الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومصيبة يرجو الخلاص منها، كأن يقع في نهر أو بئر فيطلب من يغيثه وينقذه، وكأن يصطدم بسيارة، أو تشب فيه النار، أو يصاب بمرض من الأمراض، وأمثال هذه الأمور التي تعارف الناس واعتادوا على أن يطلبها الإنسان من الإنسان، ولم يأت من الشرع ما يمنع ذلك، وتلك أمور واضحة، والفرق بينها وبين الأمور الأولى الممنوعة لا يخفى على من له أدنى فهم.
8 - الغلو في الأنبياء والصالحين
للأنبياء عليهم الصلاة والسلام مكانة في نفوس المؤمنين، ولهم واجبات وحقوق وأنواع من التبجيل والاحترام مطلوبة ومشروعة، وقد فصّلها الشارع وبينها.
ولكن النفوس البشرية جُبلت على ألا يقف تصورها عند حد إذا لم يرتبط بأصول معينة تمنعه من التغالي والزيادة عن الحد المشروع.
وكذلك حدث في جميع الأمم أن غالت في تصوراتها لأنبيائها والصالحين فيها حتى أعطتهم ما ليس لهم من حق، وجعلتهم آلهة أو أشباه آلهة. فاستغاثت بهم بعد موتهم ووجهت الدعاء والاستغاثة إليهم، وركعت لهم وسجدت، ونذرت لهم الأموال والذبائح وسألتهم جلب المنافع ودفع المضار، ونسبت إليهم ما يحدث من كوارث ومصائب أحياناً، وأحياناً أخرى تنسب إليهم ما يحدث من رخاء ونعيم وشفاء أمراض ودفع بلاء وغير ذلك، سواء أكان الأنبياء والصالحون قابعين في قبورهم، أم اتخذ الناس لهم صوراً تمثلهم كالأصنام والتماثيل وغيرها.
وبذلك جعلهم الناس شركاء لله، وقدموا إليهم من الولاء والطاعة والعبادة والقربات ما لا يجوز أن يقدم إلا لله تعالى، وذلك كفر صريح لا شك فيه.
وقد حذر القرآن والسنة من هذا الانحراف ونبهنا إليه في مواضع كثيرة.
قال تعالى:
واضح من الآيتين أن الله تعالى ارتضى بالنسبة لرسوله عيسى عليه الصلاة والسلام حداً معيناً ونسبة محدودة من التقدير والتعظيم، وهي النسبة التي أخبر الله تعالى أنه أفاضها عليه وأكرمه بها، ولكنه تعالى لم يرتض الزيادة على ذلك والغلو في المسيح، وأنكر على أتباعه أن جعلوه إلهاً أو ابن الله أو ثالث ثلاثة كما جاء ذلك في سورة المائدة، فإن أي رسول أو ملك مقرب ما هو إلا عبد خاضع ذليل لله تعالى، فيجب على المؤمنين ألا يرفعوا أحداً إلى مرتبة الألوهية وإلا اعتبر ذلك غلواً مرفوضاً وشركاً مكفراً.
وفي الصحيح عن ابن عباس في قوله تعالى:
{وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودّاً ولا سُواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً} [نوح: 23].
قال: "هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن ينصبوا إلى مجالسهم التي كانوا فيها أنصاباً وسموها بأسمائهم، ففعلوا، ولم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم عبدت".
وقال ابن القيم: قال غير واحد من السلف: لما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم ثم طال عليهم الأمد فعبدوها.
وعن عمران أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله". البخاري ومسلم.
وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو".
وعن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "هلك المتنطعون""قالها ثلاثاً". رواه مسلم، والمتنطعون المراد بهم هنا المغالون في الدين.
ومن المغالاة المقيتة بناء المساجد على قبور الأنبياء والصالحين، واتخاذ القبور مساجد، وذلك بالصلاة في القبور أو بالتوجه إلى هذه القبور أثناء الصلاة بأن يجعل القبر بين يدي المصلي: وذلك بقصد التبرك بالقبور، وبمن فيها: فقد ترتب على ذلك أن عبدت القبور، وعبد من فيها على الوجه الذي سبق ذكره.
ولذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم تحذيراً شديداً من هذا النوع من المغالاة، وظل يحذر منه إلى آخر وقت في حياته.
فعن عائشة رضي الله عنها أن أم سلمة ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة وما فيها من الصور فقال: "أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله". البخاري ومسلم.