الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وما لم يكفر المسلم بجميع هؤلاء وأشباههم فهو ليس مسلماً ولا مؤمناً على وجه الحقيقة، لأنه لم يستسلم لله، ولم يوحده حين آمن به، لأنه خاضع لغيره فيما لا يرضيه.
وحسب هذا المفهوم الواضح الخطير يستطيع أن يعرف كل إنسان نفسه هل هو عبد لله أم عبد للشيطان من الإنس أو الجن؟
وليحذر كل امرئ خطورة الموقف بين يدي الله تعالى يوم القيامة حين يفصل في القضاء بين الناس ويقول لأتباع الشياطين:
{وامتازوا اليوم أيها المجرمون. ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدوٌ مبين. وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم} [يس: 59 - 61].
العبادات وصلتها بالعقيدة
العبادة حسب المفهوم الخاص
عرفنا أن العبادة حسب المفهوم العام والأصلي لهذه الكلمة يراد بها الخضوع للمعبود مع شدة حبه والحرص على رضاه والخوف من غضبه.
ولكن العرف الإسلامي جرى على حصر العبادة في أمور معينة: منها الصلاة والدعاء والزكاة والصيام والحج والذكر، والجهاد
…
الخ، وذلك عندما صنفوا العلوم الإسلامية في عهد السلف الصالح تسهيلاً للتعليم، ووضعاً لكل نوع في الإطار الذي يناسبه من الخطورة والأهمية، والمميزات والشروط وغيرها.
فقسموا العلوم الإسلامية إلى: عقائد، وعبادات، ومعاملات، وأخلاق
…
وغيرها.
والأسباب التي جعلتهم يحصرون العبادات في الأمور المذكورة أهمها ما يأتي:
أولاً: هذه الأعمال لا تنعقد ولا تصح إلا بنية التقرب بها إلى الله تعالى، قال تعالى:
{فمن كان يرجو لقاء ربه فليعلم عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً} [آخر الكهف].
فمن صلى، أو صام، أو زكى، أو حج، أو اعتمر، أو جاهد بغير نية فإن عمله باطل، وإن نوى به غير وجه الله تعالى فكذلك، وهذا بخلاف المعاملات والأخلاق والسياسات وغيرها، فإن العقود فيها تصح بنية وبغير نية، وتصح سواء كانت النية لله أو لغيره. كل ما في الأمر أنها إن قصد بها وجه الله أثيب صاحبها وإلا فلا. فلو تزوج إنسان امرأة لمالها أو لجمالها أو لحسبها فإن الزواج صحيح، غير أنه لا ثواب فيه، لأن الثواب في المعاملات والأخلاق وأمثالها يأتي نتيجة نية صالحة.
وكذلك عقود البيع والتجارة والشركات، والمعاهدات بين الدول، والاتفاقيات بينها، أو بين الأشخاص بعضهم مع بعض في جميع أمور الحياة لا يشترط في صحتها أن يراد بها وجه الله، بل تصح بدون هذه الإرادة، أو بإرادة سيئة كإرادة الرياء، والجاه والاستعلاء، والمنافع الشخصية، والإضرار بالآخرين. كمن اشترى داراً بنية الإضرار بالجيران أو بساكن معين في الشارع.
ثانياً: هذه الأمور مطلوب من المسلم أداؤها كما أمر الله تعالى وبين رسوله صلى الله عليه وسلم سواء فهم المسلم الحكمة في أدائها أم لم يفهم. إنها خضوع خالص لله تعالى على الوجه الذي جاءت به الشريعة، فإن كان العبد مستسلماً حقاً نفذ أمر الله وأمر رسوله بدون أن يسأل: لم شرع؟ ولم كان على هذا النظام؟ ولم لم يكن على نظام كذا وكذا. إن عليه أن يقول:
{سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير} [البقرة: 285].
صحيح أن جميع شرع الله يجب أن يتلقاه المسلم بالقبول والتسليم والخضوع له سواء فهم الحكمة أو العلة أم لم يفهم، غير أن باب المعاملات أوضح
الشارع أنه قائم على مصلحة المسلم، وأنه ما دامت هناك مصلحة فهناك شرع الله، وما دام هناك ضرر فهناك منع الله وتحريمه.
ومجال الاجتهاد في المعاملات متفوح دائماً، وتحدث للناس أحكام بعدد ما يحدث من أقضية ومشكلات كما قال عمر بن عبد العزيز، ولذلك من سن سنة حسنة في المعاملات من أجل مصالح المسلمين فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.
وليس الأمر كذلك في العبادات فإن الواجب فيها الوقوف على ما جاء منصوصاً عليه في الكتاب والسنة بدون زيادة أو نقصان. فمن ابتدع فقد ضل وهوى. ولذلك جرى الفقهاء على أن يقولوا هذا "أمر تعبدي" يعني نأخذه كما جاء بدون تدخل مطلقاً من جهتنا وهذا "أمر غير تعبدي" يعني لنا فيه مجال واجتهاد حسب أصول مشروعة.
ثالثاً: العبادات عبارة عن أعمال يعملها العبد بينه وبين الله مباشرة بدون أدنى حاجة إلى وسيط أو وسيلة من الخلق، ولو دخل فيها وسيط لتحولت إلى وثنية، وذلك كما كان الكفار يفعلون لأصنامهم من تقديم النذور، والدعاء والاستغاثة وطلب الحاجات، وتفريج الكربات قائلين:
{ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} [الزمر: 03].
فهي عقد بين العبد وبين الله مباشرة إذا وفى العبد بشروطه نال من فضل الله ثواب حسن جزائه. أما جميع المعاملات فهي أعمال بين عبد وعبد، فهي مرتبطة أصلاً بتعامل الناس بعضهم مع بعض على اساس الدين.
رابعاً: العبادات مطلوبة من كل مسلم سواء كان هناك حسب نظره داع إلى فعلها أم لم يكن، لأن الله وحده هو العليم بأمرنا وبما يصلحنا فيما بيننا وبينه، فمثلاً لو لم يوجد إنسان محتاج للزكاة وجب إخراج الزكاة من المال وينتظر بها وقت الحاجة، ولا يجوز لمسلم إبقاء نصاب الزكاة داخل ماله اعتماداً على عدم وجود محتاج.