الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مفهوم الثقافة:
كلمة "ثقف" بضم القاف وكسرها مثل "كرم وفرح" تأتي لازمة ومتعدية.
فتقول في اللازمة: ثقف يثقف ثقفا وثقافة، وتقول في المتعدية بنفسها ثقفة، وفي المتعدية بالتضعيف ثقفته، وفي المتعدية بالهمزة أثقفته.
وتأتي هذه الكلمة بمعنى الحذق والفطنة والخفة، فتقول: ثقف فلان ثقافة بمعنى صار حاذقا خفيفا فطنا.
وبمعنى الظفر والمصادفة: فتقول ثقفته في مكان كذا: أي صادفته ووجدته ومنه قوله تعالى:
{إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء} (1)
والمعنى: إن يظفروا بكم، أويصادفوكم.
وتأتي بمعنى التسوية والإعداد المناسب. فتقول: ثقفت الرماح بمعنى سويتها وأعددتها لما هي له، وهذبتها لتؤدي الغرض منها.
ويمكنك أن تعبر بالكلمة من إطلاقها على الأمور المادية إلى إطلاقها على الأمور المعنوية على سبيل المجاز، فتقول ثقفت ولدي وتلميذي، بمعنى أدبته وهذبته وسويت أخلاقه على النمط المرضي.
قال الزمخشري في أساس البلاغة: ومن المجاز: أدبه وثقفه، ولولا تثقيفك وتوفيقك لما كنت شيئا، وهل تهذبت وتثقفت إلا على يدك؟. هذه خلاصة ما نحتاجه في مقامنا هذا من معاني هذه الكلمة "ثقافة" حسبما جاء في القاموس المحيط وفي مختار الصحاح، وفي أساس البلاغة مع تصرف في النقل والتعبير.
وإذا كان المجاز قد أسعفنا في إطلاق الكلمة على معاني التهذيب والتأديب والتربية الحسنة، فهل يسعفنا هذا المجاز في إطلاق كلمة "ثقافة" على معنى آخر؟ وما هوهذا المعنى؟.
(1) الممتحنة: 2.
إن الحس الإنساني هوالأصل في إطلاق الكلمة على معنى معين، وليس العكس، أعني: ليست الكلة هي الأصل في إيجاد الحس، ولذلك يزداد نجاح الأديب والخطيب والكتب كلما ازداد استيعبا للكلمات ذات اللمسات المباشرة للمشاعر الوجدانية، والإحساسات الإنسانية التي أوحت بهذه الكلمات، وإذا كان الحس الإنساني هوالأصل في التعبير اللغوي فإن من الطبيعي أن يكون لهذا الحس على الأقل حق التصرف في التعبير اللغوي تصرف المد والجزر والإطلاق والتقييد، والتوسيع والتضييق حسب مقتضى الحال في رأي هذا الحس بشرط واحد فقط: هوأن يظل بين الأصل اللغوي وبين الإطلاق التوسيعي خيط"ولورفيع" منعا للفوضى الكلامية وحفاظا على مكانة الوعاء اللغوي من التدهور والضياع، فبضيع الإنسان نفسه، إذ اللغة قوالب المعاني، والمعاني هي التي تجعل للحياة معنى، وللإنسان كرامة، وللعقل مكانة، ولكل شيئ هوية يعرف بها.
وبناء على ذلك نقول: إن كلمة "تثقيف" في اللغة يصح أن يراد بها مجاز تهذيب وتربية وكلمة "مثقف" تطلق ويراد بها ذوالسلوك الحسن، والأدب الجم، والخلق الكريم، والعمل الصالح. فيقال: فلان مثقف بمنى أنه مؤدب وفاضل بسبب علمه ومعرفته.
وكثيرا ما نسمع هذه العبارة "مثقف" مرادا بها هذا المعنى: "مهذب" في مجتمعنا العادي الذي يعبر عن الأشياء حسب فطرته وطبيعته، فتسمع شخصا يقول لآخر: فلان لا يفعل النقائص، لأنه مثقف. بمعنى مهذب بسبب تعلمه، وفلانة أجدر بك أن تتزوجها لأنها مثقفة. تعني هذبها علمها ودراستها، فالحس الإنساني إذا صار يطلق كلمة "مثقف" ويريد بها المهذب والمؤدب تهذيبا ناشئا عن العلم والمعرفة.
(فالثقافة بناء على هذا تعبير عن السلوك الحسن الناشئ عن العلم والمعرفة) لأنه لا يتصور تهذب وتأدب وتربية بدون علم ومعرفة بالحسن الذي يطلب فعله، والقبيح الذي يطلب تركه، فالمعرفة لازمة للسلوك الحسن غالبا، ثم زاد التوسع في إطلاق الكلمة فصارت تطلق أحيانا على "العلم والمعرفة".