الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المكتبات الخاصة
المكتبات الخاصة أو الفردية كثيرة في الجزائر رغم ما أصاب البلاد من حروب وهجرة ومصادرات. وقد كان أصحابها قد حصلوا عليها بالوراثة أو بالشراء أو بطرق أخرى مختلفة. ومن الملاحظ أن بعض المكتبات الخاصة قد أصبحت ريفية بدل المدن، لأن الدراسات العربية قد تضررت في العهد الفرنسي، ولذلك نجد العديد من المكتبات الخاصة خارج المدن الكبيرة. كما نلاحظ أن البعض ممن كانوا أبناء العائلات العلمية الكبيرة في المدن قد انقطعوا تماما عن تراثهم العائلي واللغوي. فأصبح مايا بعض أبناء عائلة بو طالب والفكون وابن الموهوب لا يعرفون العربية ولا يرتبطون بتراث أجدادهم، بعد أن تعلموا في المدارس الفرنسية وتفرنسوا. كما أن بعضهم قد انتقل من مقر العائلة القديم إلى فرنسا أو إلى مدن أخرى.
ومن جهة أخرى نلاحظ أن بعض العائلات التي كانت دينية قد تحولت إلى عائلات حاكمة. وبذلك فقدت في أغلب الأحيان صلتها بالمكتبات والعلم واللغة العربية. ويصدق هذا بالخصوص على بعض المرابطين الذين تولوا مسؤوليات سياسية وإدارية للفرنسيين منذ آخر القرن الماضي. وهذا الصنف من الجزائريين، وكذلك العائلات التي تفرنست، هم الذين أهملوا مكتباتهم القديمة وباعوها ولم يعرفوا قيمتها. وترجع المكتبات الخاصة في العادة إلى أعيان البلاد، مهما كان موقعهم، لأنهم هم القادرون على شرائها وصيانتها، وهم أيضا الذين يتباهون بها.
مكتبات وادي ميزاب: من المكتبات الريفية - الصحراوية نذكر عددا، من مكتبات ميزاب. وقبل ذلك نشير إلى أن الصحراء عموما، تحتوي على ثروة كبيرة من المخطوطات وكتب التراث غير مجموعة ولا مفهرسة ولا حتى معلومة بدقة. والصدف فقط هي التي تكشف عنها من وقت لآخر. وقد وعد إبراهيم فخار منذ 1987 أن يدرس مكتبات المنيعة ومتليلي، والأغواط وعين ماضي، وتيهرت وفرندة والبيض، وعين الصفراء وبشار وبني ونيف والقنادسة وكرزاز وتمنطيط وورقلة. ولكنه لم ينشر معلومات حسب علمنا، إلا على
مدن ميزاب التالية: بني يسقن، والعطف، والقرارة. وخرج من ذلك بـ 36 مكتبة، منها 18 في بني يسقن، وعشر في العطف، وثمانية في القرارة. ولا ندري إن كان قد واصل مشروعه.
وقد قسم المكتبات في المدن الثلاث المذكورة إلى خاصة وعائلية، وذكر منها مكتبة العزابة، ومنها ما تحول إلى مكتبة عامة في عهد الاستقلال، مثل مكتبة الشيخ محمد بن يوسف أطفيش. ومن خصائص هذه المكتبات عموما أن أصحابها يغارون عليها ويخشون عليها من الزوار، وأن أغلبها بدون فهارس وإنما يسجل أصحابها أسماء الكتب والمؤلفين في سجلات يحفظونها بدون ترتيب ولا تبويب، فقط لمعرفة محتوياتها وعددها. وهذه الخاصيات في الواقع يمكن أن تنطبق على معظم المكتبات الخاصة. كما أن هناك ظاهرة مشتركة أخرى وهي أن البعض من أصحاب المكتبات الخاصة كانوا يقتنون الكتب للمطالعة والاستفادة، والبعض كانوا يقتنونها من أجل البركة والثروة - وهي ثروة ورأس مال عند الحاجة - والبعض كانوا يجلبونها للتباهي والفخفخة.
بالنسبة لمكتبة اطفيش: تعتبر من أكبر المكتبات في المنطقة، وهي في بني يسقن. ونحن نعلم أن الشيخ كان يجمع الكتب العلم والتعليم وللمصادر التي يرجع إليها في تأليفه الكتب. وكان له تلاميذ وأتباع في الجزائر وغيرها يبعثون إليه بالكتب وينسخونها له، وكان له نساخ شهير في غرداية يغدق عليه لينسخ له. وقيل إن الشيخ قد زوج بعض نسائه من أجل مكتبات آبائهن. وإذا نظرنا إلى قائمة مؤلفات الشيخ علمنا أن مصادره كثيرة، رغم أنه كان يقطن وسط الصحراء في وقت ليس فيه تصوير ولا أشرطة ولا آلات مساعدة. وبعد وفاته سنة 1914 بقيت المكتبة عند ورثته. ويبدو أنها لم تعان من التلف والضياع الكثير بعده. ويقول إبراهيم فخار إنها تحولت منذ 1966 إلى مكتبة عامة مفتوحة للباحثين والقراءة في أوقات محددة في الأسبوع. ولا ندري إن كان لها مال لتنميتها بعد وفاة الشيخ أو ظلت في حجمها الأول فقط. وقد أصبح لها فهرس عام وبطاقات، ولها خزانة خاصة بالرسائل والوثائق. وتتبع في نظامها النظام الدولي فلها بطاقات للمؤلفين وأخرى للكتب وثالثة
للموضوعات، الخ. وكان الشيخ اطفيش ولوعا بكتب الأدب والتاريخ والدين. ولذلك أصبحت مكتبته غنية بهذه الموضوعات، ولا سيما كتب المذهب الإباضي وسير أيمته وتراجم رجاله (1).
وفي الدراسة التي كتبها المستشرق يوسف شاخت عن مكتبة الشيخ أطفيش تفاصيل هامة عن محتواها وأقسامها. فهي عنده مكتبة تضم معظم مؤلفات الشيخ أطفيش، مخطوطة ومطبوعة، بالإضافة إلى عدد من الكتب النادرة في مختلف المذاهب، ومنها المذهب الإباضي، والأدب العربي، وجملة ما فيها حوالي 1، 550 كتابا. وقد تحدث شاخت عن محافظ المكتبة عندئذ (1956) وهو محمد بن يوسف أطفيش، حفيد أحد إخوة القطب. وكذلك تحدث شاخت عن مكتبة الغناي الملحقة بالأولى. وللغناي قرابة مع الشيخ أطفيش، وقدر شاخت محتويات مكتبة الغناي بـ 275 مجلدا. وبناء عليه فإن المحافظ المذكور قد وضع فهرسا مفيدا للمكتبتين يصلح في نظره أن يكون نموذجاد لمكتبات الأوقاف الأخرى. وقد سلمه المحافظ نسخة من فهرس المكتبة حول الكتب الإباضية. ثم جردها شاخت من كتب الفلسفة والأدب والدين والشعر، كما حذف منها ما أورده بروكلمان في كتابه، ثم بوبها على تسعة أبواب هي: التفسير والقراءات، والحديث والسيرة، وأصول الفقه، وكتب الفقه (وهو القسم الكبير)، والمسائل الفرعية في الفقه، والعقيدة والفلسفة، والردود، والدعاية، والأخلاق، ثم التاريخ (2).
(1) عن مكتبات ميزاب انظر أيضا دبوز (نهضة
…
) 1/ 307. ويوسف شاخت (مكتبات ومخطوطات إباضية) في العدد الخاص من (المجلة الأفريقية)، 1956، ص 375 - 398. وتضم القائمة 151 عنوانا. ولعل فخار قد استفاد من دراسة شاخت. وذكر دبوز امرأتين تزوجهما القطب من أجل مكتبة أبويهما، وهما ابنة عمر نتموسني، وابنة محمد آزبار.
(2)
يوسف شاخت (مكتبات ومخطوطات إباضية) في (المجلة الأفريقية) عدد خاص، ص 375 - 398، والقائمة تضم 151 عنوانا، وذكر دبوز أنه زار مكتبة القطب سنة 1964 فوجد الكثير منها قد ضاع (وسطا عليه لصوص العلم وتلاميذة الشيخ) دبوز (نهضة
…
)، 1/ 307.
وبالإضافة إلى مكتبتي القطب ويحيى الغناي الموقوفتين، توجد في بني يسقن مكتبات أخرى ذكرها شاخت، وهي مكتبة الشيخ صالح بن عمر اليسجاني، ومكتبة الشيخ عبد العزيز الثميني، ومكتبة الشيخ سعيد بن يوسف، ومجموعة الشيخ إبراهيم بن بكير. أما في المدن الميزابية الأخرى فقد أشار شاخت إلى مكتبات مليكة مثل مكتبة الشيخ يحيى بن صالح قاضي البلدة، ومكتبة المعز أحمد بن يوسف، ومكتبة الشيخ الحاج أحمد بن صالح. وفي العطف توجد مكتبة الشيخ عمر بن حمو، ومجموعة الشيخ داود بن يوسف. وفي القرارة توجد مكتبة الشيخ بلحاج، أما في بريان فقد أشار إلى مكتبة الشيخ الطرابلسي التي أكد أنها كانت موقوفة، ومجموعة عبد الرحمن الباكيللي (1).
وبالنسبة لمكتبة الشيخ الثميني فقد ذكر فخار اثنتين، مكتبة عبد العزيز الثميني ومكتبة محمد الثميني. وكان الأخير قد نفت السلطات الفرنسية سنة 1935 إلى تونس فاستقر بها وأسس بها مكتبة الاستقامة قرب جامع الزيتونة، وكانت هذه المكتبة مثالا في الثراء والدقة والخدمات. وقد عرفناها أيام الطلب بتونس. وعن طريق مكتبة الاستقامة كانت تصل الكتب إلى الجزائر أيضا وإلى وادي ميزاب بالذات. ومحمد الثميني هو حفيد عبد العزيز الثميني صاحب المؤلفات الرائدة في الحركة الفكرية الإباضية أوائل القرن التاسع عشر. وظل محمد الثميني على وفائه للإصلاح والعلم والوطنية وهو في تونس. وبعد وفاته حول أبناؤه مكتبة والدهم إلى بني يسقن حيث أصل العائلة. ولا نعرف ما إذا كانت مفتوحة أو غير مفتوحة للزوار والباحثين والقراء، وما إذا كانت منظمة ومفهرسة أو مهملة. ويغلب على الظن أنها مرعية سيما ونحن نعلم أن أبناء الشيخ من المتعلمين البارزين في هذا الجيل، وقد عاصرنا البعض منهم.
ومن أغنى المكتبات أيضا مكتبة الشيخ إبراهيم أطفيش المعروف بأبي إسحاق، وهو من عائلة الشيخ القطب. وكانت السلطات الفرنسية قد نفت
(1) شاخت (مكتبات ومخطوطات
…
)، مرجع سابق، ص 375 - 376.
الشيخ إبراهيم إلى تونس فأقام بها مدة وربط علاقات مع زعمائها وعلمائها، ثم هاجر إلى المشرق وتوظف في مصر وشارك في الحركة الوطنية والإسلامية عموما خلال الثلاثينات والأربعينات. الخ. كما أصدر مجلة (المنهاج) بالتعاون مع الشيخ سليمان الباروني باشا وغيره. وكان متوظفا في دار الكتب المصرية. وفيها عرفناه منتصف الخمسينات ونحن طلبة هناك وقدم لنا خدمات في البحث مشكورة. كما تعرفنا على بعض أبنائه في مصر. ويقول إبراهيم فخار إن إبراهيم أطفيش قد ساهم أيضا في المفاوضات التي جرت لحل قضية الخلاف بين السعودية وعمان حول واحة البوريمي. وكان له اهتمام بالفقه والتراث الإباضي. وقد توفي بالقاهرة.
أما المكتبة فقد بقيت في يد أولاده في حي المطرية بالقاهرة حيث كان يسكن. وقال فخار إن البعض حاول نقلها إلى الجزائر، ولكن الورثة أبوا ذلك. وقد اطلع عليها فخار واعتبرها من أعظم المكتبات الجزائرية بالخارج، وأخبر أن فيها أمهات الكتب، ونحن لا نشك في ذلك لأن رجلا في مكانة الشيخ إبراهيم أطفيش لا يمكن إلا أن تكون له مكتبة ضخمة ومتنوعة جامعة بين التراث والمؤلفات الحديثة، وبين المخطوطات والمطبوعات، وبين الكتب والمجلات والجرائد. ولكن ما يلفت النظر هو احتواء المكتبة أيضا على ملفات حول الحركة الوطنية? كما يقول فخار - في ليبيا وتونس والجزائر والمغرب أيضا. وقد عاصر أطفيش وعرف وشارك مع زعماء هذه البلدان من أمثال الباروني، وابن باديس، والخطابي، والثعالبي، وعلال الفاسي، وأبي اليقظان. ومن جملة ما هو بالمكتبة مؤلفات الشيخ إبراهيم نفسه، وبعضها ما يزال في شكل مسودات (1).
(1) إبراهيم فخار، المكتبات الخاصة بالصحراء الجزائرية، في (دفاتر التاريخ المغربية) جامعة وهران، عدد 1، ديسمبر 1987، ص 26 - 31. من بين مكتبات بني يسقن ذكر فخار مكتبة الشيوخ، صالح بن عمر، وإبراهيم بن بكير، ومحمد بابانو، والسعيد بن يوسف، وصالح بالزملال، ومحمد الشقفة، وعبد الله بوكامل، وإبراهيم امتياز، وصالح ابليدي، وعبد الرحمن بن عمر، ومحمد بن يوسف أطفيش =
وفي العطف مجموعة من المكتبات أيضا، منها مكتبات الشيوخ: يوسف العطفاوي، وسليمان بن داود، والحاج سعيد العطفاوي، ومحمد كعباش، ومحمد القرادي. وتعتبر الأولى من أقدم المكتبات في ميزاب، حسب قول إبراهيم فخار. وهي تحتوي على مخطوطات نادرة .. ولكنها غير مرتبة. ولا نعرف ما إذا كانت خاصة بالورثة أو كانت تحت يد العزاية للاستفادة منها. كما لم يفصل فخار الحديث عن مكتبة الشيخ القرادي. وإنما قال إنها مكتبة هامة نظرا لعلاقات صاحبها، ويقصد بذلك ربما، أن الشيخ القرادي كان معروفا على المستوى الوطني والإسلامي وأنه لعب دورا في الحركة الوطنية وله معارف في البلاد العربية، ولا سيما تونس. وعن مكتبة الشيخ كعباش ذكر فخار أنها من النوع الخاص، وإن صاحبها كان يحسن اختيار الكتب، وأنه كان قد درس في الزيتونة وصاحب علماءها، ولكن هذه المعلومات لا تساعدنا على معرفة قيمة المكتبة وأنواع كتبها.
ولكن إبراهيم فخار قدم معلومات هامة عن المكتبتين الباقيتين في العطف. فقال عن مكتبة الشيخ سليمان بن داود إنها خاصة، وإن صاحبها كان من زعماء النهضة الإصلاحية وإنه من شيوخ العزابة. واحتوت مكتبته على مخطوطات هامة، ووثائق ورسائل، وملفات عن الحركة الوطنية خلال الثلاثينات، بالإضافة إلى ملفات عن وادي ميزاب وحياة العزابة، وملف آخر عن حياة ابن داود خلال حرب التحرير وتجارته ومراسلاته عندما كان بالعاصمة. وهذا الملف بخط يده. أما مكتبة الحاج سعيد العطفاوي فقد كان صاحبها مولعا بالترحل والتنقل ولا سيما بين ميزاب وتونس ومصر وعمان وليبيا والحجاز. وكان ينفق ماله في الكتب ويأتي بها معه عقب كل رحلة. وللحاج سعيد مصاهرات في ليبيا وجربة. وتنوعت كتبه وتعددت مشاربها، ومنها المذهب الاباضي ورجاله (1).
= (الحفيد)، ومحمد بن إبراهيم أطفيش. وعن حياة الشيخ محمد بن يوسف أطفيش (القطب) انظر أيضا فصل السلك الديني والقضائي.
(1)
فخار، مرجع سابق، ص 41 - 44.
وفي القرارة عدد من المكتبات الخاصة، منها مكتبة الشيخ إبراهيم بيوض (وهي أكبرها) ثم مكتبات الشيوخ: الناصر المرموري، وأبو اليقظان، وصالح باجو، وغيرهم. ومكانة الشيخ بيوض العلمية معروفة وهي غير داخلة ضمن هذا الكتاب، ولكن مكتبته الخاصة التي جمعها عبر عقود عديدة تذكرنا بمكتبة الشيخ المهدي البوعبدلي. وقد قال فخار عن مكتبة الشيخ بيوض إنها كانت تحتوي على حوالي عشر خزائن مصنفة حسب الموضوعات، وعلى العديد من الرسائل والوثائق والملفات، ومحاضر الجلسات. وهذه كانت تقع في صناديق خاصة وحقائب ذات قيمة ثمينة. والأكيد أن دور الشيخ بيوض في الخمسينات والستينات سيجعل من وثائقه ذات أهمية كبيرة للدارسين. ولا ندري الآن ما وضع هذه المكتبة بالنسبة للقراء والباحثين.
أما مكتبة الشيخ الناصر المرموري فلها قسم خاص بالمخطوطات النادرة التي جمعها من رحلاته في جربة وجبل نفوسة ومصر وعمان. ومن ضمنها، كما يقول فخار، مخطوطة ابن سلام التي حققها المستشرق الألماني، شنارتز.
وقد عرف الشيخ حمدي إبراهيم بن عيسى المعروف لأبي اليقظان بأنه صاحب الصحف الكثيرة التي كان يصدرها رغم اضطهاد الإدارة الفرنسية لها وله. ولكنه كان أيضا صاحب تآليف جمة، وكان جماعة للمخطوطات والرسائل والدوريات والصحف، وباحثا في التاريخ والتراجم. ويذهب إبراهيم فخار إلى أن وثائق الشيخ أبي اليقظان قد أعدمت أثناء عملية مداهمة لمقر المطبعة العربية، وهي مطبعة أبي اليقظان، أثناء ثورة التحرير (1). وقد أصيب الشيخ أثناء ذلك بالشلل وبقي كذلك إلى وفاته. ولكن الذي وصف الشيخ أبا اليقظان واستفاد من مكتبته ووثائقه هو محمد ناصر، وهو صهره. وفي مكتبة أبي اليقظان مجموعات الجرائد، والدوريات، وفيها رسائل
(1) فخار، مرجع سابق، ص 41 - 44.
كثيرة، وتآليف غير تامة في موضوعات شتى (1).
مكتبة عائلة الفكون: وأقدم المكتبات العائلية الخاصة هي مكتبة الشيخ الفكون، شيخ الإسلام بقسنطينة. فقد كانت تحتوي على آلاف المخطوطات، بعضها كان لا يقدر بثمن من حيث القيمة الجمالية أو من حيث الموضوع. كما كانت تضم كتابات على الرق الجيد، والقطاع الكبير، وبعض التحف. وقد وصفها البارون ديسلان، أوائل الأربعينات من القرن الماضي حين أوفده وزير المعارف الفرنسي في مهمة إلى قسنطينة لتقديم تقرير عن المكتبات، ومنها مكتبة الفكون ومكتبة باشں تارزي. ولكن عائلة الفكون قد عرفت حظوظا جديدة في العهد الفرنسي وانقلب بها الدهر، فكانت رغم ماضيها، من أوائل المتعاونين مع العدو الذي انتصر في قسنطينة سنة 1837، والذي سرعان ما كشر عن أنيابه لها وأسقطها من حسابه، بعد أن (قضى منها اللبانة)، كما يقول القدماء. فأزال الفرنسيون لقب مشيخة الإسلام عنها، وأخذوا مواردها وأوقافها ومصادرها المالية، وإعفاءاتها من الضرائب ونحوها، وعزلوا حمودة الفكون وطاردوه واتهموه بشتى الاتهامات ونفوه. ومن نكبات الدهر بهذه العائلة أن أحد أبنائها وهو أحمد الفكون، سبق غيره بالتجنس بالجنسية الفرنسية 1866، (انظر ترجمته). وكانت المكتبة من ضحايا هذه التقلبات كلها، وهي ثروة وطنية قبل أن تكون عائلية. فقد نهبت واعتدي عليها، وبيعت في المزاد بميزان البطاطا، كما نقول اليوم.
يقول أحد الباحثين الأجانب إنه بينما كان حمودة الفكون يحتج أمام المحكمة في قسنطينة بأن ناحية كدية عاتي كانت ملكا للعائلة لأن فيها جبانة ومقابر أفراد العائلة، وأن أجداده وآباءه كانوا هم القيمين الروحيين على المدينة - قام المقرضون الأروبيون (الفرنسيون) بحجز مجموعة المكتبة التي كانت تقدر بأربعة آلاف مخطوطة ثمينة، ثم باعوها في المزاد بأثمان بخسة (2).
(1) محمد ناصر (أبو اليقظان)، الجزائر، ط، 2، 1984. انظر حديثنا عن أبي اليقظان في الفصل السابق، فقرة الصحافة.
(2)
آلان كريستلو (المحاكم الإسلامية) برنستون، 1985، ص 105. عن هذه المكتبة غداة الاحتلال انظر الجزء الأول من هذا الكتاب.
وفي 1892 كتب المستشرق فانيان كلمة مؤثرة عن ضياع ما بقي من مكتبة شيخ الإسلام الفكون. وروى كيف تفرقت وضاعت نهائيا. وهو بالطبع لا يهمه أن تضيع لأنها انتقلت في أغلبها إلى أيدي المستشرقين والمترجمين الفرنسيين، ولكنه كعالم أحس بالصدمة عندما سمع بالإهانة التي لحقت بالمخطوطات. قال فنيان إن أحد الدائنين قد باع المكتبة منذ أسابيع وهي في أسوأ الأحوال، ودون أن يعلن حتى عن بيعها بالمزاد ليقع التنافس بين المشترين، وإنما باعها ذلك الدائن (بطريقة وزن الورق القديم)
…
وهكذا فإن كيسا مليئا بالكتب الثمينة قد بيع بثلاثين فرنكا، وأما الباقي فقد بيع لأول قادم (1).
وذكر فانيان أن البارون ديسلان قد قدر محتويات مكتبة الفكون بأربعة آلاف مخطوط في تقريره الرسمي. ولما رآها فانيان نفسه سنة 1886، ثم سنة 1889 قدر ما بقي منها حوالي ألفين فقط، من بينها عدد كبير من المجلدات الفاخرة والقديمة. ولكننا نعلم أن نصفها قد ضاع قبل ذلك الحين. وقد وجد أثناء زيارته 425 مجلدا منها محتجزا. (لعل بعض الدائنين حجزوا ذلك)، واطلع أيضا على هذا العدد وتفحصه (سنة 1886)، وكان فيه عدد من المجلدات الهامة والنادرة جدا. وحاول فانيان عندئذ أن (ينقذها)، كما قال، أو ينقذ بعضها ولكنه لم يستطع أن يفعل شيئا، اللهم إلا قطعة من كتاب (المقتبس) الذي قام المستشرق كوديرا CODERA بنسخ نسخة منه بإشارة منه (فانيان)(2).
ولا ندري إن كان حقيقة أو خيالا أن يقول الشيخ محمود كحول سنة 1913 عن محمد بن الحسن الفكون إن أسرته كانت ولوعة بجمع المخطوطات
(1) لعل انتقال بعض كتب مكتبة الفكون إلى مكتبة زاوية طولقة (انظر سابقا) قد وقع خلال هذا البيع.
(2)
ادمون فانيان (مجموعة مخطوطات سي حمودة)، (المجلة الافريقية) 1892، ص 165.
وإن خزانتهم في العهد الأخير (؟) كانت تشتمل على عدة آلآف من الأسفار الثمينة والنادرة في فنون شتى، وفيها ما يعد من الآثار المخطوطة في القرون الأولى، وأنها جمعت غالب الكتب التي كانت على ملك الشيخ مرتضى الزبيدي شارح القاموس ومحمد بيرم الخامس
…
إلى أن قال كحول: ولصاحب الترجمة (أي محمد بن الحسن الفكون) شغف عظيم بجمع الكتب أيضا (1). ولعله كان على الشيخ كحول أن يقول ما قاله فانيان عن مكتبة الفكون، بل كان هو أولى من فانيان فى التحسر على ما آلت إليه المكتبة الى كان معاصرا لنهايتها، لو كان له قلب.
لا نستطيع أن ندعي بأن كل المكتبات القديمة، العائلية أو الخاصة قد وقع لها ما وقع لمكتبة الفكون. فنحن لا ندري ما حدث لمكتبة باشر تارزي في قسنطينة، ولا لمكتبة ابن العنابي في الجزائر، ولا مكتبة محمد بن سعد في تلمسان، وغيرهم كثير. وسوف لا نبحث في ذلك طويلا، وإنما نكتفي بالقول بأن هذا النوع من المكتبات لم يخف، وأن هناك عائلات أخرى ظهرت على الساحة وكانت تملك المخطوطات بدرجة متفاوتة، كما أنها لم تستفد منها استفادة من كانوا قبلها لضعف الدراسات العربية وغلبة الفرنسية في التعامل والتعبير، وقلة المجالات لاستعمال المخطوطات العربية أيضا، ومنها ما كان يعتبر تراثا مخطوطا. وقد كثر التباهي بالكتب في هذا العهد أكثر من الاستفادة منها في التدريس والتأليف، وكان بعضهم يزين بها دار الضياف وقاعة الجلوس، سيما المطبوعة والمجلدة بأناقة. أما المخطوطات والوثائق والتحف فقد كانت تحجب عن الأنظار وتبعد عن الزوار حتى لا تطمع نفوسهم فيها أو تمتد أيديهم إليها.
مكتبة الأمير عبد القادر: رغم انشغال الأمير بالحرب وعدم الاستقرار في عاصمة، فإنه كان يعرف قيمة الكتب التي احتوت عليها زاوية القيطنة والتي تعلم منها قبل الاحتلال. وكان والده محيي الدين أولا ثم أخوه محمد
(1) محمود كحول (التقويم الجزائري)، سنة 1913، ص 176.
السعيد ثانيا هو القيم على شؤون الزاوية بما فيها المكتبة. ثم كانت الحرب التي انتهت بواقعة الزمالة التي أدت إلى ضياع المكتبة وتفرقها في أيدي الفرنسيين، ومنهم دومال، ولامورسيير، ودوماس، ويذكر ابنه محمد باشا أن الكتب كانت قليلة في البلاد وكانت ضرورية للعلم والتعلم، فاجتهد الأمير في جمعها من كل جهة وكان يجازي كل من يحضر إليه مخطوطا أثناء جعله مدينة معسكر هي العاصمة. وأصدر الأوامر في ضرورة حفظ الكتب الموجودة بأيدي الطلبة، وخطط لإقامة مكتبة في تاكدامت عندما جعلها هي العاصمة البديلة، وأخذ يجمع لها الكتب اللازمة. غير أن كل ذلك تفرق في واقعة الزمالة كما ذكرنا (1).
وفي سجن امبواز ثم في بروسة ودمشق جمع الأمير مكتبة جديدة، وكانت هي مصدر غذائه الروحي بعد أن فقد مجده العسكري والسياسي. وكانت مكتبته في قصر دمر حيث أقام طويلا إلى وفاته، ممثلا في الثروة والتنوع. ولا شك أنها قد جمعت الكتب المخطوطة إلى المطبوعة، وكذلك وثائق العائلة والرسائل ونحوها. وكان ابنه محمد قد استفاد من هذه المكتبة في كتابة سيرة والده وتاريخ الجزائر. ويبدو أن مكتبة الأمير ضاعت أيضا بين أيدي الورثة من جهة وأثناء غارة الأتراك على القوميين العرب سنة 1916 من جهة أخرى. فقد قيل إنهم بعثروا هذه المكتبة أثناء البحث عن ابنه عمر الذي اتهموه بالتآمر ضدهم ثم شنقوه (2).
مكتبة الشيخ طاهر الجزائري: أصبح الشيخ طاهر بن صالح السمعوني الجزائري أحد أعيان الفكر والأدب والقومية في بلاد الشام في آخر القرن الماضي وأوائل هذا القرن. ومكانه هو فصل المشارق والمغارب، وإنما نذكر هنا أن مكتبته النفيسة قد تبعثرت أيضا نتيجة الحرب العالمية الأولى وانضمامه هو إلى حزب اللامركزية المعادي لسياسة جمعية الاتحاد والترقي التركية. وقد هاجر إلى مصر خوفا من جور جمال باشا والي دمشق الذي
(1)(تحفة الزائر)، 1/ 202.
(2)
الخالدي (المهجرون
…
)، ص 399. مخطوط. انظر أيضا دراستنا عن مخطوطة تحفة الزائر الضائعة في أبحاث وآراء، ج 2.
اضهد القوميين العرب وشنق منهم مجموعة على رأسها عمر بن الأمير عبد القادر وسليم السمعوني ابن أخ الشيخ طاهر نفسه. وذكر صديقه محب الدين الخطيب أن الشيخ طاهر اضطر إلى بيع مكتبته النفيسة في القاهرة إلى المكتبات العمومية ولو بنصف ثمنها لكي تبقى في بلاد إسلامية ولا تنتقل إلى بلاد أجنبية، فباع منها إلى مكتبة دار الكتب ثم المكتبة التيمورية ثم الزكية الخ. وذلك أن بيعها للأفراد (ومنهم الأجانب أو عملاؤهم) سينقلها إلى الخارج. وجاء في مرجع آخر أن جزءا من مكتبته سلمه إلى صديقه الخطيب الذي تركه بدوره لابنه قصي (ابن الخطيب)(1).
…
وسنكتفي الآن بذكر بعض المكتبات الخاصة التي شاهدناها أو تعاملنا مع أصحابها أو اطلعنا على وصف لها. أما ما يردده البعض أحيانا من أن لفلان مكتبة ومخطوطات فلا يخلو من مبالغة. ولو سلكنا طريق السماع فقط لكان كل عالم وكل زاوية وكل مثقف له مكتبة جديرة بالحديث عنها هنا. ولكن لا يشك أحد في قيمة مكتبة ابن أبي شنب مثلا. كما أن اهتمامنا منصب على المكتبات التي تحتوي على مخطوطات عربية تراثية ووثائق ومراسلات وليس مجرد مكتبات تحتوي على بعض الكتب المطبوعة أو المدرسية. وعلى هذا يمكننا ذكر مجموعة من المكتبات الخاصة، ولا سيما تلك التي عانت من الضياع والتلف:
1 -
مكتبة محمد بن الحاج حمو: وهو من مليانة، وكان في دولة الأمير متوليا تمويل الجيش. وعند انهيار هذه الدولة فز محمد بن الحاج بنفسه وأهله واعتصم بشعاب جبال بني مناصر. وظل متخفيا هناك، وكان
(1) محب الدين الخطيب (الحديقة)، ج 4، 1348 هـ، ط 2، ص 180. وكذلك الخالدي، مرجع سابق. ومن المكتبات التي تبعثرت نتيجة الغارة التركية على القوميين العرب مكتبة سليم السمعونى بعد شنقه.
الفرنسيون يهاجمون الفارين سنة 1842، فضاعت مكتبته وأوراقه ودفاتره (1).
2 -
مكتبة محمد الطاهر المحفوظي المعسكري: وقد تولى القضاء في غريس ووهران وتلمسان، وكان من علماء الوقت خلال الاحتلال، ثم أصبحت أسرته تعرف بأسرة (الخطيب) بعد تغيير الحالة المدنية. ويقول عنه الشيخ المهدي البوعبدلي: لقد جمع خزانة كتب معظمها نقله بيده (2)(أي نسخة). وقد ترجمنا له باختصار في مكان آخر.
3 -
مكتبة أبي حامد المشرفي: وكان قد هاجر إلى المغرب الأقصى، وزار الجزائر بعد انتهاء المقاومة، وأدى فريضة الحج، وعاش وتوفي بالمغرب. وسنترجم له في فصل التاريخ والرحلات. ويقول عنه الشيخ البوعبدلي إنه عندما هاجر باسرته إلى المغرب حمل معه خزانة كتب أنقذها من الضياع (3)، وقد اطلعنا على بعض مخطوطاته في خزائن المغرب.
4 -
مكتبة خليفة بن حسن القماري: وهو من علماء قمار قبل الاحتلال ويعرف بنظمه لمختصر الشيخ خليل في الفقه المالكي. ومكتبته آلت إلى ابنه، ثم إلى ورثة آخرين من العائلة، وظلت تنتقل في الأيدي إلى أن استقرت عند المرحوم الصادق قطايم، أحد أحفاده. وقد توفي هذا أوائل الثمانينات في عهدنا. وقبل وفاته أطلعنا على بقايا المكتبة الموضوعة في صناديق وحقائب. وهي مخطوطات أغلبها في التراث الفقهي والنحوي وما إليه، كما تشتمل على بعض المنظومات والتقاييد التي تركها الشيخ خليفة وبعض مراسلاته مع علماء الوقت. وبقية المكتبة اليوم عند أبناء السيد قطايم (4).
(1) انظر مقالة حسن بن بريهمات في تأبينه، المبشر 31 ديسمبر 1868. وقد ترجمنا لكليهما في غير هذا.
(2)
المهدي البوعبدلي، مقدمة كتاب (دليل الحيران)، الجزائر، 1978، ص 49، هامش 46. عن المحفوظي انظر كريستلو (المحاكم)، وكذلك ترجمتنا له، ومخطوط محمد الشاذلي.
(3)
رسالة من الشيخ المهدي البوعيدلي، بتاريخ 14 مارس 1985.
(4)
انظر كتابنا تجارب في الأدب والرحلة.
5 -
كثيرا ما ذكر لي الشيخ البوعبدلي في مراسلاته معي مكتبة المفتي حميدة العمالي. وقد كان العمالي من رجال الدين الذين توارثوا العلم والكتب في العاصمة، وكان من علماء القرن الماضي الذين لهم بعض التحارير والتقاييد. وجاء في إحدى رسائل البوعبدلي عبارة غامضة يفهم منها أن مكتبة الشيخ العمالي - خزانته، كما يقول - قد آلت إلى مفتي وهران في آخر القرن الماضي، وهو علي بن عبد الرحمن الذي كان تلميذا للعمالي. يقول البوعبدلي إن الخزانة قد ختم بها المطاف بوهران سنة 1324 (1). وكان البوعبدلي يملك بعض الآثار من مكتبة الشيخ العمالي، كما سبقت الإشارة. وكذلك كان يملك كناشا هاما- فيه رسائل ومساجلات لمحمد بن رأس العين وسعيد بن الشباح وغيرهما. (فكناشں ابن رأس العين ورسائله التي كان يحررها - بعضها لباشوات الجزائر - في مختلف المواضيع، رائعة تجعل صاحبها في مصاف كتاب ذلك العهد (العهد العثماني) بالمشرق والمغرب) (2).
6 -
مكتبة شعيب بن علي: وهو قاضي تلمسان الذي بقي حوالي أربعين سنة في منصبه، وكون مكتبة فخمة وراسل وألف (3). وكان والد الشيخ البوعبدلي من تلاميذ القاضي شعيب. وكان يستعير من شيخه مخطوطات يشترط عليه إرجاعها في مدة محددة. وكان القاضي شعيب يستشهد ببيتي ابن القنفذ حول إعارة الكتب حتى يحث المستعير على العناية بها وإعادتها أو يتخلص من الإعارة تماما، وهما قوله:
بالله يا مستعير الكتب دعني
…
فإن إعارة الكتب عار
فمحبوبي من الدنيا كتابي
…
وهل أبصرت محبوبا يعار
(1) تاريخ المراسلة 10 أكتوبر 1979 (والتاريخ الهجري المذكور في المراسلة هو 1224، وقد صححناه، لأن العمالي وابن عبد الرحمن قد عاشا في النصف الثاني من القرن 14 الهجري).
(2)
رسالة من الشيخ المهدي البوعبدلي، 2 مارس 1980.
(3)
ترجمنا له في غير هذا المكان، انظر فصل السلك الديني والقضائي.
وكان القاضي شعيب يقول لوالد الشيخ البوعبدلي: (ولما كنت أعز علي منها - الكتب - فإلي أرسلته إليكم)(1). وقد ورث أبو بكر عبد السلام بن شعيب مكتبة والده، ولا ندري الآن مصيرها.
7 -
مكتبة مصطفى الأغواطي: وهو مصطفى بن موسى خريج المدرسة الثعالبية الشرعية. وكان قد أقام سنوات طويلة، كما يقول الوعبدلي، في موريطانيا، ودرس هناك في إحدى الثانويات، وكان من تلاميذه أول رئيس لموريطانيا، وهو مختار ولد دادة. وقد جمع مصطفى الأغواطي (خزانة مخطوطات كلها درر). ودعا الشيخ المهدي لزيارتها في منزله. وكان قد رجع (الأغواطي) إلى الجزائر بعد الاستقلال (2).
8 -
مكتبة أحمد الأكحل: وكان قد تخرج أيضا من المدرسة الثعالبية الشرعية، وهو من أسرة عريقة، وكان يقرض الشعر ويتعاطى الأدب. وله بعض المؤلفات سنعرض إليها. وقد نشر في بعض الصحف خلال الثلاثينات كما نشر في مجلة (هنا الجزائر) في الخمسينات. وبعد الاستقلال توظف في وزارة الشؤون الدينية. ويقول الشيخ البوعبدلي عنه:(لا شك أنه كان يملك بعض نوادر المخطوطات إذ والده كان أمين الدلالين). وكان يملك نسخة من تاريخ ابن المفتي (القرن 18 م) وفيها أن أحمد بن عمار من الواردين على العاصمة من مستغانم بينما تذهب نسخة أخرى إلى أنه ورد إليها من تلمسان (3).
9 -
مكتبة المولود الحافظي: وكانت داره في بني حافظ. وكان من العلماء البارزين خلال هذا القرن. وله ثقافة واسعة، سيما في الفلك. وتولى
(1) كتب إلي الشيخ المهدي البوعبدلي هذا الاستشهاد بمناسبة إرساله كناش العمالي إلي، في مراسلة 2 مارس 1980.
(2)
يقول البوعبدلي في مراسلة بتاريخ 7 ينار 1981 إن مصطفى الأغواطي قد يكون متقاعدا عندئذ ومقيما في العاصمة أو في الأغواط.
(3)
مراسلة البوعبدلي 10 أكتوبر 1979.
رئاسة جمعية علماء السنة. وعاش إلى سنة 1948 وكان عندئذ مديرا للمعهد الكتاني. أصبحت داره خلال حرب التحرير مركزاه عسكريا فرنسيا. ويقول الشيخ علي أمقران السحنوني: (وكانت كتبه وآثاره مدفونة في فناء الدار، ثم اكتشف هذا الكنز) أحد الضباط الفرنسيين (فأخذه كله) وضاع. ثم يقول: ولعل بعضه موجود الآن في سطيف وبوقاعة (1).
10 -
مكتبة ابن شعلان: كانت أسرة ابن شعلان، حسب الشيخ علي أمقران، من الأسر العلمية في بجاية. وقيل إنها تتوفر على (مكتبة عظيمة)، ومن ذخائرها كما قيل، (النبذة المحتاجة في أخبار صنهاجة)، ويغلب على الظن أن المكتبة ما تزال موجودة إلى الآن (2). ولكن هذه المعلومات سماعية، وكثيرا ما يبالغ الرواة.
11 -
مكتبة بودريوة: ونعني به الحاج بهلول الهاشمي بودريوة الشرقاوي البجائي. وقد أخبرني الشيخ علي أمقران أن أخاه محمد الصالح قد قام بوضع قوائم بمحتويات المكتبة المذكورة، وانتهى منها في 30 نوفمبر، 1977، فبلغت المجاميع وحدها ثلاثة عشر مجموعا، وفي كل مجموع عدد من الكتب والأوراق والرسائل من مختلف الفنون كالنحو والقراءات، والدين والتوحيد، الخ. ومن بينها شوارق الأنوار للحسين الورتلاني في التصوف والمناقب، ومجموع في الأخبار والأنساب والتواريخ من 148 صفحة (3).
12 -
مكتبة ابن سماية: وهو الشيخ عبدالحليم الذي اشتهر أوائل هذا القرن بالعاصمة، وكان هو ووالده من المدرسين والأعيان. وصفه المترجمون له بأنه كان جماعا للكتب القديمة والحديثة والمخطوطة والمطبوعة. وكان يشتريها أو يستنسخها على الطريقة القديمة، وذكر الشيخ
(1) علي أمقران، مراسلة بتاريخ 17 مارس، 1980: انظر فصل السلك الديني والقضائى.
(2)
نفس المصدر، بتاريخ 9 مارس 1980، سبق أن قلنا إن (النبذة) كانت في حوزة المستشرق شيربونو، ثم اختفت.
(3)
علي أمقران السحنونى، مراسلة بتاريخ 8 غشت 1980.
دبوز أنه كان لابن سماية (خزانة تحتوي آلاف الكتب النفيسة) ولكن أكثرها قد ضاع حين جاء بعض علماء المغرب (لعله يقصد الكتاني) واستعاروها منه وهربوها إلى باريس (1)!.
13 -
مكتبة خمار: وهو أحد شيوخ العلم في بسكرة أوائل هذا القرن. وفي وصف المعاصرين له ذكروا أنه كان ولوعا بجمع الكتب الخاصة به، وكانت مكتبته متنوعة وهامة وأنه كان محبا للكتب. وكان تلاميذه يستفيدون منها (2).
14 -
مكتبات أخرى: لا نشك في أن هناك علماء وغير علماء لهم مكتبات خاصة صغيرة أو كبيرة، ذات قيمة ضئيلة أو عظيمة. ولكن لا سبيل إلى استقصائها كلها. وحسب معلوماتنا السماعية أو الظنية، فإن ممن كانوا يملكون مكتبات معتبرة وفيها بعض المخطوطات هم الشيوخ، عبد الكريم التواتي بتمنطيط، والبشير الرابحي الذي تولى الفتوى في عدة بلدان، وابن الحاج موسى بالعاصمة، وعبد المجيد بن حبة في المغير، ومحمد التواتي في بسكرة، والأمير في باتنة، وأحمد بن حسن الشرقي والحاج العربي بن شنوف نواحي وهران، ومحمد الهاشمي بن بكار في معسكر، والطاهر العبيدي وأخوه أحمد العبيدي في تقرت والوادي، وأحمد خراز، ومصطفى السالمي بالوادي، وأحمد بن أبي الضياف، بتاغزوت، وأحمد بن عبد الباقي، والطاهر التليلي بقمار، وابن الموهوب ونعيم النعيمي في قسنطينة، ومحمد البشير الإبراهيمي الذي جمع مكتبة هامة أثناء إقامته في القاهرة. ثم مكتبات بعض المهاجرين إلى المشرق والمغرب من أسرة الأمير عبد القادر وأسرة المشرفي.
…
(1) دبوز (نهضة)، 1/ 122.
(2)
انظر عنه فصل التعليم.