الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صرع الجن الإنس
قال تعالى:
{الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس} [البقرة: 275].
قال ابن كثير في معنى الآية: أي لا يقوم الذين يأكلون الربا في الدنيا من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المصروع حال صرعه وتخبط الشيطان له.
واستدل أهل السنة والجماعة بهذه الآية على أن الجن تدخل في بدن المصروع.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قلت لأبي: إن قوماً يقولون: إن الجن لا تدخل في بدن الإنس، قال يا بني يكذبون. هو ذا يتكلم على لسانه (أي على لسان من مسه الجن).
وذكر الدارقطني والدارمي بالسند إلى ابن عباس أن امرأة جاءت بابن لها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله. إن ابني به جنون، وإنه يأخذه عند غدائنا وعشائنا فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره ودعا له. فتفتفه (1) فخرج من جوفه مثل الجرو (2) الأسود فسعى.
وروى الإمام أحمد وأبو داود وأبو قاسم الطبراني من حديث أم أبان بنت الوازع عن أبيها أن أجدها انطلق إلى رسول اله صلى الله عليه وسلم بابن له مجنون. أو ابن أخت له. فقال يا رسول الله. إن معي ابناً لي، أو ابن أخت لي مجنون، أتيتك به لتدعو الله تعالى له. قال: ائتني به قال:
(1) أي قاء الجني.
(2)
الكلب الصغير حديث الولادة.
فانطلقت به إليه وهو في الركاب. فأطلقت عنه وألقيت عليه ثياب السفر، وألبسته ثوبين حسنين، وأخذت بيده حتى انتهيت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أدنه مني، واجعل ظهره مما يليني، قال. فأخذ بمجامع ثوبه بين أعلاه وأسفله فجعل يضرب ظهره حتى رأيت بياض إبطه ويقول: اخرج عدو الله. فأقبل (يعني المريض) ينظر نظر الصحيح ليس بالنظر الأول. ثم أقعده رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه فدعا له بماء فمسح وجهه ودعا له. فلم يكن في الوفد أحد بعد دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم يفضل عليه.
وذكر صاحب كتاب "آكام المرجان" حكاية عن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه: هي أن المتوكل أنفذ إليه صاحباً له يعلمه أن جارية بها صرع وسأله أن يدعو الله لها بالعافية. فأخرج له أحمد نعلي خشب بشراك (1) من خوص للوضوء فدفعه إلى صاحب له وقال له: تمضي إلى دار أمير المؤمنين، وتجلس عند رأس هذه الجارية وتقول له (يعني الجني) يقول لك أحمد: أيما أحب إليك. تخرج من هذه الجارية، أو تصفع بهذه النعل سبعين؟ فمضى إليه وقال له مثل ما قال له الإمام أحمد. فقال له المارد على لسان الجارية: السمع والطاعة. لو أمرنا أحمد ألا نقيم بالعراق ما أقمنا به. إنه أطاع الله، ومن أطاع الله أطاعه كل شيء. وخرج من الجارية، وهدأت ورزقت أولاداً.
ومما ذكر من الأدلة نعلم أن صرع الجن للإنس أمر ممكن وأنه وقع فعلاً. وقد كانت العرب وغيرها من الأمم تؤمن بذلك وتحكي فيه الحكايات الكثيرة. ولا غرابة فيما حكي وفيما يحكى اليوم عن الجن وتشكلهم بالأشكال المختلفة واتصالهم بالإنس بأنواع من الاتصالات.
وهذا أمر مقرر في الإسلام حتى اختلف الفقهاء في جواز التزواج بين الإنس والجن فالقلة أجازته والكثرة منعته، لأن الجن جنس غير جنس الإنس.
(1) رباط.
وتكلم كثير من علماء الإسلام عن صرع الجني الإنسي وكيفية علاج الإنسي منه وأكثر الكلام في هذا الموضوع أبو العباس ابن تيمية، وغيره وألفت في ذلك أبواب عالجت الموضوع علاجاً علمياً مبنياً على أسس إسلامية.
والخلاصة في هذا الموضوع أن علاج الإنسي المصاب بلمس الجني أمر يمكن إما بالتصالح مع الجني والتعاهد معه إن كان ذلك يصلح معه، وإما بالرقى - والتعاويذ. وأهمها قراءة آية الكرسي. فقد ذكر ابن تيمية أن الله شفى بسببها كثيرين. ومنها التخويف والإرهاب إن كان الإنسي المعالج أهلاً لذلك، ومنها كتابة التعاويذ لتشرب أو لتحمل بشرط أن يكون المكتوب ليس استعاذة بغير الله تعالى، لأن ذلك شرك، وليس استعاذة بأسماء لا تعرف معناها، لأنها غالباً ليست من أسماء الله تعالى.
فلا مانع من العلاج إذاً بأي شيء مباح. ولا يجوز بالشيء الممنوع شرعاً. ومعالجة هؤلاء المصروعين جائزة بل قد تكون مستحبة أو واجبة كما قال ابن تيمية، لأنها إغاثة لمسلم ونصرة له من ظالمه، ونصرة المظلوم واجبة لمن قدر عليها بالطريق المشروع. ويلاحظ أن تصرفات المصروع التي يفعلها رغماً عنه ولا قدرة له على ردها تصرفات لا يحاسب عليها المصروع ولا يؤاخذ بها، لأنها فوق طاقته، فهو مثل المجنون.