الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السمعيات: معناها - مصدرها
تحضير الأرواح
…
هذا الموضوع ذو أهمية ويستحق الدرس والعناية به، وليس المجال هنا متسعاً للاطالة فيه، ولكن حسبنا أن نقول: إن هناك قضايا إذا فهمت عن درس أمكن الوصول إلى نتيجة يقينية لا لبس فيها ولا غموض.
الأولى: هي أن الجن ثبت وجودهم، وأنهم يتشكلون بما يريدون، وأنهم متصلون ببني آدم اتصالاً وثيقاً ويعيشون معهم على أرضهم، وأحياناً يدخلون في أجسامهم ويتسلطون عليها بكيفية لا يعلمها إلا الله، لأن حقيقتهم لا يعلمها إلا الله.
وبناء على ذلك فالجني يمكنه أن يتشبه بالرياح وبالأنوار المختلفة الألوان وبالسحاب والدخان والشخصيات العظيمة. كما يمكن للجني أن يقلد أية شخصية حية أو ميتة بعد موتها، لأن أعمار الجن تصل أحياناً إلى مئات السنين، كما ثبت في ذلك في بعض الأحاديث والآثار - كما أن تكليم الجني للإنسان على لسان إنسان آخر أمر ثابت كما سبق، وتحريك الجني لقلم يكتب، أو لسلة ترسم بوساطة قلم، أو لأثاث حجرة ليكسر أو لغير ذلك مما نسمع عنه أمر ممكن وواقع فيما مضى ويقع الآن كثيراً، والمتتبع لهذا الأمر يجد الغرائب التي لا شك فيها.
الثانية: أن أرواح الموتى بعد موتهم لا سلطان لأحد عليها بتسخير أو تحضير أو غير ذلك لأن هذه الأرواح ذهبت إلى خالقها لتلقى مصيرها حسب عملها، فهي في روضة من رياض الجنة، أو في حفرة من حفر النار، وتلك حياة برزخية غيبية لا سلطان لأحد عليها غير الله تعالى .... قال تعالى:{يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه} [الإنشقاق: 06].
وقد قال تعالى في مصير الإنسان بعد موته:
{فأما إن كان من المقربين. فروحٌ وريحان وجنة نعيم. وأما إن كان من أصحاب اليمين. فسلام لك من أصحاب اليمين. وأما إن كان من المكذبين الضالين. فنزل من حميم. وتصلية جحيم} [الواقعة: 88 - 94].
الثالثة: لم يثبت أن نبياً مرسلاً أو صحابياً أو تابعياً أحضر روح ميت ليسأله عن أمر من الأمور - وكثيراً ما تأزمت أمور وتعقدت مسائل ووجدت قضايا لو قال الميت فيها كلمة واحدة لانتهى الأمر المعضل، وكان ذلك يحدث في حياة المرسلين الذين جاءوا بالمعجزات الباهرة، ومع ذلك لم تحدث مرة واحدة في عصرهم أن أحضرت روح لتقول الكلمة المطلوبة فتفك الأزمة القائمة، وكل ما سمعناه عن الاتصال بأرواح الموتى إنماهو ما يحدث في المنام لا في اليقظة وأما إحياء عيسى عليه السلام الموتى فليس تحضيراً للأرواح إنما هو إحياء للجسم مع الروح، وكذلك إحياء الله ميت بني إسرائيل على يد موسى عليه السلام.
الرابعة: أرواح الموتى لو أحضرت لفاحت منها ومن أخبارها وتصرفاتها رائحة النعيم أو العذاب، ولعرفنا منها أخباراً حقيقة عن أهل الجنة وأهل النار، وعن نعيم الجنة وعذاب النار، وأخبار القبور، والأسئلة والأجوبة بالنسبة للموتى، ولاتضح لنا كل ما يتصل بالعالم الآخر أو أكثره، ولأمكن نشر ذلك كله على الناس ودعوتهم لسماعه، وذلك ما لم يحدث بكيفية علمية مؤكدة.
الخامسة: لو أنك تتبعت كل ما قيل عن تحضير الأرواح لخرجت بنتيجة واحدة هي: أن كل ما قيل عن الأرواح أنها قالته أو عملته، قيل وثبت عن الجن أنها قالت مثله وفعلت مثله.
فتحضير الجن كتحضير الأرواح - غير أن ما سمي تحضير الأرواح ألبس ثوباً علمياً كاذباً ووشاحاً يتفق مع عصر الصاروخ والقنبلة الذرية.
السادسة: الأرواح التي تستحضر تراوغ، وتخلف الوعد، وترضى بالمنكر في مجالسها كأن ترضى بجلوس من يلبس الذهب والحرير من الرجال، وترتضي قوماً نساؤهم وبناتهم سافرات عاريات وقد يكون غير مصليات، كما أن الأرواح المستحضرة تكسر الأشياء أحياناً وتؤذي بعض الناس وقد تقوم بأعمال بهلوانية كالرقص والتلون بألوان مختلفة وإضاءة الحجرة والإخبار ببعض ما يحدث بين الناس وفي العالم مما لا يراه ولا يعلمه المحضرون ولكن تعلمه الجن لسعة كشفها وسرعة تنقلها بدرجة تفوق سرعة أسرع صاروخ اكتشفه العلم وكل هذه الأمور فعلتها الجن وفعلت أكثر منها وتجد لها أمثلة في القرى والمدن عند المتخصصين في أمور الجن، ولكنهم لم يستطيعوا أن يقيموا حولهم هالة من الدعاية ونفخ الأبواق ليلبسوا أمورهم لباساً علمياً مزيفاً، ويقولوا للناس - افتراء - إننا نستحضر الأرواح، إنما يقولون صادقين، إننا نستحضر الجن أو هم يحضرون معنا. وكثيراً ما رأيت أناساً مضللين بادعائهم تحضير الأرواح أو حضور جلساتها وأن هذه الأرواح زينت لهم فعل منكر أو أباحت لهم ترك فريضة أو هونت عليهم فعل جريمة بحجة أنها أرواح من عند الله وأنها تعلم الحقائق عارية مكشوفة لا لبس فيها ولا خفاء. ولم يدر المسكين أنه واقع في شباك جني كذاب مضلل.
السابعة: أن الأرواح بعد فراق الأجساد محكومة بناموس وسر إلهي فلا يمكن لأحد أن يتسرب إليها ولا أن يسخرها هذا التسخير المزري ولا يمكن لها إلا أن تكون صورة صادقة للعالم الآخر وذلك ما لم يحدث أبداً في عالم ما يسمونه تحضير الأرواح.
خلاصة
…
وخلاصة القول بعد عرض الأمور السابقة أن كل ما قيل في تحضير الأرواح المزعومة قيل في تحضير الجن، وأن كل ما تفعله الجن تفعله الأرواح، وأن محضري الأرواح لو اتصلوا بمحضري الجن لقالوا: لقد كنا مخدوعين حين صدقنا أن ما نستحضره هو أرواح الموتى، والحقيقة أنها ألعاب الجن، ولو اتصل محضرو الجن بمحضري الأرواح لقالوا: لو علمنا حقيقة محضري الأرواح لادعينا ادعاءهم وأوهمنا الناس أننا نحضر أرواحاً علوية، ولكسونا أعمالنا كسوة علمية لكي يلبس الوهم ثوب الحقائق.
فالكل يستحضر الجن بطرق شتى يستوي فيها طريقة المندل، والتعاويذ السحرية المبنية على امتهان القرآن والحديث وكل ما هو مقدس شرعاً، وطريقة السلة وعلبة السجاير، ولعبة الحروف الأبجدية، والأرقام الحسابية، وطريقة القاعة المغلقة وطريقة الآلات المتحركة والوسيط وغيرها.
ويستوي ظهورهم على لسان إنسان، أو في شكل نور، أو ريح أو سحاب في سقف حجرة أو في شكل ولي، أو غير ذلك.
ولن نستطيع حين ندرس تحضير الجن، وتحضير الأرواح أن نجد أي فارق في النتيجة والأثر.
إذا عرفنا هذا وعرفنا أن هذا الذي يحدث في تحضير الأرواح المزعومة هو نفسه أعراض الجن وأعمالها، وأضاليلها ثم عرفنا مع ذلك أن أرواح الموتى لا تسخر لأحد، ولا تحيا حياتنا، ولا يمكن أن تكذب، أو تخدع، أو تدعي غيباً مستقبلاً كما أنها مشغولة بما هي فيه من نعيم أو عذاب
…
الخ ما سبق ذكره.
إذا ثبت هذا كله في ذهن القارئ أدرك أن تحضير الأرواح هو بيقين تحضيراً للجن لا لأرواح الموتى.
والجني بحكم طبيعته يستطيع أن يخبرك عن الماضي البعيد، وأن يتشكل في صور أهله وأن يعرف من قرين الميت ما كان عليه الميت، وما كان عنده من أسرار كما يستطيع الجني بسهولة أن يعرف أماكن بعض الأشياء، كما يدل على المسروقات أحياناً، ويخبر ببعض الأحداث التي تغيب عن كثير من الناس، أما علمهم بالمستقبل فأمر غير ممكن، لكن يمكن التخمين كتخمين البشر فيصدق أحياناً ويتحقق تخمينه، فيظن الناس أنه يعلم المستقبل وهو أبعد ما يكون عن علمه، فثبت بهذا أن تحضير الأرواح هو تحضير للجن لا لأرواح الموتى - وأي موتى هؤلاء الذين يرضون بعد لقاء ربهم أن يعودوا إلينا ويروا حياتنا التي ملأها الفسقة فجوراً وفسوقاً وكفراً وانحلالاً وسخرية من القيم الإنسانية والمبادئ الدينية؟!!! إن بعد الناس عن معرفة حقائق الدين وأحواله كبدهم تخبطات كثيرة والبقية تأتي؟!!!