الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فاحترق. وقد رثاه أحد شعراء بني راثن واستنجد بالأربعين مرابطا الذين تذهب الأسطورة الشعبية إلى أنهم حماة الجامع (1).
وفي تقرير يرجع إلى سنة 1905 كتبه فيكتور ويل، الأستاذ بمدرسة الآداب (كلية) العليا وقدمه إلى الحاكم العام شارل جونار، أن جامع سيدي علي بشرشال قد عطل وحول إلى إسطبل لخيول سلاح الهندسة العسكرية، وأنه لم يبق منه في التاريخ المذكور سوى بعض العرصات الواقفة (2).
مساجد إقليم قسنطينة
ليس لدينا دراسات مفصلة عن مساجد إقليم قسنطينة بعد الاحتلال سنة 1837. وكانت مدينة قسنطينة محل اهتمام بعض الباحثين الفرنسيين مثل شيربونو، وميرسييه وفيرو وفايسات. وكانوا مثل زملائهم الذين تخصصوا في هذا الموضوع بالنسبة لمدينة الجزائر، يعتمدون على علماء المسلمين وعلى السماع والنقوش المكتوبة التي وجدوها على البنايات نفسها وبعض الوثائق الرسمية. والذين تناولوا البنايات الدينية قدموا لنا معلومات وأوصافا سريعة ومختصرة لا تفي بالغرض إلا بالنسبة لبعضها، كالمسجد الذي حولته السلطة إلى كنيسة، ولم يفصلوا في إحصائهم العام بين المسجد والزاوية والقبة. والحقيقة أن الأمر كثير ما اختلط حتى عند المسلمين. ذلك أن العدد الكبير من المساجد كان جزءا من مؤسسة دينية كاملة تضم أيضا الضريح والمدرسة والزاوية والجبانة. وكانت مساجد الخطبة والصلوات الخمس كثيرا ما تلتصق بها مدرسة القرآن الكريم أو الكتاب (المكتب) أيضا.
ولذلك فإننا سنواجه هنا، سيما مع مدينة قسنطينة، صعوبة الفصل بين أجزاء المؤسسة الدينية. وننبه إلى أننا قد خصصنا هذا الحيز للمساجد فقط،
(1) هانوتو ولوتورنو (بلاد القبائل)، ج 2، ط. 2، ص 103. وقد جرى إحراق الجامع في 24 مايو، 1857.
(2)
ويل waille، المجلة الإفريقية، 1905، ص 78.
مؤجلين الحديث عن الزوايا وغيرها إلى فصول أخرى. وتشير الإحصاءات إلى أن مدينة قسنطينة وحدها كانت تحتوي على حوالي مائة مسجد، حسب روسو (1838)، وسبعين مسجدا سنة 1837، تاريخ احتلالها، وقد استكثر شيربونو ذلك على مدينة قيل إنها كانت تضم حوالي عشرين ألف نسمة على أضعف تقدير (1). ولكنه سرعان ما لا حظ، وهو الخبير الذي أقام في قسنطينة زمنا طويلا وعرف علماءها وطلبتها عندما كان أستاذا لحلقة دراسات اللغة العربية، إن أهل قسنطينة متدينون جدا، كما لاحظ أن الناس أخذوا يتحولون في وقته (1857) من المساجد إلى الزوايا والطرق الصوفية (2)، وهي ظاهرة أشرنا إليها في فصل آخر (الطرق الصوفية)، وهي غير خاصة بهذه المدينة. وسنحاول إعطاء أرقام للمساجد التي سنذكرها مع المعلومات الإضافية الممكنة. وإذا وجدنا اسما لمسجد عاريا من المعلومات، فسنتركه كذلك إلى أن نستطيع نحن أو غيرنا إضافة البيانات اللازمة عنه.
1 -
جامع رحبة الصوف: قيل إنه يرجع إلى القرن الخامس الهجري. وكانت له أوقاف شأن مختلف البنايات الدينية (3). هذا المسجد القديم الذي يرمز إلى الوجود الإسلامي في المنطقة عطله الفرنسيون عن وظيفته منذ الاحتلال، وجعلوه مخزنا للشعير تحت الإدارة العسكرية. وفي سنة 1848 جعلوه ملجأ لإيواء ضحايا المجاعة حين كان الأهالي يموتون في الطرقات جوعا. وكتب الفرنسيون على باب هذا الجامع - الملجأ - عبارة بالعربية، وهي (الجمهورية الفرنسية، الأم الرؤوم للفقراء والأيتام). ولعلهم
(1) عدد السكان الحقيقي أكثر من ذلك. ولكن المدينة بعد احتلالها جلا عنها كثير من سكانها.
(2)
شيربونو (آثار قسنطينة) في (المجلة الشرقية والجزائرية)، م 3 (1853)، 321.
(3)
خلافا لمساجد العاصمة التي درسها ديفوكس من خلال وثائق أوقافها (الوقفية) فإن المساجد الأخرى في الجزائر قلما تذكر معها أوقافها، ومن ثمة لا نعرف الكثير عن تحول أسمائها وأماكنها ووكلائها وموظفيها الآخرين، ومؤسسيها وقيمة وقفها إلا نادرا.
لو منحوا للجامع أوقافه لما افتقر الناس إلى هذا الحد ولما احتاج الفرنسيون إلى هذه الدعاية المكشوفة. وفي سنة 1852 أسقطوا منارته (1). وبعد عدة سنوات كتب أرنست ميرسييه عن هذا الجامع قائلا إنه اختفي ليقام مكانه المستشفى المدني (2).
2 -
جامع القصبة: يرجع إلى العهد الحفصي. وقدر تاريخ تجديد بنائه سنة 683 هـ، فهو إذن كان موجودا قبل هذا التاريخ كما لاحظ شيربونو. ولكن مكانته واشتهاره كان في العهد الحفصي، وقد اشتهر بالعلماء الذين درسوا فيه وورد ذكره في كتب عبد الكريم الفكون وغيره. لكن الفرنسيين لم يراعوا حرمة الدين ولا حرمة التاريخ والآثار فعطلوه عن وظائفه وحولوه إلى بناية عسكرية تضم تارة الأسلحة وتارة الأدوية. وفي عهد شيربونو كان الجامع مخزنا لعتاد الهندسة (3). وقد قال عنه ميرسييه إنه اختفى تماما، من أجل إقامة المستشفى العسكري (4). وفي كتاب (منشور الهداية) لعبد الكريم الفكون بعض الأخبار عن هذا الجامع الذي كان مقصدا للعلماء. ومن مدرسيه قبل الاحتلال عمار الغربي المعروف بأبي راشد. وكان مفتيا وشاعرا أيضا (5). وكذلك الشيخ أحمد العباسي.
3 -
الجامع الكبير: وهو يقع بين الساحة المسماة بالبطحاء وسوق الجلود. وكان في خدمة آل الفكون لمدة قرون. وقد جاء ذكره في بعض مؤلفاتهم. وكان مقرار لشيخ الإسلام في العهد العثماني، كما كان يحتوي على أربعين عرصة. ووصفه شيربونو بأنه يشكل في الحي شبه جزيرة، وزعم أنه قد يكون مبنيا على معبد وثني (؟) ولكن الحفريات والبحوث لم تثبت هذه
(1) شيربونو (آثار ..) في (المجلة الشرقية والجزائرية) عدد 3، ص 321.
(2)
أرنست ميرسييه، (قسنطينة
…
) في (روكاي)، 1878، 96.
(3)
شيربونو (آثار)، 322. انظر (المجلة الشرقية والجزائرية)، م 3، 1853، 167.
(4)
ميرسييه (قسنطينة)، روكاي، مرجع سابق 96. لاحظ الاضطراب في العبارة (العسكري أو المدني)، ولا ندري الآن هل الخطأ من ميرسييه أو من نقلنا عنه.
(5)
تعريف الخلف، 2/ 294.
الفكرة. وتشهد الكتابة العربية المنقوشة على سارية محرابه أن الجامع الكبير مبني بعد القرن السادس الهجري، 603 هي حسب بعض الروايات. والغريب أن الجامع الكبير لم يرد ذكره في قائمة ميرسييه. ومن شيوخه في العهد الفرنسي حمدان الونيسي ومحمد الصالح بن مهنة والمولود بن الموهوب. وجاء في بعض المراجع أن نصف الجامع الكبير قد هدم، كما هدمت منارته من أجل توسيع شارع الحي الأوروبي. أما منارته الحالية فهي حديثة العهد (1).
4 -
جامع صالح باي: يسمى أيضا جامع سيدي الكتاني. وقد اعتبره شيربونو الجامع الوحيد الذي يتميز بثروة فنية وفخامة في البناء. وكان من مساجد المذهب الحنفي. ولم نجد لهذا الجامع ذكرا في بحث ميرسييه. والمعروف أن جامع سيدي الكتاني كانت تتبعه مدرسة اشتهرت في العهد الفرنسي حين أصبحت هي المدرسة الشرعية الرسمية منذ 1850. وكان من خطبائه أحمد العباسي الذي توفي حوالي 1834. وكان الجامع يقع في سوق العصر الذي كان في الواقع جزءا من الجامع والمدرسة، ولكن الفرنسيين هم الذين فصلوا السوق عن الجامع. ومنذ 1947 أصبحت المدرسة الكتانية والجامع التابع لها تدعى المعهد الكتاني الذي كان تحت إشراف عمر بن الحملاوي (الطريقة الرحمانية) والذي كان ينافس معهد ابن باديس.
5 -
جامع سوق الغزل: وهو الذي حوله الفرنسيون إلى كنيسة بعد سنتين من احتلال المدينة. ففي 3 مارس، 1839 جاء القسيس سوشيه وأشرف على اغتصابه وافتتاحه كنيسة. وكان الحاكم العام، المارشال فاليه، هو الذي أعطاه الرخصة في ذلك دون الرجوع إلى المسلمين ولا إلى اتفاق 1830 القاضي باحترام الدين الإسلامي. وكان الجامع من أجمل مساجد قسنطينة وأوسعها. وقد كررت السيدة (بروس) المعاصرة لهذا الحدث أن العرب كانوا لا يفرقون بين إله الفرنسيين وإله المسلمين وأن الله عندهم
(1) محمد الساسي (مشاهداتي في قسنطينة)، المطبعة الجزائرية الإسلامية، 1955. وهو يروي عن الشيخ محمود بن المطماطية.
واحد، ولذلك كانوا يأتون إلى هذه الكنيسة/ الجامع متطفلين ليشاهدوا الطقوس الدينية عند المسيحيين. ولا ندري أي صنف من (العرب) تتحدث عنه، وكيف يصح ذلك مع الروايات الأخرى التي تصف المسلمين (العرب) بالتعصب الديني؟ لا شك أن الواعين من أهل قسنطينة كانوا يفرقون بين الله الواحد وآلهة الشرك والتثليث، وبين الإسلام والنصرانية. وكان بعض رؤساء العرب قد دعاهم الفرنسيون إلى هذا الاحتفال فحضروا (1). أما ميرسييه فقد اكتفى بالقول إن جامع سوق الغزل قد اختفى بعد تحويله إلى كاتدرالية.
وجامع سوق الغزل منسوب إلى الباي حسين وكمية الذي كان حاكما سنة 1115 (1713). وهناك كتابة تخلد ذلك، ذكرناها في مكانها. هذا هو الشائع والموثق. ولكن باحثي الفرنسيين حصلوا من الشيخ مصطفى بن جلول على وثيقة تثبت أن جده عباس بن علي جلول (عباس بن عبد الجليل)، هو الذي بنى الجامع بنقوده في حي سوق الغزل، ولتخليده وضع عباس لوحة رخامية فوق الباب الرئيسي عليها نقش بالخط المشرقي نادر المثال، ولكن الباي حسين، دعاه وطلب منه أن يضع هو اسمه بدل عباس على النقيشة التلخيدية، وما دام طلب الحكام يعتبر أمرا فقد وافق عباس على طلبه وأعطاه التعويض على البناء، أو اعتبره هدية. وبعد موت عباس جاء الحسدة والكائدون ووسوسوا للباي بأن عباس ما وضع اسمه إلا ليكون هو المخلد وأن أهالي قسنطينة سينسون اسم الباي، فقام هذا بمحو اسم عباس ووضع اسمه بدله. ولكن ما قيمة كل ذلك عند الله وعند الفرنسيين؟ إذا كان الله هو الذي يعرف حقيقة ما جرى بين الباي حسين وعباس بن جلول، فإن الفرنسيين لا يعنيهم ذلك في شيء، وإنما الذي كان يعنيهم هو الاستيلاء على هذا الجامع النادر الصنعة والذي جلبت إليه أحجار الغرانيت من نواحي عين ياقوت، كما يؤكد شيربونو، وكان موقع الجامع هو ساحة قصر الباي أحمد (2).
(1) السيدة بروس Prus (إقامة في الجزائر)، لندن، 1864 ص 288.
(2)
شيربونو (روكاي)، 1854? 1855، 102، 107. واللوحة الرخامية المخلدة للبناء =
6 -
الجامع الأخضر: أو جامع سيدي الأخضر. وقد بناه الباي حسن المعروف بوحنك سنة 1156 (والمتوفى سنة 1167). وهو من مساجد المذهب الحنفي، ويشهد الأثريون أنه كان مسجدا بديع الصنعة، له خمس بلاطات (أروقة) وأجملها الوسطى. وكان يضم أضرحة العائلة. وقد ألحقت به مدرسة جميلة أيضا بناها صالح باي. وتسمى مدرسة جامع سيدي الأخضر. وهذه المدرسة هي التي اغتصبها الفرنسيون من يد المسلمين وجعلوها مقرا لحلقة اللغة العربية التي أحدثوها لأنفسهم، أي تدريس العربية لمن سيتولون شؤون المسلمين كضباط المكاتب العربية وموظفي الإدارة المدنية. وفي هذه المدرسة كان المستشرق شيربونو هو أول من تولى حلقة اللغة العربية (1). وقد اشتهر الجامع الأخضر منذ الحرب العالمية الأولى بدروس الشيخ عبد الحميد بن باديس، زعيم النهضة الوطنية.
7 -
جامع عبد الرحمن المناطقي: واسم المناطقي كان يوحي بحرمة كبيرة في قسنطينة حتى أن بعض الناس كان يحلف برأسه، بقطع النظر عن كون هذا من الشرك بالله. وقد بني الجامع حوالي 1022 هـ (1613 م)، من قبل قايد الباب. ويقال إن المناطقي رجل من المغرب الأقصى، ويرجع تاريخه إلى العهد الحفصي، ربما في عهد السلطان عبد الواحد بن أبي حفص. ولا يعرف تاريخ وفاة المناطقي. وله كرامات عديدة (2).
= نقلت إلى قصر الحاج أحمد بعد تحويل الجامع إلى كنيسة حتى ينسى الفرنسيون أن هذا الجامع له تاريخ مكتوب بالعربية وأن جهة إسلامية هي التي بنته. أما الشيخ مصطفى بن جلول فيبدو أنه كان يتقرب للفرنسيين بوثائقه وتصريحاته، لأنه قدم معلومات أخرى مشابهة إلى فايسات أيضا. وعن تاريخ جامع سوق الغزل انظر أيضا (روكاي) سنة 1865، ص 67.
(1)
عن شيربونو وحلقة اللغة العربية انظر فصل الاستشراق. وفي كتابة ترجع إلى 1955 أنه لم يكن في قسنطينة عندك سوى ثلاثة جوامع للخطبة، وهي الجامع الكبير والجامع الأخضر والجامع الكتاني. انظر السياسي (مشاهداتي في قسنطينة)، مرجع سابق.
(2)
البهلي النيال (الحقيقة التاريخية)، مرجع سابق، ص 209 - 210.
8 -
جام الأربعين شريفا: ولا نعرف عنه الآن سوى أن السلطات الفرنسية قد حولته إلى محكمة للأحوال الشخصية الإسلامية. ولا ندري ما إذا كان قد استعمل قبل ذلك في غير غرضه الأصلي.
9 -
جامع البيازري: هذا الجامع اختفى، كما يقول ميرسيي دون ذكر السبب.
10 -
جامع الجوار: وقد هدم دون ذكر السبب.
11 -
جامع الجوزة: ويسمى أيضا جامع سيدي أحمد زروق. والمعروف أن أحمد زروق البرنوسي كان يتردد على قسنطينة، قادما إليها من المغرب الأقصى، كما جاء ذلك في كتاب (منشور الهداية). هذا الجامع (اختفى) أيضا على يد الفرنسيين.
12 -
جامع خليل: هدمته السلطات الفرنسية أيضا دون تسجيل السبب. ونذكر الآن جملة من المساجد التي هدمت بصريح عبارة السيد ميرسيه الذي نشر ذلك سنة 1878، والمساجد هي:13. سيدي الوردة الذي هدم لإنشاء الساحة المعروفة باسم ساحة نمور، وهو لقب ابن ملك فرنسا. 13. (مكرر). سيدي فرغان هدم لإقامة ساحة القصر. 14. سيدي قليو. 15. سيدي حسون. 16. سيدي حجام. 17. سيدي حيدان. 18. سيدي ياسمين. 19. سيدي قنيش. 20. سيدي كرامة. 21. سيدي محمد زواو (الزواوي). 22. سيدي حسن بن ميمون. 23. سيدي مفرج. 24. سيدي سبعين. 25. سيدي يحيى الفسيلي.
والملاحظ أن الأسماء كلها تبدأ بلفظ (سيدي) وهي لذلك تدل على أن صاحبها من أهل الولاية والصلاح عند العامة. فنحن نذهب إلى أن هؤلاء كانوا من صلحاء وأولياء قسنطينة القديمة. وقد أضاف السيد شيربونو تواريخ وفيات بعضهم مما يدل على قدم هذه المساجد. فهذا سيدي يحيى الفسيلي قد توفي سنة 676 هـ. وهذا سيدي حسن بن علي بن ميمون من آل القنفذ
المشاهير، وكان من الدرسين، وقد توفي سنة 664 هـ.
26 -
جامع سيدي فاريش (فارس؟): قال عنه شيربونو إنه قد هدم سنة 1848 لفتح طريق (ديمواييه)(1).
وهناك مساجد ذكر الباحثون أنها في وقتهم قد عطلت عن وظيفتها بفعل السلطات الفرنسية لأسباب مختلفة. وها نحن نذكر بعضها:
27 -
جامع سيدي أبي عبد الله محمد الصفار: هذا الجامع ذكر شيربونو أن السيدة ماكماهون (2) قد حولته إلى روضة للأطفال، ومن أجل ذلك رفعوا عليه الصليب الذي وضع في أعلى صومعته نكاية في المسلمين. وكان محمد الصفار من علماء الجزائر مبرزا في الحديث الشريف. ويذكر شيربونو أنه توفي بالوباء الذي حدث سنة 750 للهجرة (3).
28 -
جامع سيدي علي بن مخلوف: لقد حدث له تغيير ثم هدم. وعلي بن مخلوف هو أحد الصالحين، توفي سنة 586 للهجرة. واقتطع من الجامع الجزء الأكبر فهدم لصالح (لوبلان) سنة 1851. ثم حولت قاعة الصلاة (المصلى) إلى اسطبل لخدمة فرقة العسكر المسماة الصبايحية النظامية. وكان يتبع هذا الجامع مدرسة وهي التي بقيت إلى سنة 1856، وفيها كانت تعقد الجمعية الأثرية (4) اجتماعاتها. أما الجامع فقد اختفى تماما بفعل ما ذكرنا.
29 -
جامع سيدي علي التلمساني: وقد بني في القرن العاشر الهجري
(1) شيربونو (روكاي)، 1856 - 1857، مرجع سابق، 81.
(2)
المارشال ماكماهون فيما بعد، حكم قسنطينة أولا ثم أصبح حاكما عاما للجزائر، ثم رئيس جمهورية فرنسا بعد 1870. ومات 1893. وكانت زوجته تقوم بما يسمى بالأعمال الخيرية للجالية الأوروبية.
(3)
شيربوى (روكاي)، 1856 - 1857، مرجع سابق، 91.
(4)
هي الجمعية الأثرية لإقليم قسنطينة التي كانت تصدر مجلة (روكاي) المعروفة في البداية باسم الحولية (انوير). وقد تأسست الجمعية سنة 1853.
(سنة 954). ويذكر شيربونو أنه وجد كتابة تقول إنه بني (على يد سيدنا
…
القطب الرباني، سيدي علي التلمساني) في السنة المذكورة. ويبدو أن التلمساني كان من أهل العلم والتصوف. ولعله قد حل بقسنطينة قادما من تلمسان، كما جرت عادة علماء وصلحاء الوقت في التنقل والترحال. وإلى جانب هذا الجامع كانت هناك زاوية تحمل نفس الاسم. وقد تحولت البناية كلها (الجامع والزاوية) إلى أيدي الفرنسيين. ففي سنة 1855 احتلتها (سيدات بون باستور) ثم هدمت.
وفي البحث الذي نشره ميرسييه نجد مجموعة من المساجد التي تحولت عن غرضها أيضا، أي بعد ما كتب شيربونو بحوالي عشرين سنة. نذكر منها ما يلي:
30 -
مسجد بن علناس (1): وقد اكتفى ميرسييه بقوله عنه إنه حول عن غرضه الإسلامي. وكذلك ذكره الشريف مقناوة.
31 -
مسجد سيدي الجليس: تحول إلى مدرسة عربية - فرنسية تابعة للإدارة الفرنسية. ومن معلميها الشيخ محمود كحول المعروف ابن دالي، وهو المفتي المغتال سنة 1936.
32 -
مسجد سيدي الرماح (2): قال عنه إنه قد حول إلى مدرسة للبنات المسلمات، والمقصود أنه أصبح تابعا للإدارة الفرنسية التي أعطته إلى إحدى السيدات الفرنسيات فأقامت فيه ما يسمى ورشة atelier لتعليم الخياطة والطرز لخدمة السياحة والاقتصاد الفرنسي، وليس لتعليم المسلمات، كما قد يفهم.
وهناك مساجد أخرى جاءت في مقالة الشريف مقناوة المنشورة عام 1930 والمعتمدة على سجل قائد البلاد (رئيس البلدية) لسنة 1848. وكان السجل قد أشار إلى اثنين وعشرين مسجدا في قسنطينة عند الاحتلال، وكلها جرت تسميات الموظفين لها، ثم أخذت تتغير أحوالها بالهدم والتعطيل وتبادل الأيدي. ولا نريد تكرار أسماء المساجد. التي ذكرت سابقا، وإنما
(1) جاء في رحلة الورتلاني، ص 694 أن اسمه (سيدي أحمد عين الناس).
(2)
كذا ذكره الورتلاني أيضا، مرجع سابق.
نكتفي بما لم يذكر، وهي:
33 -
مسجد سيدي الشاذلي، بعد ثلاث تسميات للموظفين، اندثر ولا وجود لأثره. والغالب أنه هدم.
34 -
سيدي علي الطنجي، بعد تسميتين له، أصبح لا وجود له، دون ذكر كيف اختفى.
35 -
سيدي بو شداد، نفس الملاحظات السابقة، أي الاختفاء والسكوت عن حاله.
36 -
سيدي عفان، مسكوت عنه، بعد تسميتين للموظفين، ونفهم من بعض الكتابات المعاصرة أنه بقي دون هدم (1).
37 -
سيدي محمد بن ميمون، نفس الملاحظة التي تخص ما قبله.
38 -
سيدي علي القفصي، أصبح لا وجود له بعد تسمية واحدة، أي أنه كان قد هدم مبكرا.
39 -
سيدي إبراهيم الراشدي، نفس الملاحظة التي تخص ما قبله.
40 -
سيدي فتح الله، مسكوت عن مصيره. وتوجد له تسمية واحدة. وعائلة فتح الله بقيت معروفة في المدينة حتى بعد الاحتلال. انظر العطار (تاريخ حاضرة قسنطينة).
41 -
سيدي فليسه، لا وجود لأثره، ولا توجد تسمية له.
42 -
سيدي هواهوارن (كذا)، أيضا لا أثر له. ولا يعرف ماذا حدث له. ولا شك أن هناك تحريفا في الاسم.
43 -
سيدي قيس، وكان في سنة 1930 مقرا للزاوية العقارية. ووجدت له تسمية واحدة فهي السجل المذكور.
44 -
سيدي مفرج (2)، بعد تسمية واحدة، اختفى دون أن عرف كيف ذلك. (انظر قائمة ميرسييه، سابقا).
(1) محمد الساسي (مشاهداتي في قسنطينة)، 1955.
(2)
كذا جاء ذكره في رحلة الورتلاني، ص 694.
45 -
سيدي محمد (عبد الله) الشريف، كذلك اختفى بعد تسمية واحدة.
46 -
سيدي نقاش، اختفى أيضا، دون الإشارة إلى التسمية لموظفيه.
فأنت تلاحظ كيف آل مصير مجموعة من المساجد بين 1837 و 1878، أي تاريخ الاحتلال والتاريخ الذي كتب فيه ميرسييه مقالته عن المعالم. ونفهم من بحث الشريف مقناوة أن المساجد المذكورة كانت موجودة سنة 1848 بدليل تسمية الموظفين لها في سجل قايد البلاد (1). فخلال ثلاثين سنة (1848 - 1878) جرت مجزرة كبرى للمعالم الإسلامية في قسنطينة، إضافة إلى الاستيلاء على أوقافها. وهي الفترة التي أحس فيها الفرنسيون أنهم أصبحوا سادة البلاد وأن الشعب الجزائري قد غلب على أمره.
وقبل أن ننهي الحديث عن مساجد قسنطينة نذكر بعض الملاحظات: الأولى هي أن فتح الطريق المعروف بالطريق الوطني (في عهد الفرنسيين) قد أدى إلى هدم العديد من المباني الدينية، ومنها المساجد، وغير الدينية كالمنازل والأسواق. وكان أثره على هذه المباني كأثر ليسي الجزائر على المباني المجاورة له، كما هدم الفرنسيون المساجد التي كانت بقرب دار أحمد باي التي هدموها أيضا وكانوا يسمونها ثكنة الإنكشارية، وكذلك المنازل التي حولها (2).
(1) الشريف مقناوة (سجل قايد البلاد) في مجلة (روكاي)، 1930، ص 5 - 7. جاء في المقال أيضا أسماء المساجد الآتية: الجامع الكبير وصالح باي (سيدي الكتاني) ورحبة الصوف وسيدي الأخضر والمناطقي وعلناس. انظر سابقا. ورقم 45 سماه الورتلاني: سيدي أبي عبدالله الشريف، وأبو عبدالله كنية من اسمه محمد. ومن المساجد الأخرى التي ذكرها الورتلاني: سيدي عبد اللطيف (المسبح؟). وسيدي عبد المؤمن، وسيدي عبد الكريم الفكون، وسيدي عمر الوزان (وغيرهم ممن لا يحصى).
(2)
انظر ميرسييه، مرجع سابق (روكاي، 1878)، ص 55. وهو يذكر أن الفرنسيين مدوا الطريق الوطني (شارع ابن المهيدي اليوم) ليصل ساحة فاليه بباب القنطرة، وسوق الحبوب مع محطة القطار، وطريق سكيكدة مع طريق باتنة. أما تغيير وجه المدينة فله مكان آخر.
والملاحظة الثانية هي أن هذا الهدم والتصرف قد وقع بين 1837 و 1878. ولا نملك الآن الوثائق التي تتحدث عن الهدم الذي توالى بعد ذلك. أما الملاحظة الثالثة فهي أن أوقاف هذه المساجد كلها قد استولت عليها الإدارة الفرنسية، كما ذكرنا، ومن ثمة حدث الإهمال والاضمحلال للمباني الدينية في غير قسنطينة. والملاحظة الأخيرة هي أن بعض المساجد التي ذكرناها كانت في نفس الوقت جزءا من بناية تضم الزاوية والضريح الخ. كما هي العادة.
…
وبجاية كانت من المدن التي تعرضت هي ومساجدها للتخريب. ولدينا وصف لما حدث لها كتبه شارل فيرو سنة 1859، وقد مضى عندئذ على الاحتلال قرابة ثلاثين سنة. وبعد ذلك قد يكون حدث لما بقي من المساجد تخريب آخر أزالها من الوجود. والمعروف أن بجاية قد احتلت سنة 1833. ويذكر فيرو أن من بين أحيائها الواحد والعشرين هدم خمسة عشر، أي قبل سنة 1859، وهذه هي أسماء الأحياء المهدمة: 1 - البريجة. 2 - سيدي بوعلي. 3 - الشرشور. 4 - القنيطرة (قرب زاوية سيدي محمد التواتي الشهير). 5 - باب اللوز (خرب جزء منه). 6 - باب المرقوم (خرب جزء منه وهو مقابل لجبل خليفة). 7 - غريب بخشى (خرب جزء منه). 8 - سيدي عبد الحق الإشبيلي المتصوف والعالم الشهير. 9 - دار الصنعة (سيدي الصديق). 10 - عين آمسيون. 11 - عين يلس. 12 - عين بوخليل. 13 - سيدي الحيمي. 14 - ابن درة. 15 - تيغلت (1).
ومن الملاحظ أن سقوط هذه الأحياء والأبواب يؤدي حتما إلى سقوط المساجد والبنايات الدينية المجاورة، لأن لبجاية أيضا قصبتها كالعاصمة، فكان البناء متقاربا ومدعوما بعضه ببعض، فإذا سقط جزء منه تداعى الباقي وسقط مثله.
أما المساجد التي هدمت في بجاية قبل سنة 1859 أو حولت عن غرضها فنوجز ذكرها فيما يلي (لأنه ليس لدينا وصف لتاريخ بنائها ولا
(1) شارل فيرو، المجلة الإفريقية. R.A، 1859، 299.
لأوقافها بالطريقة التي وصف بها ديفوكس مساجد الجزائر):
1 -
الجامع الكبير: وكان يقع في القصبة نفسها. وقد استولت عليه السلطات الفرنسية وحولته إلى ثكنة عسكرية ثم مستودعا للمواد العسكرية، ولا ندري مصيره بعد ذلك.
2 -
جامع سيدي الموهوب. 3. جامع صفية. 4. جامع عين يلس. 5. جامع البريجة. 6. جامع سيدي البصرومي. 7. جامع سيدي عبد الهادي. 8. سيدي الخضر. 9. سيدي المليح (وهو يقع حول حصن البراق الذي خرب أيضا). 10. سيدي بوعلي (1). 11. سيدي حماني (خرب 1849). 12. سيدي عيسى. 13. أم عالمة (حليمة؟).
وإلى جانب هذه المساجد التي خربت تماما، ذكر فيرو بعض المساجد التي خربت جزئيا أو كانت في حالة خراب عندما كان يكتب، نتيجة الإهمال. كما ذكر مجموعة أخرى حولتها السلطات الفرنسية إلى مصالح عسكرية وغيرها. من ذلك هذه المساجد المستقلة أو التابعة لإحدى الزوايا، وهي:
14 -
مسجد زاوية الشيخ التواتي، فقد استولت عليه السلطات العسكرية وحولته إلى ثكنة.
15 -
مسجد لاله فاطمة الذي تحول مع الزاوية إلى سكنى عسكرية. 16. مسجد أحمد النجار الذي أصبح هو والزاوية ثكنة عسكرية. 17. مسجد سيدي أبي زكريا يحيى، استولت عليه إدارة الحرس الفرنسية.
وهناك عدة بنايات ومساجد قال عنها فيرو إنها ما تزال في يد المسلمين أو هي في حالة خراب وإهمال دون أن يذكر ما إذا كان الفرنسيون قد استولوا عليها قبل ذلك (1859). وهي:
18 -
جامع السيدة (في حالة خراب). 19. سيدي محمد أمقران. 20.
(1) علق فيرو على هذا الاسم فقال: إن سيدي أبا علي كان أحد القضاة المشاهير في عهد المولى الناصر. وإلى جانب المسجد كانت زاوية يوجد بها بئر يسمى زمزم.
سيدي الصوف (في يد المسلمين). 21. بابا سفيان التسوري. 22. سيدي الصديق (في يد المسلمين). 23. سيدي يحيى القرطبي (في حالة خراب). 24. لاله القوراية في أعلى الجبل الذي يحمل نفس الاسم. 25. جامع السوق (مسكوت عنه) (1).
لقد كان استيلاء الفرنسيين على أوقاف هذه المساجد هو السبب الرئيسي في خرابها. وكان استعمالها أيضا من قبل السلطات العسكرية سببا آخر في إتلافها وإهانتها. وكان لهدم الأحياء المذكورة (واحد وعشرون حيا) أثر كبير على المساجد والأوقاف معا. ثم أدى خروج المسلمين من المدينة ساعة الاحتلال وبعده بسنوات، سيما عند انتفاضة الشريف بوبغلة وغيرها، إلى إهمال المساجد والزوايا مما جعل الفرنسيين يستبدون بها ويعيثون فيه فسادا ولا يراعون لها حرمة. وقد ذهبت معها ثروة من العلم والكتب والكتابات الأثرية والزخارف والفنون المعمارية. ونتوقع أن تكون حالة ما بقي منها بعد 1859 قد ازدادت سوءا لغطرسة الإدارة الاستعمارية، سيما بعد 1870، مما جعل مدينة بجاية ققد بالتدرج طابعها العربي - الإسلامي وتصبح تقريبا مستوطنة فرنسية.
…
ولم تتأثر مساجد المدن الأخرى بالاحتلال كما تأثرت مساجد المدن التي ذكرنا حتى الآن. فهذه عنابة التي عانت قصبتها أيضا من الاحتلال منذ 1831، كانت تضم مجموعة من المساجد، وقد تحدث عنها سنة 1889 السيد بابييه (2)، وذكر أنه كان بعنابة حوالي 37 مسجدا. ويهمنا منها هنا مصير هذه المساجد. والظاهر أنها جميعا قد خربت وهدمت نتيجة الإهمال وانعدام مداخيل الصيانة بعد اغتصاب الأوقاف. والمساجد الباقية إلى 1889
(1) فيرو، مرجع سابق، 299 - 302. عن سيدي الصديق انظر سابقا، حي دار الصنعة، لعله هو.
(2)
بابييه Papier (جامع عنابة) في المجلة الإفريقية. R.A، 1889، ص 312 - 320.
هي: جامع صالح باي ويسمى أيضا بالجامع الجديد، وثمة جامع آخر بناه أيضا صالح باي ويسمى جامع أبي رفيسة، ثم جامع سيدي أبي مروان. وأما المساجد الأخرى فقد آلت إلى إدارة أملاك الدولة وهدمت.
وجامع سيدي أبي مروان كان أعظم مساجد عنابة لضخامته ولاحتلاله موقعا هاما يشرف على البحر الأبيض من جهة ويل على المدينة من جهة أخرى، وهذا الجامع قد هدمه الفرنسيون أيضا مع كل توابعه - الضريح والزاوية والمسجد - بما في ذلك المنازل المجاورة، ليجعلوا مكانه مستشفى عسكري ولم يتركوا من الجامع سوى جزء صغير وقبة داخل المستشفى لتكون هي كنيسته (أي المستشفى). ولكي تزيل الإدارة الفرنسية كل أثر للإسلام فيه علقت على سطح صومعة الجامع ساعة وتمثالا لديك يتحرك مع حركة الرياح. وكانت الصومعة المربعة الجوانب ترتفع حوالي عشرين مترا، وكانت ذات طابقين. ومن التناقض أن الفرنسيين فعلوا ذلك بجامع سيدي أبي مروان في الوقت الذي احتفلوا فيه احتفالا منقطع النظير بإرجاع بقايا القديس أوغسطين من فرنسا، وجاء معها عشرات القساوسة على ظهور المراكب المتزاحمة إلى عنابة. ووجدوا في استقبالهم الأسقف دوبوش وعساكر المارشال بوجو يدقون الطبول تحت أقواس النصر (1). ومع ذلك كانوا يتهمون المسلمين بالتعصب الديني.
وكان مصير جامع أبي رفيسة (جامع صالح باي) لا يختلف كثيرا عن مصير جامع سيدي أبي مروان، فقد حجبه الفرنسيون بواجهة ضخمة سنة 1852 بلغت أربعين مترا طولا، وأقاموا عند ذلك أقواسا وعرصات في ساحة أسموها (ساحة السلاح) حيث كان المسجد. وتبلغ مساحة الجامع حوالي 85 مترار في شكل مستطيل و 12، 75 مترا عمقا و 14، 50 مترار عرضاد. وكانت له اثنتا عشرة عرصة مزدوجة، محيط كل منها 1،05 م في القاعدة، و 3،28 م ارتفاعا.
(1) انظر عن هذا الاحتفال بوجولا (دراسات إفريقية)، وبيلي (عندما أصبحت الجزائر ..) وفصل الاستشراق من هذا الكتاب.
وكان جامع أبي رفيسة من جوامع الخطبة، ويقع إلى جانبه مجلس القضاء، وزاوية (مدرسة) ملتصقة به كما هي التقاليد. ويقع محرابه ومنبره على الجانب الأيسر منه. وكان خشب المنبر مدهونا باللونين الأحمر والأخضر، شأن كل الخشب الذي في الجامع. وله عين جارية (سبالة أو حنفية) للوضوء. أما منارته فكانت مدورة وتقع على الزاوية الشمالية الشرقية منه، وطولها 15، 14 م، ومحيطها 5، 65 م. وقد توقف صوت المؤذن في الجامع منذ سكن الفرنسيون حوله، وهكذا لم يعد المصلون يسمعون صوته الداعي للصلاة. ويقول بابييه إن بالجامع بعض الزخارف التي ترجع إلى 1855، ولا سيما في القبة الرئيسية منه وفي المحراب، وقد تبرع بها أغنياء السكان، وبعضها جاء من بقايا جامع سيدي أبي مروان. ولا ندري الآن ما هي هذه الزخارف. وهناك نقيشة على المرمر تخلد أبياتا شعرية. وهذه النقيشة تقع خارج الجامع وهي ملتصقة بحائطه. وهي في خمسة أبيات تمجد صالح باي صاحب الفضل في بنائه (1).
والغريب أن محمد بيرم الخامس الذي دخل عنابة مرتين، إحداهما كانت سنة 1295 هـ، اكتفى من وصف مساجدها بواحد وهو الجامع الكبير (؟) وقال إنه قائم الذات والصفات مثل جوامع تونس، نظيفا ومحروسا ومفروشا بالحصير، وقد سكت عن المساجد الأخرى، فلم نعرف منه ماذا حدث لها (2) فهل قصد بذلك جامع أبي رفيسة؟ وهل كان يجهل إلى ذلك الحد مصير جامع سيدي أبي مروان؟
وفي القل كان أحمد القلى (وهو أحد القادة) قد بنى الجامع الذي
(1) انظر بابييه (جامع عنابة) في المجلة الإفريقية، 1889، ص 312 - 320. وكذلك باتورنيه في نفس المصدر، 1890، ص 266. وقال بابييه إن التاريخ غير معروف للنقيشة ثم صحح نفسه في العدد الموالي بأنه 1206/ 1791 وهو نفس التاريخ الذي ذكره باتورنيه. انظر أيضا الجزء الثاني من هذا الكتاب.
(2)
محمد بيرم (صفوة الاعتبار ..) 4/ 4 - 5.
أصبح معروفا بالكبير، حوالي 1756. ثم تولى بعد ذلك حكم قسنطينة. وكانت للجامع منارة كلغ أربعين درجة. وأوقف أحمد القلى عليه أوقافا هامة بلغت عشرين دكانا على الأقل. ولم يقل فيرو شيئا عن مصير هذا الجامع بعد الاحتلال. ولكنه قال إن القل كانت تحتوي على خمسة عشر مسجدا بالإضافة إلى جامع القلى. وأخبر أن الناس يطلقون عليها اسم الجوامع. وهي جوامع: سيدي بوحديد، وسيدي الأخضر، وسيدي إبراهيم، وسيدي التواتي، وسيدي أحمد، وسيدي علي، وسيدي عبد السلام، وسيدي مسعود، وسيدي عزيز، وسيدي عمار، وسيدي مصباح، وسيدي الزاوش، وسيدي شنوف. وفي سنة 1875 قال إنه لم يبق من هذا العدد الكبير من الجوامع سوى أربعة استطاعت، في نظره، أن تقاوم عوادي الزمن! ولعل البعض من الباقي لم يستطع أن يقاوم أيضا بعد ذلك (1).
…
أما بسكرة وغيرها من مدن الجنوب فلم تتعرض مساجدها، حسب علمنا، إلى الهدم والاحتلال، وإنما عانت ما عانته المساجد الأخرى من الاستيلاء على الأوقاف، والإهمال. ومثل ذلك وقع لجامع سيدي عقبة ببلدة سيدي عقبة الواقعة اليوم في ولاية بسكرة. وقد كان لبسكرة نفسها سبعة عشر مسجدا سنة 1880، بعضها يرجع إلى قرون خلت مثل جامع سيدي الجودي (2). وفي شكوى من أهالي بسكرة إلى السلطات الفرنسية أن هذه
(1) فيرو (تاريخ مدن إقليم قسنطينة: فيليب فيل - سكيكدة)، 1875، ص 169 - 170. وقد أغفل ذكر اثنين من الخمسة عشر. كما أنه لم يذكر ما هي الجوامع الباقية في عهده.
(2)
الستة عشر الباقية هي: 1 - سيدي علي المقري. 2 - سيدي منصور. 3 - سيدي الصحابي. 4 - سيدي الداودي الفوقاني. 5 - سيدي الداودي السفلى. 6 - سيدي زوال. 7 - سيدي كوفي. 8 - سيدي بلقاسم. 9 - سيدي صالح أحمد. 10 - سيدي علي دليل. 11 - سيدي حيواني. 12 - سيدي إبراهيم العمري. 13 - سيدي هاني. 14 - سيدي أمعمر. 15 - سيدي موسى. 16 - سيدي العاجن. هذه المعلومات من تقرير رسمي بالفرنسية موجود في المؤسسة الوطنية للوثائق بالجزائر. وقد أطلعني عليه السيد أحمد مريوش مشكورا. انظر أيضا سيمون H. Simon (ملاحظات على =
المساجد كانت في حالة إهمال فظيع، وأنهم عجزوا عن القيام بها لحرمانهم من أوقافها.
والمعروف أن وادي ميزاب كان يضم مجموعة من المساجد، منها الكبير والصغير. وليس في بلاد ميزاب زوايا بالطريقة المعروفة في المناطق الأخرى. ولذلك فإن كل المساجد في ميزاب قائمة بذاتها. وقد نص الاتفاق الذي وقع بين أهل ميزاب والفرنسيين سنة 1853 على احترام الدين والعادات والتقاليد في المنطقة. ولذلك لا نتوقع أن يكون الفرنسيون قد اعتدوا على مساجد ميزاب كما فعلوا في بعض المناطق الأخرى، على الأقل إلى سنة 1882 تاريخ احتلال ميزاب. وقد كان أهل ميزاب حريصين على صيانة مساجدهم، ولكن الفرنسيين طبقوا عليها نفس القوانين بالنسبة للأوقاف، فقد استولوا هنا أيضا على أوقاف المساجد وضموها إلى أملاك الدولة الفرنسية. ورغم ذلك، فإن أهل ميزاب أبقوا على مساجدهم في حالة جيدة فلم تتعرض للخراب والتلف نتيجة الإهمال والحرمان من الأوقاف، كما حدث في بعض الجهات الأخرى. والمساجد في ميزاب كانت للمذهبين الإباضي والمالكي.
وتوجد مساجد إباضية في جهات أخرى مثل تماسين. فقد ذكر بيربروجر منذ حوالي سنة 1851، أن بها مسجدا (لمرابط) ميزابي، اسمه باعيسى (1). وقريب منه كان يقع الجامع الكبير وهو للمذهب المالكي، ولكن منارة هذا الجامع اعتراها الهرم فأصبحت مهددة بالسقوط فأسقطت سنة 1858. وكان ذلك غداة احتلال الواحات الشرقية، ومنها تماسين.
ولم يكن الفرنسيون قد احتلوا وادي ريغ إلا سنة 1854. والجامع
= مقام سيدي عقبة) في المجلة الإفريقية، 1909 ص 26 - 45. وكان سيمون حاكما لدائرة توقرت.
(1)
يذكر تقرير بيربروجر أيضا أن إحدى القباب تحمل اسم الحاج باحمون - الولي الميزابي، وهي تقع خارج المدية في الزاوية الشرقية من ضاحية الحفائرة، ولكن المعروف أن بني ميزاب لا يمارسون التصوف الشائع عند غيرهم من المسلمين.
الكبير في تماسين قديم البناء يرجع تاريخه إلى سنة 817 (1414) حسبما هو مسجل على بابه عندئذ، وقد بناه أحمد بن محمد الفاسي الذي يبدو أنه كان من المغرب الأقصى. (كان أصل بني جلاب، حكام وادي ريغ، من بني مرين). أما الجامعان الآخران فهما جامع الحاج عبد الله، وقد اعتبره بيربروجر أجمل مساجد تماسين، ثم جامع الحاج علي الينبوعي، شيخ الطريقة التجانية (1). وقد وصفه دوفيرييه (2)، وهو مسجد تابع للزاوية.
ولتقرت ووادي سوف مساجد معتبرة وبعضها قديم ويعد من الآثار الهامة. ولكن سياسة الاستيلاء على الأوقاف جعلت الناس لا يقبلون على التبرع للمساجد مما أدى إلى إهمالها وعدم صيانتها، لأنها أصبحت جميعا تحت نظر ومسؤولية السلطة الفرنسية، ماديا ومعنويا. كما أن تدجين الأيمة والخطباء جعل الناس يشكون في خدماتهم وإخلاصهم للدين. ولذلك التجأ العامة إلى الطرق الصوفية وأخذوا يتبرعون لها سرا وعلانية اعتقادا منهم أن الخلاص سيكون على يدها وليس على يد أيمة المساجد، الذين أصبحوا أدوات في يد السلطة الفرنسية إن شاءت عينتهم وإن شاءت عزلتهم.
وكانت تقرت هي عاصمة وادي ريع ومقر سلطنة بني جلاب ومهبط القوافل العابرة للصحراء، ومتجر الحجاج، قبل الاحتلال. كما أن الزاوية التجانية منذ تمركزت (في تماسين) على يد الحاج علي الينبوعي قد جلبت الزوار من مختلف الجهات. وكان ذلك مدعاة لنشأة المساجد في المنطقة - ولعل وجود الزاوية التجانية ثم القادرية (في آخر القرن) قد خفف من عبث الفرنسيين بالمساجد. وفي تقرت الجامع الكبير أو العتيق، وفيه كتابات ترجع إلى عهد بني جلاب، وقد جدده إبراهيم الجلابي.
وكانت سوف كذلك معبرا للتجارة والسلع المحملة بين تقرت وتونس
(1) هذا التقرير رفعه بيربروجر إلى وزير الحربية الفرنسي فرخص الوزير بنشر جزء منه فقط، ونشرته (المجلة الشرقية والجزائرية)، عدد 2 (1852) 86 - 89.
(2)
انظر كتابه (اكتشاف الصحراء)، باريس، 1864.
وبين إفريقية وشمال الجزائر. وقد تحدثت الوثائق عن مساجدها المنسوبة للصالحين، ومنهم شيوخ الشابية. وفي (كتاب العدواني) آثار من ذلك، ثم (كتاب الصروف) للعوامر، و (تقاييد) الشيخ التليلي. واهتم بذلك الضباط الفرنسيون الذين كتبوا مؤلفات خاصة (مونوغرافات) عن سوف، مثل الضابط ف. فيليب، والدكتور ايسكار، وكوفيه، وباطايون، وجوس. وفي هذه المؤلفات أوصاف للحياة الدينية في سوف، ولا سيما المساجد، وعددها في كل بلدة، وتاريخ إنشائها، وحالتها. ولكن يلاحظ على هذه المساجد (مثل كل مساجد الجنوب) أنها بسيطة في بنائها وهندستها، وأنها قليلة الأوقاف، وأن أيمتها كانوا تحت رقابة المكتب العربي (العسكري) سواء كانوا يتقاضون أجورا من المكتب أو من عامة الناس. أما الاعتداء على المساجد بالهدم والتعطيل فلم تعرفه حسب علمنا، مساجد سوف ولا مساجد الجنوب على العموم (1) ربما لعدم الحاجة إليها.
(1) انظر كتاب العدواني من تحقيقنا. دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1996. و (الصروف) للعوامر، ط. تونس، 1974. وقد اطلعنا عند الشيخ التليلي على تقاييد هامة سيما عن مساجد قمار. ورجعنا إلى المؤلفات الفرنسية المذكورة عن سوف، خصوصا. كوفيه في المجلة الجزائرية SGAAN، 1934، ص 15 وما بعدها. وجوس (نشرة هيبون) رقم 22، 1886، وايسكار، نفس المصدر، 24، 1886 - 1890. وأفادني الشيخ التليلي بالقائمة التالية لمساجد سوف نقلا عن نسخة ترجع إلى الشيخ مصطفى السالمي: مسجد الزقم (966 هـ)، مسجد تاغزوت (988 هـ)، مسجد قمار (1006 هـ)، مسجد سيدي المسعود الشابي بالوادي (1009 هي)، مسجد كوينين (1043 هـ)، مسجد أولاد خليفة بالوادي (1108 هـ)، مسجد سيدي عبدالرزاق بالوادي (1159 هـ)، مسجد أولاد حمد بالوادي (1199 هـ)، مسجد سيدي عبد القادر بالوادي (1219 هـ)، مسجد سيدي سالم بالوادي (1239 هـ)، مسجد سيدي موسى بالوادي (1280 هـ). وقول الشيخ التليلي إنه لا يثق كثيرا بهذه التواريخ، وهي لا تشير إلى تواريخ التجديد.
وإليك أسماء مساجد قمار وحدها: مسجد سيدي المسعود الشابي، ومسجد بيت الشريعة، ومسجد سيدي إبراهيم، ومسجد الزرياطة، ومسجد سيدي سعيد، ومسجد العمامرة، ومسجد سيدي عبد الرحمن الحطابي (قيل إنه أقدم المساجد إذ يرجع إلى =
وما قلناه عن بسكرة وسوف وتقرت نقوله أيضا عن ورقلة والأغواط وبوسعادة (1)، فكل مدينة من هذه المدن لها مساجدها العتيقة المصانة بالأوقاف قبل الاحتلال، ولكنها تعرضت بعده إلى الإهمال.
ويبدو إن إقليم قسنطينة كان أحرص الأقاليم على بناء المساجد، فالإحصاء يذكر أن هذا الإقليم كان يضم قبل الاحتلال 837 مسجدا قديما. وبالإضافة إلى ذلك بنى الناس 46 مسجدا منذ الاحتلال، بينما لم يبن أهل إقليم العاصمة (الوسط) سوى ستة مساجد جديدة، وأهل، اقليم وهران ثلاثة فقط، منذ الاحتلال. فمجموع ما في إقليم قسنطينة من المساجد سنة 1853 هو 883 مسجدا (2). ولا ننسى أنه في التاريخ المذكور كانت مناطق عديدة من الإقليم لم تخضع بعد للاحتلال الفرنسي ولا يجري عليها الإحصاء.
= 757 هـ)، ثم مسجد فشير، ومسجد الطلبة، ومسجد الرحبة، ومسجد النخلة. من كناش الشيخ التليلي (الفوائد المنثورة)، وصلتني المراسلة منه في شهر يناير، 1996.
(1)
قرأنا في حوليات معهد الدراسات الشرقية، م 10 (1952)، ص 434 أن السيد جاكمان D. Jacquemin ألقى محاضرة عن (المساجد المالكية في ورقلة)، وذلك في 27 أبريل سنة 1952. ولكننا لم نطلع على نص المحاضرة. أما بالنسبة لمساجد بوسعادة فقد ذكر البارون هنري أوكبتان في (مذكرة عن بوسعادة) أن بها ثمانية مساجد بدون منائر. وذكر منها: جامع الدرويش، وجامع الخرخلات (النخلة؟)، وجامع الأعشاش، وجامع الشرفة، وجامع أولاد حميدة، وجامع أولاد زروم، وجامع الأممين، ثم جامع أولاد عتيق. وأسماء الجوامع تتماشى أيضا مع أسماء الأحياء الموجودة فيها. انظر المجلة الإفريقية،. R.A، 1862، ص 51 - 52. وهذا تاريخ مبكر، ولا بد أن تكون بوسعادة قد شهدت بناء مساجد أخرى بعد ذلك. ومما ذكر أوكبتان أن الجيش الفرنسي قد احتل الجامع الكبير واحتمى به. فأيها يعني بالجامع الكبير؟
(2)
ب. بوليربى (المجلة الشرقية والجزائرية)، عدد 3، 1853، 60 - 61.