الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهم قد زادهم الله هدى بعد أن اهتدوا.
وقال تعالى: {وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ} (1)
فهو أناب إلى الله فهداه وثبته. إذن فهي أيضا أسباب ومسببات.
والله تعالى هو خالق الكون، وخالق السنن، ومرتب المسببات على الأسباب، وهو الذي قدر السبب والمسبب، فالكل منه وإليه كما قال تعالى:
{قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللهِ} (2)
وأمور الدين كأمور الدنيا داخلة في سنن الكون كما خلقه الله وقدره، وهذا هو فهم الرسول (صلى) لآيات الله تعالى، وعنه فهم صحابته رضي الله عنهم، فجاهدوا في سبيل الله وعملوا في حياتهم على هذا الأساس، حتى أقاموا دينا، وبنوا دولة، وأسسوا خير أمة أخرجت للناس، ولن تجد في مسيرتهم الطويلة موضعا للتواكل والاعتماد على القدر مع ترك الواجب.
القضاء والقدر
الخلاصة
والخلاصة التي يمكن الاهتداء إليها والاعتماد عليها أخذا بما ورد في كتاب الله تعالى أن الله تعالى ثبت له العلم والقدرة والإرادة، فما من شيء إلا وهو داخل تحت علمه تعالى ومخصص بإرادته ومنفذ وواقع بقدرته.
كما ثبت أن للإنسان علما وإرادة وقدرة، وأن ما ثبت للإنسان هو مستمد من الله تعالى، كما ثبت أن قضية القضاء والقدر مبنية على ثبوت علم الله تعالى وإرادته وقدرته.
(1) الرعد: 27.
(2)
النساء 78
وأن ثبوت حرية الإنسان في عمله الإرادي ناشىء عما وهبه الله وأعطاه من علم وإرادة وقدرة، وأن تكليف الله عباده ومجازاتهم على أعمالهم مترتب على ذلك أيضا.
والمنطقة المجهولة التي لم يستطع الإنسان أن يكشف غامضها إلى اليوم هي منطقة نوع الصلة بين علم الله تعالى وإرادته وقدرته، وبين علم الإنسان وإرادته وقدرته.
ولكن هل هذه وحدها هي منطقة الغموض فيما يتصل بشأن الله تعالى؟ إن جميع صفات الله تعالى نحن لا نعرف منها إلا أسماءها وبعض آثارها، أما حقائقها فهي كذاته تعالى: يستحيل على الإنسان إدراكها.
وإذا كنا نؤمن بذلك إيمانا لا شك فيه، فلماذا إذا نأتي إلى قضية القضاء والقدر فنحاول سبر غورها، وإدراك سبر غورها، وإدراك حقيقتها، وهي لا تعدو أن تكون شأنا من شؤون الله تعالى وخاصة به وليست شأنا من شؤون البشر؟.
إن الله تعالى خلقنا وأمرنا ونهانا، وخاطب عقولنا، وكرم فينا إنسانيتنا، وعاملنا بقدر ما أعطانا من قدرة فهم، وقدرة عمل، وجعل حياتنا في عمومها تقوم على الأسباب والمسببات، سواء فيها عالمها العلوي وعالمها السفلي، وسواء فيها الإنسان وغيره من المخلوقات، والله تعالى ثبت لنا من صفاته مع العلم والإرادة والقدرة صفات الحكمة والعدل والرحمة وأنه لا يظلم مثقال ذرة، ولا يكلف نفسا إلا وسعها، وأنه رفع القلم عن النائم والمجنون والصبي والمكره.
فعلينا إذن أن نشغل أنفسنا بما هو مطلوب منا، ولن نجد القدر يوما معوقا لنا بل سنجده يساعدنا ويمدنا بالقوة ويأخذ بأيدينا ما دمنا عاملين مخلصين.
ولماذا كان موضوع القدر هو الشاغل لأمة الإسلام في حال ضعفها وتأخرها وانحطاطها؟ أليس ذلك ليجد المهمل والمقصر والمتواكل وجميع
الحمقى مظلة يترامون تحتها في بلاهة وغفلة وسقوط يسمونها القضاء والقدر؟ والله يعلم أن القضاء والقدر بريئان من أمثال هؤلاء الذين كانوا خزيا لأمتهم، وعارا لدينهم، وعبئا على الذين يريدون أن ينطلقوا باسم الله كما انطلق آباؤهم الأولون، في بناء وعبادة ونفع للإنسانية ودفع لركبها إلى حضارة نظيفة مؤمنة، تنفيذا لأمر الله القائل:{وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (1)
(1) التوبة: 105.