المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

المدن التي لم تتضرر كثيرا بالأسلوب الذي طبق في العاصمة - تاريخ الجزائر الثقافي - جـ ٥

[أبو القاسم سعد الله]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الخامس

- ‌الفصل الأولالمعالم الإسلامية والأوقاف

- ‌مقدمة

- ‌مساجد العاصمة

- ‌آراء وتعاليق حول مصير مساجد العاصمة

- ‌بعض المساجد في إقليم العاصمة

- ‌مساجد إقليم قسنطينة

- ‌مساجد إقليم وهران

- ‌الزوايا في إقليم الوسط

- ‌الأضرحة في إقليم الوسط

- ‌تعاليق حول الآثار الإسلامية

- ‌الزوايا والأضرحة في إقليمي قسنطينة ووهران

- ‌الأوقاف

- ‌القرارات وتنفيذها

- ‌نماذج من أموال الوقف والإحصاءات

- ‌المساعدات الخيرية

- ‌(المكتب الخيري الإسلامي)

- ‌جمعيات الإغاثة الاحتياطية

- ‌الفصل الثانيالمنشآت والمراكز الثقافية (1)

- ‌ الصحافة

- ‌صحيفة (المبشر) الرسمية

- ‌جريدة المنتخب

- ‌المجلات الفرنسية

- ‌نشأة الصحف الجزائرية

- ‌الصحف السياسية والإندماجية

- ‌الصحف منذ 1940

- ‌المجلات العربية

- ‌التقاويم

- ‌الإذاعة والسينما

- ‌المطابع

- ‌الجمعيات والنوادي الثقافية

- ‌الفصل الثالثالمنشآت والمراكز الثقافية (2)

- ‌المكتبات

- ‌نظرة على مصير المخطوطات والوثائق

- ‌المكتبة العمومية (الوطنية)

- ‌المكتبة الجامعية

- ‌المكتبات العسكرية والبلدية والمدرسية

- ‌مكتبات الزوايا

- ‌المكتبات الخاصة

- ‌النساخة والنساخون

- ‌المتاحف

- ‌المسرح

- ‌نوع الفودفيل

- ‌نوع الكوميديا

- ‌ نوع الميلودرامة

- ‌ نوع الدرامة

- ‌المسرح الجزائري

- ‌الموسيقى

- ‌موسيقى البادية

- ‌آراء في الموسيقى التراثية

- ‌الفصل الرابعالجزائر في المغارب والمشارق

- ‌الهجرة نحو المغارب والمشارق

- ‌إلى الحجاز:

- ‌إلى المغرب:

- ‌إلى تونس:

- ‌إلى ليبيا:

- ‌إلى مصر:

- ‌إلى اسطانبول:

- ‌الروابط الروحية - الصوفية

- ‌الجامعة الإسلامية

- ‌بعض أعيان الجزائر في المشرق والمغرب

- ‌عائلة الأمير في المشرقالإخوة والأبناء

- ‌أبناء الأمير عبد القادر

- ‌إخوة الأمير عبد القادر:

- ‌زوار من المشرق والمغرب

- ‌زيارة الشيخ محمد عبده

- ‌مراسلات وأحداث

- ‌جمعيات وجرائد

- ‌مشاركات ورواسب

- ‌المحتوى

الفصل: المدن التي لم تتضرر كثيرا بالأسلوب الذي طبق في العاصمة

المدن التي لم تتضرر كثيرا بالأسلوب الذي طبق في العاصمة وبجاية وقسنطينة مثلا، كما أن زواوة والجنوب لم يدخلهما الاستعمار إلا خلال الخمسينات من القرن الماضي، أي بعد أن اطمأن الفرنسيون على مكاسبهم وخف حقدهم على المعالم، وإن كان قد بقي ضد أهلها.

‌مساجد العاصمة

نستعمل كلمة المسجد والجامع لنفس الشيء، رغم أن المصطلح الفرنسي يفرق بين الجامع وهو المصلي الذي له منارة أو صومعة، وتصلي فيه الجمعة وتلقي فيه الخطبة ويمتاز بالحجم الكبير والضخامة والاتساع للمصلين. أما المسجد فهو المصلى الصغير الحجم والذي ليس له منارة أو صومعة أو له صومعة صغيرة. ويستعمل المسجد على هذا الاعتبار للصلوات الخمس فقط. وهناك مساجد صغيرة الحجم ولكن كانت مصلى لبعض الخاصة كمسجد الداي. وبعض المساجد الصغيرة كانت تابعة للزوايا أو للقباب (الأضرحة)، كما سنذكر، وستعرف أن المساجد الكبيرة (الجوامع) ذات الصوامع والخطباء والمدرسين مذكورة بهذه الصفة في أوقافها في كثير من الأحيان. ولذلك فقد رأينا أن نحافظ على التسميات التاريخية كما وردت في الوثائق، فإذا كانت البناية مذكورة على أنها مسجد في الوثيقة فلن نعطيها اسم جامع، وإذا كانت مذكورة على أنها جامع فلن نعطيها اسم مسجد، ولو كان هذا الجامع تابعا لزاوية فقط أو في حجم صغير.

إن أول مسجد وقع عليه الاعتداء بالهدم الكامل هو جامع السيدة. وكان ذلك سنة 1830. وستعرف وصف هدمه بأقلام فرنسية. ثم تلاه توزيع المساجد على الجيش لربط خيوله ووضع عتاده ومراقده ومستشفياته، ثم بدأ تحويل بعض المساجد إلى الكنائس التي سنذكرها وإلى إقامات للجمعيات الدينية الفرنسية، وفي أثناء ذلك كان المعول يستعمل لهدم المساجد الأخرى أو بيعها إلى الأوروبيين ليهدموها، ويبنوا عليها المنازل والحمامات

ص: 10

والكوش. وقد استعمل بعض المساجد كمخازن للحبوب، وصيدليات ومسارح.

كان عدد مساجد العاصمة عند الاحتلال 122 مسجدا بين صغير وكبير (13 جامعا كبيرا بالمنطق الفرنسي)، بعضها يرجع إلى قرون خلت (القرن 7 هـ)، وبعضها يرجع إلى آخر العهد العثماني. ومن هذه المساجد ما كان قائما يؤدي مهمته وله أوقافه منذ القرن 16 م. وجاء وصفه في كتب الرحالة والمعاصرين أمثال ليون الإفريقي وهايدو الإسباني.

عند تناول البنايات الدينية في العاصمة اتبع المؤلفون طرقا مختلفة في إحصائها ووصفها. فألبير ديفوكس درسها أولا من خلال الأحياء داخل المدينة. فتناول ما هو بالوسط (القصبة) وما هو بالناحية الغربية (باب الواد) وما هو بالناحية الشرقية (باب عزون). ثم تناول ما هو خارج الأسوار، أي الواقع في الضواحي أو (الفحوص)، متبعا أيضا ذلك جهة يد جهة أو فحصا بعد فحص إلى أن أتى على مجموع حوالي 176 بناية دينية أو معلما، ومنها 122 مسجدا التي أشرنا إليها (1).

وكان ديفوكس من خبراء هذا الموضوع، لأنه كان مكلفا بالوثائق العربية والتركية مدة طويلة، وقد استخرج منها معلومات كثيرة تهم الاحتلال

(1) درس الأستاذ ناصر الدين سعيدوني أوقاف الجزائر والفحوص. وعرف الفحوص أنها تتكون من الروابي المحيطة بالعاصمة (الساحل) على مسافة حوالي اثني عشر كلم. وتحدها أوطان بني خليل والخشنة وبني موسى. والفحوص تنقسم إلى ثلاثة مناطق انطلاقا من حصون العاصمة وأسوارها والطرق المؤدية إليها، أي أن هناك فحوص باب الواد مثل بوزريعة والسد والرملة ووادي قريش، ثم فحوص الباب الجديد مثل بني مسوس وعين الزبوجة والقادوس. ثم فحوص باب عزون مثل العين الزرقاء، والحامة وبئر الخادم، الخ. انظر سعيدوني (الأوقاف بضواحي الجزائر في آخر العهد العثماني) في (الوقف في العالم الإسلامي المعاصر) وقائع ندوة مستديرة جرت في إسطانبول، نوفمبر، 1992. منشورات المعهد الفرنسي للدراسات الأناضولية، إسطانبول، 1994، ص 99 - 101.

ص: 11

وتارخ القناصل الفرنسيين والشركات الفرنسية في الجزائر في العهد العثماني، ثم البنايات الدينية والأوقاف التابعة لها، وما إلى ذلك. وكان لا يحسن التركية، ولذلك وظف مجموعة من الجزائريين الذين كانوا يترجمون له من التركية إلى العربية، ذكر منهم الشيخ محمود بن عثمان خوجة الذي قد يكون من عائلة حمدان بن عثمان خوجة. وبعد ذلك كان ديفوكس يترجم من العربية إلى الفرنسية. وفي دراسته للبنايات والمعالم الدينية الإسلامية لم يرتبها ديفوكس حسب الأهمية ولا حسب الوظيفة ولا حسب النوعية، وإنما كان يذكر (قاتمة) بهذه البنايات في الفصل المخصص للجهة التي يدرسها. والمهم أن نذكر أن ديفوكس عاصر تصرف سلطات بلاده في المساجد وغيرها، ولكنه لم يكتب عن ذلك ولم يصفه إلا بعد عدة سنوات (1).

أما أوميرا فلم يكتب عن الموضوع إلا سنة 1898. وقد اعتمد على زميله ديفوكس في كثير من الجوانب، ولكنه تميز عنه بالتركيز على أملاك الوقف وليس على البنايات الدينية نفسها. ومع ذلك تناول عددا من المساجد والزوايا والقباب (الأضرحة) بشيء من التفصيل ليظهر مكانتها في التراث وقيمتها في الوقف. وقد صنف ذلك إلى ما هو داخل المدينة وما هو خارج عنها. كما أنه ذكر 32 مسجدا أصابها الهدم والتعطيل والتحويل والخراب. وبعضها (وهو ستة فقط) بقيت إلى وقته هو. وسنعرف عن الزوايا والقباب والجبانات التي تناولها أوميرا أيضا. ولذلك سنستفيد نحن من الدراستين في هذا الباب. وسنكملها بملاحظات ومعلومات جمعناها من مراجع أخرى.

إن بعض هذه المساجد كانت ذات شهرة وقيمة علمية كبيرة في العهد العثماني ولكن الاحتلال لم يرحمها. ومثال ذلك جامع القشاش وجامع

(1) نشر كتابه (البنايات الدينية القديمة في مدينة الجزائر) سنة 1874 بعد أن نشره فصولا في المجلة الإفريقية. R.A . وننبه إلى أننا لم نقلد ديفوكس في إيراد المساجد حسب الأحياء القديمة للمدينة، لأن ذلك التقسيم غير معروف اليوم. انظر أبو القاسم سعد الله (تاريخ الجزائر الثقافي) ج 1، ط. 2، الجزائر 1985.

ص: 12

عبدي باشا وجامع حسين ميزمورتو، وجامع خضر باشا (1). ولقد واصلت السلطات الفرنسية عمليات التخلص من المساجد إلى فاتح القرن العشرين، فبين 1905 - 1911 جرت مناقشات ساخنة في بلدية الجزائر حول هدم الجامعين الرئيسيين الباقين وهما الجامع الكبير والجامع الجديد (التجميل) العاصمة وبناء فندقين مكان الجامعين. ولولا خوف هذه السلطات من ردود فعل المسلمين ومواقف بعض النواب الجزائريين في البلدية، وعلاقة ذلك بموضوع التجنيد الإجباري وحركة الهجرة (2)، لمضى الفرنسيون إلى الجامعين المذكورين وتخلصوا منهما كما فعلوا مع الجوامع الأخرى ولبقيت العاصمة اليوم ربما خالية تماما من الآثار الإسلامية.

وإليك أسماء مساجد العاصمة ومصائرها:

1 -

جامع السيدة: كان من بين المساجد السبعة الرئيسية منذ القرن 16 م (العاشر الهجري). أقدم الوثائق التي تتحدث عنه ترجع إلى سنة 1564 م. تحدث عنه هايدو الإسباني سنة 1581 وعده الثالث في الأهمية من بين المساجد السبعة بالعاصمة. اتخذه الباشوات مصلى لهم لقربه من قصر الجنينة (قصر السلطان والحكم). واعتبره ديفوكس من جوامع الدرجة الأولى، لجماله وفخامته. وكان ديفوكس حاضرا، لهدمه سنة 1830، ولكنه كان صغير السن، ولذلك اعتمد في وصف طريقة الهدم على زميله أوغست لودويه A. Lodoyer، عضو الجمعية التاريخية الجزائرية، التي أسسها الفرنسيون سنة 1855. فقال لودوييه إن جامع السيدة كان أول جامع هدم بالمطارق والفؤوس بأيادي فرنسية، وذلك لضرورة توسيع المجال حول قصر

(1) الجزء الأول من تاريخ الجزائر الثقافي، مرجع سابق.

(2)

أبو القاسم سعد الله، (الحركة الوطنية الجزائرية)، ج 2، ط. 4، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1991. وقد أخبرنا البروفيسور آلان كريستلو أنه أعد دراسة وقدمها إلى ندوة علمية في أمريكا عن موقف محمد بن العربي (بلعربي) من محاولة هدم الجامع الكبير والجامع الجديد بالعاصمة. ووعدنا بتاريخ ديسمبر، 1996 أنه سيرسل إلينا نسخة من هذه الدراسة وقد فعل مشكورا.

ص: 13

الدايات (1) الذي وضع تحت يد السلطات العسكرية الفرنسية كمخزن ومحطة رئيسية. وكان التوسيع أحد الأسباب فقط. وهناك سبب آخر ذكره لودوييه وهو خوف الفرنسيين من أن يتخذ المسلمون جامع السيدة مركزا لهم ونقطة تجمع ومظاهرات. وذلك ليدل على أهمية جامع السيدة من الناحية المعنوية. ولعل هذا هو السبب الرئيسي، بالإضافة إلى عنصر الرواسب الصليبية. وقد هدموا معه المنازل المجاورة والملاصقة له لإقامة فضاء حر داخل المدينة ونقطة للدفاع لو حاول المسلمون الثورة على الفرنسيين. وبعد هدم الجامع والقبة الضخمة التابعة له، بقيت الصومعة قائمة إلى سنة 1832 حين أسقطوها قطعة واحدة باتجاه الشرق. وقد استعمل الفرنسيون عدة وسائل لإسقاط الصومعة فأعيتهم، مثل الحبال والطرق بالفؤوس الغليظة، ثم التجأوا إلى تلغيم الصومعة ونسفها نسفا (2). وبناء على ديفوكس فإن جامع السيدة كان يقع في ساحة الحكومة (الشهداء حاليا).

وقد تحدث أوميرا أيضا عن مصير جامع السيدة فقال إن الفرنسيين هدموه قبل التفكير في إقامة ساحة الحكومة خلافا للتفسير القائل، إن الهدف من الهدم هو فتح مجال واسع وسط القصبة لتهوية المدينة وتجميلها الخ. وأضاف أوميرا أن الجامع كان يقع بين بداية شارع باب الواد وفندق الأيالة (ريجنس) وجزء من ساحة الحكومة الحالية سنة (1898) المواجهة للجنينة، والممتدة إلى أقواس دار السلطان (القصر) التي اختفت هي أيضا لمد شارع الديوان. وقال أوميرا إنه يوجد الآن أثر لهذه الأقواس على أحد جوانب قصر الأسقفية. لقد كان جامع السيدة، بحكم قربه من دار السلطان تتردد عليه الارستقراية الحاكمة. وهو من الجوامع القديمة. وكرر أوميرا كلام ديفوكس

(1) يعني قديما، أي قبل 1817. أما منذ هذا التاريخ فقد تحول قصر الداي إلى أعالي القصية - الباب الجديد.

(2)

ديفوكس (البنايات الدينية في مدينة الجزائر)، مرجع سابق ص 152. وهناك مساجد أخرى عجل الفرنسيون بهدمها في نفس السنة (1830) ومنها مسجد الباديستان، انظر لاحقا.

ص: 14

حول الجامع ناقلا عن هايدو أنه كان يقع في شارع (الأرتولوجي) سنة 1581، ثم أورد أيضا كلام لودويه A. Lodoyer حول هدم جامع السيدة (1).

وقد علق أوميرا (الذي كان من العلمانيين وربما من الماسونيين، ورئيسا لجمعية الصحفيين وجمعية العلوم الاجتماعية في الجزائر) على فعل سلطات بلاده فقال إنه لم يكن بدافع عاطفة معادية للدين الإسلامي وإنما كان لضرورة فتح الطرق العمومية، وقد نفى أوميرا أيضا عاطفة التعصب عن المسلمين بدليل أنهم في نظره لم يحتجوا أو يثوروا ضد هدم أجمل مساجدهم، جامع السيدة. وكانوا حاضرين، ويرددون عبارة (مكتوب، مكتوب). ولذلك اعتبرهم أوميرا (قدريين) فقط. ولكن كلام أوميرا فيه نظر. فمن جهة نعلم أن لجنة الحفر بقيادة حمدان خوجة قد احتجت وصرخت وكتبت ضد هذه الأعمال غير الحضارية، وكتابه (المرآة) وعرائضه تشهد على ذلك. ولعل أوميرا لم يرجع إليها. ولم يرجع أيضا إلى الأدب الشعبي الذي بكى مصير المساجد والأسواق والحصون التي هدمت (2). ثم إن المسلمين الذين بقوا في العاصمة عدد ضئيل جدا، إثر الاحتلال، وكانوا من صنف الفقراء والعجزة الذين لم يستطيعوا الخروج من المدينة. وأخيرا سنعرف أن الاحتجاج الناطق والصامت قد استمر عند المسلمين، كما تثبته المراجع التي سنذكرها.

2 -

جامع محمد باشا: كان في مقابلة قبة سيدي يعقوب (انظر القباب) على البحر. وهو جامع صغير، هدمه الفرنسيون، كما يقول ديفوكس، منذ أمد بعيد - لم يحدد ديفوكس التاريخ -. وقليل من الأهالي يذكرونه في عهد ديفوكس، وحتى الذين يذكرونه لا يعلمون أنه لمحمد باشا، ذلك الداي غير العادي والذي حكم 25 سنة (وهذه المدة الطويلة ظاهرة نادرة في ذلك

(1) أوميرا (الملكية الحضرية في مدينة الجزائر) في المجلة الإفريقية،. R.A، 1898، ص 178 - 180.

(2)

سنذكر قصيدة الشيخ عبد القادر في بكاء الجزائر، وقصيدة ابن الشاهد أيضا في نفس الموضوع.

ص: 15

الوقت) من سنة 1179 إلى 1295 (1765 - 1791)(1). ولهذا الجامع وقفية وقعت أمام القاضي الحنفي عندئذ. وكان محمد باشا قد أنشأ أوقافا حبسها على مقبرة شهداء الجهاد (الغزو البحري) خارج باب عزون. وقد أعلن الباشا على لسان الشاوشں أنه خصص جزءا من تلك الأوقاف للجامع الذي بناه والذي أصبح يحمل اسمه (2).

3 -

مسجد سيدي السعدي: كان يقع فوق حديقة مرنقو (ضريح الشيخ الثعالبي)، وربما يرجع إلى القرن السابع عشر (؟)، وهو بدون منارة، وفيه ضريح سيدي السعدي الذي كان مرابطا يقدسه السكان، وفي الضريح تابوت مزين بالأعلام. وكان سيدي السعدي حيا سنة 1119 د، حسب الوثائق (3). وحسب وقفية ترجع إلى سنة 1834 فإن للمسجد ضيعة ومنازل وورشتين للفخار وحانوتين، مدخولها جميعا (سنة 1834) 255 فرنك و 60 سنتيم. وكان للمسجد وكيل من عائلة الشيخ المرابط نفسه، وله راتب من أوقافه. وعطلت السلطات الفرنسية هذا المسجد منذ الاحتلال، ثم منذ 1847 جعلته مخزنا للبارود، ثم حول إلى مصلحة الضرائب سنة 1850 (4)، ولم يذكر ديفوكس ما إذا كان قد هدم بعد ذلك، كما أن أوميرا لم يذكره أيضا. ولكننا لا نجد له أثرا بعد ذلك في المساجد. وكان الحاج سيدي السعدي من أحفاد المرابط المذكور. وقد ناضل ضد الفرنسيين، وتولى للأمير ولاية حمزة وزواوة.

(1) انظر كتاب (محمد عثمان باشا) لأحمد توفيق المدني، ط. 2، الجزائر 1984. وفيه مختلف الأحداث التي جرت في عهده.

(2)

ديفوكس، مرجع سابق، ص 24. ولم يذكر أوميرا جامع محمد باشا.

(3)

وهو أحد جدود الحاج سيدي السعدي الذي تولى الدفاع عن مدينة الجزائر ثم انضم إلى الحاج ابن زعموم للدفاع عن متيجة، ثم إلى الأمير عبد القادر. وجاء ذكر الشيخ سيدي السعدي في وثيقة ترجع إلى تاريخ 1184 (1788). انظر المجلة الإفريقية، 1894 ص 325 - 333. عن الحاج سيدي السعدي في عهد الاحتلال انظر كتابنا الحركة الوطنية ج 1.

(4)

ديفوكس، مرجع سابق، ص 25. ولم يذكر كلاين الذي كتب بعد حوالي قرن ماذا حدث لهذا الجامع.

ص: 16

4 -

مسجد قرب قبة الشيخ عبد الرحمن الثعالبي: وقد هدمه الفرنسيون أيضا. وحلت محله دار تسمى دار أنطونيني. ثم هدمت الدار أيضا عند بناء الليسيه الفرنسي (ثانوية الأمير عبد القادر حاليا). لكن ديفوكس قال إنه لم يجد في الوثائق التي عنده أثرا لهذا المسجد ولا لأوقافه (1). ولم يذكره أوميرا.

5 -

مسجد المصلى: عطله الفرنسيون ثم أعطوه للجيش منذ الأيام الأولى للاحتلال، فاستعمله ثكنة عسكرية. كانت له أوقاف تتمثل في سبع حوانيت. وفي سنة 1860 زار نابليون الثالث الجزائر فاستعمل مسجد المصلى والملجأ الذي بجواره (انظر القباب) مقرا للفرسان المرافقين للأمبراطور. وفي 1862 هدم مع الملجأ المذكور لبناء الليسيه الفرنسي الأول في الجزائر. وهو الليسيه الذي ابتلع، كما قال ديفوكس، العديد من المؤسسات الإسلامية القديمة! وقد أطلق على هذا الليسيه عبارة الوحش (2) Monstre أو البعبع، لأنه بموقعه قد ابتلع المساجد وغيرها كما سنذكر.

6 -

مسجد ابن نيقرو، ويعرف أيضا باسم مسجد ستي مريم أو ستنا مريم. وعائلة ابن نيقرو من العائلات الأندلسية القديمة في الجزائر، وكان منها قضاة ومفتون. وكانت العائلة هي التي تدير المسجد، كما قال ديفوكس، قرنين قبل الاحتلال. وذكر كلاين أن المسجد بني سنة 1660. وهو مسجد من الدرجة الثانية، أي بدون صومعة. أما مصيره فمنذ الاحتلال عطل وسلم إلى المتصرف العسكري ثم سلم إلى أملاك الدولة من قبل سلاح الهندسة العسكرية (سنة 1837)، وأصبح، كما قيل، في حالة سيئة، فهدمته (سنة 1837 بناء على كلاين) مصالح الأشغال العامة. فدخل

(1) ديفوكس، ص 26.

(2)

نفس المصدر، ص 51 - 52. وذكر هنري كلاين في (أوراق الجزائر - القديمة) أن هناك مصلى قديما كان بيد الإنكشارية في القصبة. ولكنه لم يتحدث عن مصيره. كما ذكر مصلى آخر قال إنه ذو عرصات جميلة ورشيقة بناه حسين باشا (آخر الدايات). وبعد أن استعمله الجيش الفرنسي مرقدا للجنود حولوه إلى متحف عسكري.

ص: 17

جزء من كيانه في الطريق العمومي، أما جزؤه الباقي فقد بيع أو أجر، وهذا الجزء يبلغ حوالي 58 مترا (1). ونلاحظ أن عبارة (آيل للسقوط) أو في (حالة سيئة) تهدد الأمن العام، هي العبارة التي تبرر بها السلطات الفرنسية هدم بعض المساجد بعد أن تظل فترة طويلة أو قصيرة في يد الجيش أو غيره، وبعد أن تظل بدون صيانة محرومة من أموال الوقف المخصصة لصيانتها. والبناء إذا لم يكن تظهر عليه الشقوق وعلامات البلى. وقد أضاف أوميرا أن مسجد ابن نيقرو هذا قد هدم سنة 1838 وأنه كان يقع عند ركن (زاوية) شارعي باب الواد وسيدي فرج، كما ذكر أن هناك مدرسة كانت تتبعه (2).

7 -

مسجد (حمام) يطو: كان له وكيل يدعى إبراهيم بن حميدة، سماه الفرنسيون سنة 1833، وله وقفيه صححت سنة 1834 قيمتها 96 فرنكا و 33 سنتيما. وكان هذا المسجد يؤدي وظيفته العادية إلى 1840. ففي هذه السنة حكمت السلطات بهدمه للمنفعة العامة (3).

8 -

جامع علي بتشين: وهو من مساجد الخطبة، وكان بانيه يدعى أيضا علي بجنين. مساحته حوالي 500 متر مربع. وله منارة طولها 15 مترا فوق مستوى الشارع. وكان قائما على ثماني عرصات. وكان بناؤه في القرن الحادي عشر الهجري (1032/ 2 162)، وهو من مساجد المذهب الحنفي. وكان علي بتشين مشهورا في غزوات البحر في وقته ومن أغنياء الجزائر. وله تأثير في السياسة الخارجية للبلاد. بلغت أوقاف الجامع سنة 1834، 1،610 فرنكات و 15 سنتم. بينما لا يصرف منها إلا 744 فرنك و 40 سنتم لتغطية نفقاته. وآخر وكل له هو إبراهيم ولد سيدي ابن علي الذي لعله يرجع إلى أسرة (ابن علي) القديمة في الجزائر والتي منها الشاعر الشهير في القرن 12/ 18. وسيبقى اسم (سيدي ابن علي) ضمن هيئة رجال الدين في الجزائر بعد الاحتلال. أما مصير هذا الجامع فهو التعطيل والتحويل إلى كنيسة كاثوليكية.

(1) ديفوكس، ص 55.

(2)

أوميرا، مرجع سابق، ص 183.

(3)

ديفوكس، ص 56.

ص: 18

منذ 1831 افتك الفرنسيون جامع علي بتشين من أيدي المسلمين وسلموه إلى الصيدلية المركزية للجيش الفرنسي. وفي سنة 1843 سلم إلى الإدارة المدنية، فسلمته هذه إلى المصالح الداخلية لوضعه تحت تصرف الكنيسة الكاثوليكية. والغريب أن الفرنسيين الذين يقول عنهم أوميرا إنهم لا يتصرفون بعاطفة دينية معادية للاسلام، هم الذين قالوا إن علي بتشين (مرتد) إيطالي عن المسيحية، وما دام الحكام الآن مسيحيين فرنسيين فإن الجامع (يرتد) عن الإسلام ويتحول إلى الدين الأصلي لبانيه، وبناء على هذا المنطق أعاد الفرنسيون دعم عرصاته، أي صانوه حتى لا يؤول إلى السقوط كالمساجد الأخرى، ولعلهم فعلوا ذلك بأموال الأوقاف الإسلامية وليس من ميزانية الكنيسة، لأن باب الجامع قل إليه من جامع كتشاوة القريب منه. وكان منقوشا على هذا الباب عبارة (ما شاء الله كان) بخط جميل منسوب إلى الخطاط أحمد اللبلابجي (1).

وعن جامع علي بتشين أيضا أضاف أوميرا بعض المعلومات. فقال إنه يقع سنة (1898)، بين شارعي باب الواد والقصبة من جهة وشارع النصر من جهة أخرى. ووصفه بالجامع الكبير، واعتبره الجامع الثالث الذي تعطيه الحكومة الفرنسية إلى الديانة الكاثوليكية فأطلقت عليه اسم سيدة الانتصارات (نوتردام دي فيكتوار). وعند الإصلاحات التي أدخلت على جامع كتشاوة استعمل جامع علي بتشين هو الكاتيدرالية بعض الوقت (2). وبعد الاستقلال أعيد جامع علي بتشين إلى وظيفته الإسلامية، رغم ما أدخل عليه من تغييرات أثناء العهد الاستعماري، مثل التنقيص من منارته سنة 1860، وتحويل محرابه سنة 1923 (3).

(1) ديفوكس، 61. يذكر ديفوكس أن اللبلابجي قد عين أمينا لنقابة النجارين. انظر عن ذلك أيضا أوغسطين بيرك (الفن القديم والفن الإسلامي بالجزائر)، في (كراسات الاحتفال المئوي)، 1930، ص 94.

(2)

أوميرا، مرجع سابق، 185.

(3)

أضاف كلاين، مرجع سابق، أن صاعقة قد أسقطت الصليب الذي وضعه الفرنسيون =

ص: 19

9 -

جامع سيدي الرحبي: ويعرف أيضا بجامع ابن كمخة، وقد اعتبره ديفوكس من مساجد الدرجة الثانية لأنه دون صومعة. وكان ابن كمخة أحد وكلاء هذا الجامع. ويرى ديفوكس أن الجامع قد يشتهر عند الناس باسم الوكيل إذا كان رجلا عالما أو ورعا، وينسون اسم الولي أو الباني الأصلي، وأحيانا يظل اسم صاحب الجامع الأصلي ملتصقا به، مهما تبدل الوكلاء. وقال إنه يعتبر هذا الجامع أكبر جوامع الدرجة الثانية لضخامته واتساع مساحته. وهو جامع قديم يرجع إلى القرن السادس عشر (العاشر الهجري)، وكان من الجوامع التي وصفها هايدو الإسباني سنة 1581 وعده من المساجد الكبيرة. وللمسجد أوقاف كثيرة سنة 1834 بلغت قيمتها 586 فرنك. والوكيل الذي كان مكلفا به سنة 1830 هو السيد حسن بن خليل باش كلفاط. وبقي جامع سيدي الرحبي على وضعه الأصلي حوالي ثلاث سنوات، ثم عطل عن غرضه وسلمته السلطات إلى الجيش فاستعمله لتخزين المواد الصيدلية، وكان يعتبر المخزن المركزي للأدوية العسكرية. وقد بقي على ذلك سبع سنوات. ثم وقع هدمه سنة 1840 بدعوى أنه أصبح متداعيا وآيلا للسقوط. وكانت عشر سنوات كافية لخرابه، رغم أنه كان مخزنا للصيدلة. كانت مساحة جامع سيدي الرحبي مائتي (200) متر مربع. وقد دخلت مساحته بعد هدمه في جملة المساحات التي بنى عليها الفرنسيون (1). ثم أضاف أوميرا أن الجامع كان يقع بين شارعي باب الواد وتورفيل. وأكد إعطاءه للصيدلة المركزية للجيش سنة 1833 وهدمه سنة 1840، كما أكد أن هايدو قد عده من بين الجوامع السبعة بالمدينة (2).

= عليه. وعلى ذكر العوامل الطبيعية نشير إلى أن هنري كلاس قد ذكر أن التذكار الهرمي الذي نصبه الفرنسيون في سيدي فرج سنة 1844 نليدا لجيش الاحتلال قد هدمته أمواج البحر بعد ثلاث سنوات (1847).

(1)

ديفوكس، ص 62.

(2)

أوميرا، 183. انظر أيضا عنه كلاين، مرجع سابق.

ص: 20

10 -

مسجد دار القاضي: هدم سنة 1857، وقيل إن ذلك كان من أجل المنفعة العمومية. وأدمجت مساحته في المساحة التي بنيت عليها المنازل التي تكونت منها زنقة شارع كيليوبطرا، حسب رأي ديفوكس. وكانت لاصقة به زاوية بنفس الاسم وقع هدمها معه أيضا (1).

11 -

جامع الشماعين: ويسمى أيضا جامع الدياسين. ومن أيمته قاضي المالكية، محمد القوجيلي، وهو من العائلات العلمية في العهد العثماني. وكان من كبار أدباء الوقت، وله شعر متين (2). ومنذ الاحتلال سلمت السلطات الفرنسية هذا الجامع إلى المتصرف العسكري وبقي في يده إلى أن عطل عن غرضه الديني والعسكري سنة 1841، ثم هدم سنة 1861 (3). وعبارة ديفوكس حوله غامضة، لأنها لا تقدم البيانات الكافية حول تداول الأيدي على الجامع إلى أن وقع الهدم. وقد حدد أوميرا موقع الجامع فقال إنه كان بين شارع باب الواد وكيليوبطرا وزنقة كوربو (حي تجار الشمع) ثم شارع حي باعة البلاغي. أما عن مصيره فقد كرر أوميرا عبارات ديفوكس (4).

12 -

مسجد زنقة للآهم: وهو اسم الحي الذي يقع فيه المسجد، و (للاهم) قد يكون اسم سيدة كانت محل احترام أو ولاية. واعتبره ديفوكس من الدرجة الثانية. وكانت له أوقاف بلغت 109 فرنك و 80 سنتم سنة 1834، حسب الإحصاءات الفرنسية في تلك السنة. وآخر وكيل له هو محمد بن مصطفى الكبابطي، صاحب الموقف المشرف سنة 1843 الذي أدى إلى نفيه من البلاد تماما، إذ اعتبره الحاكم العام (بوجو) من العصاة لأوامره.

(1) ديفوكس، 46، 67.

(2)

انظر عنه الجزء الأول من (تاريخ الجزائر الثقافي)، وكذلك كتاب (أشعار جزائرية)، من تحقيقنا، الجزائر، 1989.

(3)

ديفوكس، 69. يقول كلاين إنه هدم سنة 1841. وذكر أن تاريخ بنائه يرجع إلى سنة 1740. وأن الفرنسيين احتلوه منذ 1830.

(4)

أوميرا، 183.

ص: 21

وقد تولى الكبابطي القضاء للفرنسيين فترة ثم الإفتاء. ومات في الإسكندرية بمصر (1). أما الجامع الذي نحن بصدده فقد هدم سنة 1841 من أجل المنفعة العامة، كما قيل (2). ولم يذكر أوميرا هذا الجامع.

13 -

مسجد ليشتون، أو قيشطون: ويسمى أحيانا مسجد بنت المظفر. ولعلها هي المرأة التي بنته. وكان هذا الشك من ديفوكس. كما لاحظ هذا أن ليشتون وما بعده قد لا يكون اسما عربيا، وقال إنه لم يجد تفسيرا لذلك. ومهما كان الأمر، فإنه بعد أن أهمل الجامع منذ الاحتلال، رغم استيلاء السلطات على أوقاف الصيانة، ظهر عليه التداعي وعلامات السقوط فحكموا بهدمه من أجل الأمن العمومي. وآخر وكيل له سنة 1837 هو محمد بن علي. وكان دخل أوقافه سنة 1834 يقدر ب 108 ف (3).

14 -

مسجد ابن عوشة أو ابن عيشة: وهو يقع في شارع التجارة. وكان مصيره هو مصير ما سبقه. ويغلب على الظن أن الاسم ابن عوشة (أو ابن عيشة؟)، هو لأحد وكلائه فاشتهر به وليس هو اسم بانيه، ويعرف أيضا باسم مسجد ابن دودو. وكانت له أوقاف تتمثل في أربعة منازل وأربعة دكاكين. ومساحته 83،40 متر مربع. وفي على حاله إلى سنة 1837 حين أدى الإهمال وعدم الصيانة إلى تداعيه، كما قيل، وأصبح آيلا للسقوط ومهددا للأمن العام. فبيع في المزاد العلني سنة 1840 (4). آخر وكلائه اسمه أحمد بن الشيخ علي.

5 -

جامع الساباط الأحمر: يقول ديفوكس إن هذا الجامع من الدرجة الثانية، وأن المسلمين هم الذين توقفوا عن الذهاب إليه. وفي سنة 1849

(1) انظر حياته وموقفه في الجزء الثاني من كتابنا (أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر)، ط 2، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1990.

(2)

ديفوكس، 69.

(3)

نفس المصدر، 70.

(4)

نفس المصدر، 70.

ص: 22

أصبح متداعيا، فسلم إلى أحد الملاك الأوروبيين (1). ولم يكمل ديفوكس القصة، ولكن مفهومها أن الجامع قد هدم وأقيم مكانه منزل أو دكان.

16 -

جامع علي باشا: هكذا يعرفه الجيل المعاصر للاحتلال، ولكن له اسم آخر وهو جامع سيدي أبي التقى (بتقا) في الغالب (2). وموقعه في الحي المعروف باسم الحمام المالح. وهو من الجوامع التي لها صومعة. وحسب ديفوكس فإن حاله لم يتغير كثيرا (!) وأن منارته ما تزال قائمة، ولكنها داخلة في واجهة أحد المنازل الأوروبية. ويضيف بطريقة غامضة، أن المنارة باقية كشاهد صامت على عدم استقرار الأمور الإنسانية (3). ولعله يقصد بذلك أن الجامع قد عطل وبيع إلى أحد الأورويين فهدمه وبنى مكانه وترك منارته قائمة، لأنها أعجزته. هذا في زمن ديفوكس، أما في عصرنا فلا نظن أن هناك منارة قد بقيت قائمة في ذلك المكان.

وعند أوميرا معلومات إضافية عن جامع علي باشا الذي هدم واندثر. فقد قال إن موقعه هو شارع (ميدي) وكان ملاصقا لثكنة قديمة للانكشارية، وبعد الاحتلال احتل الجيش الفرنسي هذه الثكنة وألحق بها جامع علي باشا فأصبح تابعا لمصالح الهندسة العسكرية. أما جامع أبي التقي (بتقا) فقد أضافه أوميرا لجامع علي خوجة الذي سيأتي الحديث عنه (4). ولعل علي باشا وعلي خوجة قد اختلطا على أوميرا، ونحن نميل إلى رأي ديفوكس باعتباره كان مسؤولا على الأرشيف ومعاصرا للأحداث التي جرت للمساجد، وهو أقدم من زميله.

17 -

مسجد سيدي عمار التنسي: وهو من المساجد الصغيرة القديمة ولكن ذات الأهمية لشهرة صاحبه، وشهرة بعض وكلائه أيضا. وكان وكيله

(1) نفس المصدر، 72. وقد يكون صحيحا أن المسلمين أهملوه، لأن أكثر من ثلثي سكان مدينة الجزائر قد خرج منها، وبعضهم هاجر إلى المشرق.

(2)

انظر أيضا رقم 74 (مسجد علي وشا).

(3)

ديفوكس، 75.

(4)

أوميرا، 185.

ص: 23

في العادة من أسرة التنسي نفسه، وهو من المرابطين المشهورين في زمانه. وحسب وقفية ترجع إلى 1813 أن إمامه هو المفتي علي بن عبد القادر بن الأمين، من علماء الجزائر الذين تولوا الفتوى عدة مرات. وتتلمذ عليه جيل من علماء الوقت. وكان من خريجي الأزهر الشريف. ومنذ الاحتلال استولت إدارة المدفعية على هذا المسجد، فجعلت منه ثكنة، كما قال أوميرا. ولم يذكر ديفوكس ولا أوميرا ولا كلاين مصير جامع سيدي عمار التنسي. والغالب على الظن أنه قد هدم أيضا لأنه لا يوجد اسمه في الجوامع الباقية الآن. وكان موقعه، حسب أوميرا، هو شارع جان بار (1).

18 -

مسجد ساباط الحوت: ولعل التسمية ترجع إلى المكان القريب منه - سوق الحواتين. ويسمى أيضا في بعض الوثائق مسجد البطيحة (تصغير بطحاء)(2)، ومسجد أبركان. وكان مصيره يثير الرثاء. فلقد جعلته السلطات منذ أول الاحتلال مخزنا للحبوب، وظل كذلك إلى سنة 1838، فأصبح خلال ثماني سنوات، حسب المصادر الفرنسية، في حالة يرثى لها، وكان يقع في حي هجره المسلمون (؟) ولا ينتظر أن يرجع إلى الدين الإسلامي نظرا لوضعه المتداعي وهجره. فأعطى للسلطات العسكرية التي انتفعت به بين 1838 - 1845 ثم ترك لينهار وحده، سنة 1854. ومن الملفت للنظر أن الذين يؤرخون لهذه البناءات نسوا تماما أوقافها التي كانت حافظ عليها والتي صودرت وأدخلت في خزينة الدولة الفرنسية. والأكيد أن هذا الجامع وأمثاله لو بقي مصانا بأوقافه وأهله لما وقع له ما وقع. فكان مصيره هو أن يؤول إلى أحد الأوروبيين فاستعمل فيه الفأس وهدمه من الداخل وجعله مخزنا واحتفظ بواجهته جزئيا (3). أما أوميرا فيقول عنه إنه انتقل من مخزن حبوب إلى ثكنة عسكرية، ثم بيع سنة 1854 بسبب الخراب. وكانت تلاصقه مدرسة، فكان مصيرها هو مصيره أيضا. وقال إنه كان يقع في شارع

(1) ديفوكس، 76، وأوميرا، 153. وكلاين.

(2)

يسميه أوميرا مسجد البطحاء بدون تصغير.

(3)

ديفوكس، 76. وكذلك كلابن.

ص: 24

القناصل (1). ولم يتحدث أوميرا عن الأوروبي الذي اشتراه وأعاده إلى حاله كمخزن حبوب أيضا.

19 -

مسجد العين الحمراء: ويعرف أيضا بجامع التادلي، وهو اسم الوكيل الأخير الذي عينه الداي حسين، على أوقافه وصيانته. والمعلومات التي أوردها عنه ديفوكس قليلة جدا، فقد اكتفى بالقول إن المسجد آل إلى السلطات العسكرية منذ 1837، وأن حالته أصبحت تنذر بسقوطه، فمصيره إذن هو الاختفاء (2). ولا يرجع ذلك لهجر المسلمين له، لاستعماله في غير ما بني له، وتجريد الدولة له من أوقافه التي كانت تصونه. وكان يقع في شارع فيليب، حسب رواية أوميرا.

20 -

مسجد قاع السور: وهو مسجد صغير، بقي تحت يد عائلة من المسلمين تقول إنها كانت تملكه. لم يذكر ديفوكس مآله (3). ولكن كلاين قال إنه دخل في شارع 14 يونيو (جوان) الذي دشنه الحاكم العام شارل جونار، سنة 1910. ومفهوم ذلك أن الجامع قد هدم قل هذا التاريخ.

21 -

مسجد سيدي فليح: لفظ (سيدي) هنا وفي غيره، تدل على نسبة المسجد إلى المرابطين أو الصالحين، وهو مسجد بدون صومعة، ولم تحترم السلطات الفرنسية قداسة المرابط ولا مشاعر المسلمين، فجعلته منذ 1836 مخزنا، واستمر على ذلك إلى سنة 1842، عندئذ أعلنوا أنه أصبح مهجورا ومتداعيا فوقع التخلي عنه. وقد هدم وأدخلت مساحته في أحد المنازل (4).

22 -

جامع عبدي باشا: وكان من الجوامع الكبيرة ذات الخطبة والدرس. وكان الجامع يقع إلى جانب ثكنة المقرين (المقرين). وكانت له أوقاف

(1) أوميرا، 183.

(2)

وقال كلاين إن المسجد قد حول إلى ثكنة منذ 1830 ثم هدم عند هدم الساباط المجاور.

(3)

ديفوكس، 79.

(4)

نفس المصدر، 80.

ص: 25

هامة. وتداول عليه عدد من الخطباء والأيمة المعروفين في الحياة الدينية والعلمية خلال العهد العثماني (1). ولكن السلطات الفرنسية التي زعمت للجزائريين في اتفاق يوليو 1830، أنها ستحترم العقائد والدين الإسلامي والأملاك سارعت منذ 1830، كما يقول ديفوكس، إلى تحويل هذا الجامع إلى ثكنة عسكرية وكذلك المدرسة التابعة له. ويقول ديفوكس إن السلطات العسكرية محتفظة به إلى الآن (1874)(2). وعبدي باشا المعروف أحيانا بالكردي، كان من مشاهير الباشوات في الجزائر أوائل القرن 18 م (1725). وقد أضاف أوميرا أن هذا الجامع والمدرسة ظلتا تحت أيدي السلطات العسكرية إلى أيامه هو أيضا (سنة 1898). وقال إن الجامع يقع في شارع مكرون (المقرون). وأكد معلومات زميله ديفوكس من أن الجامع والمدرسة التابعة له قد تعطلتا وحولتا إلى ثكنة عسكرية منذ 1830. ولا نعرف أن هذا الجامع قد رد للمسلمين بعد ذلك، ولعله بقي جزءا من ثكنة أو كان من ضحايا الفأس الفرنسية بعد 1898.

23 -

جامع القشاشں: هذا الجامع تعتبره التقاليد والفرنسيون أيضا من الدرجة الأولى. اكتسب شهرة عظيمة خلال العهد العثماني للدروس التي كانت تلقى فيه وفي المدرسة المتصلة به والزاوية المسماة بنفس الاسم والتي كانت من الزوايا العلمية (3). وكانت له أوقاف عظيمة لشهرته، وكثرة الطلبة والغرباء فيه. يقول ديفوكس إن أقدم الوثائق التي كانت عنده ترجع الجامع

(1) راجع كتابنا تاريخ الجزائر الثقافي، ج 1.

(2)

ديفوكس، 81 ويقول كلاين إن الجامع كان يقع قرب ثكنة المقرين (جمع قارئ). وهو الاسم الذي حوله النطق المحلي إلى المقرون، ثم حوله النطق الأوروبي إلى (المكرون). وأضاف كلاين أن ابن بكير باشا أضاف مدرسة إلى هذا الجامع سنة 1748. وقد استولت السلطات العسكرية على الجامع والمدرسة والثكنة منذ 1830. انظر كلاين، مرجع سابق.

(3)

ممن تحدث عن هذا الجامع والزاوية المؤرخ أبو راس الناصر حوالي 1814. انظر كتابه (فتح الإله) تحقيق محمد بن عبد الكريم. وكذلك كتابنا (أبحاث وآراء) ج 2: (مؤرخ جزائري معاصر للجبرتي).

ص: 26

إلى سنة 1570. وهو من الجوامع السبعة التي تحدث عنها هايدو. وكان له عدد كبير من الموظفين يتغذون من أوقافه. من آخر وكلائه الشيخ قدور بن المسيسني الذي سماه الحاج علي باشا سنة 1224 (1808)، وكان من علماء الوقت ومن عائلة معروفة بالجزائر، وربما هو نفسه (قدور) الذي تولى القضاء في العهد الفرنسي. وللجامع صومعة غير عالية في حجم مربع. وقد استولت عليه أيضا المصالح العسكرية الفرنسية منذ 1831. فاستعملته مراقد للجنود. ثم استعملته مستشفى مدنيا بضع سنوات، ثم أرجع إلى السلطات العسكرية فرممته لا ليرجع إلى المسلمين أو لوظيفته الدينية ولكن ليكون مخزنا مركزيا للمستشفيات. كان يحمل رقم 31 من شارع القناصل ثم رقم 28 منذ سنة 1854. ولا يتحدث ديفوكس ولا أوميرا عن مصير هذا الجامع الذي لا يستحق كل هذا البؤس والاحتقار (1). أما هنري كلاين فيقول إنه أصبح مدرسة الفنون الجميلة. ويضيف كلاين أن طراز الجامع كان بربرية، وأنه مثل الجامع الكبير وجامع سيدي رمضان كان قديما جدا. وكذلك الزاوية التي تحمل نفس الاسم.

24 -

جامع باب الجزيرة (دزيرة بلهجة الحضر): ويسمى أيضا باسم بانيه الداي شعبان خوجة الذي تولى على الجزائر بين 1101 - 1106 هـ، ثم وسعه الداي الآخر، حسن بن حسين، بعد قرن، أي سنة 1209 (وقع التوسيع سنة 1795)، وهو الداي الذي استعاد وهران من الإسبان. وكان هذا الجامع (بني سنة 1693) من جوامع الخطبة والدرس، وقد تداول عليه وكلاء، بعضهم كان من العلماء والقضاة. وكان له موظفون كثيرون نظرا لكثرة أوقافه. وكان تحت رعاية مؤسسة (سبل الخيرات) التي ترعى جوامع المذهب الحنفي. ولم ينتظر الفرنسيون حتى تجف الدماء وينقشع غبار المعركة، بل بادروا منذ 1830 إلى جعل هذا الجامع ثكنة عسكرية، ثم وقع تسليمه إلى مصلحة أملاك الدولة (الدومين). والغريب أنهم زعموا أنه بعد

(1) ديفوكس، 85. وكذلك كلاين، مرجع سابق.

ص: 27

أربع سنوات فقط أصبح مهددا بالانهيار، لذلك هدموه وأدمجوه في المنازل المجاورة له، سيما الدار رقم 36 من شارع القناصل، كما يقول ديفوكس (1). فأين وكلاؤه وأوقافه الي لم تتركه ينهار أكثر من قرن ونصف، ولكنه أنهار في ظرف أربع سنوات؟ وقد أضاف أوميرا أن جامع الداي شعبان خوجة كان يقع بين شارعي البحرية والقناصل، وأنه عطل وحول إلى ثكنة لسلاح الهندسة، ثم خرب سنة 1834، فأعطى لإدارة (الدومين) التي باعته بتاريخ 26 سبتمبر 1835، ثم بني في مكانه فدخل في الدار المسماة (الدار الفرنسية)(2).

25 -

مسجد المرسى (أو باب المرسى): وترجع شهرة هذا الجامع إلى أنه واقع في الباب الذي كان يدخل ويخرج منه المجاهدون في البحر. ومن خلاله كانت تأتي الغائم الوفيرة وتدخل الأسرى. ولعل المجاهدين كانوا يستعملون هذا الجامع لصلاة المودع عند الذهاب، وصلاة الشكر والحمد عند الإياب. وقد حاول ديفوكس أن يستدر الدموع والعواطف وهو يصف باب المرسى وجامعه فقال إن الأسرى المسيحيين كانوا يدخلون منه وهم يبكون حريتهم وعائلاتهم وأوطانهم. وقد يكون ذلك صحيحا، فالأسر في كل مكان قيد لحرية الإنسان وتعطيل لحواسه وقدراته، ولكن ديفوكس نسي أن بلاده (فرنسا) كانت أيضا تأسر المسلمين في العهد العثماني وتربطهم في المجاديف التي لا يستطيعون الفكاك منها مدى الحياة، ولا تقبل حتى الفدية منهم. فهل كان أسرى المسلمين في السفن الفرنسية أقل شعورا بالحرية وأرخص دموعا وأوطانا من الأسرى الفرنسيين؟ ثم إن بلاده كانت تأسر الجزائريين وهم في وطنهم وترسل بهم إلى المنافي البعيدة.

وحسب ديفوكس فإن باب المرسى هذا كان يدعى أيضا (باب الجهاد) وأيضا باب دزيرة (ولعله هو الذي قبله). ولكن الفرنسيين الذين يقول عنهم

(1) ديفوكس، 88.

(2)

أوميرا، 184. ولم يتحدث كلاين عن مصيره.

ص: 28

أوميرا، إنهم لم يكونوا يحملون شعورا معاديا للإسلام، غيروا اسم (باب الجهاد) إلى (باب فرنسا). لقد كان جامع المرسى الذي نتحدث عنه خاصا بالبحارة فيما مضى من الأيام، لأنه كان يقع خلف باب الجزيرة، وداخل المرسى (1). وكان بدون منارة. وقريبا من البرج الكبير، ملاصقا لمبنى الأميرالية. ويذكر أوميرا أن جامع المرسى قد أدمج سنة 1830 في تحصينات الإميرالية، وإنه كان عند أقواس الأميرالية في الجانب المواجه للمدية (2).

26 -

الجامع الكبير: ويسمى أيضا الجامع الأعظم. وهو من أقدم المساجد في الجزائر. وقد تحدثنا عنه في الجزء الأول. وبقي خلال العهد الاستعماري تقريبا على حاله في أداء الوظيفة الدينية وخدمة المسلمين، مع اختلاف درجة الموظفين والخدمات. وتداول عليه أيمة ومفتون ومدرسون من درجات متفاوتة (3)، ولكنه لم يسلم هو أيضا من الأذى والإهانة، فقد استنقصوا منه الجزء المواجه للبحر، ثم غطوه عن أعين القادمين من المرسى إلى المدينة بعمارات وبنايات ذات طوابق. وفي سنة 1843 وقعت له إهانة عظيمة بنفي المفتي الكبابطي والاستيلاء على أوقاف الجامع التي كانت في الأهمية تأتي فقط بعد أوقاف مكة والمدينة. وضمت أوقافه إلى أملاك الدولة الفرنسية، بقرار من المارشال بوجو صادر في 4 يونيو 1843 (4). ويزعم الفرنسيون

(1) ديفوكس، 92.

(2)

أوميرا، 184. وكذلك كلاين.

(3)

انظر فصل السلك الديني والقضائي.

(4)

ديفوكس، 125. لقد أطال ديفوكس في وصف الجامع الكبير وأوقافه وتاريخه. ولم نر نحن لذلك ضرورة هنا ما دمنا قد تعرضنا له في الجزء الأول. وغرضنا هنا كما هو واضح، هو ذكر مصائر هذه المساجد في الزمن الفرنسي والتذكير بحالها عند الاحتلال وبعده، حتى لا يظن البعض أن ما ذكرناه في الجزء الأول قد بقي قائما بعد الاحتلال. كما أن كلاين أطال فى وصفه، وادعى أنه بنى على أنقاض كنيسة وهى أيضا مبنية على حصن روماني. وقد جاء في محراب الجامع أنه قد بني سنة 409 هـ (1018 م)، وأن منارته قد شيدت في عهد السلطان الزياني أبو تاشفين سنة 1324 م. وذكر كلاين أيضا أن الجيش الفرنسي قد احتل سوابيط الجامع سنة 1830 =

ص: 29

أنهم بعد ذلك جملوا واجهته ببعض العرصات التي كانت في جامع السيدة بعد هدمه. وهم ينسبون الفضل لأنفسهم في ذلك رغم أن أوقاف الجامع الكبير كانت تكفي لشراء أجمل العرصات المرمرية. والغريب أنهم بينما يفعلون ذلك استولوا أيضا على مدرسة وزاوية الجامع الكبير وقضوا عليهما، كما سنرى. والواقع أن هذا الجامع قد فقد أيضا هيبته ومكانته العلمية بتدجين علمائه وجعلهم أصواتا ناطقة بما تريد السلطة الفرنسية فقط.

وقد كاد الفرنسيون يهدمون الجامع الكبير أيضا مرتين، مرة سنة 1888 ثم سنة 1905. فأعد مهندسوهم الخرائط، ووضعوا الخطة لإقامة فندق مكانه وطمس معالمه. ولكن المحاولة فشلت. ففي الأولى جاء الحاكم العام (لويس تيرمان 1888) بنفسه إلى الجامع ووافق علماء السوء على المشروع واستبدال الجامع بفندق وباء جامع في مكان آخر بيد، وفي نفس الوقت حضر الجمهور فاحتجوا وصرخوا وخشي الحاكم غضبة شعبية فتراجع. والمرة الأخيرة كانت في عهد شارل جونار (1905) الذي كاد ينفذ الخطة القديمة، ثم وقع العدول عنها. ويرجع الفضل في إفشال المشروع إلى حنكة بعض الأعيان وعلى رأسهم الحكيم محمد بن العرب (1).

27 -

مسجد الجنائز: وله اسم آخر أجمل من هذا وهو مسجد الحاج باشا الذي جدده سنة 1545. وكان عندئذ يحكم الجزائر بالنيابة. فالجامع

= ثم أجرت إلى الخواص سنة 1836، أي أنها فصلت عن الجامع. واستلمها السيد بيكون PICON واستقر بها.

(1)

انظر ترجمتنا لحياة ابن العربي في فصل العلوم التجريبية، وكذلك (تقويم الأخلاق)، محمد العابد الجلالي، 61. ويذكر كلاين أن الجامع الكبير كان مقرا للمجلس الشرعي، وأن من بين المفتين فيه: مصطفى الكبابطي، وحميدة العمالي، وعلي بن الحفاف، والحاج قدور الشريف، ومحمد بن زاكور، وابن ناصر الذي كان موجودا سنة 1919. انظر كلاين، ص 150 - 152.

ص: 30

إذن قديم رغم صغره. وآخر وكيل له سماه الداي حسين حوالي 1825، وهو الشيخ محمد بن مصطفى غرناوط الذي سيرد اسمه بين علماء الوقت في عهد الاحتلال أيضا. ويقول ديفوكس إنه كانت لهذا الجامع أوقاف متواضعة. وليت شعري كيف عاش بهذه الأوقاف ثلاثة قرون ولم يعش بها إلا بضع سنوات في عهد الاحتلال. فقد عطلته سلطات الاحتلال سنة 1836 وجعلته جزءا من المستشفى المدني. وبعد سنتين جعلته جزءا من المخزن المركزي للمستشفيات العسكرية (1). ويذهب أوميرا إلى أن هذا الجامع قد بقي إلى سنة 1898 في وظيفته المذكورة وأخبر أن جزءا منه قد أعيد بناؤه. وكان يقع في شارع أورليان (2). ولكننا لا نعرف جامعا بذلك الاسم بعد ذلك.

28 -

مسجد الملياني: هذا المسجد كان سيء الحظ منذ أول الاحتلال. فقد عطلته السلطات الفرنسية عن أداء مهمته الإسلامية منذ 1830، كما يقول ديفوكس، وتركه للاهمال والاندثار. ويفهم من هذا أنه ترك بدون وكيل وبدون أوقاف وصيانة، فساءت حاله. ولم تأت سنة 1840 حتى هدم مع بنايات أخرى مجاورة له، بدعوى فتح طريق عمومي (3). ولا نعرف مكان هذا المسجد بالضبط، لأن أوميرا أيضا لم يذكره، رغم أن من عادته تحديد المواقع.

29 -

مسجد سيدي عبد الرحمن الثعالبي: وهو غير المسجد والضريح المعروفين اليوم. فهو مسجد صغير، له أوقافه الخاصة، وله موظفوه من

(1) ديفوكس، 127. ولم يذكر كلاين شيئا عن مصيره.

(2)

أوميرا، 184، أشار كلاين إلى مصلى (مسجد) الجنائز حيث يصلى على الميت قبل دفنه في مقبرة باب الواد. وقال إن هذا المسجد يقع غير بعيد من بوطويل وضريح الشيخ الثعالبي، وأن له منارة وقبتين، وإن الذي بناه يدعى محمود الذي كان رئيسا للوجق سنة 1675. هذا الجامع حوله الفرنسيون إلى ثكنة سنة 1830 ثم هدموه سنة 1862 لإنشاء الليسيه الفرنسي.

(3)

ديفوكس، 127.

ص: 31

وكيل وإمام وحزاب الخ. وآخر وكلائه كان الحاج حسين بن قريش (قرواش؟) الذي ظلت عائلته تتولى الوكالة عليه قرنين أو ثلاثة قبل الاحتلال. هذا المسجد تعرض أيضا للهدم سنة 1859 دون ذكر السبب. ويضيف أوميرا أنه كان يقع في شارع لا شارت La Charte، وأنه هدم لتدخل أرضه في الساحة التي كانت حديقة للكاتب العام للحكومة (الفرنسية) خلال فترة طويلة، والتي هي اليوم (1898) تابعة للدار الأندلسية - الموريسكية المخصصة لاجتماعات مجلس ولاية الجزائر العام (1).

30 -

مسجد كوشة ابن السمان: هذا المسجد بقي إلى سنة 1834 على حاله، لكن في هذه السنة تعطل عن غرضه وجعل مخزنا لآلات الشنق والمقصلة - أي والله! - وفي سبتمبر من سنة 1836 جرى هدمه من أجل المنفعة العامة (2). أو هكذا برروا هدمه. وكان يقع في شارع دوكيني.

31 -

مسجد سيدي الجودي: بعض الوثائق التي تذكره ترجع إلى سنة 1081 (1671) أي كان له على الأقل قرابة قرنين عند الاحتلال. وقد ورد ذكره في قصيدة ابن عمر عن الغارة الدنماركية ضد الجزائر. وكان يقع في شارع تروا كولور، وهو مسجد من الدرجة الثانية، حسب تعبير ديفوكس الذي لم يذكر مصيره بالضبط، غير أن الزاوية والجبانة التابعتين له قد هدمتا سنة 1838 و 1840، وبنيت في المكان عدة منازل (3). ونعتقد أن المسجد قد هدم أيضا أثناء ذلك أو بعده بقليل لأنه قد اختفى من الوجود.

32 -

مسجد (جامع السلطان): له عدة أسماء أخرى منها جامع عين السلطان وجامع القهوة الكبيرة. وأقدم الوثائق التي تتحدث عنه ترجع إلى

(1) أوميرا، 187. عن عائلة ابن قرواش انظر الجزء الأول من تاريخ الجزائر الثقافي.

(2)

ديفوكس، 129، وكذلك أوميرا، 184.

(3)

ديفوكس، 129. انظر عنه أيضا قصيدة ابن عمر (1788) في المجلة الإفريقية، 1894، مرجع سابق. وهناك تفاصيل أخرى عن ذلك في حديثنا عن الجامع الجديد.

ص: 32

القرن الحادي عشر الهجري (1088/ 1677). وهو مسجد صغير، له أوقاف خاصة به، وكان يقع في ركن شارع تروا كولور وشارع ماهون. ومنذ 1837 عطل عن وظيفته واستولت عليه مصلحة الموازين. ثم في 1838 هدم وبنيت على أرضه إحدى الدور (1). ونفس المعلومات تقريبا أوردها حوله أوميرا أيضا.

33 -

مسجد الباديستان: ويسمى أيضا مسجد البابستان. وكان صغير الحجم، ويقع قرب البحر، واشتهر بنزول الأسرى غير المسلمين في الملجأ حوله، أو سوق الرقيق. ومنذ الساعات الأولى للاحتلال هدم كل من المسجد والباديستان معا، لأن الفرنسيين جاؤوا منتقمين أيضا، فيما يبدو، لغيرهم من النصارى الذين تعرضوا للأسر في ذلك المكان. وموقعه كان ساحة ماهو (2). ويقول أوميرا إنه كان من المساجد الخمسة التي هدمت فور الاحتلال - بين 1830 - 1832 (3).

34 -

الجامع الجديد: وهو من المساجد الباقية إلى الآن. ولكنه لم يسلم من التشويه والإهانة، مثل زميله الجامع الكبير (الأعظم). وكانت له منارة عالية ترى عن بعد من البحر، وله محراب مغطى بالفسيفساء. وكان ناصع البياض، فخم المنظر، يندهش القادم من المرسى لمرآه. وله قباب عديدة ورشيقة رشاقة فائقة، وهي من القباب المدورة. وكانت قاعدته على رمال شاطئ البحر. وقد نسج حوله الفرنسيون قصة أو أسطورة غريبة، قالوا إن بانيه (سنة 1660) كان من الأسرى النصارى، وأجبره المسلمون على بناء المسجد، فقرر في نفسه أن يبنيه على شكل صليب، وكانت النتيجة قتل الأسير وبقاء المسجد قائما على شكل صليب لاتيني، كما يقول أوغسطين بيرك. والغريب أن هذه الأسطورة المفتعلة يرددها كتابهم من رجال الدين إلى رجال الدنيا، من هم عقلاء ومؤرخون، ومن هم خرافيون وموتورون.

(1) ديفوكس، 131.

(2)

نفس المصدر، 132.

(3)

أوميرا، 181.

ص: 33

وعندما كان الفرنسيون يختارون أي المساجد الكبرى والجميلة لكي يحولوه إلى كاتدرالية كاثوليكية، اقترح بعضهم اسم الجامع الجديد ليكون الضحية، وتناقشوا في ذلك طويلا، وملأوا الصحف والتقارير والمجالس بالمبررات، ولكنهم أخيرا اختاروا جامع كتشاوة ليكون هو الضحية، وأبقوا على الجامع الجديد، تخليدا لذكرى الأسير الأسطوري، وتخليدا لشكل الصليب الذي نواه، واحتراما لإرادته في الدارين.

غير الفرنسيون اسم الجامع الجديد إلى جامع الصيد البحري. واستولوا على أوقافه الكثيرة التي كانت تشرف عليها مؤسسة (سبل الخيرات) الحنفية. وأخذوا يغيرون منه جهة البحر عندما كانوا يعدون شارع الإمبراطورية الموازي لسيف البحر. وبذلك غيرت مصالح الأرصفة واجهة الجامع البحرية تماما، وغطته عن الأنظار فأصبح عبارة عن دهاليز معتمة حجبت عنه الشمس. ويقول ديفوكس الذي كان شاهد عيان لهذه المجزرة العمرانية - الصليبية: إن مصالح الأرصفة قد غيرته تماما عما كان عليه، واختفى بذلك التغيير منظر بحري جميل كان هو المصدر الأول لرشاقة الجامع. ومن هذه التغييرات التي أفسدت شكل الجامع أنهم أغلقوا نهائيا بابه الجنوبي - الغربي، كما أغلقوا بابه الذي كان يفتح نحو البحر لمد الطريق المذكور، وكذلك أجروا تعديلا على بابه الثالث. وتبلغ مساحة الجامع الجديد 1371 مترار و 20 سم (8 متر عرضا في 39 متر 59 طولا). أما طول منارته فكان 30 مترا. ولكن الدفن الذي حصل في شارع البحرية أنقص منها خمسة أمتار.

كان الجامع الجديد مقرا للمفتي الحنفي. وآخر المفتين فيه عند الاحتلال هو الحاج أحمد بن الحاج عمر بن مصطفى الذي تولى سنة 1243/ 1827. وترجع الوثائق بناء الجامع الجديد إلى سنة 1070/ 1660، في مكان مدرسة بوعنان. وينسب بناؤه إلى المجاهد الحاج الحبيب (1). وتسميه

(1) ديفوكس، 132 - 149. في هذه الصفحات تفاصيل غنية لمن أراد الاستزادة. انظر أيضا أوميرا، 187. وكذالك أوغسطين بيرك (الفن القديم والفن الإسلامي بالجزائر) فى (كراسات الاحتفال المئوي)، 1930، 95. ويقول بيرك إنه كان الجامع كرسى =

ص: 34

العامة أيضا جامع البطحاء (ساحة الحكومة/ الشهداء). وقد ظل الجامع الجديد مهددا بالهدم إلى فاتح هذا القرن. فقد جرت مناقشات في بلدية الجزائر بين النواب الفرنسيين والمسلمين حول هدمه من أجل تجميل المدية. ثم وقع العدول عن ذلك. ومن الذين تولوا الدفاع عن إبقاء هذا الجامع، وكذلك الجامع الكبير، السيد عمر بوضربة الذي اعتبر إزالتهما ضربة لمشاعر المسلمين. وساعده على ذلك زملاؤه: ابن مرابط، وابن رضوان، وباش أحمد. ومن الملفت للنظر أن قرار الإبقاء على الجامعين كان بحجة اعتبارهما من الآثار التاريخية وليس باعتبارهما من المعالم الإسلامية أو من أملاك المسلمين (1).

= مرمري ونسخة نادرة ضخمة من القرآن الكريم مرسلة من قبل سلطان إسطانبول (منتصف القرن 18 م) إلى باشا الجزائر. وقد وصفه أيضا ألبير بيللو سنة 1904 في المجلة الإفريقية، ص 170. وقال إنه يتميز بالرشاقة والجمال لوجود الفن الإسلامي (الأرابسك) في محرابه ومنبره، وتناسق الآيات القرآنية المكتوبة على جداره. ويقول كلاين إن المصحف كان تحفة نادرة وجميلة بزخرفتها وخطها. وأن مدخل الجامع كان عند قاع السور وكانت على الباب كتابات بالتركية (العثمانية)، ولكنها خربت سنة 1846 من قبل متعصب مسلم (!) عندما كان عالم فرنسي يحاول فهمها. وقد وضع الفرنسيون ساعة على جانب منارته سنة 1853 (صنعت في مصانع واغنر WAGNER وقال إن المسلمين قد عارضوا بشدة إلصاق الساعة بالمنارة وأظهروا مشاعر هائجة .. ولكن بمرور الزمن هدأت مشاعرهم. وفي سنة 1857 علقت على الجامع ثلاثة نواقيس تزن على التوالي 50، 80، 120 ك غ. وقد استخدم الجيش الفرنسي المبنى الأرضي من الجامع كمخازن إلى سنة 1864، وفي هذا التاريخ استلمها الدومين فأجرها إلى الخواص، فاستلمها السيد سيماطو ClMATO وفي 14 يوليو من كل سنة (عيد الثورة الفرنسية) تعلق الأعلام الفرنسية على الجامع الجديد. انظر كلاين، ص 53 - 54.

(1)

انظر المداولة مفصلة في جريدة (الأخبار) - القسم الفرنسي منها - عدد 27 مارس 1905. ومن الصدف أن عمر بوضربة الذي دافع عن الجامعين كان جده، وهو أحمد بوضربة، من أنصار الحملة الفرنسية سنة 1830، وكان متزوجار من فرنسية. ثم تبين خطأه السياسي، فانضم للأمير عبد القادر، ثم مات غريبا، في طنجة. وفي سنة 1912 نشر (التقويم الجزائري) الذي كان يصدره الشيخ محمود كحول نفس الخبر عن الجامعين. ولا ندري لماذا نشر ذلك بعد سبع سنوات، اللهم إلا لتهدئة المشاعر التي =

ص: 35

35 -

مسجد المرابطة: ويسمى أيضا مسجد المرابطة الزرزورة. وتذكرها الوثائق (سيدتنا) - فهل هي التي شيدت هذا المسجد؟ وتاريخه غير معروف، لكن يرجح أنه من القرن 11 هـ/ 17 م. وهذا المسجد كان يقع على بعد أمتار فقط من الجامع الجديد، من جهة البحر. كانت له أوقاف خاصة، يعود تاريخ بعضها إلى سنة: 1034/ 1624. وكان له إمام عند الاحتلال يسمى الطيب خوجة بن الحاج محمد الشريف، ويعرف بابن حسن الشريف. وتعرض المسجد للهدم من الأيام الأولى للاحتلال (1832) من أجل المنفعة العامة، كما قالوا (1). واعتبره أوميرا من المساجد الخمسة الأولى التي تعرضت للهدم بين 1830? 1832.

36 -

مسجد الحواتين: وقد هدم أيضا (للمنفعة العامة) حسب المصطلح المتداول. وكان يقع غير بعيد من الجامع الجديد. واسمه يدل على أنه كان لصيادي السمك. وقد بناه لهم حسين باشا. وجرى هدمه مع ما هدم لبناء الأرصفة على شارع الإمبراطورة في مواجهة البحر. ويقول ديفوكس إنه لم يكن للمسجد أوقاف جارية، وهذا غريب (2). لأن التقاليد جرت أن كل جامع له أوقافه ولو كانت قليلة.

37 -

مسجد المقايسية: ويسمى أيضا مسجد الصباغين. والمقايسية هم صناع الأساور. وكان الحيان (المقايسية والصباغين) من أشهر أحياء العاصمة في الحرف والصناعات. ولكن المعول الفرنسي أبى إلا أن يبادر بهدم هذا الجامع أيضا منذ أول الاحتلال، من أجل المنفعة العامة، ومنفعة من؟ وقد كان من أقدم المساجد بالعاصمة إذ يعود تاريخه إلى القرن العاشر الهجري

= قد يكون أحدثها النقاش حول الهدم. وقد تحدثنا عن عمر بوضربة في مكان آخر على أنه كان من المتجنسين وبالجنسية الفرنسية والتجار. كذلك لعب الحكيم محمد بن العربي دورا بارزا في إنقاذ الجامعين. انظر حديثنا عن الجامع الكبير.

(1)

ديفوكس، 150.

(2)

نفس المصدر، 151. أشار كلاين إلى هذا المسجد أيضا.

ص: 36

(980/ 1572)(1). ولو كان للفرنسيين حس تاريخي لحافظوا عليه كمعلم من المعالم قبل أن يكون مسجدا. والغريب أنهم بينما يهدمون هذا المسجد كانوا يبحثون ويحفرون على آثار الرومان ويجمعونها في المتاحف. ومن أشهر المنتصبين لصنعة المقايس (الأساور) الشيخ حمودة المقايسي الذي تخرج من الأزهر، وكان قد عاصر الاحتلال مدة خمس عشرة سنة. وكان الجامع يقع في أقواس ساحة الحكومة (الشهداء). وقد أكد أوميرا معلومات ديفوكس حول هذا الجامع. ولم يذكر أن له أوقافا، وكأنه عاش أكثر من قرنين بدون وقف.

38 -

مسجد خير الدين: ويسمى أيضا جامع الشواش. وخير الدين بربروس هو أول من أدخل الجزائر في حماية الخلافة العثمانية، وكان قائدا للأسطول الإسلامي العثماني لبضع سنوات. ومن أول الاحتلال عطل المسجد عن وظيفته وسلم إلى الجيش الفرنسي - فرقة الحرس. وكان مكانه في ساحة السلاح (بلاص دارم). وبعد هدمه بنيت على أرضه مجموعة من المنازل. ويقول ديفوكس إن بناء الجامع يرجع إلى سنة 1520، وكانت له أوقاف متواضعة، دون أن يحددها (2). أما أوميرا فقال إن مسجد خير الدين كانت تتبعه مدرسة، وكان يقع قريبا من مدخل الجنينة، وكان يشكل جزءا من واجهة قصر الباشوات القديم، ثم أصبح جزءا من واجهة ساحة الحكومة، وأخيرا هدم هو والقصر في نفس الوقت منذ بداية الاحتلال (3).

39 -

جامع كتشاوة: جامع كتشاوة كان من ضحايا الروح الصليبية الفرنسية (4). وإذا كان جامع السيدة قد اعتدوا عليه بالفأس والمطرقة

(1) نفس المصدر، 151. انظر أيضا كلاين. فقد ذكر مجموعة من الجوامع التي هدمت لفتح ساحة الحكومة ومنها جامع المقايسية، وجامع الشواش الذي قال إنه أصبح مقرا لفرقة الحرس قبل الهدم.

(2)

ديفوكس، 159.

(3)

أوميرا، 184.

(4)

عن مصير الجامع وكيف تحول إلى كاتيدرالية، انظر كلاين.

ص: 37

والديناميت فإن جامع كتشاوة قد اعتدوا عليه بتحويله إلى كاتيدرالية للديانة الكاثوليكية وبمباركة الحكومة والبابوية معا. وقد قاوم المسلمون الباقون في مدينة الجزائر هذا الاعتداء على الحرمات الدينية التي نص اتفاق 1830 على عدم المساس بها، ولكنهم تعرضوا للقتل والضرب في الجامع نفسه. ولا سبيل لوصف ما حدث في هذا الجامع من تغيير وتبديل بأيدي الحكام الرسميين ورجال الدين، لأن غرضنا كما قلنا هو ذكر مصائر البنايات الدينية فقط وبعض أحوالها في عهد الاحتلال.

أول إشارة إلى جامع كتشاوة ترجع إلى سنة 1021 (1612). ثم جرى توسيعه وتجميله على يد الداي حسن سنة 1209 (1794)، وهو الداي الذي فتحت وهران في عهده، كما سبق. وكان من الباشوات الأقوياء. وقال ديفوكس إنه اتخذ جامع السيدة نموذجا له عند توسيع وتجميل جامع كتشاوة. وقد خلد البناة عملية التوسيع بكتابات ولكن الفرنسيين جردوه منها، ووضعوها في متحف، سنة 1855، ويذهب ديفوكس إلى: ان السلطات الفرنسية قد (أعطته) إلى الديانة الكاثوليكية بعد سنوات قليلة من الاحتلال، ويضيف أنه قد هدم تماما شيئا فشيئا، نتيجة التعديلات المتوالية التي أدخلت عليه لجعله كاتدرائية (1). وأضاف أن العرصات فقط هي التي نجت من الهدم في هذا الجامع الجميل. وهو عمل، في نظر ديفوكس، كان محل أسف هواة الفن المعماري الأهلي. وكل من تناول وصف الجامع يعترف بجماله وسعته وصحته، لأن تجديده جرى قبل الاحتلال بأقل من أربعين

(1) ولا ندري المسجد الذي عناه دي بوسيه، المتصرف المدني في كتابه (عن المؤسسات الفرنسية في الجزائر) ج 1، ص 143، حين قال إن الكاثوليك وجدوا سنة 1832 مكانا يليق بهم في أحد مساجد العاصمة. وكان هو يكتب سنة 1835. وذكر من الآيات القرآنية التي كانت منقوشة على حيطانه: {لمسجد أسس على التقوى

} و {إن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا} و {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} و {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} . وذكر دي بوسيه أن الذي كتب هذه الآيات هو الخطاط إبراهيم جاكرهي سنة 1610.

ص: 38

سنة. ومع ذلك فإن الفرنسيين هم الذين يصفون المسلمين الجزائريين عندئذ بالتعصب!

ويقول أوميرا الذي كتب في عصر الليبرالية واللائكية والحياد إزاء الدين، إن الكاثوليك كانوا متحمسين لبعث (كنيسة إفريقية) تناسب التاريخ والمقام. وكانوا يريدون إنشاء كنيسة تستجيب لهذا الحماس. ولكنهم بدلا من ذلك أخذوا يهدمون جامع كتشاوة ويحولونه، بأسلوبهم، إلى كنيسة تناسب المقام والتاريخ اللذين يتصورونهما، فلم يبقوه جامعا على أصله ولم يبنوا كنيسة على ذوقهم. وقد أشرنا إلى الخلاف الذي جرى بين الفرنسيين حول تمويل الجامع الجديد أو جامع كتشاوة إلى كنيسة? كاتيدرالية. وما دام بعضهم يحث عن الفخامة والفن والتاريخ فقد وجد ذلك في جامع كتشاوة ولم يجده في الجامع الجديد. وكان الأثريون يرون الاقتصار على تحويل المسجد دون المساس به ليبقى أثرا أندلسيا - موريسكيا قائما للتاريخ. ولكن رجال الكنيسة لم يكن يرضيهم ذلك فدمروا الجامع تدميرا بأسلوبهم وجردوه من فنه المعماري وطرازه المحلي الإسلامي، وبقيت عملية التدمير حوالي ربع قرن، لكن عملية التحويل الأول كانت سنة 1838، أي منذ جاء الأسقف دوبوش Dupuch ووافق البابا في رومة على فتح أسقفية في الجزائر.

واسم كتشاوة (أيضا كجاوة) ليس هو اسم باني الجامع ولا مجدده، وإنما هو اسم للمكان الذي بني عليه. وكانت أوقافه تحت يد (سبل الخيرات) باعتباره من الجوامع الحنفية (1)، ومنها مجموعة من العقارات. وكان جامع كتشاوة من أكبر المساجد بالعاصمة، وكان له خطيب ومدرسون، وموظفون آخرون. وكان يقع في شارع الديوان. وقد وصفت قبته بالفخامة ومحرابه بالجمال، وكانت بيت الصلاة فيه مربعة ومحاطة بالعرصات المرمرية المدورة، وكان مزينا بالكتابات الدينية والزخارف من

(1) وصفه ورسمه السيد رفوازييه في سلسلة (الاكتشاف العلمي للجزائر)، 1840 - 1842. انظر فصل الاستشراق.

ص: 39

الداخل، وأما مدخله الرئيسي فكان من ناحية الجنوب (1).

40 -

جامع القائد علي: هذا مسجد صغير وبدون صومعة، وكان له وقف غير محدد، وليس له تاريخ محدد لبنائه. وينسب إلى القائد علي الذي لعله من الموظفين السامين في العهد العثماني. وكان الجامع يقع في شارع السودان. ولا نعرف مصيره قبل 1842، ولكن منذ هذا التاريخ (عهد الحاكم العام بوجو) سلمته السلطات الفرنسية إلى جمعية تسمى أخوات القديس يوسف (سان جوزيف)، هكذا بدون تبرير (2). وقد أكد هذه المعلومات كل من ديفوكس وأوميرا. ولكن ما مصيره بعد ذلك؟ ليس هناك معلومات إضافية، ويبدو أن مآله كان الهدم أو الاندثار.

41 -

جامع شارع الديوان: وهو جامع صغير وليس له اسم خاص به، إنما كان يسمى باسم الشارع الذي يقع فيه (الديوان)، وكانت السلطات الفرنسية تسميه باسم مسجد سيدي عبد الرحمن، لكن ديفوكس يقول إن الوثائق لا تؤكد هذه التسمية، وأن بعضها تسميه مسجد البكوش. وكانت له أوقاف لكن غير محددة. ومهما كانت التسمية فإن هذا المسجد قد عطل عن وظيفته منذ 1830 واحتلته مصلحة الأشغال العمومية إلى 1839. ومنذ هذا التاريخ هدم ودخل في الطريق العام (3). وكان يقع في شارع العقيد بوتان Boutin الذي كان من جنود نابليون الأول.

2 -

مسجد سوق السمن: يروي ديفوكس أنه لا توجد وثائق حول هذا المسجد. وهو بدون شك يأخذ اسمه من الحي الذي وجد فيه: (سوق السمن). وقد عطل عن وظيفته منذ 1837. ويزعم ديفوكس أن المسلمين

(1) ديفوكس، 146 - 170. وكذلك أوميرا، 186. وصفه أيضا أوغسطين بيرك، مرجع سابق، ص 98 قائلا إن رخامه كان قد جلب من إيطاليا، وكانت به حدوة الحصان فكسرت، ووصف زخارفه من الداخل على أنها تثير الإعجاب، وكان له باب خشبي عليه نقوش من قبل أمين النجارين أحمد بن اللبلابجي. وقال إن طرازه تركي.

(2)

ديفوكس، 173.

(3)

نفس المصدر 174.

ص: 40

أهملوا هذا المسجد فهدمته السلطات الفرنسية سنة 1857 (1). وإذا صح هذا الإهمال فإنه لم يكن إلا نتيجة استيلاء مصلحة أملاك الدولة على أوقاف المسجد وعدم تعيين وكيل له يتولاه ويصونه منها. وكان مسجد سوق السمن يقع في شارع ليزار. وبعد هدمه دخل في الأرض التي بني عليها بازار سليمان (سلمون) بين شارعي الباب الجديد وليزار.

43 -

مسجد الدالية: وهو من المساجد القديمة إذ تثبت الوثائق أنه يرجع إلى القرن العاشر على الأقل (سنة 964/ 1556). وكان معه مكتب أو مدرسة قرآنية. ورغم طول عهده فلم يتأثر إلا بعد الاحتلال، إذ أثبت ديفوكس أنه عطل ووقع التصرف فيه سنة 1839 بسبب تداعيه وانهياره (2). وكان هذا المسجد يقع أيضا في شارع ليزار.

44 -

مسجد سوق اللوح: لعل هذه التسمية جاءته من الحي الذي كان فيه - النجارة -. ومنذ الاحتلال شغلته مصلحة بيت المال التي أصبحت فرنسية، ووضعت مكاتبها فيه، ودام ذلك إلى سنة 1836. وهو تاريخ هدمه وإدخال أرضه في الطريق العام. ولا شك أن ذلك كان تحت غطاء المنفعة العامة. وكان المسجد يقع في شارع الملك جوبا (يوبا). ومن الإشارات إلى المسجد ما يرجع إلى القرن الحادي عشر (1070/ 1659). وكان الداي الشهير محمد بن عثمان باشا قد أوقف عليه وقفار هاما سنة 1179. ومن وكلائه القدماء محمد بن جعدون وهو من عائلة أندلسية اشتغلت بالعلم. وقد تولى منها في بداية الاحتلال، أحمد بن جعدون وظيفة القضاء (3).

45 -

مسجد سوق القبائل: ويسمى أيضا مسجد القبيل. وترجعه الوثائق إلى القرن 17 م. وكان يقع بين شارع بوزا وشارع باب عزون، ويظن

(1) نفس المصدر، 176.

(2)

نفس المصدر.

(3)

ديفوكس، 154. وعن أحمد بن جعدون وتعليمه وتوليته القضاء انظر فصل السلك الديني والقضائي. وقد ذكر كلاين هذا المسجد أيضا (مسجد سوق اللوح).

ص: 41

أنه مسجد قديم وأن علي بتشين قد يكون جدده حوالي 1620. ثم فقد الجامع اسم مؤسسه واسم مجدده، واحتفظ عند العامة باسم الحي: سوق القبيل أو القبائل. وهناك وثائق كثيرة تتحدث عنه. وله أوقاف غزيرة. وكان إمامه سنة 1830 يسمى أحمد بن محمود، وهو في أغلب الظن وكيله أيضا. وقد احتفظ المسجد بوظيفته إلى 28 مايو سنة 1836 حين بيع (كذا) ثم هدم وأصبح مكانه داخلا في الطريق العام (1). هكذا كتب عنه ديفوكس، أما أوميرا فقد قال إن مسجد القبائل كان من المساجد الخمسة التي هدمت بين 1830 - 1832 (2).

46 -

جامع المعجزين (العجزة؟): وهو يسمى أيضا جامع السوق الكبير، أي الحي، كما يسمى جامع ابن تركي، وهو كيله. وهو مسجد صغير. وله أوقاف ووثائق تؤرخه وترجعه إلى القرن العاشر الهجري. وكان عند الاحتلال يحمل رقم 175 من شارع باب عزون، ولم يدم حاله على ذلك طويلا، ففي سنة 1836 هدم ودخلت أرضه في الطريق العام، بينما دخل جزء منه في تراب دار أوروبية (3).

47 -

جامع خضر باشا: تولى خضر باشا حكم الجزائر ثلاث مرات. وقد بنى جامعه هذا حوالي 1005 (1596) على أنقاض جامع آخر صغير. وأوقف عليه أوقافا عظيمة (4). وكان الجامع للصلاة الجامعة والخطبة والتدريس. وعند الاحتلال عطل الجامع عن غرضه وألحق بمستشفى الخراطين، وهو المستشفى الذي أقيم داخل ثكنة الخراطين القديمة. ثم هدم الجامع جزئيا سنة 1836 وأصبح جزء منه داخلا في أحد المنازل الأوروبية وبعضه الآخر داخلا في بيعة (معبد) يهودية. وكان هذا هو جزاء خضر باشا الذي طالما جاهد في سبيل الله وإعلاء راية الا. سلام. ويلاحظ ديفوكس أن

(1) ديفوكس، 185.

(2)

أوميرا، 181.

(3)

ديفوكس، 167.

(4)

عن أوقافه انظر الجزء الأول من تاريخ الجزائر الثقافي.

ص: 42

هذا الجامع كان على الطراز العربي داخليا وخارجيا، وأنه كان يقع في شارع شيبو (1) الإفريقي الذي احتل شمال إفريقية باسم رومة، ثم في شارع باب عزون. وأضاف كلاين أن سقف الجامع كان من القرمود، وأكد على هدم الجامع سنة 1837.

48 -

جامع الركرك أو القندقجية: و (الركرك) هو اسم الإمام، حسب وثيقة ترجع إلى القرن العاشر. كما يسمى جامع سوق القندقجية. وكانت له أوقاف هامة مثبتة بالوثائق. وهو مسجد صغير له منارة، وكانت تلاصقه مدرسة. وينسب إلى الولي سيدي عيسى بن العباس (1588). ومن أيمته عبد الرحمن بن البدوي (1814)، الذي لعله أحد جدود أحمد البدوي الذي سيظهر اسمه في وقت الاحتلال كمترجم وصحفي وسياسي. ورغم صحة الجامع كل هذه العصور ووفرة أوقافه، فإن السلطات الفرنسية زعمت أنه أصبح يهدد الأمن العام فهدمته سنة 1839 (2). وكان يقع في شارع القفطان. وقد دخل مكانه في الدار الواقعة على هذا الشارع وشارع باب عزون.

49 -

جامع الباشا الحاج حسين ميزمورطو: كان الحاج حسين من مشاهير باشوات (حكام) الجزائر. وقد بنى جامعا كبيرا بصومعة رشيقة محلاة بالزليج، وكان من جوامع الخطبة، وكانت للجامع قبة متميزة وأصيلة. وقد بني حوالي 1097 (1685) على أنقاض جامع صغير ودكاكين. وأوقف عليه الباشا المذكور أوقافا كبيرة ذكرناها في غير هذا. وإلى جانب الجامع مدرسة. وكان له خطباء وأية ومدرسون ووكلاء وموظفون آخرون اشتهر بهم الجامع. ولكن الاحتلال الفرنسي أبى إلا أن يجعل هذا الجامع كغيره، أثرا بعد عين. فمنذ 1830 استولى عليه الجيش وحوله إلى مستشفى عسكري. وفي سنة 1836 سلمه الجيش إلى

(1) ديفوكس، 190.

(2)

نفس المصدر، 193.

ص: 43

الإدارة المدنية، فشرعت في هدمه ودام ذلك، كما يقول ديفوكس، ثمانية عشر شهرا. وقد دخل الجزء الكبير من ترابه في الطريق العام، ودخلت أطرافه في المنازل المجاورة مثل دار بازار فيالار. وكان يقع في شارع شارتر (1).

وقد تحدث بيربروجر في كتابه (الجزائر المصورة والتاريخية والأثرية) عن جامع الحاج حسين باشا فقال إنه كان أحد المعالم العربية لمدينة الجزائر التي يأسف المرء على هدمها. وقد وصفه كما وصف منارته التي قال إنها تقع في أحد أطرافه جهة باب عزون. وكانت مزينة بالزليج، وكانت تتصاعد في الجو برشاقة وأصالة. ولها ثلاثة أدوار وتقوم على أربعة أعمدة. واعتبر بيربروجر هذا الجامع من المباني العظيمة من الوجهة العمرانية (2). وكان بيربروجر معاصرا لهدم هذا الجامع وغيره، لأنه جاء الجزائر سنة 1835، على أنه أثرى.

ولكن هذه الكلمات التأسفية التي تخرج أحيانا من أفواه بعض الكتاب، مثل بيربروجر وديفوكس وأوميرا، ما هي إلا من نوع البكاء على الأطلال، وهي في الواقع لا تصل حتى إلى البكاء.

50 -

مسجد سويقة عمر: إن أقدم المعلومات عنه نرجع إلى سنة 1031 (1621)، فهو إذن من المساجد القديمة التي عاشت دهرا ولم تبل، ومع ذلك فإن الفرنسيين هدموه سنة 1869 من أجل الأمن العام، ودخل ترابه في الطريق العام (3). ولا ندري لماذا أبقوه إلى ذلك التاريخ بينما غيره هدموه منذ البداية.

(1) ديفوكس، 193 - 200. وقد أطال هذا المصدر في وصف أوقاف الجامع ووثائقه ووكلائه الخ. واكتفينا نحن هنا بما يوفي بالغرض. انظر التاريخ الثقافي، ج 2.

(2)

أشار إلى ذلك ديفوكس، ص 200 هامش 1. ناقلا من كتاب بيربروجر المذكور، ج 1، ص 58. وعن حياة بيربروجر في الجزائر انظر فصل الاستشراق.

(3)

ديفوكس، 203.

ص: 44

51 -

مسجد الكبابطية: ويدعى أيضا. مسجد الحلفاوية والحلفاوين. وهو من المساجد القديمة التي تحدث عنها هايدو الإسباني، وقد عده الخامس من السبعة الكبار التي وصفها. ويقول ديفوكس إن ذلك احتمال فقط، أي كون هايدو عناه هو بالذات، لأن كلامه في ذلك غير واضح، ولأنه تحدث عن مسجد يقع في سوق يصنع أهله المعاطف (الكبابط). ومهما كان الأمر فإن المسجد قديم واسمه يدل على أنه من العهد العثماني. وفي سنة 1839 هدم هذا المسجد بدعوى المنفعة العامة ودخل مكانه في الطريق العام كما دخل جزء منه في أحد المنازل الأوروبية (1). وقد آلت أوقافه إلى إدارة الدومين.

52 -

مسجد سوق الرقاعين: وقد سماه ديفوكس أيضا مسجد سوق السمن، وحتى لا يختلط بالمسجد الذي سبق ذكره والذي يحمل نفس الاسم (السمن أو السمان) فقد حافظنا على اسمه الثاني (الرقاعين). وهو مسجد صغير، وهدم سنة 1839 بدعوى الأمن العام، وقد دخل مكانه في الطريق العام جزئيا (2).

53 -

مسجد سيدي عبد العزيز: وهذا المسجد المنسوب لأحد المرابطين كان يقع في سوق الحيوانات المسمى: المركاض. ويذكره ديفوكس على أنه بقي بضع سنوات (غير محددة) غير معطل عن وظيفته، ثم عطل وحول عن غرضه، وبنيت على أرضه دار فرنسية تأخذ من شارع قسنطينة وشارع روفيقو. ومن جهة أخرى يرى ديفوكس أن حياة سيدي عبد العزيز غير معروفة، وأن المسجد كان يقع على بعد مائة متر من باب عزون، لكن الوقفية تقول إنه خارج باب عزون (3).

54 -

مسجد بجوار مسجد علي بتشين: ليس لهذا المسجد اسم في

(1) نفس المصدر، 204.

(2)

نفس المصدر.

(3)

نفس المصدر، 206.

ص: 45

الوثائق الفرنسية المعاصرة للاحتلال، فقالوا إنه المسجد الواقع فوق جامع علي بتشين. وقد احتفظ بوظيفته فترة ثم هدم وأدمج في إحدى الدور التي بنيت على أنقاضه. وكان يقع بين شارعي القصبة وباب الواد (1).

55 -

المسجد الأخضر: جامع صغير، هدم سنة 1844 بدون مبرر مذكور. كان يقع في شارع يحمل اسمه لكنه حرف هكذا (شارع لكدور). وله أوقاف، أقربها عهدا يرجع تاريخه إلى سنة 1231 (حوالي)(2).

56 -

مسجد ابن ميمون: اسم صاحبه هو محمد بن عبد الله بن ميمون. وتعود تواريخ بعض أوقافه إلى القرن الثاني عشر الهجري، 1171 (1757). وقد هدمته السلطات الفرنسية سنة 1840، فدخل مكانه في إحدى الدور (3). وكان يقع في شارع يحمل اسمه محرفا هكذا (شارع آكرميمونت). ولعل ابن ميمون هذا هو الشاعر الذي تناولناه في غير هذا، والذي تولى عدة وظائف قضائية ودينية.

57 -

مسجد مصطفى باشا: رغم بقاء اسم هذا الباشا بيننا في المستشفى الرئيسي بالجزائر وبقاء قصره مدة طويلة مقرا للحاكم الفرنسي، وحيه (حي مصطفى باشا) جهة أول ماي حاليا، فترة طويلة من الاحتلال الفرنسي فإن اسم الداي مصطفى باشا يذكرنا بتمكين التجار اليهود، سيما عائلة بكري وبوشناق، في عهده من السيطرة على اقتصاد البلاد. والمسجد الذي يحمل اسمه لم يشيده وإنما جدده فقط. ويحمل المسجد أيضا اسم إمامه العالم، المانقلاتي. وهو من أسرة علماء وأدباء اشتهروا في الجزائر منذ القرن الحادي عشر، ومنهم عمر وأحمد وعلي، وكان الأخير معاصرا للاحتلال،

(1) ديفوكس، 210.

(2)

نفس المصدر، 210.

(3)

نفس المصدر، 211. وعن ابن ميمون انظر (أشعار جزائرية) و (أبحاث وآراء)، ج 1.

ص: 46

ومن المفتين. ورغم إبقاء الفرنسيين على قصر مصطفى باشا فإنهم لم يحتملوا المسجد الذي يحمل اسمه، فهدموه سنة 1837، وبقي جزء منه أضافوه إلى مدرسة بلدية كانت تديرها في عهد ديفوكس جماعة تسمى (أخوة المذهب المسيحي)(1). وقبل أن يتحول إلى مدرسة كان جزء الجامع داخلا في قاعة عرض وألعاب. وكان الجامع يقع في شارع المتصرف (المدني؟).

58 -

مسجد سيدي داود: يقع هذا المسجد في شارع هيئة الأركان، وله وقفية تثبت له التسمية المذكورة. ولكن الفرنسيين لم يصبروا على بقائه فهدموه سنة 1833 بدعوى توسيع ساحة السودان (2).

59 -

مسجد سوق الجمعة: يقول ديفوكس إن المسلمين هم الذين أهملوا هذا الجامع منذ الاحتلال. فوقع تعطيله وهدمه سنة 1841، وهكذا أصبح مكانه دارا فرنسية، وهو يسمى أيضا مسجد عقبة ابن شاكر. وكان يقع في شارع سوجيمه (3).

60 -

مسجد كوشة بولعبة: ويسمى أيضا جامع سيدي سليمان الشريف. وقد نسي الناس اسم المرابط وبقي اسم الكوشة. ولكن الوقفية تشير إلى اسم المرابط (الشريف). وكان المسجد يقع في شارعي بولعبة والهلال (كرواسان). ونظرا لتداعيه، كما قالوا، حكم الفرنسيون عليه بالهدم في يونيو (جوان)1841. وبنيت على أرضه دار فرنسية (4).

61 -

مسجد الشيخ سيدي أحمد بن عبد الله: يقول ديفوكس إن الشهرة تسميه مسجد فرن ابن شكور (شاكر؟)، أو عقبة ابن شكور. وله وقفية تذكره بالاسم الأول. وكان يقع في شارع طولون، وقد احتله الجيش من أول وهلة

(1) ديفوكس، 211.

(2)

نفس المصدر، 212.

(3)

نفس المصدر، 213.

(4)

نفس المصدر.

ص: 47

وبقي في أيدي الدرك باعتباره ثكنة عسكرية مدة طويلة. وفي عهد ديفوكس أصبحت بناية المسجد تابعة لمدرسة البنات المسلمات (1). وربما هي المدرسة التي كانت تشرف عليها السيدة أليكس (لوسي) التي كانت تعلم فيها اللغة الفرنسية والطرز بدعم من الحكومة. وأحمد بن عبد الله قد يكون هو أحمد الزواوي صاحب (المنظومة الجزائرية) الشهيرة والذي عاش في عهد الشيخ عبد الرحمن الثعالبي (2). وعلى هذا يكون الجامع قديما (القرن 15).

62 -

مسجد ابن الشاهد: هذا المسجد معروف عند العامة بمسجد بوشقور، اسم المرابط المجاور له. وابن الشاهد اسم رنان في الأدب الجزائري، والتاريخ الثقافي. فهو من عائلة شهيرة بالعلم. آخرها محمد بن الشاهد المفتي والشاعر الذي درسناه في غير هذا المكان. وكان في بعض الوقت وكيلا لأحد المساجد، فلعل هذا هو مسجده. وقد بكى سقوط مدينة الجزائر في أيدي الفرنسيين بكاء مرا وبكى هدم المساجد. ولهذا المسجد أوقاف غير محددة. وكان يقع في شارع هيئة الأركان. وكان مسجد ابن الشاهد من أوائل ضحايا الاستعمار والصليبية. فقد قال ديفوكس إنه هدم منذ السنوات الأولى للاحتلال ودخل كله في الطريق العمومي (3).

63 -

مسجد المشدالي: لا شك أن هذا اسم لأحد وكلاء المسجد. وقد كانت أسرة المشدالي أيضا شهيرة بالعلم. وكانت شهرتها في بجاية ونواحيها. أما باني المسجد فهو رمضان باشا، ومع ذلك لم يشتهر به. ورمضان هو أحد الحكام الذين تداولوا على السلطة. وكان إمامه عند الاحتلال

(1) ديفوكس، 214.

(2)

عن أحمد بن عبد الله الزواوي انظر التاريخ الثقافي، ج 1، 2. وقد ورد اسم أحمد بن عبد الله في قصيدة ابن عمر عن القنبلة الدنماركية (1788). انظر المجلة الإفريقية، 1894، ص 325. وجاء في هذه الوثيقة أن أحمد بن عبد الله دفين قبة قرب البحر خارج باب الواد.

(3)

ديفوكس، 214.

ص: 48

أحد أفراد عائلة المشدالي، ويدعى سيدي أحمد المسدالي (كذا). ويقع المسجد في شارع سالوست. وقد عطل ثم هدم سنة 1844، بدعوى تداعيه للسقوط (1).

64 -

مسجد ابن فارس: ويذهب ديفوكس إلى أن هذا الاسم يرجع للحي، ولعله اسم لأحد الوكلاء. أما المرابط فاسمه سيدي الحربي، ولذلك يسمى به المسجد أيضا فيقال مسجد سيدي الحربي. وكان مصيره هو الهدم سنة 1842، بسبب الإهمال والتداعي للسقوط. وكانت قد بنيت على أنقاضه دار تسمى الدار الفرنسية، ثم هدمت هذه الدار أيضا من أجل بناء البيعة (المعبد) اليهودية، وفتح ساحة راندون. وهكذا فإن أرض هذا المسجد تقع في جزء منها على الأقل تحت البيعة اليهودية، حسب الوثائق. وهذا هو النموذج الثاني لهذا التصرف الغريب وتنازع أهل الأديان. وابن فارس رجل أندلسي بدأ يظهر اسمه في الوثائق منذ القرن الحادي عشر الهجري (1089)، وهو الحاج علي بن فارس الذي كان يملك دارا بهذا الحي. وكان المسجد يقع في شارع كاتون (2).

65 -

مسجد الجامع المعلق: هكذا يذكره ديفوكس، ويقول إن عمره أكثر من قرنين أي أن أول إشارة إليه كانت سنة 1036 هـ (1626 م). ومع ذلك فقد عطله الفرنسيون ثم هدموه سنة 1844، وأدمجت أرضه في إحدى الدور الفرنسية (3). وموقعه في شارع بلو (الأزرق)(4).

66 -

مسجد حوانيت سيدي عبد الله: وكان يعرف أيضا باسم المرابط سيدي شعيب، لكن العامة زمن الاحتلال تعرفه باسم الحي. وهو يقع في شارع (سيدي؟) عبد الله عندئذ. أما ما بقي من سيدي شعيب عند الاحتلال فهو

(1) ديفوكس، 215.

(2)

نفس المصدر، 216.

(3)

نفس المصدر.

(4)

نفس المصدر.

ص: 49

خلوة فقط تقع في شارع تمبكتو. ويقول ديفوكس إن هذا المسجد ما يزال يستعمل للديانة الإسلامية (1). ولكن أين هو؟

67 -

مسجد عين العطش: وهو يقع أيضا في شارع (سيدي) عبد الله. وله أوقاف، بعضها يرجع إلى 1105، سبتمبر 1693، ولم تحل سنة 1863 حتى عطل المسجد عن وظيفته، دون أن يقول ديفوكس ما إذا كان قبل ذلك بأيدي المسلمين، ثم هدم بسبب البلى والتداعي للسقوط (2).

68 -

مسجد ابن جاور علي: وهو يقع في شارع اسطاويلي. ويعرف أيضا بشارع الحاج عبد العزيز. وهو اسم حسب ديفوكس، غير معروف عند العامة عند الاحتلال، وهناك حي يدعى أيضا حومة ابن جاور علي. وقد جاء ديفوكس بمعلومات موسعة عن هذا الاسم الذي يعني الكافر (جاور أو كور)، والمقصود به علي رايس الشهير في آخر القرن الحادي عشر الهجري (3). هذا المسجد هدمه الفرنسيون سنة 1848 دون مبرر، وأخبروا أن موقعه كان في ساحة راندون التي تجاور المعبد اليهودي.

69 -

جامع سيدي مصباح: له وثائق عديدة، بعضها يشير إلى تاريخ 973 (1565). ويظهر من الاسم أنه لأحد المرابطين والأولياء. وكان يقع في شارع الجيتول. وفي 1841 حكمت سلطات الاحتلال بهدمه بسبب التداعي في دعواها، وأصبح مكانه في عهد ديفوكس واقعا في شارع سان فانسان دوبول (4).

70 -

مسجد سوق الكتان: من المساجد التي لا نعرف تاريخ بنائها

(1) ديفوكس، 217. أشرنا إلى أن ديفوكس نشر مقالاته في المجلة الإفريقية ثم جمعها في كتاب سنة 1874. وقد ذكر كلاين جامعا بهذا الاسم، له منارة.

(2)

ديفوكس، 217.

(3)

نفس المصدر، 217 - 219. هكذا جاء في هذا المصدر، ولكن لماذا يلقب علي رايس ب (جاور) بينما اسمه اسم إسلامي؟ ويدل لقبه على أنه كان من غزاة البحر.

(4)

نفس المصدر، 220.

ص: 50

بالضبط، لكن هناك ما يثبت تجديده سنة 1820 من قبل أحد الفضلاء وهو مصطفى السائجي. ومنذ الاحتلال جعلته السلطات العسكرية مستودعا للطبول التي تستعملها المليشيا. وعندما انتهت مهمتهم منه وبلى وعفى عليه الزمن والإهمال، هدموه سنة 1843 وأدخل مكانه في إحدى الدور الواقعة في شارع الباب الجديد (بورت ناف). أما أوميرا فيضيف عن هذا الجامع معلومات أخرى، فيقول إنه أصبح بعد ترك المليشيا له، (مدرسة مشتركة عربية - فرنسية)، ثم هدم سنة 1855 نتيجة إصلاح شارع لالير، وأصبح عندئذ يدعى شارع نابليون، وأن الجامع قد دخل في الطريق العمومي (1).

71 -

مسجد سيدي الهادي: ويرجح أن هذا اسم لأحد الوكلاء، وليس لولي من الأولياء. وفي الوثائق العربية يطلق عليه اسم الجامع الأعظم مما يدل على فخامته. وقد بناه مامي رايس، وهو أحد غزاة البحر المشاهير. وتوصل ديفوكس إلى أن بناءه يرجع إلى القرن العاشر الهجري (910/ 1504)، ويقول عن سيدي الهادي إنه أحد العلماء، وفي القرن الثامن عشر الميلادي (12 هـ) كان اسم سيدي الهادي معروفا في الأوساط العلمية، وقد استولت على هذا المسجد الإدارة العسكرية أيضا. وبعد أن قضت حاجتها منه، سلمته ليكون مدرسة أهلية، وهي إحدى المدارس التي كانوا يسمونها (عربية - فرنسية)، أي أن فرنسا عجزت عن بناء مدرسة تعلم فيها لغتها للجزائريين فجاءت تعلمها لهم في أحد مساجدهم بعد أن داسته أحذية عساكرها. ومهما كان فإن هذا المسجد الذي قاوم عاديات الزمن ثلاثة قرون ونصفا لم يبق لا مسجدا ولا مدرسة وإنما هدم سنة 1855، وكان يقع في شارع نابليون (2).

(1) ديفوكس، 220، وأوميرا، 186. وكذلك كلاين.

(2)

ديفوكس، 223. وذكره كلاين على أنه يقع في شارع لا لير (بوزرينة حاليا) وظهر اسم مصطفى السائجى فى قائمة أول بلدية نصها الفرنسيون سنة 1830.

ص: 51

72 -

مسجد حومة السلاوي: وقد قال ديفوكس أنه ما يزال على عهده كما كان إلى سنة 1854 حين كان يجمع مادة بحثه. ولكنه سكت عن مصيره بعد ذلك. ومفهوم كلامه أنه عطل عن وظيفته ووقع التصرف فيه. وكان يقع في شارع سنتور. وهناك إشارات إليه في الوثائق التي ترجع إلى سنة 1128 (1715)(1). ولم يرد اسم المسجد في كتابات أوميرا.

73 -

مسجد الإنكشارية الجديدة: وتسميه الوقفية مسجد رمضان باشا، وهو أحد باشوات الجزائر، وقد سبق ذكره. وكان يقع في شارع ميدي. ومعروف أن ثكنات الإنكشارية كلها قد احتلها الفرنسيون. ونعتقد أن هذا المسجد قد عبث به الجيش الفرنسي ثم هدموه، رغم أن ديفوكس لم يضف عما قلناه جديدا عنه (2).

74 -

مسجد علي باشا: وكثير من المساجد السابقة صغيرة الحجم، لكن هذا الجامع (علي باشا) تقول عنه الوثائق إنه من كبار الجوامع، وإنه للخطبة ومن الدرجة الأولى، وأن له منارة. وكان قد بنى سنة 1164 هـ على أنقاض زاوية سيدي محمد الأكحل التي تسمى أيضا زاوية أقرون. وتشير الوقفية إلى أن علي باشا قد جدده فقط عام 1172. يقول ديفوكس عن هذا المسجد الكبير إنه ما يزال في وقته بيد سلاح الهندسة كجزء من الثكنة العسكرية. وكان يقع في شارع ميدي. ولكن أين هو؟ لقد اختفى المسجد في حلقة الكاردينال لافيجري أولا ثم في قاعة المارشالات ثانيا، كما ذكر كلاين (3).

(1) ديفوكس، 223.

(2)

نفس المصدر.

(3)

نفس المصدر، 224. أما كلاين فيقول إن مسجد علي باشا بنى سنة 1750، في مكان زاوية سيدي الأكحل (بن خلوف؟)، وأن الجامع دخل في ثكنة ميدي. وفي 1870 استولى عليه الكاردينال لافيجري وحوله إلى مقر للحلقة الدراسية (سيمينار). ثم اختفى الجامع بعد أن تحول إلى (قائمة المارشالات). انظر كلاين. مرجع سابق.

ص: 52

75 -

جامع سوق البلاط: وهو جامع قديم يرجع تاريخه إلى سنة 999 (1590) ولم يذكر ديفوكس مصيره مع بداية الاحتلال، ولكنه يقول إنه هدم سنة 1850 بسبب خطره على الأمين العام. ودخلت أرضه في شارع نابليون (1). وكان يقع في شارع نمور.

76 -

جامع علي المدفع: ويسمى أيضا جامع سيدي عبدالغفار. ويرجح ديفوكس أن الاسم الأخير هو اسم لأحد الأولياء الذي نسي الناس اسمه. وله وقفية تشير إلى هذا الاسم. ومصير هذا الجامع الذي كان يقع في شارع الزرافة (الجيراف) هو الهدم منذ سنة 1838، لأنه أصبح في نظر الفرنسيين خطرا على الأمن العمومي (2).

77 -

مسجد ابن شلمون: يرجع إلى القرن الحادي عشر على الأقل (أي سنة 1057 هـ/ 1647 م) ففي هذا التاريخ كان الفقيه سيدي رمضان بن شلمون من المدرسين. ولعله كان من علماء الأندلس، لأن الصيغة توحي بذلك. وهو يقع في الباب الجديد. ويقول ديفوكس إنه ما يزال مستعملا للديانة الإسلامية (3). ويجب ألا يختلط هذا المسجد بمسجد سيدي رمضان الذي سيأتي الحديث عنه والذي بقي قائما إلى الآن.

78 -

جامع سيدي رمضان: هذا من الجوامع التي قدر لها البقاء خلال الاحتلال، صدفة أو قضية مدروسة؟ ورغم أن أوقافه قد صودرت أيضا كغيرها، فإنه ظل يؤدي الوظيفة الإسلامية، وظل له موظفون من رجال الدين، قدرهم ديفوكس خلال عهده بثلاثين موظفا. وجامع سيدي رمضان يرجع إلى عهد الممالك الإسلامية السابقة للعهد العثماني، ولكن تاريخه غير مضبوط، ولهذا الجامع منارة تشبه منارات جوامع تلمسان. ولا يتميز بطراز معماري معين، وقد وصفه الفرنسيون بأنه لا يدل على أية خصوصية،

(1) نفس المصدر، 225.

(2)

ديفوكس، 225.

(3)

نفس المصدر، 226.

ص: 53

وأنه كان مغطى بالقرمود الأحمر مثل الجامع الكبير وجامع القشاش وغيرهما من الجوامع القديمة في العاصمة. و (سيدي رمضان) اسم لأحد الأولياء المشاهير عند الناس، ولكن حياته غير مسجلة، وقال ديفوكس إن قبة الضريح كانت بائسة، وهي بداخل الجامع. وللجامع أوقاف هامة قدرت بخمسين بناية يستعمل مدخولها للصرف على الجامع وموظفيه.

وموظفو الجامع هم: الخطيب الذي يقوم بخطبة الجمعة والعيدين. ومن مهمة الخطيب عادة إلقاء الدروس العامة في الدين والأخلاق والتوحيد والتفسير. ثم إمام يقوم بالصلوات الخمس. وفي العهد الفرنسي أصبح الإمام هو الذي يلقى الخطبة أيضا، اقتصادا في النفقات. ومؤذنان عاديان لجميع الأوقات؛ أما صلاة الجمعة فلها ثلاثة مؤذنون، وستة من الحزابين أو قراء القرآن، وخمسة موظفين لقراءة كتاب (تنبيه الأنام) في المواعظ والتصوف. وقارئ واحد لصحيح البخاري، وآخر لقراءة التوحيد، بالإضافة إلى قراء احتياطيين للقرآن الكريم خلال شهر رمضان. ويذكر ديفوكس أيضا أن هناك قارئا آخر لكتاب سيدي عبد الرحمن، ولا ندري من هو ذلك القارئ ولا الكتاب المقروء، ولعله أحد كتب الشيخ عبد الرحمن الثعالبي في التصوف والأخلاق. وهناك موظفون آخرون مثل الكناس والسراج (الذي كان يوقد الشموع أو القناديل)، ومنظف المطاهر أو الميضآت، ورئيس للموظفين. وكان للاوقاف وكيل أيضا.

وتتمثل مصاريف جامع سيدي رمضان العادية في شراء لوازم الصيانة والإضاءة والفراش. وتضاف مصاريف أخرى لشهر رمضان. ومن ذلك شراء شمعتين كبيرتين في الشهر المذكور، وتسعة مكاييل من الزيت، والسكريات، والحصير، وكان الجامع يبيض مرتين في العام. وتجري عليه الإصلاحات الضرورية إذا ظهر عليه تصدع أو ضرر. ولو أن الجوامع الأخرى لقيت هذه الصيانة أو قريبا منها لما هدمها الفرنسيون بدعوى تداعيها للسقوط وخطرها على الأمن العام، فكل بناء تعرض للإهمال تظهر عليه علامات الهرم، ولكننا قد رأينا بعض المساجد قد هدمت منذ اللحظات الأولى تحت إدعاءات

ص: 54

وحجج مختلفة وأخرى بعد أربع أو ثماني سنوات فقط، ومع ذلك قيل إنها أصبحت خطرا على الأمن العام (1).

أما أوميرا فقد تحدث عن جامع سيدي رمضان بعبارات أخرى لا ندري إن كانت تصدق عليه. فقد قال إنه في شارع سيدي رمضان، وهو داخل في القصبة القديمة، وإنه فقد وظيفته الدينية منذ 1830 على إثر احتلال الجيش الفرنسي للقصبة التي كانت بيد الداي والأتراك (2). وقد ذكره أيضا كلاين وأكد المعلومات السابقة. وأضاف أن لجنة الجزائر القديمة جعلته من الآثار. وقال إنه يحتوي على ثماني عشرة عرصة بداخله في شكل صفين، وبناؤها أحدث من بناء الجامع نفسه.

79 -

مسجد قطع الرجل: هذا المسجد منسوب للحي الموجود فيه. وهو فيما يبدو حي تسكن فيه الحركة وتنقطع الرجل عن المشي. وتتبع المسجد جبانة. ويظهر أنه كان صغير الحجم. ويقع في شارع قطع الرجل، قرب جامع سيدي رمضان السابق، ويسمى أيضا المسجد الكائن بقبور أولاد السلطان. ولا شك أن لذلك قصة ترجع، حسب ديفوكس، إلى العهد السابق للعثمانيين، ومن ثمة الإشارة إلى أولاد السلطان (الحاكم) الذين قد يكونون عاشوا ودفنوا هناك. والغريب أن الفرنسيين زعموا أن هذا الجامع، الذي له أوقاف، قد أصابه الهرم قبل الاحتلال. ومع ذلك انتظروا إلى سنة 1842 لكي يهدموه (3).

(1) ديفوكس، 227 - 228. ويذهب هذا المصدر إلى أن اسم (سيدي رمضان) لصق بالجامع منذ القرن 12 هـ فقط. أما قبل ذلك فكان يدعى جامع القصبة (القديمة). ولعل ديفوكس نقل ذلك عن المعاصرين من أعيان الجزائر. انظر كذلك ألبير باللو (الفن الإسلامي في الجزائر) في المجلة الإفريقية، 1904، ص 170.

(2)

أوميرا، 185. ومن أشهر من تولى الخطبة في جامع سيدي رمضان في الفترة المتأخرة الشيخ أبو يعلى الزواوي الذي حل به حوالي 1920 وبقي فيه إلى وفاته سنة 1952.

(3)

ديفوكس، مرجع سابق، 229.

ص: 55

80 -

مسجد الشاطبي: ويسمى أيضا مسجد بير الرمانة. ولا نملك وصفا وافيا له، كأوقافه وحجمه وموظفيه. ومع ذلك قال الفرنسيون عنه ما قالوه عن سابقه، وهو أنه أصابه الهرم والبلى قبل الاحتلال، فهدموه واندثر تماما إذ أصبح ضمن إحدى الدور الفرنسية، وقد نسيه الجيل الحاضر - جيل بعد الاحتلال - كما يقول ديفوكس (1). أما الشاطبي فهو اسم لأحد وكلاء المسجد. والغالب عندنا أنه من الأندلسيين النازحين من شاطبة. وكان المسجد يقع في شارع القصبة في أوائل الاحتلال.

81 -

مسجد ابن شبانة: ويقع أيضا في شارع القصبة. وهو صغير وبدون منارة. وابن شبانة اسم لأحد وكلائه. وقد بقي تحت أيدي المسلمين إلى سنة 1843، ولكن في هذه السنة نزلت عليه مطارق وفؤوس الهدم والحقد فأصبح أثرا بعد عين. ودخل جزء منه في الطريق العمومي، والباقي منه فتحت فيه عين جارية عند شارعي القصبة وديزي (2).

82 -

مسجد سيدي عبد العزيز بونحلة: سيدي عبد العزيز اسم لولي له ضريح في المسجد، وهو مسجد صغير تحدثت عنه الوثائق خلال القرن 12 هـ، وأحيانا تصفه الوثائق بأنه المسجد الواقع في أعلى بير الجباح. ويقول الفرنسيون إن الجامع قد خرب سنة 1839 وأنه بعد هدمه أصبح مكانه مندمجا في الدار الواقعة في ملتقى شارع حنبعل وشامو (3).

83 -

مسجد ساباط العرص: وهو مسجد ترجعه الوثائق إلى سنة 1052 هـ (1632 م). وقد أصبح في العهد الأول للاحتلال يقع في شارع الدلتا. ويذكر الفرنسيون أنه بقي في أيدي المسلمين إلى سنة 1848، وعندئذ قررت سلطات الاحتلال هدمه لكونه أصبح آيلا للسقوط. ويقول ديفوكس إن مكانه ما يزال موجودا عدا جزءا منه ضم إلى الطريق العام (4).

(1) نفس المصدر، 229.

(2)

نفس المصدر، 230.

(3)

نفس المصدر.

(4)

نفس المصدر، 231.

ص: 56

84 -

مسجد سيدي ابن علي: ويدعى سيدي أحمد بن علي. وقد ذكرنا أن اسم عائلة ابن علي كان شهيرا في أسماء العلماء والشعراء خلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر الهجريين. ولكن ديفوكس يقول إن أحمد بن علي كان أحد المرابطين القدماء، ويذهب إلى أن (أحمد) هذا غير معروف للأهالي، ولا ندري من أين جاء به ديفوكس إذن. والمسجد صغير وتتبعه جبانة. وكان يقع في شارع الامبراطور (1). ويقول ديفوكس إن المسجد ما يزال في يد المسلمين. ولكننا نعرف أنه ليس من المساجد الباقية بعد ذلك، مما يدل على أنه قد هدم. ولم يتعرض له أوميرا.

85 -

مسجد الحوانيت الغربية: تصفه الوقفية بأنه يقع فوق بير الجباح، قرب كوشة الوقيد. وهو معروف أيضا باسم أحد أيمته قديما، وهو الشيخ أحمد بن داود. أما نسبته إلى الحوانيت الغربية فنسبة حديثة العهد، وهي نسبة للحي الذي يوجد فيه الجامع. وكان يقع في شارع غريبة منذ 1830، ويبدو أنه بقي في أيدي المسلمين إلى تاريخ هدمه، وهو 1853، لأن ديفوكس لم يذكر ما إذا كان قد عطل أو أعطي إلى جهة أخرى قبل ذلك. وعلى كل حال فإنه في هذا التاريخ (1853) هدم بحجة الأمن العام. وقد بيع مكانه عن طريق المزاد العلني إلى أحد المسلمين، ويقول ديفوكس إن مكان الجامع في وقته قد دخل في إحدى الدور الواقعة في شارع غريبة (قريبة)(2). ولعل هذا هو الجامع الذي تحدثت وثائق أخرى أن أحد المسلمين اشتراه وأراد بناء مسجد آخر مكانه فمنعته السلطات الفرنسية من ذلك. ومهما كان الأمر فإن ديفوكس لم يذكر ماذا فعل الرجل المسلم بأرض الجامع.

86 -

مسجد دار ابن الرقيسة: حسب الوقفية فهو مسجد مبني على أقواس أمام دار الرقيسة قرب ساباط العرص. أما وثائق التملك والشهرة فتطلق عليه اسم مسجد دار ابن الرقيسة. وكان يقع في شارع السرارخيين. وإلى سنة

(1) نفس المصدر، 231.

(2)

ديفوكس، 232. انظر لاحقا جامع الزيتونة.

ص: 57

1854 كان ما يزال في أيدي المسلمين، حسب رواية ديفوكس (1). ولا شك أن مصيره بعد ذلك كان مصير غيره من المساجد التي هدمت. ولم يشر إليه أوميرا (2).

87 -

مسجد ساباط الذهب: حددته الوقفية بأنه المسجد الواقع بمحاذاة حمام القائد موسى، قرب بير الجباح. ولكنه أصبح معروفا بمسجد ساباط الذهب الذي يعني أنه قريب من الأقواس التي يباع فيها الذهب. ويزعم ديفوكس أن هذا المسجد قد أهمله المسلمون منذ الاحتلال، فأعطى للإسعاف أثناء كارثة وباء الكوليرا سنة 1835، ثم في سنة 1842 هدم بحجة الأمن العام، وأدرجت أرضه في الدار التي تقع في شارع الأهرام (البيراميد). ويقول أوميرا إن هذا المسجد قد دخل في الطريق العمومي (3).

88 -

مسجد ابن الصديق: ترجعه الوثائق إلى القرن 12 هـ (1170 هـ/ 1756 م) حين كان يتولاه المؤذن محمد بن الصديق، فبقي اسم المؤذن (والإمام؟) علما على المسجد. أما الوثائق الأقدم من ذلك فتذكره باسم المسجد الواقع فوق حمام القصبة والملاصق لدار أحمد شلبي، وهناك من يذكره أيضا على أنه جامع سيدي يوسف. ومهما كان الأمر فإن المسجد كان يقع في شارع بلين. ويزعم ديفوكس أن المسجد بقي في أيدي المسلمين إلى 1848، ولكنهم أهملوه مدة طويلة، فهدمه الفرنسيون حرصا على الأمن العام، خلال نوفمبر 1851 (4). ولا ندري إن كان ديفوكس يجهل سبب إهمال المسلمين - إن كان ذلك صحيحا - للمسجد. إن الذي أدى إلى الإهمال واندثار المسجد هو الحرمان من الأوقاف التي كانت تصونه وحرمان الوكلاء والموظفين من حقوقهم في هذه الأوقاف. فالمسؤول عن الإهمال والهدم

(1) نفس المصدر، 232.

(2)

أثناء دراستنا لحياة الشيخ محمد العاصمي وجدنا أنه تولى الإمامة سنة 1920 في جامع بورقيسة (وليس ابن الرقيسة). فهل هناك صلة بين الجامعين؟

(3)

ديفوكس، 232، وأوميرا، 185.

(4)

ديفوكس، 233.

ص: 58

هي سلطات الاحتلال. وقد دخلت أرض الجامع في الساحة التي أقامها سلاح الهندسة العسكرية في أعلى المدينة القديمة. ولعل ذلك هو الغرض الأساسي من هدم الجامع.

89 -

مسجد حوانيت زيان: يعرف أيضا بمسجد أحمد شلبي (الجليبي)، حسب وثائق القرن 11 هـ (1095/ 1683)، ومسجد الباري، منذ القرن 12 هـ. ويذهب ديفوكس إلى أن هذا المسجد أخذ الاسم الجديد (حوانيت زيان) منذ آخر القرن 12 هـ. وكان المسجد يقع في شارع القصبة. ونفس الحجج الواهية كررت معه أيضا وهي أن المسلمين أهملوه منذ الاحتلال. فهدمه الفرنسيون سنة 1837 حرصا على الأمن العام. والمعروف أن آلاف المسلمين قد خرجوا فعلا من مدينة الجزائر نتيجة الاحتلال، ولكن كيف ينهار المسجد خلال سبع سنوات فقط؟ لقد أعطت السلطات الفرنسية أرضه إلى الجيش ليقيم عليها ثكنة. وعبارة أوميرا تختلف عن عبارة ديفوكس في هذا الشأن، فقد قال إن المسلمين أهملوا الجامع. فسلم إلى الجيش ليكون ثكنة عسكرية، سنة 1837 (1).

90 -

مسجد الداي حسين: هذا مسجد يقولون إنه كان يقع خارج القصبة، وكان مبنيا قبل عهد الداي حسين. لكن هذا الداي جدده ووسعه سنة 1233 هـ (1818). ولهذا الجامع أوقاف ترجع إلى سنة 1064 (1653)، وتشير الوقفية إلى أنه جامع صغير ويقع في مواجهة باب القصبة الجديدة، ولكن بناءه يرجع إلى ما قبل هذا التاريخ، أما الداي حسين فقد جعله جديرا باستقبال الموظفين السامين الذين ارتحلوا معه إلى القصبة بعد نقل الإدارة إليها من الجنينة. وكان من مساجد الخطبة. وأصبح له وضع جامع السيدة بالنسبة لقصر الجنينة. وهناك كتابات على الجامع تشير إلى سنة تجديده وتوسيعه على يد (صاحب الخيرات والحسنات السيد حسين باشا). وقد ألحقت بالجامع ميضآت ومطاهر وحمامات باردة. وكان قديما يسمى (مسجد

(1) ديفوكس، 233، وأوميرا، 186.

ص: 59

القصبة). وكان الداي حسين قد أضاف إليه الزليج المستورد من الخارج، وهذا فقط ما يميزه، حسب رواية ديفوكس، وله منارة مثمنة ذات نسب صغيرة، كما له بابان، أحدهما يفتح على شارع القصبة والثاني على شارع النصر (فيكتوار).

هذا المسجد احتلته السلطات العسكرية الفرنسية سنة 1830 وجعلته مرقدا للجنود. وفي 1839 أعطاه سلاح الهندسة العسكرية إلى أملاك الدولة التي سلمته في نفس اليوم إلى إدارة الشؤون الداخلية (المدنية). فقامت هذه بمنحه لقمة سائغة إلى الديانة الكاثوليكية. ومنذ ذلك الوقت أصبح يحمل اسم كنيسة (سانت - كروا) أو الصليب المقدس. ولا ندري هل ذلك كان انتقاما من المسلمين أو من حسين باشا؟ وقد أكد أوميرا وكلاين هذا المآل للجامع. وأضاف الأخير بأن المحكمة التي كانت بجوار الجامع قد ضمت إلى الكنيسة أيضا (1).

91 -

مسجد القصبة الداخلي: هذا مسجد آخر قديم ولكن الداي حسين جدده ووسعه أيضا سنة 1819/ 1234. وكان يقع داخل القصبة خلافا للمسجد السابق. ويصفه ديفوكس بأنه كان كبيرا ومكشوفا وبسيطا، وكان قديما جامع خطبة للإنكشارية المكلفين بحماية وحراسة القلعة قبل انتقال الباشوات إلى أعلى القصبة. والداخل إلى الثكنة العسكرية التي استولى عليها الفرنسيون ووضعوا فيها المدفعية، يرى أمامه مسجدا جميل المنظر كبير الحجم تعلوه قبة مزخرفة من الداخل بعرصات مرمرية جميلة متقاربة وعالية، وهي في نسبها وفي مواقعها تسر الناظرين. ولكن المرء يشاهد بداخل المسجد صفوفا من الأسرة للجنود مما يفسد رشاقة منظر المحراب. هذه هي نهاية المسجد الذي يستحق، حسب ديفوكس، مصيرا أفضل. ومعنى هذا أن الفرنسيين اتخذوا المسجد المذكور مراقد لجنودهم وبيتا يعبثون فيه ويعربدون.

(1) ديفوكس، 235، وأوميرا 186. كان الفرنسيون يكررون عند الحملة على أنهم سينتقمون من الداي فقط ثم يرجعون إلى بلادهم. انظر التعليق حول جامع القصبة، لاحقا.

ص: 60

إن هذا المسجد الذي بناه الداي حسين ليكون جامع خطبة الجمعة، كان يكتسب أهمية خاصة على توالي الأيام باعتباره قريبا من مقر إقامة الباشوات. وتشهد الكتابات التي وجدت فيه على ذلك (ثلاثة أبيات شعرية تقليدية تؤرخه وتذكر اسم بانيه وتدعو له الخ). وبداخل الجامع مقصورات خاصة بالداي وعائلته وأصدقائه، تؤدى فيها الصلاة. ويفهم من وصف ديفوكس أن مصير هذا الجامع أو التحفة العمرانية هو وضع السلطات العسكرية يدها عليه، ولكن ديفوكس لم يقل صراحة كيف تم تحويل هذا الجامع عن غرضه. فاكتفى أوميرا بقوله إن الجامع كان دائما ضمن الشقق الخاصة بالداي وعائلته وأقاربه (1).

ويبدو أن جامع القصبة قد بقي في أيدي العسكريين. ففي سنة 1904 كتب ألبير باللو يقول إن أحد مسجدي القصبة ما يزال مخزنا لملابس الجنود (2).

92 -

مسجد سيدي بوقدور: مسجد صغير كان يستعمل لتحفيظ القرآن الكريم. وكان يضم قبر الولي بوقدور، بدون رايات ولا زخارف. وأصل التسمية ترجع حسب أسطورة شعبية إلى عهد حملة شارل الخامس ضد الجزائر سنة 1541. ففي هذه السنة قاد شارل الخامس (شارلكان) أسطولا عظيما، ثم قامت عاصفة هوجاء حطمت معظم الأسطول (3). وكاد

(1) ديفوكس، 235 - 236، وأوميرا، 185.

(2)

البير باللو (الفن الإسلامي في الجزائر) في المجلة الإفريقية، 1904، ص 170 - 175. وهو يقول إن منارتي مسجدي القصبة (مسجد الداي حسين ومسجد القصبة الداخلي) في شكل مثمن، مثل منارة جامع كتشاوة وجامع علي بتشين (كلاهما تحول إلى كنيسة).

(3)

عن حملة شارلكان ضد الجزائر انظر أحمد توفيق المدني (حرب الثلاثمائة سنة بين الجزائر وإسبانيا)، ط. 2، انظر أيضا كتابنا هذا ج 1. وتدخل حملته في الصراع بين الدولة العثمانية والدولة الإسبانية. وهي من الوقائع التاريخية التي لم يقدرها الجزائريون والمسلمون عموما حق قدرها إلى الآن. انظر أيضا كتاب جون وولف (الجزائر وأوروبا) من ترجمتنا. الجزائر، 1986.

ص: 61

الأمبراطور أن يغرق أمام مدينة الجزائر. وبوقدور هو أحد الأولياء الأربعة الذين أنقذوا الجزائر بإثارة العاصفة حسب الأسطورة، وأما الأولياء الآخرون فهم: ولي دادة، وأبو التقى (سيدي بتقا) وسيدي يوسف الزنجي. ويقول ديفوكس إن مسجد سيدي بوقدور (المكتب) ما يزال بأيدي المسلمين في عهده. وأنه يقع في شارع كليبر (1).

93 -

جامع سفير: هذا من المساجد التي تحدثنا عن أصلها في الجزء الأول من هذا الكتاب، وقلنا إن أصله يرجع إلى إحسان عبد الله صفر، الذي أعتقه خير الدين باشا (بربروس)، وأن الاسم تحول شعبيا، من صفر إلى سفير، وأن تاريخ تأسيسه يرجع إلى سنة 940 (1534). ولكن ديفوكس وأمثاله يقولون إن الجامع كان تفضلا وكرما من عبد كان مسيحيا واعتنق الإسلام وسمي بالقائد صفر بن عبد الله. وإن هذا الرجل قد درس الإسلام وأتقن اللغة العربية، وكان من حفظة القرآن الكريم.

والذي يعنينا اليوم هو أن هذا من الجوامع التي أبقاها الاحتلال تحت اسم (جامع سفير) ربما لرائحة المسيحية في أصله، كما زعموا. وسيرد اسم الجامع لاصقا ببعض أسماء رجال الدين الذين توظفوا فيه أثناء الاحتلال مثل الشيخ محمد بن مصطفى خوجة المعروف بالكمال. وقد قام الداي حسين أيضا تجديده وتوسيعه سنة 1826 (2). وكان يقع في شارع كليبر، الذي لا يتناسب مع اسم الجامع ولا تاريخ صاحبه في الجهاد. ويقول ديفوكس إن

(1) ديفوكس، 240. وولي دادة هو الذي تنسب إليه الأسطورة الدور الرئيسي في إثارة العاصفة ضد أسطول شارلكان. وكانت له أوقاف ضخمة وزاوية هامة، وكان حيا زمن الحملة، وكان يتمتع بسر خاص لدى الجنود المتوجهين للجهاد والغزو. وكان ضريحه يقع قرب دار القنصلية الفرنسية. انظر فصل الزوايا. وكذلك كلاين، ص 160.

(2)

يقول كلاين إن الذي جدده هو الداي بابا حسن سنة 1791 قبل الداي حسين باشا. كلاين ص 155. ويذكر أن إمام جامع سفير في وقته (1914 - 1937) هو الشيخ القميشى (؟).

ص: 62

هذا الجامع لا يعتبر من أجمل المساجد بالعاصمة، رغم رشاقة الإضافة التي أضافها الداي حسين. ويقوم الجامع على ثماني عرصات نصفها من المرمر والنصف الآخر من الحجر. وهي عرصات منخفضة ومدورة وفخمة الشكل، وتقوم على هذه العرصات قبة ضخمة متينة. والمحراب مغطى بالزليج الأبيض والأزرق وكذلك إطارات النوافذ. وكنا قد تحدثنا عن أوقاف هذا الجامع في غير هذا. ولكن تلك الأوقاف كلها صودرت من السلطات الفرنسية كما ذكرنا. ويذهب ديفوكس إلى أن اسم (القائد صفر) بقي لاصقا بالجامع إلى القرن 13 هـ. ومنذ هذا التاريخ لم تعد لفظة (قائد) مستعملة، كما وقع منذئذ تحريف (صفر) إلى (سفير) - ربما نتيجة التأثر بالنطق الفرنسي -. وهناك وثائق تدل على تجديد الداي حسين بناء هذا الجامع في السنة المذكورة، وتصف (حسين باشا بالمجاهد). وللجامع منارة مثمنة الشكل وغير عالية (1).

94 -

مسجد عبد الرحيم: وهذا مسجد ترجع وثائق تأسيسه إلى القرن 11 هـ (1089/ 1678) وتذكر أن مؤسسه هو السيد مصطفى بن محمد الأندلسي المعروف بابن كرونبة. وكان ذلك فوق الحمامات بقرب ضريح الولي سيدي محمد الشريف. وكان يقع في شارع دامغريفيل. وكان معروفا أيضا باسم جامع الحمامات، وجامع عبد الرحيم. ويبدو أن الاسم الأخير كان لأحد وكلائه. وكان مصير هذا المسجد هو الهدم بحجة الأمن العام كأنه في نظرهم قد آل للسقوط، وذلك في نوفمبر 1850. ولا ندري هل بقي بين 1830 - 1850 في أيدي المسلمين أو في أيدي مصالح فرنسية. وقد دخل جزء من أرضه في الطريق العمومي والباقي بيع، وأصبح جزءا من إحدى الدور الواقعة في نفس الشارع (2). وقد جرت العادة أن الجامع إما أن يجدد ويصان وإما أن يبنى مكانه مسجد آخر أصح منه وأوسع وأجمل. ولكن الفرنسيين لم يأتوا من أجل ذلك.

(1) ديفوكس، 245 - 246.

(2)

نفس المصدر، 246.

ص: 63

95 -

مسجد الحمامات: وهو غير المسجد المذكور قبله. وقد اكتسب هذه التسمية لموقعه في الحي الذي يطلق عليه حي الحمامات. ويقع في شارع الباب الجديد. وكان ما يزال في عهد ديفوكس بأيدي المسلمين، كما قال (1)، ولكن مصيره بعد ذلك بقي مجهولا. والظاهر أنه هدم. ولم يذكر صاحب هذا المصدر هل اختلفت عليه الأيدي، وما مقدار أوقافه الخ.

96 -

مسجد عين الشاه حسين: وكان يقع أيضا في الباب الجديد. ورغم صغر حجمه فقد كانت له منارة مذببة. وكان يأخذ اسمه من العين الجارية القريبة منه والمسماة عين الشاه حسين، ويرى ديفوكس أن لفظ (الشاه) هنا هو تحريف للفظ (الشيخ) وليس من كلمة (الشاه) الفارسية. ولكن لا دليل على هذا التحول. فما يمنع أن يكون أحدهم يحمل هذا اللقب (الشاه) السلطاني. ومع ذلك فإن التحريف جائز. أما تاريخ بناء المسجد فيرجع إلى القرن العاشر الهجري. في عهد الاحتلال عطل المسجد عن وظيفته، وبيعت أرضه سنة 1844 بدعوى الإهمال، ودخل مكانه في إحدى الدور التي بنيت على أنقاضه في شارع الباب الجديد. ولا يصف ديفوكس أوقافه وحالته قبل 1844 (2).

97 -

مسجد الزيتونة: مصير هذا الجامع غريب رغم جمال اسمه. وهو يقع في شارع الباب الجديد أيضا. وله أوقاف تقول إنه مسجد سيدي إبراهيم التكروني تحت الباب الجديد. وهو معروف باسم جامع الزيتونة. ويرجع اسم سيدي إبراهيم التكروني إلى القرن 11 هـ (1055/ 1645). وهو يذكر أحيانا باسم إبراهيم التكرور. وقد نسي الناس اسم هذا الولي (السوداني؟) واحتفظوا للجامع باسم الزيتونة. وقاوم هذا الجامع الحرمان من الأوقاف والصيانة إلى سنة 1851 حين رأت السلطات الفرنسية خلال شهر فبراير أن تعمل فيه المطرقة والفأس أيضا بحجة الأمن العام. وبعد أن تعرت أرضه

(1) نفس المصدر، 247.

(2)

ديفوكس، 248.

ص: 64

بيعت في المزاد العلني خلال مايو 1852، فاشتراه أحد الغيورين، وهو السيد حمود بن الحاج محمد بأربعمائة فرنك. ونوى إعادة بنائه مسجدا، ولكن وسائله المادية لم تكن، كما يقول ديفوكس، في مستوى نيته الخيرة. ولا ندري لماذا لم يعط الجامع للمسلمين من قبل هدمه. وقد أضاف ديفوكس أن مكان جامع الزيتونة ظل أرضا عارية سائبة (1). ولا ندري مصيره، ولا نذكر أن أوميرا الذي كتب في نهاية القرن قد أشار إليه، مما يدل ربما على زواله.

98 -

مسجد الباب الجديد: هذا المسجد كان معتمداد على حصن أو قلعة الباب الجديد. وهو يقع في شارع الباب الجديد، الذي أعطاه اسمه. وقد ظل فترة طويلة مقرا لفرقة الحرس الفرنسية. ولا ندري كم هي المدة التي بقيها كذلك، لأن عبارة ديفوكس لا تجيب على سبب اختفاء (هدم؟) المسجد. وقد اكتفى ديفوكس بعبارة غامضة جدار وهي أن المسجد كان عليه أن يختفي (!) مع التحصينات التركية القديمة التي هدمها الفرنسيون، دون إعطاء تاريخ لهذا الاختفاء. ونفس التعبير استعمله أيضا أوميرا في وصف مآل الجامع (2).

99 -

مسجد قلاق عبدي: وكان يقع في شارع النصر (فيكتوار). والتسمية أعلاه جاءت في الوقفية الخاصة به، ومع ذلك لم يعد الناس يذكرون (قلاق عبدي) سنة 1830. كان هذا المسجد يستعمل (مكتبا) قرآنية أو مدرسة لتحفيظ القرآن. ولكن الفرنسيين أزالوه من الوجود في تاريخ غير محدد، وحين ذكره ديفوكس قال إن هدمه قد وقع (منذ أمد طويل)، دون ذكر السبب، كما جرت العادة. وأخبر أن مكانه قد دخل في الطريق العمومي (3).

100 -

مسجد كوشة الوقيد: هذ مسجد آخر يحوط الغموض بمصيره،

(1) نفس المصدر، 248. انظر سابقا، جامع الحوانيت الغربية.

(2)

ديفوكس، 249، وأوميرا، 185.

(3)

ديفوكس، 249.

ص: 65

إذ ترجعه الوثائق إلى القرن الحادي عشر (1068/ 1657). وكانت إلى جانبه مدرسة تشير إليها الوقفية أيضا. ويذهب ديفوكس إلى أن هذا المسجد قد سقط من البلى قبل الاحتلال. ويفهم من كلامه أن الفرنسيين هم الذين أزالوه من الوجود. وقد دخلت أرضه وأرض المدرسة في الساحة التي أقامها الجيش الفرنسي في أعلى المدية القديمة (1). وكان يقع في شارع كوندور.

101 -

مسجد حوانيت ابن رابحة: ويسمى أيضا مسجد التفاحي، وهذا اسم قد يكون لأحد الوكلاء. وأما اسم ابن رابحة فهو اسم الحي، واللفظ الشعبي هو برابحة (بتشديد الراء). ويذهب ديفوكس إلى أن المسجد قد آل للسقوط قبل 1830، ومع ذلك بقي إلى 1842 حين هدمه الفرنسيون. وتصفه الوقفية بأنه كان يقع على أقواس (ساباط) القائد قاسم. وكان يقع في شارع البحر الأحمر (2).

102 -

مسجد سيدي عبد الرحمن المرايشي: وإذا كانت بعض المساجد قد هرمت قبل الاحتلال، كما يذهب بعض الفرنسيين، فماذا نقول في هذا المسجد الذي يحمل اسم أحد الأولياء، وهو سيدي المرايشي؟ إن قبر هذا الولي كان بالمسجد. وقد حكمت عليه السلطات الفرنسية بالهدم بحجة الأمن العام، سنة 1849. وضمت أرضه إلى أرض دار واقعة في شارع ميدي (3).

103 -

مسجد زنقة بوعكاشة: ويسمى أخبار مسجد البيلو، الذي يرجح ديفوكس أنه أحد الوكلاء الأندلسيين. وكان لهذا المسجد منارة، وله أوقاف. ويبدو أن اسم الوكيل قد نسي وبقي اسم الحي (أبو عكاشة)، ولماذا لا يكون أبو عكاشة اسما لأحد الوكلاء أيضا؟ وكان المسجد يقع في شارع غرناظة. وقد حكمت السلطات الفرنسية على هذا المسجد بالهدم أيضا بحجة الأمن

(1) نفس المصدر، 250.

(2)

ديفوكس، 250.

(3)

نفس المصدر، 251.

ص: 66

العام، في أفريل 1855، أي أنه بقي ربع قرن بعد الاحتلال، ومع ذلك لم يقل ديفوكس ماذا فعلت به السلطات قبل ذلك. ولكنه قال إن أحد المسلمين اشترى مكان المسجد في نفس هذه السنة (22 سبتمبر، 1855) وأن موقعه قد دخل في إحدى الدور الواقعة في شارع غرناطة المذكور (1). فهل بنى المسلم داره على أرض الجامع؟ أو أنه باعها، كما يذكر أوميرا في إحدى مقالاته؟ الجواب الشافي غير معروف.

104 -

مسجد سيدي الجامي: بناية تضم المسجد والضريح، والقبة، وهي عبارة عن زاوية. ونكتفي هنا بذكر المسجد لأن الوقفية تحدثت عنه. وكان يقع في باب الواد. وينطق أحيانا سيدي الجامع. وكانت له أوقاف مهمة منها سبعة عشر حانوتا، وخمسة منازل، وغرفة، ورحى وأرض ريفية. وكان له وكيل يقوم مقام الإمام والمؤذن أيضا. وآخر وكلائه هو علي بن رمضان، الذي سمي سنة 1835. ويقول ديفوكس إن معظم أملاك هذا المسجد قد هدمت، بدون توضيح.

ومنذ الاحتلال عطلت هذه البناية عن غرضها الديني، فاحتلها الدرك مدة طويلة، ثم سلمت إلى أملاك الدولة في غشت 1850. فأعطتها بدورها إلى جمعية مسيحية تعرف (بالترابيست). وفي عهد ديفوكس كانت هذه الجمعية ما تزال تحتل المسجد، وقد أطلقوا عليه اسم (اسطاويلي الصغيرة). وكان المسجد يقع عند المدخل السفلي للحديقة المعروفة باسم مرنقو على يمين الصاعد إلى القصبة (2).

105 -

مسجد الشيخ عبد الرحمن الثعالبي: اشتهر الشيخ عبد الرحمن الثعالبي (ت 873) بزاويته أكثر من مسجده. ومع ذلك فقد كان المسجد على

(1) نفس المصدر، 251. انظر سابقا جامع الحوانيت الغربية ومسجد الزيتونة.

(2)

ديفوكس، 20. وحديقة مرنقو هي التي تضم مسجد وضريح وجبانة سيدي عبد الرحمن الثعالبي. وأضاف كلاين أن الآغا يحيى قد دفن قرب هذا المسجد، وهو الآغا الذي سبق الآغا إبراهيم الذي هزم في معركة اسطاويلي سنة، 1830.

ص: 67

على درجة هامة. وحياة الشيخ معروفة وقد درسناها في غير هذا. ويقول أوغسطين بيرك إن بناء المسجد يرجع إلى الداي الحاج محمد (أحمد) العلج سنة 1696، ويرجح أن هذا الداي قد أعاد البناء فقط أي جدده، وهو تقليد كان جاريا. ولاحظ بيرك أن بالمسجد آثارا من العهد السعدي في المغرب الأقصى وأن هناك عرصة واردة من فاس أو من مراكش. وللمسجد منارة ومحراب مزخرفتان بالفسيفساء الفارسية، وتوابع أخرى. أما القبة فمثمنة. ومنارته مربعة ومزينة بالزليج أيضا (1).

وقبل هذا كان الشيخ الثعالبي الذي اشتهر بالعلم والتصوف السني والجهاد في سبيل الدين بالمعنى السلفي للكلمة، يعيش في منزل أو خلوة بشارع شارت charte رقم 2 في البداية ئم أخذت رقمي 54 و 60. وهذه الخلوة قد هدمها الفرنسيون ودخلت في ما اسموه (فندق الإدارة العامة). وكان بقرب الخلوة التي قضى فيها الشيخ حياته متعبدا ومؤلفا وواعظا، مسجد صغير يحمل اسم الشيخ أيضا، وهو رقم 29 فيما ذكرنا من المساجد. وكما لاحظ بيرك فإن بناية الشيخ الثعالبي الحالية ترجع إلى 1696 حين بناها أو جددها الداي الحاج أحمد عطشى، وقد ألصق به الفرنسيون لقبين وهما العلج والطباخ (عطشى)، لكي يؤكدوا من اللقب الأول (العلج) على مسيحيته الأصلية قبل اعتناق الإسلام، ويؤكدوا من اللقب الثاني (عطشى) على الحط من قيمته باعتباره كان طباخا ثم وصل إلى سدة الحكم.

وكانت مساحة مسجد الثعالبي وتوابعه كبيرة بلغت 1، 400 متر. وكان المسجد حسب ديفوكس من الدرجة الثانية، وله منارة صغيرة وجميلة، ثم وصفها بما وصفها به بيرك سابقا. ولاحظ أن القبة مزينة من الداخل وهي من الحجم الفخم. والقبة تضم عددا، من الأضرحة، ومنها ضريح الشيخ الثعالبي نفسه المغطى بتابوت عليه أعلام وخرق ورموز، بالإضافة إلى ملحقات من الغرف والبنايات لاستعمال الوكيل ومن معه من الموظفين. وهناك أيضا قاعة

(1) بيرك، مرجع سابق، 98. وكذلك باللو (المجلة الإفريقية)، 1904، ص 170.

ص: 68

للعجزة، وجبانة خاصة. ويتبع ذلك أيضا ميضآت ومطاهر عامة.

كانت أوقاف الثعالبي تكون من أحد عشر عقارا عند تأسيس الوقفية. لكن في سنة 1834 كانت الوقفية تتكون من 69 ملكية يبلغ دخلها ستة آلاف فرنك. وهو مبلغ كبير بالنسبة للأوقاف الأخرى. ولاحظ ديفوكس أن هناك ثلاث عشرة ملكية أخرى كانت غير منتجة إما لعدم صلاحيتها وإما لهدمها من قبل الفرنسيين. وكانت مداخيل المسجد وتوابعه قد ازدادت نتيجة الصدقات والتبرعات التي كان يتقدم بها المحسنون. وهناك موظفون يترأسهم (شيخ الحضرة) الذي يشرف على جلسة للذكر والدعاء والقراءة على روح الشيخ، رغم أن ذلك لا يعني انتسابها لأحدى الطرق الصوفية. وقد صادرت السلطات الفرنسية أوقاف الشيخ الثعالبي أيضا في آخر سنة 1848 (1)، فضاق الحال بالوكيل حتى اشتكى إلى السلطات الفرنسية، لكن بدون جدوى (2).

بعد المساجد الواقعة في العاصمة القديمة، ذكر ديفوكس المساجد والأضرحة الواقعة في الفحوص أو الضواحي مثل بوزريعة والقبة، وبئر الخادم، وبئر مراد رايس والزحاولة (السحاولة؟) والقادوس وسيدي فرج، وتقصرين، والحامة. ولكن معظم ما ذكره في هذه الأماكن كان من الأضرحة، كما سنذكره في مكانه، أما المساجد فقليلة، ومعظم هذه المساجد مذكور فقط بالاسم، وليس هناك تفاصيل عن تاريخ بنائها وأوقافها

(1) ديفوكس، 37 - 43. من أشهر الذين تولوا الإشراف على ضريح الشيخ الثعالبي هو الشيخ علي بن الحاج موسى، أحد العلماء الذين تولوا عدة وظائف للفرنسيين ثم استقروا على السهر على الضريح والمسجد والتأليف. انظر فصل السلك الديني.

(2)

بلقاسم بن سديرة (كتاب الرسائل)، الجزائر 1896، ص 283. رسالة من وكيل جامع الثعالبي سنعرض إليها في الأوقاف. انظر لاحقا زاوية الشيخ الثعالبي. ولم يخف كلاين معلومات هامة عن جامع الثعالبي. ومما قاله إنه يضم مدافن بعض العلماء والأعيان، مثل المفتي ابن زاكور، وأحمد بوقندورة، وبعض الدايات والبايات. وقال إن إمام الجامع الحالي (؟) هو الشيخ أمين قدور.

ص: 69

وتبادل الأيدي عليها ووكلائها، ونحو ذلك. ولنشر أيضا إلى أن ديفوكس جعل هذه الأماكن الإسلامية - مساجد وأضرحة وزوايا - في شكل ذيل لكتابه فقط. ولم تكن من مهامه الرئيسية. والملاحظ أن يد الهدم قد مست عندئذ البنايات الواقعة في العاصمة بالخصوص. وهذه هي مساجد الفحوص عندئذ:

106 -

مسجد بئر مراد رايس: هذا المسجد يرجع إلى عهد الداي عبدي باشا (الذي سبق ذكره وذكر مسجده رقم 22)، وكان ذلك في بداية ريع الأول سنة 1137 (1724) حسب وقفية للقاضي الحنفي بذلك التاريخ. والمسجد يحمل اسم الحي (بئر مراد رايس)، وكان مراد رايس هو الذي حفر البئر المسمى عليه الجامع (1). وقد ذكر كلاين أن هذا المسجد قد سكنه الجنود الفرنسيون.

107 -

مسجد بئر الخادم: وثائق سنة 1124 هـ (1711 م) تتحدث عن بئر الخادم، كحي من الأحياء، لكن الجامع المنسوب لهذا الحي لم يذكر عنه ديفوكس أي تفصيل، كما أشرنا (2). ولا نعرف من بناه، لكننا نعرف أن بئر الخادم كانت تقع على وادي تيكلوت، وأنها اليوم ضاحية بجنوب شرق العاصمة. ولم يضف كلاين جديدا بشأنه.

108 -

مسجد الزحاولة: والزحاولة نسبيا، بعيدة عن العاصمة في القديم، ومع ذلك اعتبرها ديفوكس من الفحوص. وقال إن مسجدها، الذي لم يقدم حوله أي وصف أو معلومات، قد بناه أحد الضباط العثمانيين باسم يوسف بولكباشي، سنة 1799 (3).

(1) ديفوكس، 254. ومما يذكر أن مراد رايس أصله من الفلامان وأنه اعتنق الإسلام، وعاش خلال القرن 17 م ووصلت سفنه الجهادية أعالي البحار، ثم إلى إيسلاندا سنة 1616. انظر عنه أيضا كتابنا هذا ج 1. وقد ترجمنا بحثا كتبه المستشرق بيرنارد لويس عن الجزائريين في جزيرة إيسلاندا. ولم ننشره حتى الآن، وكان مراد رايس قد احتل جزر الكناري عدة شهور ثم انسحب منها.

(2)

نفس المصدر، 254.

(3)

نفس المصدر، 254. انظر أيضا دراسة سعيدوني المشار إليها في أول هذا الفصل.

ص: 70