الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المدرسية من الحكومة العامة للجزائر أسوة بزملائه مدرسي بجاية ووادي الزناتي وعنابة الذين طلبوها وحصلوا عليها. كما طلب بلقاسم خمار مدرس بسكرة الكتب المدرسية أيضا. وكذلك أوصى تقرير ديستان بإرسال كتب (كلاسيكية) إلى مدرس بو سعادة (ابن الحاج)، ممثلة في عشر نسخ من كل من الآجرومية أو القطر (في النحو) ولامية الأفعال (في الصرف)، والدرة البيضاء (في الحساب والفرائض)، والمنتخبات (في القراءة)(1). أما الكتب التي يحتاجها المدرس فقال المفتش إنها متوفرة.
إن حركة الكتاب كانت نشيطة سواء في المكتبات المدرسية أو البلدية أو العسكرية أو الجامعية أو الوطنية، بل لقد نشأت أيضا مكتبات ولائية، ولو أن الكتب التراثية العربية لم يصبها الأذى الذي ذكرناه بالسرقة والنهب والحروب والاختلاس ونحو ذلك، لكان المجتمع الجزائري قد واصل مسيرته نحو التعلم والتثقف ولخرج من ظلام الأمية الذي فرضه التعسف الاستعماري.
مكتبات الزوايا
نقصد هنا زوايا الأرياف، لأن زوايا المدن قد عانت من مصادرة أوقافها ومن الهدم ولم يبق لها دور يذكر أثناء الاحتلال (2). أما زوايا الريف فقد استمرت خلال أكثر من خمسين سنة وهي مراكز لدعوة الجهاد والتعليم العربي الإسلامي وخزائن الكتب والتراث. ولكن الاحتلال لم يرحم هذه
(1) نفس المصدر. هذه الكتب وفرتها لجنة الترجمة التي أقامتها الحكومة العامة في آخر القرن الماضي. وعن هذا النوع من التدريس في المساجد أو في الأماكن الملحقة بها انظر فصل التعليم.
(2)
نقصد هنا دور الزوايا التعليمي والاجتماعي. أما الدور الديني والصوفي فقد سمح به الفرنسيون في المدن بعد السيطرة عليها، بل أنهم شجعوا بعض الطرق الصوفية على فتح زوايا لها في المدن أو قدموا لها هم الأماكن الضرورية. فكانت تلمسان وقسنطينة مثلا تضم زوايا للتجانية والعيساوية والقادرية وغيرها خلال هذا القرن. كما كانت العليوية والدرقاوية والطيبية نشيطة في تلمسان، والحنصالية والرحمانية والعمارية نشيطة في قسنطينة.
الزوايا أيضا، فبعضها قد هدم أو أحرق نتيجة الثورات، ونفي رجالها أو هاجروا كما جرى لمعظم زوايا زواوة وأولاد سيدي الشيخ. وكانت الكتب والحياة العلمية هي الضحية لذلك التعسف. ومن الزوايا التي كانت عامرة بالكتب عشية الاحتلال ثم تأثرت بما ذكرناه، زاوية القيطنة، وزاوية شلاطة وزاوية اليلولي.
ثم نبتت زوايا جديدة على أنقاض الأولى في عدة أماكن؛ وكان التعليم، وليس التصوف، هو شعارها. واستطاعت أن تجلب الكتب وأن تستعمل النسخ لحفظ التراث. ومن ذلك زاوية ابن أبي داود بتاسلنت (آقبو)، وزاوية الهامل نواحي بوسعادة، وزاوية طولقة نواحي بسكرة، وزاوية قصر البخاري، وزاوية أولاد الأكراد بنواحي تيارت، وزاوية البوعبدلي في أرزيو، وزوايا تمنطيط. فقد كون أصحاب هذه الزوايا مكتباتهم عبر السنين حتى أصبح بعضها مضرب المثل في الثراء العلمي والمحافظة على التراث. وهناك زوايا أخرى عرفت بجمع الكتب أيضا ولكنها غير مفتوحة للدارسين والزائرين إلا القليل مثل زاوية قمار التجانية وزاوية تماسين. ومن جهة أخرى فإن بعض الزوايا القديمة قد انتعشت من جديد وعادت إلى دورها في التعليم وجمع الكتب مثل زاوية شلاطة (ابن علي الشريف).
ونود الآن أن نذكر بعض المكتبات في هذه الزوايا وما اشتهرت به من مخطوطات، حسبما توفر لدينا من معلومات. ومن ذلك:
أ - مكتبة ابن أبي داود: يقول عنها الشيخ علي امقران السحنوني إنها كانت غنية بالمخطوطات. ولم تكن المكتبة مجموعة في مكان واحد بل كانت في حجرات عديدة، ومنها الحجرة الأزهرية التي كانت تضم خمس خزائن كبيرة من المخطوطات والكتب المطبوعة. وكانت هي الحجرة التي يستقبل فيها الشيخ ضيوفه. ثم حجرة دار الأحباس وتسمى أيضا خزانة الطارمة وفيها خزانتان كبيرتان وخزانتان صغيرتان. وفي المكتبة قسم للكتب المدرسية التي يتداولها الطلبة للقراءة في عين المكان، والاستعارة الخارجية، وكان من حقهم النسخ منها إذا رغبوا. والمطالعة كانت مجانية وكذلك
الإعارة. وبالإضافة إلى ذلك هناك خزانة خاصة بالوثائق والمراسلات الصادرة عن الزاوية والواردة إليها. كما أن في المكتبة مجموعة من المجلات والصحف القديمة.
ومن بين ما تضمنته المكتبة كناش ضخم يحتوي على ما يلي من التقاييد والموضوعات:
1 -
نظم في مشتركات (؟) السوسي للشيخ السعيد بن عبد الرحمن بن أبي داود، جد الأسرة.
2 -
وتعليق على ذلك النظم بقلم حفيد الناظم، أحمد بن أبي القاسم بن السعيد (منه نسختان ناقصتان).
3 -
وقطع شعرية لمحمد بن عبد الرحمن الديسي في مدح أسرة ابن أبي داود.
4 -
ونظم مثلثات قطرب من صفحتين.
5 -
وإجازة في الطريقة (الرحمانية؟) لعلي بن عيسى شيخ زاوية الكاف بتونس إلى محمد بن عبد الله الخالديوي في ثمانية أوراق.
6 -
وأرجوزة في علامات الرعد لابن رحال الأندلسي تقع في أحد عشر بيتا.
7 -
وأرجوزة لمجهول في كيفية الآذان، تقع في أربعة عشر بيتا.
8 -
وسند الشيخ الحسين الورتلاني في العلم، يقع في صفحتين.
9 -
وإجازة في الطريقة (الرحمانية؟) للشيخ محمد بن عمارة بن وعلي الشريف الزلاجي إلى الشيخ محمد الطيب بن المرسي.
10 -
ورسالة بخط الشيخ عاشور الخنقي ناقصة الأول، وهي جواب له على من سأله عن شرف البوازيد (1).
(1) انظر لاحقا عن حياة وشاعرية عاشور الخنقي.
11 -
وقصيدة للشيخ محمد بن راشد المايني سماها (نصرة السني ردا على ذي الوهم البدعي) انتصر فيها للشيخ محمد بن مزيان الحداد.
12 -
وقصيدة (زبرة الحداد في الرد على صائم الأعياد) لأحمد بن المجاهد المعسكري في 53 بيتا.
13 -
بحث (ظهور التفاضل) لمحمد بن الموفق الجلالي المعسكري حول تقديم الذكر على السمع في القرآن الكريم، في عشر أوراق.
14 -
ومنظومة السيف المسلول على منكري سدل الرسول صلى الله عليه وسلم للشيخ محمد الخرشي النابتي، في أربع صفحات مرقونة.
15 -
(والقصيدة الكفيلة بثمن الفوائد الجليلة) لابن هشام المصري في النحو، وناظمها هوعبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الثامري، في ثلاث صفحات.
6 1 - ومقتطفات من نوازل الزجلاوي لمحمد بن الفقيه بن محمد الزجلاوي، من بلاد توات حول نظام الفجارة (الفوقارة) وتوزيع المياه.
17 -
والجيش الكمين
…
لابن أبي جمعة المغراوي في ثلاث نسخ، واحدة منها أصلية.
18 -
بعض القطع الشعرية في مختلف الأغراض والعصور (1).
وفي المكتبة مجاميع أخرى تضم على هذا النحو تقاييد وأراجيز وإجازات وفوائد أخرى كثيرة. ومن ذلك مجموعات في الأنساب ونحوها، نذكر منها ما يلي:
1 -
المنظومة الدندانية للحاج ابن السنوسي الديسي، وقع في حوالي 200 بيتا.
2 -
كتاب الاعتبار وتواريخ الأخيار
…
لعلي ين محمد بن فرحون.
3 -
تقييد في نسب بهلول بن عاصم الذي قدم من المغرب واستوطن زواوة.
(1) من مراسلة أفادني بها الشيخ علي امقران السحنوني، في 8 غشت 1980.
4 -
تقييد في نسب أحمد بن يوسف الملياني.
5 -
تقييد في نسب إسماعيل بن محمد والحاج القباشي (الزواوي).
6 -
تقييد في ذكر بعض رجال وادي الصومام (وادي ومسعود) ومنطقة زواوة، سيما سيدي يحيى صاحب زاوية بني وغليس.
7 -
تقييد في ذكر سيدي يحيى بن عبد الله الشريف الملقب بأخروم.
8 -
تقييد في نسب جماعة من مزاية قرب بجاية وأخرى من أزفون.
9 -
تقييد في نسب علي بن وارث الديشم (1).
كما توجد بالمكتبة مخطوطات أخرى ذات أهمية، سواء في تواريخ الجزائر وأهلها، أو في التراث العربي الإسلامي. ومنها كتاب (الأسلوب الغريب في التعلق بالحبيب) لمحمد بن علي الفراوسني (2). ويغلب على الظن أنه في التصوف.
وفي مراسلة أخرى مع الشيخ علي امقران السحنوفي بتاريخ 14 أكتوبر 1981 ذكر لي مؤلفات أخرى كثيرة كانت توجد في مكتبة ابن أبي داود (وهم أخواله) بآقبو، ومنها معلومات جديدة عن كتاب معالم الاستبصار الذي كان ألفه ابن علي الشريف، وكتاب التفكر والاعتبار لأحمد بن تابت البجائي المتوفى سنة 1152، وبعض مخطوطات الحسين الورتلاني، مثل شوارق الأنوار في تحرير معاني الإذكار الذي شرح فيه وظيفة سيدي يحيى العيدلي، وكتاب شرح به الشيخ الورتلاني عملا في التوحيد، الخ
…
ولكن مصير هذه المكتبة كان مخيفا. فقد عرفت النهب والتلف أثناء ثورة التحرير الكبرى، وضاع أغلبها بعد 1957، وخربت الزاوية وحجراتها بعد معركة جرت هناك ضد العدو سنة 1958 (3).
(1) من مراسلة الشيخ علي أمقران السحنوني، بتاريخ 9 فبراير 1980.
(2)
عن حياة الفراوسني انظر الجزء الثاني من هذا الكتاب.
(3)
مراسلة مع الشيخ السحنوني، بتاريخ 18 مايو، 1981، يقول الشيخ السحنوني إن =
2 -
مكتبة آل سحنون: ولآل سحنون مكتبة هامة أيضا، وهي تابعة لزاويتهم التي تتفرع إلى أصل في أربعاء بني راثن، وفرع في تاغراست في بني وغليس. وقد بعث لي الشيخ علي امقران السحنوني بقائمة محتويات المكتبة بما في ذلك مجاميعها، وبلغت المجاميع حوالي 35 مجموعا، وكل مجموع يحتوي على مؤلفات وتقاييد موضوعا وحجما بلغت حوالي 110 تأليفا. والمخطوطات بلغت 87 مخطوطا، فالمجموع حوالي 197. ومعظم هذه المخطوطات في الفقه والتصوف والتوحيد، وضمنها أيضا كتب الأدب والفلك والتاريخ واللغة والنحو. ومنها شرح ابن هدية المسمى العلق النفيس، على قصيدة ورسالة ابن خميس. وكذلك كتاب معالم الاستبصار في الفلك من تأليف ابن علي الشريف. وتكاد القائمة لا تحتوي على مؤلفات في التاريخ ولا الدواوين الشعرية. وقد طغت القائمة التي بعث بها إلي الشيخ السحنوني ثماني صفحات كبيرة، مع تفاصيل دقيقة عن تاريخ النسخ، غير أنه لم يذكر فيها بداية ونهاية المخطوط. ولكنه كان يلاحظ ما إذا كان المؤلف مجهولا، وما إذا كان العمل مبتورا (1).
وفي مراسلة أخرى معه ترجع إلى سنة 1979 أفادنا أن مكتبة زاويتهم تضم أكثر من عشرة آلاف كتاب بين مخطوط ومطبوع. وفيها الكتب التي تصل إلى العشرين جزءا. وكان أكثر من نصف المكتبة في الزاوية الأصلية بأربعاء بني راثن، وبعضها كان في الزاوية الفرعية في تاغراست. وقد ضاع الكثير من الكتب خلال حرب التحرير. ولا ندري هل الضياع شمل كتب الزاويتين أو إحداهما فقط، لأن والده أخبر أن ما ضاع له حوالي أربعة عشر قنطارا في
= شيخ الزاوية محمد الطيب بن محمد امزيان قد قتل سنة 1957، وأن ابنه السعيد بن محمد أمزيان قد حاول إعادة جمع ما تفرق من الكتب فلم يجمع أكثر من عشر ما كانت تملكه المكتبة.
(1)
جرت المراسلة يوم 16 أبريل 1980. ولكن القائمة ضاعت منا مع ما ضاع لنا من أوراق ومسودات سنة 1988. بالنسبة لكتاب العلق النفيس لابن هدية فقد استعرناه من المرحوم السحنوني وكتبنا حوله مقاله منشورة في كتابنا أبحاث وأراء، ج 3.
مختلف الفنون. وهل ذلك الضياع شمل المخطوط الذي يكون عادة أكثر قيمة ومن ثمة تكون الزاوية أكثر حرصا على إنقاذه وتهريبه، أو شمل المطبوع والمخطوط معا. وتظهر القوائم أن بعض الكتب قد اشتريت من الجزائر وتونس ومصر، سيما من المكتبة الثعالبية (رودوسي) بالجزائر، ومكتبات العسلي والثميني والأمين بتونس. وكان لزاوية آل سحنون اشتراك في أغلب الصحف والمجلات أيضا في البلدان المذكورة. فكانت تصلها مجلات الرابطة العربية، والرسالة، والثقافة، والفتح، والهداية، والأزهر، بالإضافة إلى الجرائد. أما المخطوطات فكانت الزاوية تقتنيها بالشراء في المزاد العلني الذي كان يجري في تونس بالخصوص حيث العائلات العلمية تبيع أحيانا كتبها لأسباب مختلفة. كما كانت هدايا المخطوطات تصل إلى الزاوية من بعض الأسر العلمية مثل عائلة سيدي علي أو عبدالله في بني مليكش، وكذلك عن طريق الاستنساخ (1). وكان للطلبة حق الإطلاع على الكتب والإستفادة من إعارتها داخليا وخارجيا.
3 -
مكتبة سيدي خليفة: زاوية الشيخ الحسين بسيدي خليفة ولاية الميلية اليوم، من الزوايا التي اهتمت بالعلم واقتناء الكتب أيضا خلال القرن الماضي. وكانت تضم مخطوطات هامة ومطبوعات. وفيها الكتب ذات المنفعة العامة والمدرسية التي تعتبر مراجع للطلبة والمدرسين لتحضير دروسهم، وفيها المخطوطات الثمينة التي لا يطلع عليها إلا النوادر أو شيخ الزاوية وكبار الزوار. وكانت تضم كتب النحو والفقه بجميع الطبقات والمستويات، ودواوين الشعراء، وتراجم الرجال والتصوف، ومذهب الإمام مالك بالخصوص، والمنطق واللغة والرحلات والأنساب والأخلاق. ومن ذلك فصيح ثعلب، ورحلة العياشي، ونصرة الشرفاء للسباعي، وشذور الذهب لابن هشام، وشرح لامية ابن الوردي، وموطأ الإمام مالك، وديوان محمد بن عبد الرحمن الديسي. وقد زرنا هذه المكتبة منذ سنوات فوجدنا بقاياها في حجرتين على رفوف جيدة ولكن آثار الرطوبة والمطر بادية عليها، بل كانت تهدد بعضها بالتلف. وكان بعض الكتب ما يزال مخطوطا، ولكننا نعرف أنه مطبوع
(1) مراسلة مع الشيخ السحنوني بتاريخ أبريل 1979، دون تسجيل اليوم.
ومحقق. ووجدنا فيها بعض آثار للشيخ حمدان الونيسي. ولكن لا أثر فيها للمجاميع والكنانيش والتواريخ المحلية. ويبدو أن الأيدي قد عبثت بالمكتبة، وإن بعض نوادرها ضاع أو هربه أصحاب الزاوية عن عيون المستعمرين أثناء حرب التحرير، سيما وأن الزاوية لم ترجع إلى التعليم بعد توقفه. وقد تضررت من الإهمال الأملاك والمباني أيضا، فتضررت المكتبة تبعا لذلك (1).
وفي دراسة قام بها حديثا عبد الكريم العوفي جاء أن زاوية سيدي خليفة التي أسسها الشيخ الحسين بن القشي في القرن الماضي، كانت تضم حوالي 6000 مخطوط. وروى عن بقية شيوخها، وهو يونس بن عبد اللطيف المولود سنة 1922، أن علماء المغرب كانوا يستعيرون منها المخطوطات ثم لا يرجعونها، وأن أصحاب الزاوية قد اضطروا إلى حرق بعضها (؟) مما أتت عليه الأرضة والفئران والرطوبة لجهلهم بوجود وسائل الصيانة. وذكر العوفي أنه لم يبق في الزاوية اليوم سوى حوالي خمسمائة مخطوط، وتنبأ بأن مآلها الحرق أيضا لأن الرطوبة قد أفسد تها. وكانت فيها نفائس ترجع إلى القرون الأولى من الهجرة وبخطوط مؤلفيها. ولكن العوفي لم يذكر من نماذجها سوى ثلاثة عشر مخطوطا في النحو والسيرة والأدب والتصوف (2). والظاهر أن هذه المكتبة لم تتعرض للتلف على أيدي الجيش الاستعماري خلال حرب التحرير.
4 -
مكتبة زاوية طولقة: وفي السبعينات زرنا زاوية طولقة أو زاوية علي بن عمر وهو مؤسسها وبه تعرف بين الناس. وقد جمعت مكتبتها كمية كبيرة من الكتب المطبوعة والمخطوطة. واشتهر الشيخ علي بن عمر وأباؤه وأحفاده أنهم شيوخ علم وتصوف وزهد، وأنهم جعلوا الزاوية معهدا علميا للتدريس ونشر الثقافة العربية والعلوم الإسلامية وحفظ القرآن الكريم. وأبرز
(1) انظر عنها أيضا سعيد بوفلاقة جريدة (الشعب)، 1 - 2 يونيو (جوان)، 1990. وكنا قد شاهدنا على شاشة التلفزيون أيضا تحقيقا حول المكتبة في تاريخ لا نذكره الآن.
(2)
عبد الكريم العوفي (التعريف بمراكز المخطوطات في الجزائر)، مرقون، ص 6 - 8. وكان نفس المؤلف قد أشار إلى مكتبة سيدي خليفة أيضا في عمل نشره في مجلة (المورد) العراقية، 1989، المجلد 18، عدد 3، ص 174.
ما عرفوا به أيضا حبهم للكتب، فجمعوها من مختلف المظان واشتروها بأثمان عالية، وجاءهم بعضها بالهدية وبعضها بالنسخ. وقد لاحظنا أن بعض مكتبة الشيخ الفكون القسنطيني قد انتقل إلى مكتبة زاوية طولقة، وربما كان ذلك بالشراء بعد أن بيعت المكتبة في المزاد. ومخطوطات مكتبة زاوية طولقة متنوعة تشمل التصوف والتوحيد والتفسير والعلوم الدينية عموما، كما تشمل الأدب والتراجم والتاريخ المحلي وغيره. ولا نعلم إن كان للزاوية خزانة للوثائق والمراسلات الخاصة. ويغلب على الظن أنها كانت تملك ذلك. فقد عاش أصحابها ظروفا سياسية صعبة، وتراسلوا مع شيوخ الزوايا ومع السلطات الفرنسية ومع العلماء في تونس والمشرق والصحراء. فلا نظن إلا أنهم يملكون ثروة من المراسلات المنظمة.
وعند زيارتنا لها كانت المكتبة تعاني من آثار الفيضان الذي حدث سنة 1969، ولكنها سلمت منه، وإنما كانت موضوعة في أكوام وغير مفهرسة. وتركنا شيخ الزواية عندئذ، عبد القادر العثماني، يعمل على تنظيمها وفهرستها. ولكننا لم نتابع الموضوع بعد ذلك. فكم تملك المكتبة من المؤلفات مخطوطة ومطبوعة؟ وما أهم أجابها؟ وكم فيها من المجاميع؟ وما إحصاؤها العام؟ أما الإطلاع والاستفادة فقد علمنا أن شيوخها لا يعترضون على ذلك، بل يقدمون الخدمات العلمية وحسن الضيافة أيضا.
5 -
مكتبة زاوية الهامل: وفي نفس الوقت حاولنا التعرف على مكتبة زاوية الهامل. وبذلنا الوسع فرديا واستعنا بغيرنا لكي نطلع على فهرسها أو ننظر في بعض محتوياتها. ولكننا لم نفلح. وقد ذهبنا إليها عدة مرات، وتحملنا من أجل ذلك المشاق، فكنا نرجع من رحلتنا إليها بكلمة اعتذار طيبة. أما الكتب فبقي بيننا وبينها حجاب (1). هذا بالرغم أن غيرنا قد اطلع عليها وأخذ منها إعارة أو سرقة، مثل الشيخ عبد الحي الكتاني، والشيخ رينيه
(1) ذهبت بنفسي عدة مرات، واستنجدت بصهري المرحوم سي عبد الله بن الحاج بن سالم، من أشراف بوسعادة، والمرحوم عبد القادر بن رعاد، من أعيان بو سعادة أيضا، ولجأت إلى أحد أفراد العائلة القاسمية، ولكن دون جدوى.
باصيه. وقد كتب عنها الأخير وصفاء هو الوحيد الذي اعتمدنا عليه هنا (1). وكان باصيه عندئذ مديرا لمدرسة الآداب العليا (كلية الآداب لاحقا) وكان لا يرد له طلب لنفوذه لدى الإدارة الاستعمارية، وقد طلب باصيه من شيخ الزاوية عندئذ، محمد بن بلقاسم، قائمة المخطوطات التي بالزاوية، عن طريق الجنرال ميقريه. واكتفى باصيه بالقائمة التي قدمها إليه الجنرال. ويبدو أن المخطوطات انتقلت إلى المكتبة عن طريق الحج. أما الكتب المطبوعة فكان منها المطبوع في بولاق بمصر، وذلك دليل على ورود الكتب من المشرق بطرق مختلفة غير الطرق التجارية المعروفة للفرنسيين. والمعروف أن أعيان المغرب العربي كانوا يتميزون بإنشاء المكتبات علامة على الأبهة والجاه (2).
ومهما كان الأمر فإن الشيخ محمد بن بلقاسم، مؤسس الزاوية والمكتبة كان من علماء القرن الماضي. ولم تكن شهرته في التدريس والفصاحة تقل عن شهرته في التصوف والبركة. وعمل معه مدرسان كبيران وشاعران شهيران هما محمد بن عبد الرحمن الديسي وعاشور الخنقي. واجتمعت له (الشيخ) ولهما كتب كثيرة وتأليف، سيما الديسي. وأصبحت مكتبة زاوية الهامل محجة للزوار الراغبين في الإطلاع وأخذ العلم والبركة الصوفية. ولا ندري من أين جمع الشيخ محمد بن بلقاسم مكتبته، ولكن من المؤكد أن رجلا في مثل سمعته كانت تأتيه المخطوطات من تلاميذه ومريديه وعلماء الوقت
(1) رينيه باصيه (المخطوطات العربية في زاوية الهامل)(في مجلة الجمعية الآسيوية الإيطالية) المجلد 10، 1896 - 1897. وقد حصلنا على نسخة من هذا المقال وهو من ص 43 - 97. وفيه 53 مخطوطة في الفقه والحديث والتفسير والنحو والبلاغة، الخ. وليس من بينها مخطوطات في الفلسفة والتاريخ والفلك ولا الوثائق.
(2)
باصيه، (المخطوطات العربية) في (مجلة الجمعية الآسيوية الإيطالية)، مرجع سابق، ص 334، هامش 10. وكان الجنرال ميقريه Meygret هو قائد وسط البلاد. وقد أرسل قائمة المخطوطات إلى باصيه عن طريق المترجم العسكري في بو سعادة، بريمون. وكان باصيه قد طلب نفس الشيء من زوايا أخرى ونشر عن مكتباتها أيضا. وكان ذلك داخلا في اهتمامات المستشرقين بالمخطوطات الباقية لدى الجزائريين بعد أكثر من نصف قرن من الاحتلال.
وأعيانه، بالإضافة إلى الشراء من الجزائر ومن تونس ومصر، كما لاحظنا، وكذلك الاستفادة من الاستنساخ. ويبدو أن مكتبة الزاوية كانت ضم، بالإضافة إلى الكتب، مجموعة من الوثائق والمراسلات العائلية والسياسية والعلمية، ومجموعة من التحف أيضا كالصور والسيوف والرقاعات وأشجار النسب. ولا ندري ما إذا كانت المكتبة قد استمرت تقتني الكتب على عهد خلفائه أمثال مصطفى القاسمي، الذي طال عهده وشاع أمره خلال الثلاثينات، كخصم للحركة الإصلاحية. والغالب أن شيوخ الزاوية قد استمروا في ذلك، لأن التعليم قد استمر فيها. فهل كان الطلبة يستفيدون من الإعارة والمطالعة من المكتبة؟ وما الحجم العام للمكتبة؟ وما نوع وقيمة المخطوطات؟ وهل للمكتبة فهرس منظم غير الذي ذكره باصيه؟ كل ذلك لا نعرفه الآن.
6 -
مكتبة أولاد سيدي الشيخ: كان أولاد سيدي الشيخ أهل زاوية وأهل سلطان. وقد تعرضت زاويهم للهدم من قبل الفرنسيين انتقاما منهم لثورتهم المتكررة ضد التوسع الاستعماري. ونتوقع أن مكتبة الزاوية كانت من ضحايا التخريب والحرب. وليس لدينا وصف شامل لمكتبة الزاوية وإنما وجدنا في بعض المراجع الفرنسية ما يشير إلى أن بعض المخطوطات قد قاومت العدوان، وعوامل الطبيعة. ومن ذلك ما جاء في رحلة الحاج البشير التي أملاها على الضابط الفرنسي ف. فيليب سنة 1867 من أن الخليفة حمزة، أحد أعيان أولاد سيدي الشيخ، قد أمره أن يرافق قافلة من الإبل إلى توات، وفيها حمولة ثلاثة جمال من الكتب. وهذا بالطبع حديث غامض إذ لا يدل على نوع الكتب وقيمتها وهل هي مخطوطة أو مطبوعة. ولا نعرف أين وضعت الكتب في توات. ولعل ذلك كان أثناء تهريبها عن أعين الفرنسيين أو خوفا. من التلف أثناء الثورات، وربما كانت هي أفضل الكتب قيمة وثمنا (1).
7 -
مكتبة زاوية القنادسة: وهي تقع الآن في ولاية بشار، ويفهم من بعض شيوخها أنها كانت تحتوي على عدد كبير من المخطوطات بلغت
(1) فيليب (رحلة الحاج البشير) في المجلة الافريقية، 1911، ص 255 وما بعدها.
حوالي ثلاثة آلاف مخطوط سنة 1950. ولكن أغلبها ضاع خلال الثورة الكبرى أو أحرق (1).
8 -
مكتبات أدرار وتوات: ليس لدينا ما يدل على أن هذه المكتبات تنتمي لزوايا معينة، ولكن ماعرفناه من تاريخ المنطقة وشيوخها يجعلنا نضم هذه المكتبات إلى الزوايا، لأن الغالب أن الزوايا هي التي كانت ترعى المكتبات لاتصالها بالدين والعلم. وقد عرفت توات منذ القديم بأنها سوق رائجة للكتب وأن بعض عائلاتها الدينية قد كونت مكتبات معتبرة. وكانت صلة أهل توات بجامع القرويين وعلماء المغرب وعلماء افريقية وتلمسان قد جعلتهم في مكانة يغبطون عليها، بالإضافة إلى أن علماء توات كانوا يؤلفون الكتب ويستنسخونها من بعضهم أو من علماء آخرين. وفي العهد الأخير ذكر الباحثون أن هناك حوالي اثنتي عشرة مكتبة، منها مكتبة كوسام، ومكتبة بني ثامر، ومكتبة (زاوية) رقان؟، ومكتبة زاوية سيدي حيدة، ومكتبة زاوية اقبلي، ومكتبة أولاد عيسى، ومكتبة اقسطن التي قيل إنها تضم مخطوطات في العقاقير، ومكتبة تنجرين التي قيل إن فيها مخطوطات في الطب والفلك، وغيرها من المكتبات (2).
9 -
مكتبة الزاوية العبدلية: ورغم أن مكتبة الزاوية البوعبدلية في بطيوة لا نعرفها إلا في عهد الشيخ المهدي البوعبدلي الذي توفي منذ سنتين، فإننا سنتحدث هنا عما نعرفه عنها لأنها ترجع، حسب ظننا إلى عهد والده من جهة، ولأن الشيخ المهدي جمع نوادرها منذ عقد الثلاثينات. وتراسلنا مع الشيخ المهدي في عدة مناسبات، ولنا منه مجموعة من الرسائل بخط يده بعضها في عدة صفحات وبعضها بخطه عندما عجز أو كاد عن الكتابة وأصبحت السطور والحروف عنده مائلة ومضطربة. كما تمكنت من زيارة
(1) العوفي (التعريف بمراكز المخطوطات
…
) بحث مرقوق، رواية عن شيخ الزاوية عبد الرحمن الأعرج. وعن زاوية القنادسة انظر فصل الطرق الصوفية.
(2)
العوفي، (التعريف بمراكز المخطوطات
…
) مرجع سابق، وقد اعتمد في ذلك على نص محاضرة كان قد ألقاها مقدم مبروك عن المخطوطات في الخزائن الشعبية من نهاية القرن الماضي إلى بداية هذا القرن، في منطقة توات والقورارة وتيديكلت.
المكتبة في إحدى المناسبات مع بعض الزملاء، زيارة قصيرة خلال الثمانينات. فالمكتبة البوعبدلية إذن سمعت عنها وتراسلت بشأنها مع صاحبها ثم زرتها شخصيا.
أثناء زيارتي رأيت عدة خزائن تمتد على حيطان غرفتين واسعتين في شكل قاعتين متصلتين. والخزائن عالية ومليئة بالكتب المخطوطة والمطبوعة. وتظهر من ضمنها مخطوطات غير موضوعة في أماكنها، ومجاميع، وجرائد، ووثافق، وسجلات. لا نستطيع أن نقدر عدد الكتب ولا أن نعرف موادها ولا عدد الوثائق والرسائل. وكل ما نعرف أن الشيخ المهدي، كان مهتما بالتراجم والتاريخ والمناقب والشعر الفصيح والزجل (الملحون) والتصوف والفقه والأدب والأنساب. وهو من العلماء الأفذاذ في الحفظ والنوادر، ومن الذين تخرجوا من جامع الزيتونة. وكان مترددا بين الوظيف الفرنسي والحركة الإصلاحية، وقد خسره الإصلاح رغم ميوله إليه وفاز به الوظيف عند الفرنسيين. فتولى الفتوى في عدة أماكن منها بجاية وأم السنام (الأصنام) حيث جمع واشترى المخطوطات النادرة.
وسأترك الآن الشيخ المهدي يتحدث بنفسه عن مكتبته. ففي رسالة منه إلي بتاريخ 14 مايو 1988. (حسب طابع البريد) من بطيوة قال (كنت اتفقت مع بعض الأصدقاء على ترتيب ما أملكه من الوثائق الأصلية وتصويرها، وقد ساعدتني التلفزة الجزائرية بالتقاط صور بعض هذه الوثائق النادرة الراجعة إلى تاريخ بلادنا الثقافي والعقائدي والسياسي، وخطوط بعض مشاهير علمائنا وزعمائنا. وسأطلعكم على بعضها إن شاء الله
…
).
وفي مراسلة أخرى أقدم من السابقة ترجع إلى 23 مارس سنة 1980، قال: أما تآليف أحمد بن يحيى الونشريسي (وكنت قد سألته عن بعضها) فعندي مجموعة خطية كنت اشتريتها من أسرة مغربية، ولا زلت لم أتصفح ما فيها، إذ كان بلغني أنه يوجد بها (كتاب) الوفيات (سألته عنه) ولم أجدها. وكل ما عثرت عليه من تآليفه (الونشريسي) الهامة إجازته - كما سماها - وفي
الحقيقة تقريضه (كذا) للدرة المكنونة في نوازل مازونة، ترجم فيها (أي الإجازة) للشيخ المازوني، وعرف بالظروف التي انتقل فيها إلى تلمسان حيث أن المازوني لم يعرفه مترجموه إلا بكون توفي بتلمسان ودفن بها).
وقبل ذلك بأيام (يوم 2 مارس 1980) أخبرني الشيخ المهدي برسالة أخرى تحدث فيها عن زيارته لمدينة أدرار وحضوره مؤتمرا في برلين ثم عن مكتبته وكثرة ما فيها من كتب ووثائق وما عليه حالها من تشويش وبعترة. قال معتذرا عن التأخر في الكتابة (كنت غائبا بأدرار، حيث دعيت للمساهمة في الأسبوع الثقافي هناك. ومنطقة توات ثرية بالآثار والوثائق النادرة، رغم تعرضها للنهب والإهمال
…
وفي هذا الصدد أذهب إلى برلين لحضور مؤتمر المستشرقين، ومحاضرتي (ستكون) (معهد شلاطة
…
) (1) حتى أنني أقضي بعض المرات، الشهور لأعثر على كتاب أو وثيقة بخزانتي المبعثرة).
وفي مراسلة أخرى جرت في 7 يناير، 1981 كتب إلي الشيخ المهدي عن مكتبته قائلا
…
(كما أنني كنت جمعت كثيرا) من المخطوطات، فيها الغث والسمين، وكنت آمل أن أرتبها وأحققها قبل نشرها، إلا أن الظروف لم تساعد، خصوصا وأن في كثير من هذه الوثائق ما يلزم الباحثين إعادة النظر في تاريخ الجزائر، خصوصا العهد العثماني، وأنني لا زلت عازما - إن أفسح الله في الأجل - أن أتفرغ لجمع هذه الوثائق على ضوء ما نشر لكم في جريدة الشعب أخيرا) (2).
وخلافاه لبعض علماء الزوايا الآخرين كان الشيخ المهدي البوعبدلي
(1) ألقي في المؤتمر المذكور بحثا عن كتاب (طراز الخياطة) في صاحب زاوية شلاطة ابن علي الشريف، والمؤلف هو العربي بن مصباح، انظر عنه الجزء الثاني من هذا الكتاب.
(2)
لا أذكر الآن ما نشر لي عندئذ. وقد عاش الشيخ المهدي بعد ذلك عشر سنوات أخرى داهمه خلالها المرض والعجز. ويبدو أنه لم يوفق إلى ما كان يطمح إليه من تنظيم وترتيب المكتبة. أما التحقيق فقد أخرج منه عملين على الأقل (الثغر الجماني) و (دليل الحيران). ومن نسخته عن (منشور الهداية) حققت أنا هذا الكتاب.
يقدر التأليف ويعمل على النشر والتحقيق ويساعد من يرغب في ذلك. وكان يمدني مراسلة ببعض مخطوطات مكتبته النادرة فآخذ منها وأصور عنها ثم أعيدها سالمة إليه، بالبريد المسجل من الطرفين. ومن ذلك كناش المفتي حميدة العمالي، وكتاب في الأدوية كنا نعتقد أنه لابن حمادوش، وبعض الأعمال المتضمنة سيرة ابن رأس العين، الخ
…
10 -
مكتبات زوايا أخرى: ولا شك أن مكتبات أخرى توجد في مختلف الزوايا التي لم نذكرها. ومن ذلك مكتبة زاوية سريانة (الشيخ المولود بوزيد) فقد رأيناها في إحدى المناسبات واجتمعنا بصاحبها رفقة الأخ العربي دحو. وكانت فيها مجموعة من المخطوطات والوثائق التي لا نعرف قيمتها ولا عددها. وقد أشرنا إليها في بعض كتاباتنا عن المنطقة. وكذلك مكتبة زاوية وادي العثمانية، وزاوية خنقة سيدي ناجي، وزوايا عديدة أخرى في الجنوب، مثل زاوية كنته. وكانت وظلت الزوايا الرحمانية على اهتمامها بالتعليم والكتب سواء في الريف الشمالي أو في الواحات الصحراوية. ومن ذلك زاوية سيدي سالم بوادي سوف. وقد اطلعنا في هذه الزاوية على بعض كتبها في إحدى زياراتنا لها على عهد الشيخ مصطفى السالمي. وكان زعيم الرحمانيين بين 1857 - 1870 هو الشيخ محمد أمزيان الحداد صاحب زاوية صدوق. وبعد ثورة 1871 اعتقله الفرنسيون وهدموا الزاوية واستولوا على المكتبة التي يبدو أنها كانت غنية. وقد جاء في بعض الكتابات أن الشيخ سليمان بن داود قد اطلع على بقايا مكتبة الحداد في فرنسا حيث وضعت في بعض مكتباتها العمومية، ونسب إلى الشيخ ابن داود قوله إن مكتبة الشيخ الحداد كانت تضم حوالي ألف مخطوط (1).
(1) يحيى بوعزيز (الأصالة) عدد 46 - 47 (يونيو - يوليو 1977)، ص 114. وقد شكك بوعزيز في حجم المكتبة وهو على حق في ذلك. وذكر أن الشيخ ابن داود روى أنه شاهد مكتبة الحداد تارة ملحقة بمكتبة اللغات الشرقية وتارة بالمكتبة الوطنية الفرنسية. والذي يهمنا الآن هو انتقال مكتبة الشيخ الحداد إلى فرنسا، وذلك يؤكد ما ذهبنا إليه من بداية هذا الفصل.