الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يجدوا إلا 63،000 فرنك وزعت على الفقراء، أما الباقي فقد اختفى (1).
القرارات وتنفيذها
وقد حان الوقت لذكر القرار الشهير الذي اتخذه كلوزيل في سبتمبر 1830، ثم أجل تنفيذه إلى 7 ديسمبر 1830 (2). وقد أشرنا إلى أن القرار ينص على مصادرة الأملاك الدينية مهما كان نوعها -عامة وخاصة- ووضعها في يد مصلحة أملاك الدولة الفرنسية أو (الدومين). ويشمل ذلك أوقاف مكة والمدينة والمساجد والأندلس وسبل الخيرات وغيرها. وكان يحتوي على ثماني مواد، جاء في الأولى منها: كل المنازل والمتاجر والدكاكين والبساتين والأراضي والمحلات، وأية مؤسسة، مهما كانت، لها ريع، مهما كان عنوانه، موجهة إلى مكة والمدينة، أو المساجد، أو أية جهات محددة، ستكون مستقبلا تحت إدارة الدومين، وهي التي تؤجرها، وهي التي ستحصل منها على المداخيل وتقدم عنها الحساب إلى من يهمه الأمر.
ومما جاء في المادة الرابعة من هذا القرار أنه خلال ثلاثة أيام سيضع المفتون والقضاة والعلماء وغيرهم، وهم المقترحون إلى الآن، لتسيير المؤسسات المذكورة، سيضعون لدى إدارة الدومين الأسماء وعقود الملكية والأزقة (جمع زمام) والسجلات والوثائق التي تهم تسييرها، وكذلك قائمة اسمية بالمحلات، وعليهم أن يكتبوا عليها أيضا مبالغ الإيجار السنوي لها ومدة آخر دفع مستحق.
وقد تضمنت المادة السابعة منه ما يلي: إن كل شخص يكشف للحكومة عن وجود بناية غير مصرح بها سيكون له الحق في نصف الغرامة
(1) سجل (طابلو) سنة 1839، 156.
(2)
نص هذا القرار موجود بحذافيره في ديفوكس، 44 - 45 وفي أوميرا، (المكتب الخيري) 194، وغيرهما.
التي ستفرض على المتسترين.
وجاء في المادة الخامسة من قرار كلوزيل المذكور أن على مسيري الأملاك الدينية العمومية أن يقدموا كل شهر عرضا أو كشفا إلى مصلحة أملاك الدولة، يتضمن مصاريف الصيانة والخدمات الخاصة بالمساجد وأعمال الإحسان وغيرها من المصاريف التي كانت في العادة تؤخذ كمعونة من مداخيل هذه الأملاك. وهذا لا ينطبق على أوقاف المساجد والزوايا ونحوها. وقد تخلصت مصلحة أملاك الدولة أو بالأحرى السلطات الفرنسية بذلك من مسؤولية التعليم والمدارس الإسلامية ومن شؤون الديانة أو توظيف رجال الدين، ومن المساعدات العامة للفقراء. فقد بقيت هذه الأمور جميعا في نظرها، في مسؤولية الوكلاء على المساجد. وبعد اختفاء الوكلاء تولاها (أي إدارة المساجد
…
) المتصرفون المدنيون أو مدراء الداخلية. وهكذا كانت مصلحة أملاك الدولة في السنوات الأولى (إلى 1848) تتولى فقط مصاريف المساعدات العامة المستخرجة من أملاك مكة والمدينة، وهي لا تتضمن سوى مراقبة بسيطة، تقوم بها بمعونة بعض الموظفين المسلمين (الجزائريين) من خارج مدراء أملاك مكة والمدينة. وكان بعض هؤلاء الموظفين المسلمين موظفين أيضا في الإدارة المدنية الفرنسية، مثل الحاج مصطفى بوضربة، الذي تولى سنة 1832 أوقاف مكة والمدينة (1).
(1) أوميرا، (المكتب الخيري)، 194. والحاج مصطفى بوضربة هو عم أحمد بوضربة التاجر والمفاوض المشهور زمن الحملة. وتذكر المصادر الفرنسية أن الحاج مصطفى بوضربة بقي وكيلا لأوقاف مكة والمدينة تحت الإدارة الفرنسية إلى سنة 1836 حين جاء اقتراح من وزير الحربية بتغييره وتعيين حفيز (حفيظ) خوجة بدله. وكان حفيز هذا أيضا موظفا بإدارة الأوقاف، وقد انتقد إدارة زميله وأثبت للفرنسيين عدم دقة حساباته والفوضى التي كانت تتخبط فيها إدارته، واقترح عليهم تخفيض راتب الوكيل إلى 3000 فرنك فقط، وهو نصف الراتب الذي كان يتقاضاه الحاج مصطفى بوضربة. وكان الفرنسيون يضربون الجزائريين بعضهم ببعض في هذا المجال وفي غيره. فوجدوا في حفيز الشخص المناسب لهم. ويبدو أن عزل الحاج مصطفى بوضربة كان له علاقة ابن أخيه، أحمد، الذي انضم للأمير عبد القادر. ومهما كان =
إننا اكتفينا بهذه المواد الأربع من الثمانية، وهي الأساسية في نظرنا، لأن الأولى تحدد أنواع الوقف المصادر، وتصفه، والسابعة تسمى الأشخاص المسؤولين عنه، والثالثة تخبر عن مكافأة الواشين ضد المتسترين، ومن ثمة العقوبة والجزاء، أما الخامسة فتنص على تقديم الحسابات. وهذا هو أسلوب كلوزيل الذي استفتح به فترة الاحتلال، فهو أسلوب التهديد والوعيد ومكافأة الواشين على المتسترين، وغير ذلك من وسائل الضغط والإرهاب المادي والمعنوي.
لكن هذا القرار على صرامة لهجته لم ينفذ كله. فأمام الاحتجاجات من الوكلاء وعلماء المساجد، طبق منه ما يتعلق بالمباني العامة (مكة والمدينة
…
) وأجل منه ما يتعلق بالمساجد ونحوها مما يسمى بالأملاك الخاصة. ومع ذلك فقد وضعت الإدارة يدها بمقتضاه على كل شيء في الأملاك الدينية سواء كانت خاصة أو عامة. فمن جهة نفذت الإدارة عملية المصادرة ولم يقع بشأنها أي تراجع. ومن جهة أخرى وضعت الوكلاء تحت الرقابة الإدارية الضيقة، وأصبحوا مطالبين بتقديم الحسابات والحصول على الرخص في كل ما له علاقة بالصرف. ولذلك فنحن لا نوافق من يذهب إلى أن القرار قد (بقي حبرا على ورق)(1)، بخصوص المساجد، إلا إذا كنا نتوقع أن يتصرف الفرنسيون في المساجد مباشرة منذ الوهلة الأولى. فقد زعم صاحب هذا الرأي أن الحكومة ترددت أمام العراقيل وأمام ضغط السكان والوكلاء الذين لهم مصالح مادية في استمرار الأوقاف خارج أملاك الدولة الفرنسية، كما زعم أن الوكلاء كانوا يتحايلون، ولم تتخذ الإدارة الفرنسية قرارها النهائي بشأن المساجد والزوايا ونحوها إلا سنة 1843 ثم أكدته بقرار
= الأمر فإن الحاج مصطفى قد انتهى به الحال في طنجة حيث هاجر وتوفي. انظر أرشيف إكس I. H 1 وقد ضاعت منا أوراق كثيرة كنا جمعناها عن عائلة بوضربة لكتابة بحث منفصل عن أحمد بالخصوص، وذلك في المحفظة التي ضاعت منا سنة 1988.
(1)
هذا رأي ديفوكس، 46.
1848 (1).
وبناء على ذلك استمرت إدارة أملاك الدولة تشرف مباشرة على أوقاف مكة والمدينة والأندلس وسبل الخيرات وبيت المال وحتى وقف الثعالبي، بينما تركت الوكلاء مؤقتا يؤدون خدمتهم في المساجد والزوايا والقباب والجبانات. ومعنى هذا أنها كانت تشرف على ما كان دخله عاما وسهل الإدارة (وكيل واحد في دور الموظف على كل مؤسسة مما ذكرناه في الأوقاف العامة، فالجملة حوالي خمسة وكلاء فقط) وبذلك تحصلت الإدارة على أموال غزيرة بطريقة سهلة في ظرف قصير. ففي سنة 1838 - 1839 كان دخل الأوقاف العامة ما يلي (لاحظ الزيادات، وهي بفرنكات الوقت، باستثناء أوقاف الثعالبي، ولاحظ أيضا الزيادة الكبيرة في مداخيل أوقاف بيت المال):
المؤسسة (2)
…
1838
…
1839
1 -
أوقاف مكة والمدينة
…
127، 895، 65
…
131، 941، 13
2 -
أوقاف سبل الخيرات
…
13، 989، 25
…
14، 368، 41
3 -
أوقاف الأندلس
…
4، 093، 54
…
4، 963،98
4 -
أوقاف بيت المال
…
6، 025، 49
…
26، 197، 38
5 -
أوقاف الثعالبي
…
5.572،90
…
5، 396، 80
المجموع:
…
157، 576،83
…
182، 867،70
(1) نفس المصدر، 47 - 48. وكان القرار الأخير شاملا. وبناء عليه عينت الإدارة ديفوكس نفسه مسؤولا على إحصاء المساجد ونحوها في مدينة الجزائر، وقال إنه لم يواجه أية صعوبة، ونفهم من هذا أن الكتاب الذي أصدره والذي أخذنا منه المعلومات ما هو إلا خلاصة إحصاءات وتقاريره، أثناء أدائه هذه المسؤولية.
(2)
المصدر: السجل (طابلو)، سنة 1839، 156? 157.
والملاحظ هنا أن الإدارة المالية الفرنسية قد تركت لوكلاء المساجد والزوايا الإشراف المؤقت على ما سمي بالأوقاف الخاصة والصغيرة. مثلا وقف مسجد، أو قبة، أو زاوية، أي ذات المردود الضئيل بالنسبة لمردود الأوقاف العامة. وكذلك نلاحظ أن أوقاف مكة والمدينة التي هي ملك مشاع للمسلمين في الجزائر وفي غيرها قد حولت عن غرضها الأصلي، وأن أوقاف بيت المال قد زادت زيادة كبيرة، وأن أوقاف الثعالبي تعتبر من الأوقاف الغنية الخاصة لأنها أوقاف زاوية معينة، ومع ذلك صودرت ووضعت مباشرة من البداية تحت الإدارة المالية لوفرة دخلها.
إن الإدارة الفرنسية لم تبق على هذه الأملاك كأمانات، بل تصرفت فيها بالبيع والعطاء والتأجير ونحو ذلك، كما تصرفت فيها بالهدم والتحويل والتعطيل والاحتلال العسكري والمدني. وقد قال تقرير يرجع إلى سنة 1839 إن حوالي نصف المنازل التابعة للأوقاف الدينية قد اختفى بالهدم أو منح للمصالح العامة، مدنية وعسكرية ودينية. ومع ذلك فإن المداخيل والعوائد قد تضاعفت من الصدقات والتبرعات، حتى أنه بين سنة 1834? 1839 ازداد الدخل من 36، 000 ف إلى 72، 000 ف. وذلك دون الأخذ في الاعتبار المساعدات التي خرجت منها للفقراء. ولك أن تسأل: أين حق أصحاب الحقوق في هذه الأموال الطائلة كلها؟ إن التعويض المنصوص عليه لم يقع، فهناك من بيعت حقوقهم في أملاك الوقف أو هدمت المباني أو أعطيت للأوروبيين أو استولت عليها المصالح العسكرية والمدنية، ولكن دون دفع التعويضات لأصحابها. وقد قال أوميرا بهذا الصدد إن تحويل المصالح والتصرف في البنايات الدينية التابعة للأوقاف قد وقع دون تعويض من له الحق فيها. وإن هذا الإجراء التعسفي لا يلغي حق أصحاب الحقوق السابقة في أملاكهم، لأن الأهالي يظلون مالكين بالشروط التي نص عليها القانون (1). وقد قلنا إن فقراء مكة والمدينة لم تعد تصلهم حقوقهم أيضا ولا
(1) أوميرا، (المكتب الخيري الإسلامي)، في المجلة الإفريقية، 1899، 188.
الأتراك الذين طردوا، ولا الجزائريين الذين نفوا من بلادهم على إثر الثورات، الخ. ولا حاجة إلى ذكر فقراء الجزائر عامة.
أما بالنسبة للأوقاف الخاصة فقد قلنا إنها بقيت مؤقتا في يد الوكلاء، رغم أنها رسميا وضعت تحت الإدارة المالية الفرنسية. ويقول تقرير سنة 1839 عنها إن هذه الإدارة رأت ألا تسلك الطريقة الصلبة التي سلكتها إدارة الدومين مع الأوقاف. لقد اكتفت مع الأملاك الخاصة بالحصول على المعلومات الضرورية من الوكلاء، وعلى قائمة جرد للأملاك التي اختفت أو غير الكاملة، والقصد من ذلك الوصول إلى: 1 - معرفة الأخطاء التي ارتكبت، 2 - الاحتفاظ بالمبالغ المالية لمستحقيها، 3 - إدخال النظام الفرنسي دون إشعار الوكلاء بذلك ودون إثارة المشاعر الدينية للأهالي.
وسيرا على هذا الخط اختارت إدارة المالية وكلاء جددا تثق هي فيهم بدل القدماء المرتبطين بالعهد العثماني وإدارته (وكان الفرنسيون يتهمون هذه الإدارة بالفساد ويتهمون موظفيها بعدم الإخلاص لهم) وجعلت من حق الوكلاء الجدد، هؤلاء الطائعين النزهاء في نظرها، الاحتفاظ بالصناديق المالية لمداخيل الأوقاف تحت أيديهم، ولكنهم لا يستطيعون الصرف منها أو القبض إليها دون تأشيرة مكتب المراقبة الفرنسي الذي أنشئ لهذا الغرض والذي كان يطلب دائما الوثائق المبررة لكل عملية. وفي حالة تعطيل أي مبنى أو بيعه فلا بد من موافقة وزير الحربية نفسه على ذلك (1). ومن الناحية النظرية فإن كل الشؤون المتعلقة بالتعليم والعدل والديانة كانت من مشمولات هذا الجهاز (مكتب المراقبة).
وقد برر السيد أوميرا أيضا هذا الوضع المؤقت للوكلاء على المساجد وما إليها، مما يسمى بالأوقاف الخاصة، فقال إن مصلحة أملاك الدولة كان من السهل عليها أن تتعامل مع بعض الوكلاء الذين أصبحوا موظفين مأجورين
(1) السجل (طابلو)، 1839، 157، وكذلك أوميرا، (الملكية الحضرية
…
) في المجلة الإفريقية، 1898، 173.
عندها بالنسبة لأوقاف مكة والمدينة وبيت والمال الخ. ولكنه كان من الصعب عندئذ الإشراف على وكلاء يبلغ عددهم بين 150 و 200 وكيل (وهو عدد المباني الدينية في مدينة الجزائر تقريبا). ولا ننسى أن كل مدينة كانت تتمتع بنفس النظام، وقد أخضعها الفرنسيون لنفس الإجراءات أيضا بعد احتلالها.
استمر الوضع إذن على هذا النحو إلى 21 غشت 1839. ففي هذا التاريخ حصل تعديل في مفهوم الملكية. إن قانون 1839 قسم أملاك الدولة (الدومين) إلى ثلاثة أصناف: 1 - الدومين الوطني، 2 - والدومين الكولونيالي، 3 - والأملاك المصادرة. وقد أدخل القانون أملاك الوقف في القسم الثاني. كما نص على التعويض للمستحقين في حالة الهدم، أما ما عدا ذلك فقد استمر العمل ساريا بمقتضى قرار 7 ديسمبر 1830 إلى سنة 1848.
غير أن هناك قرارا آخر توضيحيا صدر سنة 1843. ففي 23 مارس من هذه السنة أصدر وزير الحربية (1) قرارا من ثماني مواد، جاء في الأولى منه أن كل الوصولات والمصاريف الناتجة عن المؤسسات (الدينية) والأوقاف مهما كان نوعها (2)، قد أصبحت ملحقة بالميزانية الاستعمارية (الكولونيالية). ونصت المادة الثانية على استمرار مصلحة أملاك الدولة في تسيير المؤسسات الدينية، حسب القرارات السابقة. وجاء في المادة الثالثة أن البنايات المنجرة
(1) هو المارشال الدوق دالماطي DALMATIE . وكانت إدارة الجزائر تتبعه لأن النظام فيها كان يوصف (بالعسكري). وقد استمر الحال على ذلك إلى سنة 1870، باستثناء تغييرات حدثت سنة 1848 (بالنسبة للفرنسيين) وسنة 1858 - 1860 (بالنسبة للجزائريين) عند تجربة الحكم المدني وإنشاء وزارة الجزائر.
(2)
استعمل الفرنسيون كلمة corporations للأوقاف أو مؤسسات الوقف العامة، كبيت المال ومكة والمدينة الخ. وهي ترجمة غير دقيقة كما لاحظها ديفوكس نفسه، لأنها تعطي مدلول النقابة، والأمر ليس كذلك هنا، ونلاحظ أن الفرنسيين استمدوا هذه الترجمة من تقاليد الثورة الفرنسية أيضا.
عن المؤسسات الوقفية والتي توقفت عن تبعيتها الدينية ستجمع فورا إلى تلك التي دخلت في المادة السابقة، ويكون تسييرها طبقا لنفس الأحكام. وأما البنايات التابعة لمؤسسات ما تزال مخصصة للديانة (الإسلامية) فقد نصت المادة الرابعة على ضمها بالتدرج إلى مصلحة الدومين طبقا لقرارات خاصة، كما ضمت أوقاف بين المال إلى هذه المصلحة أيضا (1).
وفي سنة 1843 جرى أيضا حادث آخر أدى إلى وضع مصلحة أملاك الدولة يدها على أوقاف الجامع الكبير بالعاصمة أيضا. وقد كان هذا الجامع إلى ذلك الحين مستقلا بوكيله وأوقافه باعتباره مؤسسة خاصة في نظر القانون الفرنسي. وهذا الحادث هو عصيان المفتي المالكي مصطفى الكبابطي أوامر الحاكم العام المارشال بوجو، فما كان من المارشال إلا أن عزل المفتي ونفاه من البلاد. لكن الجديد هو إصدار قرار 4 جوان 1843 الذي يقضي بضم أوقاف الجامع الكبير إلى مصلحة أملاك الدولة. وهو قرار مصادرة تعسفية لا غبار عليه. وكانت هذه الأوقاف عظيمة الشأن منذ تأسيس الزاوية والمدرسة التابعة للجامع في عهد المفتي سعيد قدورة في القرن 11 هـ.
ونص قرار بوجو الاستثنائي على أن:
(1)
كل البنايات التي يرجع دخلها إلى الجامع الكبير وموظفيه، ومهما كان عنوانها، ومهما كان اسمها، تبقى داخلة تحت يد مصلحة أملاك الدولة الاستعمارية (الدومين الكولونيالي).
(2)
وكل المداخيل والمصاريف الخاصة بهذه المؤسسة الدينية (الجامع الكبير)، مهما كانت طبيعتها، تكون ملحقة بالميزانية الاستعمارية.
(3)
وكل المصاريف المتعلقة بالموظفين الدينيين وصيانة المساجد وأجور الديانة (الإسلامية)، وكذلك الإغاثات والصدقات التي كانت تقدمها هذه المؤسسة (الجامع الكبير) تتولاها منذ الآن الإدارة. وهي داخلة في الميزانية الداخلية.
وهكذا كانت أوقاف الجامع الكبير هي الوحيدة من أوقاف المساجد
(1) ديفوكس، 47.
والزوايا، التي ضمت إلى مصلحة ما سمي بالدومين الكولونيالي قبل سنة 1848.
ففي عهد الجمهورية الثانية المتحمسة للاستعمار والتغلغل في المجتمع الجزائري والسيطرة على مقدراته، صدر قرار خطير آخر يتعلق بضم جمع الأوقاف الخاصة، مهما كانت وأينما كانت في الجزائر، سواء كانت ما تزال قائمة أو محولة أو مندثرة. وبذلك انتزعت المساجد صغيرها وكبيرها، والزوايا سواء كانت وراثية أو غير وراثية، والقباب سواء كانت لولي أو لباشا، والجبانات سواء كانت عامة أو خاصة
…
من يد وكلائها (النزهاء والأكفاء) كما قيل عنهم سابقا، ودخلت تحت إدارة أملاك الدولة، فأصبحت هي التي تجمع المداخيل وهي التي تدفع الأجور، وتطعم الفقراء، وتصون المساجد، على الأقل من حيث المبدأ. وصدر هذا القرار من الحاكم العام (شارون) في 3 أكتوبر 1848. وجاءت فيه ثلاث مواد، نذكر منها ما يلي: جاء في المادة الأولى أن البنايات التابعة للمساجد والمرابطين (القباب والأضرحة) والزوايا، وبصفة عامة كل المباني الدينية الإسلامية، التي ما تزال بصفة استثنائية تحت إدارة الوكلاء، قد أصبحت منذ الآن موضوعة تحت إدارة أملاك الدولة، وجاء في المادة الثانية أن على الوكلاء وضع ما بأيديهم من وثائق ومداخيل وأوجه صرف ومصاريف وقوائم أملاك الخ. في يد مصلحة أملاك الدلة، خلال عشرة أيام من إخطارهم رسميا (1).
ورغم أن ديفوكس قد تحمس لهذا القرار وأخذ، بعد تكليفه رسميا، يحمي المباني الدينية في العاصمة، فإن زميله أوميرا، قد لاحظ الإجحاف في هذا الموقف من أملاك الوقف الخاص، وأكد على أنها أملاك (مصادرة). وهي وإن لم تكن مصادرة صريحة سنة 1830 فإنها لم مجد تشوبها شائبة منذ
(1) هذا القرار أرخه ديفوكس بالتاريخ المذكور، وأرخه أوميرا ب 3، 6 أكتوبر. وعبارة (بصفة استثنائية) هي التي أطلق عليها سابقا (بصفة مؤقتة). انظر ديفوكس، 47 - 48، وأوميرا، (المكتب الخيري)، 190.
1848.
لقد أصبحت إدارة الدومين هي التي تتولى جميع الأملاك الدينية الإسلامية. وقد لاحظ أوميرا أن هناك فارقا وحيدا بين تحصيل المداخيل في السابق وتحصيلها بعد (المصادرة)، وهذا الفارق هو أن التحصيل لم يعد لفائدة ميزانية كولونيالية ولكن لفائدة ميزانية محلية أو بلدية.
والغريب أن هذه المصادرة كانت بدون تعويض رغم كثرة المتعلقين بالمعالم الدينية المصادرة، ورغم القوانين الفرنسية نفسها التي نصت على التعويض في حالة استعمال البناء للصالح العام. ولم تكن المعالم مجرد ملك خاص للوكيل ولكنها كانت ملكا مشاعا للمسلمين بمن فيهم ورثة الوكيل أو ورثة المحبس. وقد قيل إن الإدارة الفرنسية حين استولت على هذه المعالم قد تكفلت أيضا بالتعليم والمساعدات الاجتماعية والصيانة والشؤون الدينية الخ. ولكننا سنرى أن التعليم كان قد أهمل تماما في هذه الأثناء، وأن الوكلاء والفقراء قد ازدادوا فقرا على فقر، وأن المساجد والمعالم عموما قد أخذت تنهار من الإهمال وعدم الصيانة. فأين إذن المصاريف التي كانت تأتي من أوقاف المعالم المذكورة؟ لقد لاحظ أوميرا أن المصارف كانت قبل المصادرة دون المداخيل، أي أن الوكلاء قد عاشوا في شيء من النعمة من فائض المصاريف بين 1830 - 1848.
ولكن بعض الوكلاء كانوا قد افتقروا أيضا خلال نفس المدة. فبعد أن كان بعضهم في نعمة نسبية، اضطربت أحوالهم مرات عديدة، وكان على الكثير منهم البحث عن وسائل أخرى للعيش. وكان كثير منهم أيضا قد وجد نفسه بدون عمل ولا مورد للعيش بعد هدم البناية الدينية التابعة له، أو بعد دخولها في الطريق العام أو استعمالها للمصالح العسكرية وغيرها. ذلك أن المحسنين لا يقدمون لهم الحسنات والصدقات عندما يصبح الجامع كنيسة أو ثكنة أو مخزنا أو طريقا أو ساحة عمومية. وإذا كان عليهم أن يحصلوا أجور الدكاكين والمنازل ويعيشون منها، فقد وجدوها الآن قد خضعت للتعطيل والتحويل والبيع والهدم أيضا، وقد يؤدي هدم المسجد إلى هدم الدكاكين من