الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عندها قدرة عقلية ولا خيال ولا تصور للمستقبل وظروفه واحتياجاته وأن تهاجم النملة دودة أكبر منها أضعافا مضاعفة وتقفز في خفة فوق ظهرها .. وتمسكها من عنقها بفكين كالكلابتين، وتحقن في مراكوها العصبية مادة مخدرة تصيبها بالشلل .. وتفعل هذا في لحظات ثم تجرها فريسة سهلة مستسلمة إلى العش ..
كيف عرفت النملة مكان هذه المراكز العصبية للدودة؟ إنها تفعل دائما الشيئ المناسب في الوقت المناسب (1).
اللغة التي يتكلم بها النحل
تحت هذا العنوان قال الدكتور ما يأتي بطرقته الأدبية البسيطة الخفيفة القيمة:
هل ألأقيت نظرة على خلية نحل؟ إنها نظرة تستحق المخاطرة ..
على الباب سوف تجد الحراس شاكي السلاح (ومن جرب لسعة زبان النحل عرف ما هو ذلك السلاح الذي يحمي به النحل دياره).
وسوف تجد عددا من النحل لا عمل له إلا الضرب بأجنحته باستمرار لدفع الهواء النقي إلى داخل الخلية لتجديد هوائها ..
فإذا دخلت خطوة ربما رأيت فأرا ميتا لقي مصيره نتيجة شهيته التي لم يستطع مقاومتها إلى تذوق العسل، وهي معركة في العادة لا تستغرق أكثر من دقائق يتحول بعدها الفأر إلى حيوان مشلول تماما نتيجة لسع النحل ثم يموت.
ولكن المنظر المثير حقا هو منظر ملكتين من ملكات النحل تتبارزان حتى الموت وحولهما بقية الشعب يتفرج في رهبة ولا يتدخل .. فالخلية لا تتسع إلا لملكة واحدة، وعلى الملكة الثانية أن تموت أو ترحل لتبني خليتها وحدها.
(1) ا. هـ. بتصرف ص 47 إلى ص 49.
ويبدو أن النحلة العاملة مهندسة عظيمة.
تلك الجدران الجميلة المقسمة إلى آلاف الغرف السداسية البديعة ذات الهندسة المحكمة حيث تضع الملكة بيضها. كل بيضة في غرفة، ويرعى جيش النحل العامل هذا البيض حتى يتطور إلى يرقات فيطعمه بالعسل حتى يتحول إلى عذارى، فيغطيه بالحرير ويغلق عليه غرفاته حتى يستوي عوده ويتحول إلى نحل بالغ، فيخرج ليشارك في نشاط الخلية.
وثمة غرفات خاصة لخزن العسل والشمع .. وغرفات خاصة واسعة لإيواء الأميرات بنات الملكة
…
ثم جيش عاطل من الذكور لا عمل له إلا ساعة التلقيح حينما تطير الملكة خارجة من الخلية في الربيع، فيتبعها جيش الذكور وتظل ترتفع في طيرانها تساعدها أجنحتها الطويلة القوية بينما يتسابق خلفها الذكور ويهلك الواحد منهم بعد الآخر تعبا في تلك المطاردة غير المتكافئة ويتساقطون تباعا حتى يبقى واحد هو أقواهم فتهبط إليه الملكة وتستسلم ليلقحها ثم يموت هو بدوره .. وتعود الملكة حبلى لتضع بيضها وتبدأ القصة من جديد ..
تنظيم دقيق وتوزيع صارم في الوظائف، وتعاون إلى درجة الفداء ..
لا بد أن هذه النحلات تتفاهم فيما بينها بلغة ما ..
وسوف تندهش حينما تعلم أن هذه اللغة هي الرقص .. بالإشارة واللغة والحركة والرقص يتكلم النحل ..
هذه النحلة العائدة من الحقول اكتشفت زهورا قريبة مليئة بالرحيق، والإشارة التي سوف تعبر بها عن هذا الإكتشاف هي أن تدور راقصة في حركة دائرية، وهي تخفق بجناحيها ثم تضع قطرة من الرحيق فيشمل النحل العامل ليحفظ رائحتها جيدا، ثم ينطلق إلى الزهور، فإذا كانت الزهور المكتشفة بعيدة على مسافة أكثر من مائة متر فإنه لا بد أن تشير النحلة إلى مكانها بالضبط. ولهذا ترقص على شكل دائرة يشقها خط إلى نصفين .. وهذا الخط يشير إلى اتجاه الحقل الذي فيه الزهور
…
وهي سوف تمشي على
هذا الخط وهي تهز بطنها هزات سريعة إذا كان الحقل على مسافة متوسطة، وبطيئة إذا كان على مسافة كبيرة، وعيناها ستكونان دائما ناظرتين إلى اتجاه الحقل.
ويفهم النحل العامل الإشارة وينطلق إلى حيث يشير الخط على يسار الشمس أو يمينها، وبنفس الزاوية التي رسمتها النحلة أثناء رقصها فيصل إلى المكان تماما
…
الخ (1).
أظن أننا الآن وبعد هذا العرض لأعمال النحل نستطيع أن ندرك القوة الحكيمة العالمة المدبرة التي صنعت النحل وكل شيئ في إبداع رائع وتنظيم عظيم، ألا تجد ذلك كله مأخوذا من قوله تعالى في سورة النحل:{وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69)} (2).
إنك لو تدبرت الآية لوجتها في إيجاز تذكر من جوانب الروعة في النحل أكثر مما ذكره الدكتور مصطفى محمود وغيره، وقد ركزت الآيتان على موضوعات أساسية كل منها يحتاج سفرا تكتب فيه تفاصيله وهي:
1 -
اتخاذ البيوت حسب الظروف والبيئة.
2 -
اختيار الغذاء المناسب.
(1) ا. هـ. ص 56 إلى ص 60 (لغز الحياة).
(2)
النحل 68، 69.