الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جريدة المنتخب
ولكن من الناحية التاريخية نذكر جريدة مجهولة الاسم حتى الآن ظهرت سنة 1877 في قسنطينة. وهي ناطقة بالعربية كملحق لجريدة (البروقري دي ليست) التي كانت تصدر في قسنطينة. ويذكر من اطلع على محتواها أنها كانت بالعربية وأنها هاجمت الشيخ عبد القادر المجاوي على آرائه التي أظهرها في رسالته (إرشاد المتعلمين)، كما هاجمت الثقافة العربية واللغة العربية ودعت إلى إدماج الجزائريين في الثقافة الفرنسية. ونحن لا نتوقع إلا ذلك من جريدة متفرعة عن (البروقري) من جهة وصادرة زمن الجمهورية الثالثة وعلى إثر ثورة 1871 من جهة أخرى.
ولكن الشيء الملفت للنظر فيها هو أن بعض الجزائريين قد ظهر على صفحاتها أيضا، ومن هؤلاء من كتب ضد المجاوي أيضا لأنه (أي المجاوي) جعل الجزائريين أقل تقدما من عرب المشرق. وهذا ما لا تتحمله السلطات الفرنسية التي تريد أن تظهر بين الجزائريين على أنها حاملة لواء التقدم والحضارة بينهم والآخذة بيدهم إلى هذا الطريق. فهذا الكاتب وأمثاله إذن إنما هم متفرنسون أو مغفلون. ومع ذلك فإنهم لم يسايروا الجريدة في مهاجمة الثقافة العربية واللغة العربية (1).
وهذه الجريدة المجهولة غير معروفة المدة أيضا، ويبدو لنا أنها كانت (نشرة) صدرت مؤقتا عن (البروقري) لتؤدي مهمة عاجلة، وهي الإساءة للثقافة العربية ولدعوة المجاوي إلى الإصلاح والتعلم التي ظهرت في رسالته (إرشاد المتعلمين). ونعتقد أنه لم يصدر منها سوى بضعة أعداد ومع ذلك
(1) الآن كريستلو (المحاكم الإسلامية)، برنستون، 1985، ص 229 - 230 لكن سيرقال Sers - Gal قال في مقالة له نشرها في المجلة الأفريقية. R.A بعنوان (الصحافة الجزائرية) ص 109، إن الملحق لم ير النور، لأن الحاكم العام شانزي لم يرخص به. وقال إن المحاولة قام بها أرثر دي فونفيل Founville سنة 1877.
فإليها يرجع الفضل في لفت الأنظار إلى آراء المجاوي وإلى الموقف من قضية الحضارة.
ونفهم من (سيرقال) أن مشروع الجريدة العربية المستقلة إعلاميا قد نجح، ولكن على يد شخص آخر قال عنه إنه كان ضابطا في فرقة الزواف وملحقا بالحكومة العامة، فقد أنشأ هذا الضابط المجهول جريدة (من وحي الحكومة؟) حوالي 1880 وسماها (أستر الشرق L'Astre d'orient) وكان هدفها، كما قيل، هو فتح منبر لجميع عرب البحر الأبيض حاملا إليهم أخبار فرنسا ثم الأخبار العامة من طنجة إلى أصبهان. وعلينا أن نتذكر أن فاتح سنة 1880 عرف اهتمام إيطاليا بتونس وشرق الجزائر واهتمام بريطانيا بمصر، وأن فرنسا كانت منافسة لكلتيهما، ثم أن احتلال تونس حدث سنة 1881 واحتلال مصر سنة 1882، وإن ثورة المهدي في السودان وثورة عرابي باشا قد وقعتا أثناء ذلك. فاهتمام السلطات الفرنسية بمنطقة البحر الأبيض وبالحياة العربية كان من أجل تجميل وتأطير الصورة الفرنسية في الجزائر والشرق.
وبناء على سيرقال فإن (أستر الشرق) كانت أسبوعية تصدر كل خميس، وأنها كانت تلجأ إلى التمويه لتستر عربيتها حتى أنها كانت تطوى بطريقة تظهر فيها كأنها صحيفة فرنسية. وعلينا أن نفهم من ذلك أن اللغة العربية كانت محاربة حتى في حروفها. ومهما كان الأمر فقد اعتبرها سيرقال (محاولة مخلصة) لتوضيح رسالة فرنسا للعرب. ويبدو أنها صحيفة قد استغرقت فترة لا بأس بها إذ أنها أفلست سنة 1883 (1). ولا ندري ما العلاقة بين هذه الصحيفة والصحيفة التي لم نعرف اسمها ثم صحيفة (المنتخب) التي سنتحدث عنها. ولعل القدر المشترك بين هذه المحاولات جميعا هو أنها
(1) سيرقال، مرجع سابق، ص 109. جاء هذا المصدر بإحصاء الصحف الفرنسية التي ظهرت بين 1870 - 1896، وهو إحصاء يبين نشاط وظهور الصحف في عهد الجمهورية الثالثة 1871: 30 صحيفة، 3 188: 38، 1886: 50، 1890: 92، 1896: 134.
صدرت في الجهة الشرقية من البلاد وأنها محاولات لنشر الفكر الاستعماري بطريقة غير رسمية، وأما الطريقة الرسمية فهي التي حذقتها وتفننت فيها (المبشر) كما عرفنا.
أما جريدة (المنتخب) فأمرها مختلف. فهي جريدة معروفة الاسم والتاريخ والمدة، وكان لها مدير ورسالة، وكان مديرها فرنسيا هو بول ايتيان. وقد ظهرت في قسنطينة بتاريخ 28 إبريل 1882، وانتهت بعدد 40 يوم 12 يناير 1883 (1). وكانت رسالتها الظاهرة هي الدفاع عن مصالح الأهالي، وخصوصا الفلاحين، ولكنها كانت تدعو إلى الاندماج في البوتقة الفرنسية. ولذلك أولت اهتماما خاصا بتدوين الفقه الإسلامي لكي يسمح بنيل الحقوق والواجبات السياسية، بما في ذلك المساواة في الضرائب والخدمة العسكرية، والتجاوز عن الشروط - العقبة التي وضعها قانون التجنس سنة 1865، وهي ضرورة التخلي عن الأحوال الشخصية الإسلامية قبل الدخول تحت طائلة القانون الفرنسي. ولذلك وصفت جريدة (المنتخب) الشريعة الإسلامية بأنها شهادة عدم المساواة المدنية للجزائريين، وعليهم أن يتخلصوا من ذلك لا عن طريق التجنس الصريح ولكن عن طريق تدوين الشريعة (والفقه) بما يسمح لهم باكتساب الحقوق المدنية الفرنسية. واعتنت المنتخب أيضا بالقضايا الاقتصادية والجبائية للجزائريين، وبسياسة روسيا والنمسا الثقافية نحو الأقليات، معتبرة ذلك نموذجا صالحا للجزائر أيضا.
وفي افتتاحية عددها الأول جاء أنها جريدة أنشأتها (جماعة من مسلمي قسنطينة ومن أعيانها) وأنها لخدمة فرنسا وخدمة الفلاحين. وذهبت إلى أن العرب هم الذين أنشأوها وأنهم موالون لفرنسا ومؤمنون بعظمتها، وقالت إنهم معتدلون في آرائهم ويعتقدون في التقارب بينهم وبين الفرنسيين والتفاهم
(1) ذكر نفس المصدر (كريستلو) - المحاكم
…
، ص 238، أنها صدرت بتاريخ 23 أبريل وانتهت فى بداية 1883.
معهم. وادعت الجريدة أن لا ضرر من إنشائها بعد أن ذهب الجيش إلى تونس لاحتلالها (1881). وأعادت إلى الأذهان اضطرابات الفلاحين، ولذلك جاءت هي لتوضيح المشاكل الكبيرة التي تشغل بال الصحافة الفرنسية، ولكي ترتاد الطريق لفرنسا. وزعمت أن العرب الذين انضموا إلى الجريدة سينورون فرنسا حول العاصين ويقومون بتبصير إخوانهم بإحسان فرنسا وتمدينها لهم، وإن رسالة التمدين الفرنسية ستعيد الجزائريين إلى سابق عهدهم في الحضارة، ثم دعت إلى القيام بإصلاحات فرنسية نحوهم. ومع ذلك لم تهتم الجريدة بإلغاء المحاكم الإسلامية ولا بمشكلة القضاء الإسلامي، وكانت هذه من القضايا الساخنة عندئذ (1).
أطلقت المنتخب على نفسها اسم (جورنال)، واعتبرت نفسها لواء خفاقا للمدنية لأن العصر لم يعد عصر الرايات وإنما هو عصر الجرائد. وكانت تصدر أسبوعيا باللغتين، كل يوم أحد. ومن كتابها الجزائريين حميدة بن باديس، وعبد القادر المجاوي، وزين العابدين بو طالب. وهناك كتيب يذكر عددا من الوجوه البارزة المشاركة في تحرير الجريدة. وقد نوه زين العابدين بو طالب (وهو قريب الأمير عبد القادر) بظهور الجريدة في أبيات نشرت في العدد الخامس منها واعتبرها جريدة نافعة للأهالي ومبشرة بالأماني والوصول إلى الحق كما دعا إلى اقتنائها (2).
لقد كان رد فعل الحكومة ودوائر المستوطنين على المنتخب عنيفا. فقد هاجمها الحاكم العام، لويس تيرمان نفسه في تقريره. وحكمت عليها جريدة (الأخبار) المنحازة إلى الكولون بأنها جزء من (حركة تمردية) وقالت إن وفودا عين المنتخب قد ذهبت إلى البلدان
(1) كريستلو (المحاكم)، مرجع سابق، ص 238 - 239.
(2)
قنان (نصوص سياسية)، مرجع سابق، ص 182 - 184. عن المنتخب انظر أيضا محمد ناصر (الصحف العربية في الجزائر)، الجزائر، 1980. وكذلك زهير ايحدادن (تاريخ الصحافة الأهلية في الجزائر من أصولها إلى 1930)، الجزائر 1983.