الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقوله "هيئة" معناها: حال أو صفة، أو ملكة.
وقوله: "راسخة" معناها: ثابتة ومستقرة حتى تصلح أن تسمى خلقاً، فإن من تظهر منه الشجاعة أو المروءة على وجه الندور لا يسمى شجاعاً، ولا ذا مروءة. ولا يقال: إنه متخلق بالشجاعة أو المروءة.
وأما قوله: "تصدر عنها الأفعال بسهولة من غير فكر أو روية" فذلك لأن الذي يتكلف العمل بعد أن يفكر ويزن المصلحة والمنفعة المترتبة على فعله، والمضرة المترتبة على تركه لا يسمي ما صدر عنه هذا العمل خلقاً. كالشخص الي يدعى إلى البذل فينظر ويفكر حتى يصل إلى أن عدم البذل المطلوب سيفوت عليه منفعة، أو يجلب عليه مذمة ونقصاً، ثم يمد يده بالبذل بعد ذلك فإنه لا يسمى جواداً.
ولا يخفى على القارئ الصلة بين المعنى اللغوي (السجية والطبيعة) والمعنى الاصطلاحي الذي سبق تفصيله.
بين العقيدة والأخلاق
الأخلاق طبيعية أم كسبية
؟
…
هذا سؤال اختلف حوله العلماء كثيراً، قديمهم وحديثهم، فلاسفة وغير فلاسفة. والرأي المختار، وهو الذي نص عليه الكتاب الكريم والسنة النبوية هو: أن الأخلاق منها ما هو طبيعي، ومنها ما هو كسبي.
والمراد من الطبيعي أن الإنسان بعد التمييز نجده مفطوراً على أخلاق معينة، فمثلاً نجد بعض الأطفال يتصف بالحياء، أو العفة، أو الشجاعة بدون تدريب أو تعليم، وكذلك نرى بعضهم في صغره يتصف بالجبن، أو البخل، أو الشر، بدون تدريب أو تعليم، أو حتى تقليد للأقربين.
والمراد بالكسبي هو الخلق الذي يربى عليه الإنسان ويدرب بأساليب التربية المختلفة، والتي منها التلقين، والتقليد، والوعظ، والترغيب والترهيب
…
الخ.
قال تعالى:
{فطرة الله التي فطر الناس عليها} [الروم: 30]. فطري.
وقال تعالى:
{إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} [الرعد: 11]. كسبي.
وجاء في حديث مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال للمنذر بن عائذ ويلقب الأشج. (أشج عبد القيس):
"إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة". وزاد في مسند أبي يعلى وغيره أنه قال حين قال النبي صلى الله عليه وسلم له ذلك: يا رسول الله: كانا فيّ أم حدثا؟ قال: "بل قديم" قال:
"الحمد لله الذي جبلني (خلقني) على خُلقين يحبهما"(1).
وإذا ثبت أن من الأخلاق ما هو مكتسب ومنها ما هو فطري فإن علينا أن ندرك أن الاكتساب يكون بالعلم، والتدريب وأساليب التربية المختلفة كما يكون بالتقليد والمحاكاة للغير من أب وأم وإخوة وأصدقاء، وغيرهم من أفراد المجتمع، كما يكون للمعارف وأنواع العلوم تأثيرها الأخلاقي كذلك طبيعة الأمكنة والأحوال التي تعيشها الأمة، وأنواع المسارح والملاهي، ودور عرض الأفلام، وجميع أجهزة الإعلام لها تأثير واضح على الأخلاق في تكوينها، وتعديلها، وتغييرها.
وهل يمكن التأثير على الأخلاق الفطرية الطبيعية (أي التي نشأت مع الطفل أو نشأ بها الطفل) أو لا يمكن ذلك؟
(1) شرح مسلم جـ 1 ص 189، "طبيعي وكسبي".