الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
سندرس في هذا الفصل البناءات الإسلامية في العهد الفرنسي، من مساجد وزوايا وأضرحة وجبانات، وندرس أوقافها التي آلت بالمصادرة إلى أملاك الدولة الفرنسية، كما سندرس الأوقاف العامة الأخرى مثل أوقاف مكة والمدينة وسبل الخيرات وبيت المال والعيون والطرقات والأندلس والأشراف، وهي التي كانت قد صودرت قبل أوقاف البناءات الدينية الخاصة كالمساجد والزوايا. أما المدارس فسنكتفى بذكر أسمائها وأوقافها، أما دورها التعليمي والتربوي فسنعالجه في الفصول الخاصة بالتعليم، وكذلك الأمر بالنسبة للزوايا. وهناك مصطلحات لا بد من التعرض إليها قبل التفصيل في النقاط المذكورة، وكذلك مراسيم وقرارات صدرت من السلطات الفرنسية لتحديد الصلاحيات وتبرير المصادرة سنتعرضں إليها أيضا. وقد أنشأت هذه السلطات أجهزة تتولى باسمها تسيير الأوقاف الإسلامية وتقديم المساعدات للفقراء مثل المكتب الخيري الإسلامي والجمعية الخيرية، ونحو ذلك. وكان علينا أن نتتبع تطورها أيضا ومشاكلها ومعاناة المستحقين لمداخيل الأوقاف. وأثناء ذلك نعرض لرد فعل الجزائريين إزاء هدم المساجد أو تحويلها إلى كنائس أو إسطبلات أو ثكنات أو مسارح، ورد فعلهم من الاستيلاء على الأوقاف وتمويلها عن أغراضها وإعطائها إلى الأوروبيين.
وقد اعتمدنا في كتابة هذا الفصل على عدة مصادر ومراجع. هناك أولا الأرشيف الذي يضم وثائق عديدة وتقارير حول أوضاع الأوقاف والبناءات الدينية والخيرية الإسلامية. إلى جانب معرفتنا بنظام الوقف في الشريعة الإسلامية، وخلال العهد العثماني، وهو العهد الذي انتظمت فيه طريقة
التسيير لهذا الجهاز (الوقف) الاجتماعي والثقافي والاقتصادي، والذي ورث منه العهد الفرنسي نفس التركة، من وكلاء مجربين ومحاسبات دورية وسجلات محفوظة وهيئة علمية ساهرة ومستفيدة. وبالإضافة إلى ذلك نجد في كتابات بعض الفرنسيين مادة كبيرة سجلت موقف السلطات من أملاك الوقف الإسلامي من البناءات الدينية، هدما وبيعا وتحويلا عن الغرض الديني. ومن الكتاب الذين تناولوا هذا الموضوع ألبير ديفوكس، وأوميرا، وأشيل روبير، وشيربونو، وبروسلار، وفيرو، والإسكندر جولي، وهنري كلاين، ولويس رين، وديبون وكوبولاني.
وفي الكتب المتخصصة بالمناطق والمدن (المونوغرافات) نجد وصفا مفصلا أحيانا للمؤسسات الدينية في كل منطقة، وهي الكتب التي ألفها عادة رؤساء المكاتب العربية الذين عملوا في المنطقة طويلا وخبروها، فجمعوا من تقاريرهم ومذكراتهم وملاحظاتهم كتبا نشروها بعد انتهاء مهامهم أصبحت ذات قيمة بما فيها، وتضم معلومات خاصة ومفصلة. ومن ذلك بعض الكتب المتعلقة بزوايا ومساجد زواوة والأوراس، وبعض المناطق الأخرى مثل تيهرت (تيارت) والمدية ووادي سوف وغرداية. ومن المؤلفات الجزائرية التي تعرضت للموضوع كتاب حمدان خوجة (المرآة)، وكان أول وثيقة تستنكر فعل السلطات الفرنسية من المساجد والأضرحة وعظام الموتى، وأول من رفع صاحبه عقيرته بالاحتجاج بالقلم على ذلك الفعل. ولكن الكتاب يظل مقتصرا على فترة قصيرة جدا. (ثلاث سنوات) من عهد الاحتلال البغيض. ولو عاش حمدان خوجة بعد ذلك في الجزائر وشاهد ما ارتكب في عهد خلفاء كلوزيل، مثل بي جو وراندون وبيليسيه الخ. لما سكت عن أفعالهم ولترك ربما لنا تفاصيل أخرى مفيدة. وهناك كتابات ليست فرنسية ولا جزائرية حول الأسلوب الفرنسي في التعامل مع التراث الديني الجزائري. نذكر منها مؤلفات القسيس بلاكسلي، وبولسكي، وسيتون، ومورقن. وهم رحالة سجلوا ملاحظاتهم على سلوك الاحتلال في عقوده الأولى. إن على المرء أن يتوقف قليلا ويتأمل في فعل الفرنسيين في الجزائر
سنة 1830، ويحكم: هل احتلوا الجزائر ليستعمروها أو ليخربوها؟ وهل جاؤوا لينتقموا من الإسلام والمسلمين أو ليقيموا مستعمرة يحلون فيها مواطنيهم ويحمونها بجيشهم ويستفيدون من اقتصادها ومواردها؟ من السهل إعطاء الجواب منذ البداية ولكن على المرء أن يواصل معنا هذه الرحلة الشاقة في تصرفات لا مبرر لها في ظاهر الأمر سوى الحقد والجهل بقيمة التاريخ والغرور الأخرق. وقد لاحظ بعض علماء الفرنسيين أنفسهم الأخطاء التي ارتكبت في هذا المجال وحكموا على أصحابها بأنهم أهانوا بفعلهم ذلك شرف المسلمين الذين لن يغفروا لهم إساءتهم، وقد كان ديفوكس وأوميرا ورين أجرأ مما كنا نتوقع حول الموضوع، ولكن جرأتهم جاءت بعد عشرات السنين من الاحتلال.
وقبل البدء في الفقرة التالية نقول إننا اتبعنا في تصنيف البناءات الدينية جغرافيا ثلاثة أصناف: بناءات إقليم الوسط (الجزائر)، وبناءات إقليم الغرب (وهران) وبناءات إقليم الشرق (قسنطينة)، وهو التقسيم الإداري والتقليدي للقطر الجزائري أثناء الاحتلال وإلى سنة 1954. وطريقتنا في ذلك هي أن نذكر البناية الدينية وحالتها وتاريخها إذا توفرت المعلومات عنها، وأوقافها إذا ذكرت إلى جانبها، ومصيرها بعد الاحتلال. وعندما ننتهي من البنايات الدينية في الإقليم الواحد ننتقل إلى نفس البنايات في الإقليم التالي، وهكذا. وسيلاحظ القارئ بدون شك، عدم التوازن في المادة وفي التعامل بين وضع هذه البناءات في الأقاليم الثلاثة. ويرجع السبب الرئيسي في ذلك إلى وفرة الكتابات في ناحية دون أخرى، من جهة، وإلى أن السلطات الفرنسية لم تتعامل بنفس الطرية في مختلف أنحاء البلاد. مثلا عانت العاصمة أكثر من غيرها من هدم المساجد والزوايا والأضرحة لأنها هي الأولى في الاحتلال وأنها الأولى التي انطلق منها التوسع العمراني الأوروبي على حساب الأحياء المسماة العربية. وكان الفرنسيون قد قضوا فيها على البناءات الدينية تحت دعاوى عديدة، مثل الدفاع عن المدينة، ومد الطرقات وفتح ساحة الحكومة (الشهداء حاليا) الخ. وكانت تلمسان من