الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محيي الدين، وكان صديقا له، كما تناوله شكيب أرسلان في بعض كتاباته (1).
ومن أبناء الأمير عبد القادر الذين لعبوا دورا هاما في أوائل هذا القرن الأمير عبد المالك. وقد ضاع جهده في تاريخ المغرب السياسي لأنه عاش في فترة مضطربة، فترة الاحتلال والحماية والحرب العالمية وحرب الريف، فكانت جهود الأمير عبد المالك في تحرير المغرب من الفرنسيين غير معتبرة من الدارسين المتأخرين. كما أن الجزائريين ما يزالون يجهلون حركته، ولم يهتم به المشارقة كما اهتموا بإخوته الذين كانوا في رعاية الدولة العثمانية أو الدولة الفرنسية، لمواقفهم إزاء القضية العربية والجامعة الإسلامية، كما عرفنا. ونحن لا نبعد صفة (المغامرة) عما قام به الأمير عبد الملك في المغرب، ولكنه كان مؤمنا في وقته أنه كان يعيد دور أبيه ودور أخيه محيي الدين في الجزائر. ولعل المغاربة سينصفونه بعد تصفية الزبد من الغثاء. ونحن نحيل على ما كتبناه عنه في غير هذا (2).
…
إخوة الأمير عبد القادر:
إلى جانب الأبناء هناك أخوة الأمير، وهم على الأقل أربعة ممن عرفنا أسماءهم وأفعالهم. وهم جميعا أبناء الشيخ محيي الدين من زوجته لاله زهرة، وهم: محمد السعيد، ومصطفي وأحمد والحسين. وقد ذكرت
(1) عبد الرزاق البيطار (حلية البشر) 3/ 1428، وكذلك الأعلام الشرقية 1/ 40، وحاضر العالم الإسلامي. عن أدبه انظر (حلية البشر) وله شعر غزو في الفخر والنضال. وكذلك الأميرة نية الجزائري (الجذور الخضراء)، دمشق، 1993، ولنفس المؤلف (أصحاب الميمنة)، دمشق، 1997.
(2)
انظر كتابنا أبحاث وآراء ج 1، 3. والأميرة بديعة الجزائري (الجذور الخضراء) دمشق، 1993. وعن القليل الذي نعرفه عن الأمير عبد الله بن الأمير عبد القادر، انظر (رحلة منسوبة إلى الأمير عبد القادر) في العدد الخاص من مجلة الثقافة، 1983 (ذكرى وفاة الأمير).
مصادر فرنسية أن للشيخ محي الدين إبنا آخر اسمه أبو بكر من أم ولد زنجية. وفي سنة 1846 عندما كانت الحرب على أشدها بين الأمير والفرنسيين نشرت (مجلة الشرق) الفرنسية شعرا، للأمير يتشوق فيه إلى إخوته، وقد سمى منهم ثلاثة فقط بأسمائهم: محمد السعيد ومصطفى والحسين. ولم يسم أحمد الذي ربما سماه الفرنسيون أبا بكر، لأن المصادر الأخرى لا تذكر أبا بكر هذا. وفي قصيدة الأمير تنويه بإخوته، وقد وصف كلا منهم بوصف يعبر عن مكانته في نفسه. فأخوه الأكبر محمد السعيد المتميز بالوقار والعلم وخليفة والده في الطريقة القادرية، سماه الأمير (روح وجودي). وأخوه مصطفى الأصغر منه، ولاه عدة مناصب، وقد سماه (ذراعي الأيمن). وأطلق على الحسين اسم (ربيع حياتي). أما الرابع الذي لا نعرف اسمه من القصيدة، والغالب أنه أحمد، فقد سماه الأمير (مم عيني) أو سواد عيني. وقد ذهب خيال المعلقين الفرنسيين عندئذ على القصيدة إلى أن في ذلك إشارة إلى سواد بشرة هذا الأخ وإلى كونه من زنجية وليس من لاله زهرة ذات الجمال والفضل (1). ولكن عبارة (سواد العين) عند العرب تعني العزيز والغالي ولا تعني سواد البشرة.
1 -
محمد السعيد: أما من حيث الأدوار فإن بعض أخوة الأمير كانوا معه في سياسته وبعضهم كانوا قد سببوا له بعض الحرج، ولم تكن رؤيتهم متحدة في معالجة المواقف السياسية. فمحمد السعيد كان يتصرف كمرابط، وهو الذي ورث بركة والده الصوفية. وكان مقيما في زاوية القيطنة أثناء المرحلة الأولى من المقاومة. ولا شك أنه ساعد أخاه بتجنيد أتباع الطريقة إلى جانبه. وكان الأمير يحترمه ويستشيره في المسائل الصعبة، كما
(1)(مجلة الشرق)، سنة 1846، ص 345 - 346. وبالرجوع إلى شعر الأمير وجدنا القطعة التي يتحدث فيها عن اخوته والتي مطلعها (يا سواد العين يا روح الجسد
…
). وقد جاء فيها ذكر ثلاثة منهم وهم: السعيد ومصطفى وأحمد. ويقول تقديم القطعة إنه قالها عندما أخذهم الفرنسيون إلى المنفى. ويبقى الأمر في حاجة إلى مقارنة النصين العربي والفرنسي. انظر الأميرة بديعة (أصحاب الميمنة)، ص 573.
هي التقاليد العربية إذ يحل الأخ الأكبر محل الأب. وقد تقف على والده الشيخ محيي الدين وعلماء زاوية القيطنة قبل الاحتلال. وكان يميل بطبعه إلى التصوف، ولكنه جاهد مع أخيه وحضر وقائع عديدة معه. ثم سجنه الفرنسيون في عنابة حيث بقي سنوات، قبل السماح له بالهجرة إلى دمشق التي استقر فيها، وأصبح من المدرسين بها، كما جلس محمد السعيد لإعطاء ورد الطريقة القادرية، وقد توفي سنة 1278، ودفن بجبل قاسيون. وترك ولدين هما محمد المرتضى وعبد الباقي. كما ترك بعض المؤلفات (1).
أحد أبناء محمد السعيد أصبح هو الوارث لبركة والده وجده في الطريقة القادرية أيضا، وهو محمد المرتضى. وكان هذا من مواليد القيطنة سنة 1245 - 1829. وعاش طفولته ومراهقته في الحرب والمقاومة، في معسكر والزمالة والدائرة، لا يستقر له قرار مع فتيان الجزائر عندئذ. وخلال ذلك تلقى العلم وحفظ القرآن على والده وغيره. وكان محمد المرتضى من الشباب المجندين في آخر عهد المقاومة. وحضر مع عمه الأمير عبد القادر عدة معارك. ونشأ على حب الوطن والغيرة على الدين وكره العدو. وحين انتقلت العائلة إلى دمشق كان قد قارب العشرين سنة. فاستكمل تعلمه على الجزائريين والسوريين. ومن شيوخه عمه الأمير نفسه، ومصطفى بن التهامي، وسليم العطار.
ورغم المغريات بالوظائف فإنه ظل كوالده وجده ميالا إلى العلم والتصوف. وكلفه عمه الأمير، بالسفر إلى اسطانبول في مهمة سنة 1273 لا ندري ما هي الآن. وفي سنة 1281 حج مع الأمير، وهو الحج الذي أخذهم إلى مصر والحجاز ولا ندري هل جاور مثله فلم يرجع إلا بعد مدة أو رجع بعد الحج مباشرة. ومهما كان الأمر فإن محمد المرتضى قد زار بغداد أيضا ربما للتبرك بضريح الشيخ عبد القادر الجيلاني. ثم استقر ببيروت منذ حوالي
(1) منتخبات تاريخ دمشق، 2/ 696. يقول هذا المصدر أن لدى بنات الشيخ محمد السعيد برنسا ممزقا بالرصاص من أيام الجهاد في الجزائر.
1294 -
وكان من تلاميذه فيها محمد رشيد الدنا، منشئ جريدة بيروت سنة 1886، وتقول مصادره إن محمد المرتضى قد رفض منصب القضاء في أزمير، واكتفى بتدريس تعاليم الصوفية في مساجد دمشق ثم بيروت، والاعتكاف في بيته، الذي كان يقع في حي باب السريجة. ونفهم من سيرته أنه كان من رجال الدين المحتمين بالسلطة العثمانية، ولذلك رتب له السلطان عبد الحميد راتبا شهريا يعيش منه.
من موقعه في بيروت ودمشق كان الشيخ محمد المرتضى على صلة بالجزائر أيضا. فقد عرفنا حين درسنا الطرق الصوفية أن الفرنسيين اكتشفوا المراسلات بينه وبين بعض أعيان الجزائر بمن فيهم بعض القضاة الرسميين. وكان أتباع القادرية في الجزائر يبعثون إليه (الزيارات) بالبريد أو مع التجار والحجاج. وكان الفرنسيون يعتقدون أن هذه العلاقة إنما هي سياسية تعمل على نشر فكرة الجامعة الإسلامية تحت غطاء التصوف. ولذلك لم يكونوا مرتاحين لدور الشيخ محمد المرتضى الذي يعرفون أصله وعواطفه ضدهم.
توفي الشيخ محمد المرتضى في بيروت سنة 1316 (سنة 1319 عند البعض)1902. وترك شعرا في مدح الرسول، وكانت له مجالس وعظية وأدبية. وقد رثاه عدد من الشعراء منهم أبو الحسن الكستي، ومصطفى نجا مفتي بيروت، وخصه أبو النصر يحيى السلاوي مدح في كتابه (صحيح القياس)(1). ويرجع ذلك إلى علمه وزهده وإلى علاقته بأسرة محيي الدين التي أنجبت الأمير عبد القادر.
أما الابن الثاني للشيخ محمد السعيد، وهو عبد الباقي فكان قد ولد في عنابة بالجزائر سنة 1267 (1850) عندما كان والده سجينا بها. ثم تثقف في المشرق. وعاش في سورية وتولى فتوى المالكية بدمشق. وتوفي سنة 1335 (1916)(2).
(1) منتخبات تواريخ دمشق، 2/ 793، 795 والخالدي (المهجرون
…
) ص 381.
(2)
الخالدي، مرجع سابق، والفرفور (أعلام دمشق).
2 -
مصطفى: تولى مصطفى عدة مناصب لأخيه أشاء المقاومة. فولاه الأمير على المدية، ولكنه لم ينجح في إدارتها فعين بدله محمد بن عيسى البركاني. ثم عينه بعض الوقت على الحضنة فلم كن أكثر توفيقا. كما أرسله رفقة البركاني في مهمة تنصيب وعزل في عدة جهات، مثل الزيبان. ويذهب الفرنسيون إلى أن مصطفى كان أقل إخوته حذرا، وكان طموحا ومندفعا، وكان ربما يغار من أخيه، ولذلك كان يسبب له إحراجات مع رجال دولته. والظاهر أن مصطفى كان شابا نشيطا وغير منضبط. وكانت قوة أخيه تغريه بالتحكم والاندفاع، وكان يفكر أحيانا حتى في التحالف مع خصوم الأمير، حسب رواية الفرنسيين. وكان كثير النقد لأعمال أخيه. ويبدو أن ذلك (الطيش) قد أورثه الكسوف بعد هزيمة الأمير. إذ لا نكاد نجد لمصطفى ذكرا في الأحداث التي جرت بعد ذلك في المغرب أو في المشرق. فما كان مصيره بعد 1847؟ لا ندري سوى أن له إبنا سماه محيي الدين وأن محيي الدين هذا قد تزوج زينبا ابنة عمه الأمير عبد القادر، وأن هذا الزواج قد نتج عنه الأمير عز الدين، أحد زعماء وشهداء الثورة السورية ضد الفرنسيين.
ولد عز الدين في دمشق أوائل هذا القرن (حوالي 1900). وقد تعلم في بيروت ونشأ على حب العروبة والإسلام. وكان عمره حوالي عشرين سنة عندما احتلت فرنسا سورية باسم الانتداب الدولي. وقاومها السوريون أشد المقاومة، وكان يوم ميسلون، ثم ثورة 1925. فانضم الأمير عز الدين إلى الثورة واعتقله الفرنسيون، ولكنه التحق بها وحمل السلاح ضد الجيش الغازي متبعا نهج جده مصطفى والأمير عبد القادر. وأثناء دفاعه عن حرم دمشق قتل في الغوطة سنة 1927. وهو يعتبر من قواد الثورة. وله شعر غزير (1). وهكذا اختلطت دماء الجزائريين بدماء السوريين في عدة مواقع.
(1) الخالدي (المهجرون
…
)، ص 243. انظر أيضا قصيدة محمود رمزي في (الحديقة) لمحب الدين الخطيب، ج 8، ص 54. وتوجد صورته وترجمته أيضا في الأميرة بديعة (أصحاب الميمنة).
3 -
الحسين: لا نعرف متى ولد. وكان أصغر إخوة الأمير حسب الجرائد الفرنسية الصادرة سنة 1845. وكان أكثرهم وسامة واستقامة، وكان يمتاز بالفروسية والشجاعة. وقد سماه الأمير (ربيع حياتي) وكان يرشحه لخلافته بعد وفاة ابنه سنة 1837، حسب خيال الفرنسيين، وقد عاش الحسين أحداث المقاومة. ثم هاجر إلى دمشق واستقر بها. وتذكر المصادر المشرقية أن له ابنا إسمه نور الدين، ولد له في الجزائر، ربما أثناء التيه الذي أصاب المقاومة بعد القبض على الزمالة. وقد جاء نور الدين هذا مهاجرا مع والده إلى دمشق فتعلم بها على بعض علماء المهاجرين والسوريين. وهذه المصادر في الواقع تأخذ عن بعضها البعض، ولا تقدم لنا الجديد. فهي تقول إن نور الدين قد تولى عدة وظائف إدارية وعلمية في سورية والعراق، مثل القضاء والأوقاف، قبل أن يتولى نقابة الأشراف على عموم الدولة العثمانية ويستقر في اسطانبول. وقد عمل على توحيد كلمة الأشراف والتفافهم حول الخلافة والدعاء لها. وتوفي نور الدين هذا سنة 1333 (1914)(1).
ومن أبناء نور الدين الأمير مختار المعروف بالمختار الجزائري. ويهمنا هنا أن الأمير مختار من سلالة الحسين بن محيي الدين، وأنه لعب دورا في نصرة القضية الجزائرية والمغرب العربي، حين ترأس شرفيا جمعية الجالية الجزائرية، واللجنة العليا للدفاع عن الجزائر، ثم جبهة الدفاع عن أفريقية الشمالية (2). وفي ذلك دليل على أن الجزائريين في المشرق لم ينقطعوا عن
(1) لكن المعروف أن نقيب الإشراف على مستوى الدولة العثمانية هو أبو الهدى الصيادي.
(2)
منتخبات تواريخ دمشق، 2/ 799، والأعلام الشرقية، 3/ 84، والخالدي (المهجرون)، ص 375. وعن علاقة الأمير مختار بالنشاط السياسي لصالح الجزائر والمغرب العربي انظر الفضيل الورتلاني (الجزائر الثائرة)، بيروت 1956، ص 284، وعما كتبته عنه مي زيادة انظر سلمى الحفار الكزبري (مي زيادة وأعلام عصرها)، بيروت، 1982، ص 483.
الدفاع عن وطنهم وأنهم كانوا يرثون ذلك جيلا بعد جيل.
4 -
أحمد: أما الأخ الرابع للأمير فهو أحمد بن محيي الدين الذي ولد سنة 1249 (1833). وقد توفي والده وهو دون الفطام. فكفله أخوه محمد السعيد وأسرته. وتربى على يد إخوته وأعمامه. ومنهم الأمير عبد القادر ومحمد المرتضى بن محمد السعيد. وعاش فترة الطفولة والمراهقة على وقائع الحرب والمقاومة. وهناك اختلاف في مصيره بعد 1847 فبعضهم يقول إنه ذهب مع عمه إلى سجون فرنسا حيث بقي إلى أن أطلق سراح الأمير سنة 1852 فتوجه معه إلى بروسة ثم دمشق، وهناك من قال إن أحمد هذا بقي مع أعمامه الآخرين الذين احتجزتهم السلطات الفرنسية في عنابة، وبقوا مسجونين هناك إلى أن سمح لهم بالهجرة إلى الشام سنة 1273 (1856). ولا ندري أي الروايتين نرجح الآن. ومهما كان الأمر فإن أحمد قد حل بدمشق، وفيها ازداد علما على يد جماعة من المهاجرين والسوريين. كما أخذ الطريقة القادرية.
رغم أن عمره سنة 1846 كان حوالي ثلاث عشرة سنة، فإن جريدة (الجزائر) ومجلة الشرق اللتين نشرتا الخبر عن أخوة الأمير، لم تذكر اسم أحمد هذا، كما لاحظنا. واعتبرت الحسين هو أصغر أبناء محيي الدين بينما رأينا أن أصغرهم هو أحمد. ويقال إن أحمد قد ولع بفن التصوف، رغم تمكنه من علوم أدبية وتاريخية شتى، وقد جلس للتدريس في داره ثم في جامع العناية الذي كان يقع في باب السريجة بدمشق. وكان أحمد يعتبر من العلماء الزهاد، ومهتما بالحديث الشريف. ويقصده الناس لحل مشاكلهم. ولأحمد بعض التآليف، من أبرزها تاريخ حرب أخيه الأمير عبد القادر، وهو يحتوي على (حقائق لا توجد في تحفة الزائر)(1). وطبع له كتاب في التصوف بعنوان (نثر الدر) سنة 1924، أي بعد وفاته التي كانت سنة 1320
(1) الأعلام الشرقية، 2/ 172. المعلومات حول وفاته مضطربة. وفي ترجمته تكرار. انظر الفرفور (أعلام دمشق)، ص 26.