المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أوجه الإعجاز في القرآن - تبسيط العقائد الإسلامية

[حسن أيوب]

فهرس الكتاب

- ‌الشيخ حسن أيوب ووراثة النبوة

- ‌المولد والنشأة

- ‌رحلة الشيخ العملية

- ‌الشيخ والحركة الإسلامية

- ‌عودته إلى مصر

- ‌مكانته عند الناس

- ‌تراث الشيخ العلمي والدعوي

- ‌الشيخ حسن أيوب في ذمة الله

- ‌داعية شعبي

- ‌التجربة الكويتية

- ‌تقديم

- ‌من أجل ثقافة إسلامية

- ‌مفهوم الثقافة:

- ‌الثقافة الإسلامية:

- ‌مصادر الثقافة الإسلامية:

- ‌أهمية الثقافة الإسلامية:

- ‌عناصر الثقافة الإسلامية:

- ‌أهمية علم العقائد

- ‌موضوعات هذا العلم

- ‌الواجب والمستحيل والجائز

- ‌حدود المعرفة السليمة

- ‌مفهوم الإيمان والإسلام شرعاً

- ‌حكم النظق بالشهادتين

- ‌بعض ما اعتبره الشرع منافيا للإيمان ومبطلا له

- ‌ما يجب في حق الله تعالى وما يستحيل وما يجوز

- ‌الصفة الأولى وجود الله - تعالى الأدلة على وجود الله تعالى

- ‌الطائفة الأولى من الأدلة (من أقوال العلماء)

- ‌الطائفة الثانية من الأدلة (من كتاب الله تعالى)

- ‌القرآن الكريم

- ‌القرآن والإنسان

- ‌القرآن وعبر الدواب

- ‌اللطيفة الأولى

- ‌اللطيفة الثانية

- ‌اللطيفة الثالثة

- ‌اللطيفة السادسة

- ‌اللطيفة التاسعة

- ‌اللطيفة العاشرة

- ‌أمام بيت النمل

- ‌اللغة التي يتكلم بها النحل

- ‌القرآن والعرض الشمولي للكون

- ‌الطائفة الثالثة من الأدلة - (من أقوال الفلاسفة والعلماء)

- ‌الطائفة الرابعة من الأدلة - (من تجاربنا)

- ‌الخلاصة

- ‌الصفة الثانية (هو الأول)

- ‌الصفة الثالثة (والآخر)

- ‌الصفة الرابعة (ليس كمثله شيء)

- ‌الصفة الخامسة (هو الغني الحميد)

- ‌الصفة السادسة (هو الله أحد)

- ‌الدليل على وحدانية الذات

- ‌الدليل على وحدانية الصفات

- ‌الدليل على وحدانية الفعل

- ‌الصفة السابعة (بكل شيء عليم)

- ‌الصفة الثامنة والتاسعة (كل شيء بإرادته وقدرته)

- ‌الصفة العاشرة (هو الحي القيوم)

- ‌الصفتان 11، 12 - (هو السميع البصير)

- ‌الصفة الثالثة عشرة (الكلام)

- ‌أسماء الله الحسنى

- ‌إشراقة الصفات

- ‌الجائز في حق الله تعالى

- ‌القضاء والقدر

- ‌منطقة الجبر

- ‌هنا لنا إرادة

- ‌الخلاصة

- ‌النبوات وإرسال الرسل

- ‌الفرق بين النبي والرسول

- ‌الإيمان بالرسل والأنبياء جملة وتفصيلا

- ‌هل يمكن اكتساب النبوة والرسالة

- ‌الفرق بين الرسل والفلاسفة وأشباههم

- ‌وظائف الرسل

- ‌ما يجب قي حق الرسل من الصفات وما يستحيل

- ‌1 - الأمانة أو العصمة

- ‌2 - الصدق:

- ‌3 - الفطانة

- ‌4 - التبليغ

- ‌الجائز في حق الرسل

- ‌المعجزة

- ‌تعريف المعجزة

- ‌إمكان المعجزة

- ‌دلالة المعجزة

- ‌ذكر بعض معجزات الرسل

- ‌معجزات النبي محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌معجزة القرآن

- ‌بم كان إعجاز القرآن

- ‌أوجه الإعجاز في القرآن

- ‌ما اختص الله به محمداً صلى الله عليه وسلم دون المرسلين

- ‌أولاً - عموم رسالته:

- ‌ثانياً - خاتم النبيين والمرسلين:

- ‌ثالثاً - نصره الله بالرعب وبينه وبين عدوه مسيرة شهر:

- ‌رابعاً - جعل الله له ولأمته الأرض مسجداً وطهوراً:

- ‌خامساً - أحل الله الغنائم له ولأمته صلى الله عليه وسلم:

- ‌سادساً - أعطاه الله الشفاعة العظمى يوم القيامة:

- ‌سابعاً - جعله الله تعالى أفضل المرسلين:

- ‌الإيمان بكتب الله تعالى

- ‌الوحي

- ‌أصل معنى الوحي

- ‌أنواع وحي الله تعالى إلى أنبيائه

- ‌الأولياء

- ‌تعريف الولي

- ‌تعريف الكرامة

- ‌تحذير

- ‌السمعيات: معناها - مصدرها

- ‌مقدمة

- ‌الملائكة

- ‌الدليل على وجود الملائكة، ووجوب الإيمان بهم:

- ‌حكم إنكار الملائكة

- ‌عصمة الملائكة

- ‌الجن والشياطين

- ‌لطيفة:

- ‌من أي شيء خلق الجن؟ وما حقيقتهم

- ‌هل كان في الجن نبي منهم قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌صلة الجن بالإنسان

- ‌الجن تسخر لسليمان عليه السلام

- ‌ظهور الجن والشياطين في صور شتى

- ‌صرع الجن الإنس

- ‌تحضير الأرواح

- ‌الأجل

- ‌سؤال القبر، ونعيمه وعذابه

- ‌اليوم الآخر

- ‌1 - علامات الساعة الصغرى:

- ‌2 - العلامات الكبرى

- ‌1 - طلوع الشمس من المغرب: وهي أول الآيات الكبرى المؤذنة بتغيير أحوال العالم العلوي حتى ينتهي بقيام الساعة.روى عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أول الآيات خروجاً طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضحى. وأيتهما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على أثرها قريباً" أخرجه أحمد وابن ماجه وأبو داود ومسلم واللفظ له.وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون وذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيراً". أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود وابن ماجه.والمعنى أنه إذا طلعت الشمس من المغرب فإن الإيمان حينئذٍ لا ينفع نفساً لم تكن مؤمنة قبل ذلك. كما لا تنفع التوبة نفساً كانت عاصية قبلها. وهذا بالنسبة لمن طلعت عليه الشمس وهو بالغ مكلف والله أعلم.وطلوع الشمس من المغرب يكون في يوم ثم تطلع من الشرق كعادتها وإذا طلعت من المغرب غربت في المشرق. وحينئذ يغلق باب التوبة إلى يوم القيامة على القول الراجح بالنسبة لمن طلعت عليهم وهم بالغون لقوله تعالى:{يوم يأتي بعض آيات ربك لا يفنع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً} [الأنعام: 158].والمراد ببعض آيات الرب طلوع الشمس من المغرب كما في الحديث السابق

- ‌2 - خروج الدابة:

- ‌3 - خروج المسيح:

- ‌4 - نزول المسيح عيسى عليه السلام وقتله الدجال:

- ‌5 - يأجوج ومأجوج:

- ‌6 - الريح التي تقبض أرواح المؤمنين:

- ‌مشتملات اليوم الآخر

- ‌1 - البعث:

- ‌2 - الحشر:

- ‌3 - الحساب:

- ‌4 - صحائف الأعمال:

- ‌5 - الميزان:

- ‌6 - الصراط:

- ‌7 - الحوض:

- ‌8 - الشفاعة:

- ‌9 - النار:

- ‌10 - الجنة:

- ‌11 - رؤية الله تعالى:

- ‌ما ليس من التوحيد

- ‌1 - إطاعة من حرم ما أحل الله وأحل ما حرم الله مع العلم بذلك

- ‌2 - الذبح لغير الله تعالى

- ‌4 - الذبح بمكان يذبح فيه لغير الله أو فيه معبود غير الله

- ‌5 - النذر لغير الله تعالى

- ‌6 - الاستعاذة بغير الله تعالى من الجن والشياطين وغيرها

- ‌7 - دعاء غير الله والاستغاثة به

- ‌8 - الغلو في الأنبياء والصالحين

- ‌9 - الرياء

- ‌10 - السحر

- ‌11 - إتيان الكهان والعرافين بجميع أنواعهم

- ‌12 - كل قول أو فعل يتنافى مع الإيمان

- ‌العبادات وصلتها بالعقيدة

- ‌معناها

- ‌العبادة حسب المفهوم الخاص

- ‌مكانة العبادة وصلتها بالعقيدة

- ‌آثار العبادة النفسية والاجتماعية

- ‌بين العقيدة والأخلاق

- ‌تقديم

- ‌معنى الخلق

- ‌الأخلاق طبيعية أم كسبية

- ‌خطر يجب تداركه

- ‌الإسلام ومكارم الأخلاق

- ‌الضمير والأخلاق

- ‌تكملة ذات أهمية - أهم الفرق الإسلامية

- ‌نشأة علم الكلام أو علم التوحيد

- ‌نشأة الفرق الإسلامية

- ‌الخوارج

- ‌المرجئة

- ‌الجبرية

- ‌القدرية الأولى

- ‌ المعتزلة

- ‌أهل السنة

- ‌الشيعة

- ‌الزيدية

- ‌الإمامية - الإثنا عشرية - الإسماعيلية

- ‌النصيرية

- ‌البابية - البهائية - القاديانية (الأحمدية)

- ‌خاتمة

- ‌المراجع

الفصل: ‌أوجه الإعجاز في القرآن

لذلك اجتهد العلماء من السلف والخلف في استنباط أوجه الإعجاز في كتاب الله تعالى وسيظلون يجتهدون ويستنبطون إلى يوم القيامة. فإن كتاب الله تعالى يكفي في عظمته وسموه ورفعته أنه كتاب الله، ولأنه كذلك عجز الإنس والجن عن أن يأتوا بسورة كأقصر سورة منه. لكن العقل الإنساني وإن عجز عن الإتيان بمثل القرآن فإنه لم يعجز عن المحاولات الكثيرة ليستشف بعض الأوجه في إعجاز القرآن الكريم. وساعد العقل على ذلك في صدر الإسلام تمكن العرب المسلمين من أساليب الفصاحة والبلاغة وبلوغهم فيها شأواً بعيداً، وساعده على ذلك بعد صدر الإسلام إلى يوم اطراد التقدم البشري في العلوم الكونية والإنسانية وغيرها مما جعل المسلمين المنصفين ينظرون إلى القرآن الكريم باعتباره الكتاب الإلهي الوحيد الذي (بقي) وسيظل شامخاً جامعاً شاملاً كل حاجات الإنسانية. فيجدون أن هذا القرآن الكريم يعايش الحياة كلها. أرضها وسماءها، محسوسها ومعنوياتها وأنه يجمع بين دفتيه علوماً لا حصر لها، وأن أي خطوة يخطوها الإنسان في اكتشاف أو اختراع أو تشريع أو تقنين عادل فإن القرآن الكريم يعتبر سابقاً بالإشارة أو العبارة كل ما يصل إليه البشر. ونحن حين نقدم للأمة بعض أوجه الإعجاز فإننا لا نريد الحصر بما نقدم. إنما نقدم الأهم الذي يفتح لك آفاق البحث والاستزادة إن أردت المزيد. فقد اقتصر بعض العلماء على أربعة أوجه لإعجاز القرآن، وأوصلها بعضهم إلى عشرة أوجه، وأوصلها آخرون إلى ستين وجهاً، وآخرون بلغوا بها أكثر من ذلك.

‌أوجه الإعجاز في القرآن

الوجه الأول: حسن تأليفه وتناسق كلماته، وفصاحته، ووجوه إيجازه وبلاغته الخارقة عادة العرب. فإن العرب الذين كان الكلام طوع أمرهم، والبلاغة ملك قيادهم،

ص: 154

قد حووا فنونها، واستنبطوا عيونها، ودخلوا كل باب من أبوابها، وعلواً لبلوغ أسبابها، وبلغوا من الفصاحة قمتها، وأوتوا من ذرابة اللسان ما لم يؤت إنسان، وقالوا في الخطير والمهين، وتفننوا في الغث والسمين، وتساجلوا في النظم والنثر. ما راعهم إلا رسول كريم بكتاب عزيز، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، أحكمت آياتهن وفصلت كلماته، وبهرت بلاغته العقول، وظهرت فصاحته على كل مقول، وتضافر إيجازه وإعجازه، وتظاهرت حقيقته ومجازه، وتبارت في الحسن مطالعه ومقاطعه، وحوت كل البيان جوامعه وبدائعه، واعتدل مع إيجازه حسن نظمه، وانطبق على كثرة فوائده مختار لفظه (1) فلم يسعهم بعد المحاولات والمشاورات والمؤتمرات والافتراءات إلا أن يخضعوا مذعنين، وأن يقروا خاضعين بأن ما يسمعونه من القرآن ليس من نوع ما ألفوا، ولا من جنس ما عرفوا، ولا هو في طوق واستطاعة أحد منهم. وصدرت من مجالسهم الخاصة واجتماعاتهم المغلقة اعترافات تعلن عجزهم، وتشهد عليهم بأن موقفهم من القرآن ليس إلا مكابرة وعناداً. من هذه الاعترافات أن الوليد بن المغيرة لما سمع قوله تعالى:{إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون} [النحل: 90]. قال: والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق، وإن أعلاه لمثمر، وما يقول هذا بشر. وسمع أعرابي رجلاً يقرأ:{فاصدع بما تؤمر .. } [الحجر: 94]، فسجد وقال:

(1) الرسالة الحميدية.

ص: 155

سجدت لفصاحته. وسمع آخر رجلاً يقرأ: {فلما استيئسوا منه خلصوا نجيّاً} [يوسف: 80]. فقال أشهد أن مخلوقاً لا يقدر على مثل هذا. وحكى الأصمعي أنه سمع كلام جارية فقال لها: قاتلك الله! ما أفصحك؟ فقالت: أو يعد هذا فصاحة بعد قول الله تعالى: {وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه، فإذا خفت عليه فألقيه في اليمّ ولا تخافي ولا تحزني، إنا رادّوه إليك وجاعلوه من المرسلين} [القصص: 70]. فجمع في آية واحدة بين أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين؟؟؟؟ (1).

الوجه الثاني: صورة نظمه العجيب والأسلوب الغريب المخالف لأساليب كلام العرب ومناهج نظمها ونثرها. فإن الأسلوب الذي جاء القرآن عليه، ووقفت مقاطع آيه، وانتهت فواصل كلماته إليه، لم يوجد قبله ولا بعده نظير له، ولا استطاع أحد مماثلة شيء منه، بل حارت فيه عقولهم، وتدلهت دونه أحلامهم، ولم يهتدوا إلى مثله في جنس كلامهم من نثر أو نظم أو سجع أو رجز أو شعر فهو نوع متميز كل التمييز في كل شيء وحتى في تسمية جملته قرآناً وفي تسمية أجزائه سوراً وآياته تنتهي بفواصل، وذلك بدلاً من الديوان والقصيدة والبيت والقافية مما تعارف عليه العرب. لذلك لما سمع عتبة بن ربيعة القرآن وهو من أشد الناس عداوة له - قال يا قوم

قد علمتم أني لم أترك شيئاً إلا وقد علمته وقرأته وقلته، والله لقد سمعت قولاً والله ما سمعت مثله قط، وما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة. وفي صحيح مسلم أن أنيساً أخا أبي ذر قال لأبي ذر: لقيت رجلاً بمكة على دينك يزعم أن الله أرسله، قلت: فما يقول الناس؟ قال: يقولون:

(1) الشفاء للقاضي عياض.

ص: 156

شاعر، كاهن، ساحر، وكان أنيس شاعراً ناقض اثني عشر شاعراً في الجاهلية فقال أنيس: لقد سمعت قول الكهنة، فما هو بقولهم، ولقد وضعت قوله على أمراء الشعر فلم يلتئم على لسان أحد بعدي أنه شعر، والله إنه لصادق وإنهم لكاذبون. والإعجاز بكل واحد من النوعين السابقين: 1 - الإيجاز والبلاغة بذاتها، 2 - والأسلوب الغريب بذاته - كل منهما نوع إعجاز على التحقيق. وهذان الوجهان لازمان كل سورة وكل آية وبهما يتميز مسموع كل آية وكل سورة عن سائر كلام البشر، وبهما وقع التحدي والتعجيز.

الوجه الثالث: الإخبار عن الأمور التي تقدمت من نشأة الحياة إلى وقت نزول القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم وهو النبي الأمي الذي ما كان يتلو من قبله من كتاب ولا يخطه بيمينه، فأخبر بما كان من قصص الأنبياء مع أممها، والقرون الخالية في دهرها، وأجاب عن تحديات أهل الكتاب حين سألوه عن قصة أهل الكهف، وشأن موسى والخضر عليهما السلام، وحال ذي القرنين، وغير ذلك، فجاءهم بما عرفوا من الكتب الثابتة صحتها مع أنه أمي من أمة أمية لها علم بذلك، ومع أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن مختلطاً بأهل الآثار والتاريخ، وحملة الأخبار، ولم يكن متردداً إلى المتعلم منهم. فلم يبق سبب لعلمه بذلك كله إلا الوحي الذي أنزل عليه من ربه.

الوجه الرابع: الإخبار بالمغيبات في المستقبل وهي التي لا يمكن الاطلاع عليها إلا بالوحي وهي التي أخبر عنها القرآن بأنها ستقع فوقعت كما أخبر ولم يتخلف منها شيء. من ذلك قوله تعالى: {لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون} [الفتح: 27].

ص: 157

ومنه قوله تعالى: {غلبت الروم. في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون. في بضع سنين} [الروم: 2 - 3 - 4]. ومنه قوله تعالى: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً} [الفتح: 28]. ومنه قوله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر: 09]. ومنه قوله تعالى: {إنا كفيناك المستهزئين} [الحجر: 95]. وكان المستهزئون نفراً من بمكة ينفرون الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم فلما نزلت هذه الآية بشر أصحابه بأن الله كفاه إياهم فهلكوا جميعهم. ومنه قوله تعالى: {والله يعصمك من الناس} [المائدة: 67]، فحفظه الله وعصمه من كل من رام قتله والفتك به صلى الله عليه وسلم.

الوجه الخامس: الروعة التي تلحق قلوب سامعيه، والهيبة التي تعتريهم عند تلاوته لقوة تأثيره، وزيادة خطره. ولذلك كان وقع القرآن على المكذبين أعظم وأخطر، وكانوا يخشون تأثيره على أنفسهم ونسائهم وأولادهم، وكانوا يقولون - خوفاً من تأثيره عليهم-:

ص: 158

{لا تسمعوا لهذا القرآن، والغوا فيه لعلكم تغلبون} [فصلت: 26]. وكان كبراؤهم هم يمنعون أتباعهم من الاستماع إلى القرآن الكريم، كما يؤذون من يجهر بالقرآن من المسلمين ولو كان يقرأ في فناء داره. والسيرة مليئة بالأمثلة الموضحة لذلك. وأما المؤمنون فإن روعة كتاب الله تعالى وقوة تأثيره في نفوسهم وهيبته في قلوبهم جعلتهم يعشقون هذا الكتاب الإلهي ويهجرون ما سواه من أشعار وخطب، ويعيشون مع القرآن الذي أخذ بمجامع قلوبهم، واستولى على مشاعرهم ووجدانهم، وأسر بروعته عقولهم، وهذب بكماله نفوسهم، ووصل بالله أرواحهم. فهم من يوم أن عرفوه عشقوه، وبمجرد أن قرأوه تمثلوه، فصارت أحرفه نغماً عذباً في أسماعهم، وكلماته نوراً يتلألأ في قلوبهم، وأحكامه وحكمه دواء روحياً لأمراضهم ومتاعبهم. وفي جوف الليل يسمع المار بأي بيت فيه مسلم دوياً عذباً حلواً مصدره قارئ يرتل كتاب الله، وفي شعاب الجبال ووديانها بمكة أفراد هربوا في جنح الظلام ليستمعوا بتلاوة كتاب الله. وسقطت سياط العذاب على رؤوس المسلمين وجسومهم فآلمت ومزقت، وألقيت الصخور الحامية على صدور المؤمنين فأثقلت وعذبت، ووضعت الأغلال في الرقاب والقيود في الأرجل فأنهكت وأتعبت. ومع ذلك كله انتفضت القلوب المؤمنة بحب الله هون عليها كل عذاب، وانطلقت ألسنة الموحدين باسم الله مخترقة كل حاجز وحجاب، وتحملت عذاب الجبابرة فتيات ناعمات، ونساء مرفهات، وصبية أعوادهم رطبة كنبت الربيع. ما السر في ذلك كله؟ وما هو الروح الجديد الذي سرى في دماء المؤمنين؟ وما هو السحر الذي استولى على نفوس المسلمين؟.

ص: 159

إنه كتاب الله. الذي جعله الله يفعل ذلك كله وهو القائل فيه: {الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله} [الزمر: 23]. وهو القائل: {لو أنزلنا هذا القرآن على جبلٍ لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله} [الحشر: 21].

الوجه السادس: كونه آية باقية، ومعجزة خالدة لا يؤثر فيها مر السنين ولا يقلل من شأنها توالي الأحقاب إلى يوم القيامة. وهو مع وجود أسباب بقائه وخلوده تكفل الله بحفظه وصيانته فقال تعالى:{إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر: 09]. وقال تعالى: {وإنه لكتاب عزيز. لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد} [فصلت: 41 - 42]. مع العلم بأن سائر معجزات الأنبياء انقضت بانقضاء أوقاتها، ولم يبق إلا خبرها، أما القرآن الكريم فقد ظل باهرة آياته، ظاهرة معجزاته، سليمة حروفه وكلماته، لم يستطع أحد تغيير حرف منه بأخر، أو نقل كلمة عن مكانها، أو آية إلى سورة غير سورتها، ومن رام شيئاً من ذلك فضحه الله وكشفه وباءت بالفشل محاولاته، ولقد مضى على نزوله أربعة

ص: 160

عشر قرناً ولا يزال غضاً طرياً معجزاً جميع البشر محفوظاً بحفظ الله من أي تحريف أو تبديل مع مروره خلال تلك القرون على أهل البيان، وحملة علم اللسان، وأئمة البلاغة، وفرسان البراعة، والملحد فيهم كثير. والمعادي للشرع عدد وفير، فما منهم من أحد استطاع معارضته، أو قدر على مطعن صحيح فيه، وسيظل كذلك إلى يوم القيامة.

الوجه السابع: جمعه لعلوم ومعارف لا عهد للعرب بها عامة، ولا لمحمد صلى الله عليه وسلم قبل نبوته خاصة بمعرفتها، ولا يحيط بها أحد من علماء الأمم، ولا يشتمل عليها كتاب من كتبهم، فقد جمع في هذا الكتاب من بيان علم الشرائع والتنبيه على طرق الحجج العقلية، والرد على فرق الأمم ببراهين وأدلة بينة سهلة الألفاظ، موجزة المقاصد. كما حوى من علوم السير وأبناء الأمم والمواعظ والحكم، محاسن الآداب والشيم، وأخبار الدار الآخرة، وأخبار وأحوال كثير من العالم الغيبي، فلم يترك القرآن علماً إلا ذكره، ولا فناً إلا نبه إليه، ولا كمالاً إلا حض عليه. وسيظل القرآن بحر علوم وفنون لا ينفد، ومنار هداية لمن استرشد، وبرهان الحقائق ما كبر منها وما صغر وصدق الله القائل:{ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين} [النحل: 89]. والقائل: {ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون} [الزمر: 27]. وصدق صلى الله عليه وسلم إذ قال في هذا القرآن: "إن الله أنزل هذا القرآن آمراً وزاجراً، وسنة خالية، ومثلاً مضروباً، فيه نبؤكم،

ص: 161

وخبر ما كان قبلكم، ونبأ ما بعدكم، وحكم ما بينكم، لا يخلقه طول الرد، ولا تنقضي عجائبه. هو الحق ليس بالهزل، من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن خاصم به فلج، ومن قسم به أقسط، ومن عمل به أجر، ومن تمسك به هدى إلى صراط مستقيم، ومن طلب الهدى من غيره أضله الله، ومن حكم بغيره قصمه الله، هو الذكر الحكيم، والنور المبين، والصراط المستقيم، وحبل الله المتين، الشفاء النافعن عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن اتبعه، لا يعوج فيقوم ولا يزيغ فيستعتب، ولا تنقضي عجائبه

" وهذا الحديث بالموقوف أشبة.

الوجه الثامن: أن القرآن جمع بين الدليل ومدلوله. وبيان ذلك أن الاحتجاج على أن القرآن من عند الله أثبت بنظم القرآن وحسن وصفه وإيجازه وبلاغته، وأثناء قراءتك للقرآن للوقوف على بلاغته وفصاحته وجمال أسلوبه وبراعة إيجازه. يقابلك أمر القرآن ونهيه، ووعده ووعيده، فالقارئ للقرآن يفهم دليل إعجازه، وأدلة أحكامه وتكليفه معاً، من كلام واحد، وسورة منفردة.

الوجه التاسع: أن الله تعالى يسر حفظه لمن يريد تعلمه. قال تعالى: {ولقد يسرنا القرآن للذكر، فهل من مدكر} [القمر: 17]. فالقرآن ميسر حفظه للصغير والكبير، وللرجل والمرأة، في أقرب مدة وأقل زمن، لو قيس حفظه بحفظ أي شيء سواه. وسائر الأمم لا يحفظ كتبها منهم أحد، أما القرآن الكريم فيحفظه، في كل عصر مئات الألوف. ولذلك نقل القرآن الكريم من جيل إلى جيل عدد وفير حفظه في الصدور، وأحسن قراءته وترتيله، ولقنه تلامذته وأتباعه، وهذا التواتر السليم الصحيح الدقيق لم يحدث لكتاب غير القرآن. وذلك راجع إلى يسر حفظه وكثرة حفظته في كل عصر.

الوجه العاشر: اشتمال القرآن على تشريع انتظم قانوناً عادلاً مؤلفاً من مواد قليلة تتضمن أحكاماً كلية، ومبادئ عامة في كل الفروع وذلك ما لم يحصل لغيره من الكتب السماوية: قال الله تعالى: {وكل شيء فصلناه تفصيلاً} [الإسراء: 12].

ص: 162

الوجه الحادي عشر: يتضح لقارئ كتاب الله تعالى المتصل بالعلوم الإنسانية والكونية وغيرها أنه ما من حقيقة علمية يصل العقل البشري إليها إلا ويجد لها أصلاً في كتاب الله تعالى عن طريق الإشارة أو العبارة. اقرأ في الدلالة على أن الأرض معلقة في الفضاء قوله تعالى: {خلق السموات بغير عمدٍ ترونها، وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم} [لقمان: 10]. والمعنى أن الله أوجد الجبال في الأرض حتى تظل محتفظة بتوازنها فلا تميد (تميل) بمن عليها، ولا يفهم حفظ التوازن بالنسبة للأرض إلا على أنه دليل على تعلقها في الفضاء. واقرأ في علم الأجنة قوله تعالى:{ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين. ثم جعلناه نطفة في قرار مكين. ثم خلقنا النطفة علقة، فخلقنا العلقة مضغة، فخلقنا المضغة عظاماً، فكسونا العظام لحماً، ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين} [المؤمنون: 12 - 13 - 14]. وسبقت أمثلة كثيرة في الأدلة على وجود الله تعالى. وإذا قرأت المزيد من ذلك فاقرأ التفاسير والكتب التي اهتمت بهذا النوع من الدراسات لتؤمن إيماناً قوياً بروعة القرآن الكريم، وبإعجازه الخالد، ولكن حذار أن تظن أن القرآن أنزل ليكون كتاب علوم كونية وإنسانية من هذا النوع. إن القرآن أنزل ليكون هداية للناس من ضلال وتقويماً من انحراف، وتيسيراً للوصول إلى الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة

ص: 163

عن طريق علاج الإنسان من أمراضه النفسية والقلبية والخلقية، وصبغه الصبغة التي تتفق مع تكريم الله له.

وهذا هو الهدف من القرآن الكريم كما ذكر في غير آية منه، وما ذكر في القرآن من علوم وفنون وغيرهما فللوصول إلى الهدف المذكور، وهذا موضوع تورط فيه كثيرون حتى إن بعضهم جعل همه كله شغل الناس بتفسير زعم أنه عصري ولم يكن له علم بأصول التفسير، وموازينه الدقيقة فأخطأ كثيراً وأصاب قليلاً وصرف الناس عن الهدف إلى الوسيلة فغفر الله له ورحمه.

ص: 164