضية المغرب العربي مجزأة كما هي اليوم بل كانت في نظرهم قضية واحدة.
ومنذ كان شيخا في جامع الزيتونة كان صالح الشريف مهتما بالسياسة التونسية والجزائرية. وهو من الذين ساهموا في تكوين جيل من المناهضين للاستعمار. وكان من آل البيت، ومن بيت قديم في تونس. وهاجر منها إلى المشرق حوالي 1906، حين بدأ الاضطهاد السافر للحركة الوطنية هناك، ثم لحقه الأخوان باش جانبه والصفائحي والخضر حسين. ونشط صالح الشريف بالذات في اسطانبول ودمشق، وكان على صلة بأعيان المهاجرين من أبناء الأمير عبد القادر وغيرهم. وقيل انه أقنع بعض الجزائريين بعدم الرجوع إلى الجزائر وأنه عارض الفكرة الإصلاحية المعتدلة التي دعا إليها رشيد رضا (عدم الاهتمام بالسياسة) على مذهب الشيخ محمد عبده. وعزا بعضهم محاولة اغتيال رشيد رضا سنة 1909 في
(1) انظر كتابنا (شاعر الجزائر محمد العيد)، والخرفي الشعر الجزائري الحديث.
(2)
البصائر 16 يوليو 1937، وقد أمنت الجريدة على هذا الاقتراح.
دمشق إلى اعتراضات صالح الشريف عليه.
وبعد تولي جمعية الاتحاد والترقي السلطة في الدولة العثمانية وجدت في صالح الشرف زعيما نشيطا، فأرسلته في عدة مهمات إلى دمشق وغيرها، ثم حدثت حرب طرابلس فذهب مع أنور باي (بيك)، وارتبط به وأصبح مستشاره في شؤون المغرب العربي. وكان صالح الشريف هو الذي ألقى سنة 1910 خطابا ثم صلى بالناس عند ضريح خير الدين بربروس بإسطانبول بحضور أعيان وأمراء متل محمد باشا بن الأمير عبد القادر (1).
وخلال الحرب العالمية انتقل صالح الشريف إلى سويسرا، وظل يعمل لتحرير تونس والجزائر والمغرب. ولعله اشترك في مؤتمر القوميات الذي انعقد بلوزان سنة 1916 إلى جانب محمد باشں حانبه ومحمد فريد وعلي الغاياتي وآخرين. ذلك أنه أصدر في هذه السنة كتيبا بعنوان (آلام الشعوب المضطهدة، تونس والجزائر) بالألمانية، وقد اشترك معه في وضعه زميله إسماعيل الصفائحي، كما صدر نفس الكتيب بالفرنسية سنة 1917 (2). وفي هذه الأثناء صدر لهما أيضا كتيب آخر بعنوان (شمال افريقية
…
).
وعند نهاية الحرب أدركت صالح الشريف الوفاة (1919). ولا ندري إن كان من المساهمين في إنشاء مجلة المغرب وفي الدعوة إلى تطبيق مبدإ تقرير المصير على الشعوب المستعمرة. والغالب أنه فعل ذلك. لقد كان صالح الشريف، كما تدل خطواته، من مدرسة جمال الدين الأفغاني. يرى السياسة في العمل من أجل إسقاط النظام الاستعماري، وكان يؤمن بتحريك
(1) تعرف على صالح الشريف وعلى زميله الصفائحي، أحد البولنديين باسم سيف الدين ثادي غازويت الذي قل انه اعتنق الإسلام وزار الجزائر وتونس، وكتب عن صالح الشريف في (النشرة البولونية) عدد 15، 1907. وقد رافقه غازويت إلى اسطانبول أيضا. انظر باردان، (الجزائريون والتونسيون)، مرجع سابق، ص 190 - 193.
(2)
المكتبة الوطنية - باريس رقم 2283 LK 8 8. وهو في 32 صفحة. وقد ترجم إلى العربية.
الجماهير وتجنيد القادة لقيادتها. وقد أدركه الموت دون أن يرى الضوء الذي عمل على أن يعم بلاده والمنطقة كلها، ولكن تلاميذه صاروا على دربه وجنوا ثمرات جهوده (1).
وهكذا فانه بالرغم من العزلة التي فرضت على الجزائر منذ 1830 فانها كانت تتصل بالمشرق والمغرب من عدة طرق، كما كان المشارقة والمغاربة يتصلون بها ويهتمون بقضيتها ولا سيما منذ أوائل هذا القرن. ومع وسائل الإعلام والاتصال ونشأة الحركات الوطنية هنا وهناك، وتواصل رجال الدين والسياسة، والبعثات الطلابية حدث تطور كبير في هذه العلاقات، ثم تدعمت وتوسعت منذ إنشاء الجامعة العربية وظهور حركة الإخوان المسلمين، ونكبة فلسطين التي أصبحت رمزا لاهتمام العالم العربي والإسلامي. وقد عادت الجزائر إلى أصالتها العربية الإسلامية وزال عن أهلها الشعور بالحرمان والكبت، كما صحح المشارقة نظرتهم عنها فلم تعد هي تلك الفردوس المفقود الذي يشبه الأندلس، ولكنها الفردوس الموعود والعائد الذي بشرت به انتفاضات وإرهاصات قرن وربع، ثم ثورة 1954.
انتهى الجزء الخامس
ويليه الجزء السادس
(1) من مصادره، بالإضافة إلى ما ذكرنا، الأعلام الشرقية، 2/ 113، وشجرة النور لمحمد مخلوف. وربما كان الثعالبي من أنصاره. ولا ندري متى تخلى صالح الشريف عن جمعية الاتحاد والترقي التي خيبت آمال الزعماء العرب والمسلمين. وعن محمد باش حانبه أنظر علال الفاسي (الحركات الاستقلالية)، ط 1، 1948، ص 41 - 45، سيما عن دوره في وحدة المغرب العربي. وعن مؤتمر القوميات 1916 انظر فلوري (الحركة القومية العربية في جنيف) في (العلاقات الدولية) رقم 19، خريف 1979، ص 332.