الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والجواب: أن الطبيعة إن أريد بها الغريزة فإن التأثير فيها بالتغيير غير ممكن عادة، ولكن الممكن هو التحكم في الغريزة حتى تكون على مستوى وسطي بدون إفراط أو تفريط. وذلك مثل غريزة الحاجة إلى الطعام والماء، وغريزة القتال، وغريزة حب الاستطلاع، وغريزة الجنس وغيرها، وذلك ما يسمى في علم النفس "إعلاء الغرائز" أي التسامي بها لتؤدي ما خلقت له بدون انحراف.
وإن أريد بالطبيعة الميول والرغبات فإن هذه يمكن التأثير فيها بالتعديل وبالتغيير ويشهد لذلك ويثبته ما جاء في الحديث
"كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه".
وهذا هو المراد من كلمة "طبيعي أو فطري": أي الميول والرغبات التي ولد بها الإنسان.
بين العقيدة والأخلاق
خطر يجب تداركه
إذا كانت الأخلاق كسبية في أكثرها، وما هو طبيعي منها يكون صالحاً للتغيير والتعديل، فمعنى ذلك أن البحث في المؤثرات التي يتأثر بها الإنسان حتى تتكون فيه ملكات أخلاقية معينة يعتبر أمراً لازماً وهاماً.
وإذا عرفنا أن المؤثرات المحبوبة إلى النفوس العادية وهي في نفس الوقت تصل إلى الجميع بسهولة وبدون كلفة، كما أنها تكوِّن مناخاً عاماً يعيش فيه الأفراد، سواء قصدوه أم لم يقصدوه، إذا عرفنا ذلك ازداد الأمر أهمية وخطورة، فإن الناس في عصرنا هذا سواء منهم الكبار والصغار، والبنون والبنات قد فتحت عليهم جميع أبواب الآداب والفنون، ما هو صالح منها وما هو فاسد، كما فتحت عليهم جميع أجهزة الإعلام، الشرقية والغربية، المتحفظة والإباحية، الإيمانية والكفرية، ما يدعو منها إلى الفضيلة وما يدغدغ الغرائز، ويلهب المشاعر ويؤجج فيها الثورة على كل ما هو
دين وفضيلة وسمو، وعلينا أن ندرك أن الأسرة مناخ خاص، وأن المدرسة مناخ خاص، وكذلك الجامعة، والمسجد، والمكتب والشركة. وأن هذا كله متفاعل مع المناخ العام الذي هو البلد. والمجتمع. والأمة. والدولة والمنطقة. والعالم، وأن كلاً منهما يؤثر في الآخر ويتأثر به، والأقوى تأثيراً له الغلبة والكلمة الأخيرة في أخلاق الناس. وقد دخلت الإذاعة كل بيت، واقتحم التلفاز كل منزل، وأصبح الشبان والشواب، والناشئون والناشئات بين شقي رحى، فهذه أسرة تأمر بالدين وتحرص عليه، وتلقن البنين والبنات كل ما هو خير وفضيلة، ولكن أجهزة الإعلام ليست كلها مع الدين، أو الفضيلة، أو الخلق، ويستطيع أي إنسان أن يدير مفتاح المذياع ليسمع العهر والفجور والدعوة الصريحة إلى الفحش من بلاد كثيرة في العالم، ويستطيع أن يشتري من المجلات والكتب ما هو بؤرة فساد ودعارة، وما هو حرب على الدين والفضيلة وكل خلق كريم. زد على ذلك الشوارع العامة والمسارح، ودور العرض "السيمائي" وغيرها مما ملأ الجو العام فساداً، وكل من عاش مع الناس أدرك الحيرة والاضطراب، وأدرك الظلام والضباب والفتنة التي يعيش فيها الجميع. والواقع أن المناخ العام أفسد كل ما أصلحه المناخ الخاص، وكل جهود المصلحين اليوم تعتبر ضائعة، والنادر لا حكم له.
لذلك يجب على الباحثين والمصلحين، والغيورين على الدين، وعلى الأخلاق، وعلى الشبان والشواب أن يطوروا كثيراً من المناهج الفكرية، والعلمية، والتربوية. وأن يبحثوا بحثاً جدياً من أجل إنقاذ أجيال أضاعوها أو كادوا بسبب الجمود، والروتينية البغيضة، والفهم الضيق للدين والحياة، والمؤثرات الخطيرة على الاثنين معاً.
لقد قام مصلحون كثيرون. ونادوا، وبحت أصواتهم. ولا يزالون يفعلون، فمتى تستجيب أمتنا المسلمة، ومتى تدرك الخطر، ومتى تصدق مع نفسها ومع الله، ومع شبابها. حتى تنقذ الغرقى، والحرقى، ومن أصيبوا بطاعون الانهيار الخلقي، ومن انهالت عليهم جميع الأتربة والرمال التي حملتها رياح الكفر والفسوق والفجور والضياع والضلال؟؟؟.