الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطائفة الثالثة من الأدلة - (من أقوال الفلاسفة والعلماء)
1 -
قال الأستاذ مومنيه في مجلة الكوسموس سنة 1893م في بحث يثبت به وجود الله: "إن افترضنا بطريقة تعلو عن متناول العقل أن الكون خلق اتفاقا بلا فاعل مريد مختار، وأن الاتفاقات المتكررة توصلت إلى تكوين رجل فهل يعقل أن الاتفاقات أو المصادفات تكون كائنا آخر مماثلا له تماما في الشكل الظاهري ومباينا له في التركيب الداخلي وهو المرأة بقصد عمارة الأرض بالناس وإدامة الناس فيها"؟ قال:"أليس يدل هذا وحده على أن في الوجود خالقا مريدا مختارا أبدع الكائنات، ونوع بينها وغرز في كل نوع غرائز ومتعة بمواهب يقوم بها أمره ويرتقي عليها نوعه؟ ".
قال الأستاذ محمد فريد وجدي تعليقا على هذا البرهان: نقول: إن هذا البرهان الذي ظن الأستاذ مومنيه، أنه أول من لفت الأنظار إليه مستمد من قوله تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} (1)
2 -
أما ديكارت فأعطى على وجود الخالق أدلة ثلاثة:
(أولها) قال: إني مع شعوري بنقص ذاتي أحس في الوقت ذاته بوجوب وجود ذات كاملة وأراني مضطرا للاعتقاد بأن هذا الشعور قد غرسته في ذاتي تلك الذات الكاملة المتحلية بجميع صفات الكمال، وهي الله.
(ثانيا) قال ديكارت: إني لم أخلق ذاتي بنفسي، وإلا فقد كنت أعطيها سائر صفات الكمال التي أدركها. إذن أنا مخلوق بذات أخرى،
(1) الروم: 21، دائرة معارف وجدي جـ 1 ص 486.
وتلك الذات يجب أن تكون حائزة جميع صفات الكمال، وإلا اضطررت أن أطبق عليها التعليل الذي طبقته على نفسي.
(ثالثا) قال ديكارت: إن عندي شعورا بوجود ذات كاملة لا تفترق في الوضوح عن شعوري بأن مجموع زوايا أي مثلث تساوي زاويتين قائمتين. إذن فالله موجود.
ولم يصل ديكارت إلى هذه الحقائق إلا بعد أن تخلص مما ملئ به ذهنه من حشو رث من العقائد والتقاليد والوراثات. قال: فأردت أن أتخلص من هذه الأحمال الثقيلة ولو مرة في حياتي، وأنظر مجردا عن كل وراثة إن كنت أريد الوصول إلى حقائق ثابتة من العلم. (1)
3 -
أما نيوتن فهو أكبر علماء الفلك في عصره من الانجليز، وهو يعتبر من العقول النادرة التي ظهرت في العالم (1642 - 1727) وهو مكتشف قانون الجاذبية العامة وغيره من القوانين الفلكية، ولما اشتهر ببعد النظر وقوة الإقناع. سأله الناس من كل مكان أن يأتيهم بدليل على وجود الله يكون في درجة المحسوسات فأجابهم قائلا:
لا تشكوا في الخالق فإنه مما لا يعقل أن تكون الضرورة وحدها هي قائدة الوجود، لأن الضرورة عمياء متجانسة في كل زمان ومكان، لا يتصور أن يصدر منها هذا التنوع في الكائنات، ولا هذا الوجود كله بما فيه من ترتيب أجزائه وتناسبها مع تغيرات الأزمنة والأمكنة، بل إن كل هذا لا يعقل أن يصدر إلا من كائن أزلي له حكمة وإرادة. ثم قال:
من المحقق أن الحركات الحالية للكواكب لا يمكن أن تنشأ من مجرد فعل الجاذبية العامة، لأن هذه القوة تدفع الكواكب نحو الشمس. فيجب لأجل أن تدور هذه الكواكب حول الشمس أن توجد يد إلهية تدفعها على الخط المماس لمدارتها.
ثم قال: ومن الجلي الواضح أنه لا يوجد أي سبب طبيعي استطاع أن يوجه جميع الكواكب وتوابعها للدوران في وجهة واحدة وعلى مستوى
(1) المصدر السابق ص 490.
واحد بدون حدوث أي تغيير يذكر، فالنظر لهذا الترتيب يدل على وجود حكمة سيطرت عليه، .. ثم إنه لا يوجد سبب طبيعي استطاع أن يعطي هذه الكواكب وتوابعها هذه الدرجات من السرعة المتناسبة تناسبا دقيقا مع مسافتها بالنسبة للشمس ولمراكز الحركة. تلك الدرجات الضرورية لأن تتحرك هذه الأجرام على مدارات ذات مركز واحد مشترك بين جميعها، فلأجل تكوين هذا النظام بين جميع حركاته يجب وجود سبب عرف هذه المواد وقارن بين كميات المادة الموجودة في الأجرام السماوية المختلفة، وأدرك ما يجب أن يصدر منها من القوة الجاذبة، وقدر المسافات المختلفة بين الكواكب والشمس وبين توابعها وسارتون، وجوبيتر، والأرض، وقرر الساعة التي يمكن أن تدور بها هذه الكواكب وتوابعها حول أجسام تصلح أن تكون مراكزها.
إذن فمقارنة هذه الأشياء والتوفيق بينها وجعلها نظاما يشمل كل هذه الاختلافات بين أجزائه. كل هذا يشهد بوجوب وجود"سبب" لا أعمى ولا حادث بالاتفاق، ولكن على علم راسخ بعلم الميكانيكا والهندسة. ثم قال:
ليس هذا كل ما في المسألة، فإن الله ضروري أيضا سواء لإدارة هذه الأجرام على بعضها، وهو الأمر الذي لا يمكن أن ينتج من مجرد قوة الجاذبية. أو لتحديد وجهة هذه الدورات لتتفق مع دورات الكواكب، كما يرى ذلك في الشمس والكواكب وتوابعها، بينما ذوات الأذناب تدور في كل جهة على السواء
…
ثم قال:
وغير هذا: ففي تكون الأجرام السماوية كيف أن الذرات المبعثرة استطاعت أن تنقسم إلى قسمين: القسم المضيء منها انحاز إلى جهة لتكوين الأجرام المضيئة بذاتها كالشمس والنجوم، والقسم المعتم يجتمع في جهة أخرى لتكوين الأجرام المعتمة كالكواكب وتوابعها. كل هذا لا يعقل حصوله إلا بفضل عقل لا حد له، ثم قال:
كيف تكونت أجسام الحيوانات بهذه الصناعة البديعة، ولأي المقاصد
وضعت أجزاؤها المختلفة هل يعقل أن تصنع العين الباصرة بدون علم أصول الإبصار ونواميسه؟ والأذن بدون علم بقوانين الصوت؟ كيف يحدث أن حركات الحيوانات تتجدد بإرادتها ومن أين جاء هذا الإلهام الفطري في نفوس الحيوانات .. إلى أن قال:
وهذه الكائنات كلها في قياسها على أبدع الأشكال وأكملها ألا تدل على وجود الله منزه عن الجسمانية حي حكيم يرى حقيقة كل شيء بذاته ويدركه أكمل إدراك (1)
…
الخ.
4 -
وقال العلامة هرشل الإنجليزي من أكابر علماء الفلك في العالم كله:
"كلما اتسع نطاق العلم ازدادت البراهين الدامغة القوية على وجود خالق أزلي لا حد لقدرته ولا نهاية، فالجيولوجيون والرياضيون والفلكيون والطبيعيون قد تعاونوا وتضامنوا على تشييد صرح العلم وهو في الواقع صرح عظمة الله وحده"(2).
5 -
وقال العلامة الطائر الصيت "لينيه" الفزيولوجي الفرنسي:
"إن الله الأزلي الكبير العالم بكل شيء والمقتدر على كل شيء قد تجلى لي ببدائع صنعه حتى صرت دهشا متحيرا فأي قدرة وأي حكمة وأي إبداع أبدع من مصنوعات يده سولء في أصغر الأشياء أو أكبرها. إن المنافع التي نستخدمها من هذه الكائنات تشهد بعظم رحمة الله الذي سخرها لنا، كما أن جمالها وتنايقها ينبىء بواسع حكمته، وكذلك حفظها عن التلاشي وتجددها يقر بجلال الله وعظمته"(3).
6 -
ويقول الأستاذ "كاميل فلامريون":
"الإلحاد أحقر من أن ينتسب إلى العلم أو العقل أو أن يسمى مذهبا
(1) ا. هـ. منه ص 496، ص 497.
(2)
ا. هـ. منه ص 503.
(3)
ا. هـ. منه ص 504.
إنسانيا، وأقل وأصغر من أن يهتم بشأنه. بل الإلحاد وهم يلم ببعض العقول المستعدة لهمزات شياطين الوساوس.
إن الإحساس بالعقيدة ألصق بفؤاد الإنسان من كل إحساس فيه، وليس المنكر لها بأقل إحساسا بها من سواه. بل ربما كان تظاهره بالجحود والنكران حجة ناطقة على أنه أشد الناس تأثرا بها إلا أنه ضل الطريق وأخطأ المهيع فقذفت به حيرته إلى متائه من النظريات هي ظلمات بعضها فوق بعض، فلم ير الخلص منها إلا فرض الفروض وابتكار السفسطات التي لو خلا بها يوما وحكم فطرته لضرب بها عرض الحائط ولعلم أن إحساسه في واد وما تخيله في واد آخر، وإنا لو سئلنا يوما عمن هو أكذب الناس على نفسه لقلنا بدون تردد: هو الرجل يزعم أنه ملحد" (1) أليس هذا هو الدليل الشعوري الذي ذكرناه في أول الأدلة؟.
(1) ا. هـ. منه ص 534.