الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 - النذر لغير الله تعالى
قال تعالى: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب
العالمين. لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين} [الأنعام: 162 - 163].
في هاتين الآيتين أمر من الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن يقول لمن يشركون مع الله غيره في العبادة: إن صلاتي بجميع أنواعها وذبيحتي التي أذبحها للتقرب إلى الله تعالى، وما أعمله في حياتي من القربات وما أعمله عند الممات منها مثل الوصية بالصدقة وغيرها. كل ذلك أجعله لله وحده خالصاً من إشراك أحد معه تعالى، وبهذا الإخلاص أمرت وأنا أول مسلمي أمتي وأول من علمها ودلها على الله والإخلاص له والصدق معه.
والنذر بإجماع المسلمين نوع من العبادة التي يتقرب بها إلى الله تعالى فإن كان خالصاً له فهو نذر صحيح ومشروع وإن كان لغير الله فهو حرام وباطل وإليك أقوال العلماء في ذلك لتعرف حكم النذر للنبي أو للولي أو الأماكن أو الأشياء مما فتن به المسلمون.
قال الرافعي في شرح المنهاج: وأما النذر للمشاهد التي على قبر ولي أو شيخ أو على اسم من حلها من الأولياء أو تردد في تلك البقعة من الأولياء، والصالحين، فإن قصد الناذر بذلك - وهو الغالب أو الواقع من قصود العامة - تعظيم البقعة أو المشهد أو الزاوية أو تعظيم من دفن بها أو نسبت إليه أو بنيت على اسمه فهذا النذر باطل غير منعقد، فإن معتقدهم أن لهذه الأماكن خصوصيات، ويرون أنها مما يدفع به البلاء، ويستجلب
بها النعماء، ويستشفي بالنذر لها من الأدواء، حتى أنهم ليذرون لبعض الأحجار لما قيل لهم: إنه استند إليها عبد صالح، وينذرون لبعض القبور السرج والشموع والزيت، ويقولون: القبر الفلاني أو المكان الفلاني يقبل النذر، يعنون بذلك أنه يحصل به الغرض المأمول من شفاء المريض أو قدوم الغائب أو سلامة المال وغير ذلك من أنواع نذر المجازاة، فهذا النذر على هذا الوجه الباطل لا شك فيه.
وقال الشيخ الحنفي في شرح درر البحار:
النذر الذي ينذره أكثر العوام على ما هو مشاهد كأن يكون للإنسان غائب أو مريض أو له حاجة، فيأتي إلى بعض الصلحاء ويقول: يا سيدي فلان، إن رد الله غائبي، أو عوفي مريضي، أو قضيت حاجتي، فلك من الذهب كذا، أو من الفضة كذا، أو من الطعام كذا، أو من الماء كذا، أو من الشمع كذا. فهذا النذر باطل بالإجماع لوجوه: منها أنه نذر لمخلوق، والنذر لمخلوق لا يجوز، لأنه عبادة، والعبادة لا تكون لمخلوق.
ومنها: أن المنذور له ميت، والميت لا يملك.
ومنها: أنه ظن أن الميت يتصرف في الأمور دون الله، واعتقاد ذلك كفر
…
إلى أن قال: إذا علمت هذا، فما يؤخذ من الدراهم والشمع والزيت وغيرها وينقل إلى ضرائح الأولياء تقرباً إليها فحرام بإجماع المسلمين، ولا يحل لأحد الانتفاع به بأكل أو غيره ولو كان فقيراً.
وقال الشيخ صنع الله الحلبي الحنفي في الرد على من أجاز الذبح والنذر للأولياء: فهذا الذبح والنذر إن كان على اسم فلان فهو لغير الله فيكون باطلاً، وفي التنزيل {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} [الأنعام: 121]. {قل إن صلاتي
…
} ثم قال: والنذر لغير الله إشراك مع الله كالذبح لغيره.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وأما ما نذر لغير الله كالنذر للأصنام والشمس والقمر والقبور ونحو ذلك فهو بمنزلة أن يحلف بغير
الله من المخلوقات، والحالف بالمخلوقات لا وفاء عليه ولا كفارة، وكذلك الناذر للمخلوقات، بل عليه أن يستغفر الله من هذا، ويقول ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم:"من حلف وقال في حلفه واللات والعزى، فليقل: لا إله إلا الله".
وقال في من نذر للقبور أو نحوها دهناً لتنور به ويقول: إنها تقبل النذر كما يقوله بعض الضالين، وهذا النذر معصية باتفاق المسلمين، لا يجوز الوفاء به، وكذلك إذا نذر مالاً لسدنة أو المجاورين العاكفين بتلك البقعة، فإن فيهم شبهاً من السدنة التي كانت عند اللات والعزى ومناة، يأكلون أموال الناس بالباطل، ويصدون عن سبيل الله. والمجاورون هناك فيهم شبه من الذين قال الخليل فيهم:{ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون} والذين مر موسى عليه السلام وقومه عليهم بعد النجاة من مصر، قال تعالى:
{وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قومٍ يعكفون على أصنامٍ لهم} [الأعراف: 138].
فالنذر لأولئك السدنة والمجاورين في هذه البقاع نذر معصية، وفيه شبه من النذر لسدنة الصلبان والمجاورين عندها، أو لسدنة الأبداد في الهند والمجاورين عندها.
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه"، "زاد الطحاوي: "وليكفر عن يمينه" فيستدل من الحديث أن هناك نذراً بمعصية فلا يجوز تنفيذه، والنذر لغير الله تعالى هو نذر بمعصية فلا يحل أن ينفذ.
قال الحافظ: وقد يستدل بالحديث على صحة النذر في المباح كما هو