الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إشراقة الصفات
إن صفات الله تعالى وأسماءه الحسنى لها في نفس المؤمن إشراقة روحية يحس بها من صفا بالإيمان قلبه، وزكت بنور أسماء الله وصفاته نفسه، وتلذذ بالمعرفة بربه شعوره الداخلي ووجدانه. وهذا النور لا يتأتى من العلم وحده، فكم من عالم قوي الحجة باهر البرهان، فصيح اللسان، واسع الاطلاع، ومع ذلك تجده مغلق القلب، مصمت الحس، جامد المشاعر، همه من العلم الاحتراف به، وغاية بيانه أن يأكل الدنيا بدينه. وأن يظهر في الناس علما مرموقا يشار إليه، وأنت لا تشعر بأنه عالم إلا حين يتكلم في العلم، فإن تكلم في غيره فإن أحدا لا يجد انطباعات علمه في لسانه، كما لا تجدها في عمله وأخلاقه ومعاملاته. فهو يصلح أن يكون في العلم ورقة، أكثر مما يصلح أن يكون فيه قدوة.
وأخشى ما أخشاه على من درس علم التوحيد أن يصير بذلك ورقة علم لا أكثر، وأن تقف استفادته منه عند حد الفهم وإزالته الشبه لا يعدوها.
والذي أرجوه وأضرع إلى الله به أن يجعل العلم بصفاته تعالى نورا يغمر القلب. ونشوة تملأ الوجدان. وسعادة تسري في كيان المؤمن.
فإن المؤمن الذي يوقن بأن الله تعالى متصف بكل كمال. منزه عن كل نقص، وبأنه تعالى موجودا لا أول له، وباق بقاء لا نهاية له، وبأنه لا يشبه خلقه في شيء، وهو غني بذاته غناء مطلقا عن كل ما سواه، وأن كل ما سواه حادث ومحتاج في وجوده إليه تعالى: إن من يوقن بذلك يسعد سعادة لا حد لها لأنه يدرك أنه على ما فيه من نقص قد خلقه إله كامل. وعلى ما فيه من ضعف فهو مربوب لرب قوي. وأن سنده وملجأه في دنياه وأخراه إله منه الأمر كله، وإليه يرجع الأمر كله، فلا يليق به أن يذل لغير ربه، أو أن يخضع لغير خالقه وموجوده ومالك أمره، فهو
من الله، وبالله، وإلى الله. هو من قدرة الله وجد، وبعناية الله ورحمته يسلك سبل الحياة، ومرجعه في النهاية إلى الله، والذي يؤمن بأن الله تعالى واحد في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله إيمانا صادقا واعيا فإنه ينقض عن نفسه آثار الشرك في قوله وعمله، ويتطهر منه في تصرفاته الفعلية كما تطهر منه في عقيدته.
فالله وحده معبوده، وهو لا يعبد أحد سواه ليحقق معنى: لا إله إلا الله.
والله وحده العليم بكل شيء، لذلك لا يعرض مشاكله إلا على الله.
والله وحده القادر على كل شيء فلا يستغيث ولا يستعين إلا بالله.
والله وحده الرحمن الرحيم، فلا يرجو في كل أموره إلا الله.
والله يستجيب دعوة الداعي إذا دعاه فلا حاجة إلى وساطة بين المؤمن وبين الله سبحانه وتعالى.
إنه يشعر بأن كل شيء يبعده عن عبادة الله وطاعته هو إله معبود من دون الله، فيخجل من ربه ويتألم لكبير ذنبه، ويحاول العودة السربعة إلى التوحيد الخالص ليكون من الصادقين. والذي يؤمن بعلم الله وقدرته وإرادته، وبأنه تعالى يرى ويسمع ولا تخفى عليه خافية يجد الحياة مع الله هي الحياة، ويجد المتعة التي لا حد لها في كلمة ينطق بها لسانه، وصلاة ركعة يهتز لها كيانه، ونفع إنسان احتاج إلى مساعدته، وفعل خير لأي من مخلوقات الله تعالى. الإيمان بهذه الصفات هو الذي تعيش به مع ربك، وهو الذي يحدد سلوكك، ويقيم على الطهر حياتك، ويملأ بالأمل قلبك، ويشع النور في بيتك ومجتمعك، ويفيض الخير على من عاشرك وعرفك. هذه إشراقة من إشراقات الإيمان بصفات الله تعالى. فلعلها تؤتى في النفوس ثمارها.