الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الخامس والعشرون: في أن الله يثبت الذين آمنوا عند المسألة
قال الله تعالى: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} .
قال أكثر المفسرين: هي كلمة التوحيد، وهي قول: لا إله إلا الله في الحياة الدنيا ـ يعني قبل الموت ـ وفي الآخرة يعني في القبر ـ.
وذهب بعض المفسرين إلى أن قال: في الحياة الدنيا في القبر عند السؤال، وفي الآخرة: عند البعث، والأول أصح.
«عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المسلم إذا سأل في قبره، فشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فذلك قوله تعالى:{يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} وفي لفظ: نزلت في عذاب القبر.
يقال له: من ربك؟ فيقول ربي الله ونبيي محمد، وذلك قول الله:{يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت} الآية» .
رواه البخاري ومسلم، ورواه أحمد مطولاً، وأهل السنن والمسانيد.
وراه الإمام أبو داود في سننه بأتم من هذا، «من حديث البراء أيضاً، ولفظه: قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولم يلحد، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله، كأنما على رؤوسنا الطير، وفي يده عود ينكت به الأرض، فرفع رأسه وقال: استعيذوا بالله القبر، مرتين أو ثلاثاً.
وذكر صفة قبض الروح وعروجها إلى السماء، ثم عودها إليه، إلى أن قال: وإنه ليسمع خفق نعالهم ـ إذا ولو مدبرين ـ حين يقال له: يا هذا، من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ وفي لفظ فيأتيه ملكان، فيجلسانه ويقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ قال: فيقول: هو رسول الله، فيقولان: وما يدريك؟ فيقول: قرأت كتاب صلى الله عليه وسلم وآمنت به وصدقت؟ فذلك قوله: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} قال: فينادي مناد من السماء: أن صدق عبدي، فأفرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة.
قال: فيأتيه من روحها وطيبها.
قال: ويفسح له مد بصره.
قال: وإن الكافر، فذكر موته، قال: وتعاد روحه إلى جسده، فيأتيه ملكان، فيجلسانه ويقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري! فيقولان له:
ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري! فينادي مناد من السماء: أن كذب عبدي، فأفرشوه من النار، وألبسوه من النار، وافتحوا له باباً إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها.
قال: ويضيق عليه قبره، حتى تختلف عليه أضلاعه، قال: ثم يقيض له أعمى أبكم، معه مرزبة من حديد، لو ضرب بها جبل لصار تراباً، قال: فيضربه بها ضربة يسمعها بين المشرق والمغرب إلا الثقلين، فيصير تراباً، ثم تعاد فيه الروح» .
ورواه الطبراني بأتم من هذا.
فقد اشتمل هذا الحديث على فوائد، منها: التثبيت لأهل الإسلام والإيمان الذين آمنوا بالله، وما جاء من عند الله، وصدقوا به، وآمنوا برسوله واتبعوه، ومنها الإيمان بعذاب القبر، وإعادة الروح إلى الجسد، وغير ذلك من الأمور التي لا تحضرني كما سأذكره مفصلاً بعد إن شاء الله.
«وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن العبد إذا وضع في قبره، وتولى عند أصحابه، إنه ليسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا، قال: يأتيه ملكان فيقعدانه، فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، قال: فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار، قد أبدلك الله به مقعداً من الجنة.
قال: نبي الله صلى الله عليه وسلم: فيراهما جميعاً، وذكر لنا، أنه يفسح له في قبره سبعون ذراعاً، يملأ عليه خضراً إلى يوم يبعثون.
وأما المنافق أو الكافر، فيقول: لا أدري، كنت أقول ما تقول الناس فيه! فقال: لا
دريت ولا تليت، ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه، فيصيح صيحة، يسمعها من يليه إلا الثقلين» .
رواه البخاري ومسلم.
وقد روي من حديث البراء وحديث أنس، في قبض الروح والمسألة، ونعيم صاحب القبر وعذابه، عن أبي هريرة، وحذيفة ابن اليمان، وغيرهما.
فرواه الإمام أحمد في مسنده، وابن حبان في صحيحه «من حديث أبي هريرة، ولفظه: أن لنبي صلى الله عليه وسلم، قال: إن الميت إذا وضع في قبره، إنه ليسمع خفق نعالهم حين يولون عنه، فإن كان مؤمناً، كانت الصلاة عند رأسه، وكان الصيام عن يمينه، وكانت الزكاة عن شماله، وكان فعل الخيرات والصدقة والصلة والمعروف والإحسان عند رجليه، فيأتيان من قبل رأسه، فتقول الصلاة: ما قبلي مدخل، ثم يؤتى عن يمينه فيقول الصيام: ما قبلي مدخل، ثم يؤتى عن يمينه فيقول الصيام: ما قبلي مدخل، ثم يؤتى من قبل شماله، فتقول الزكاة: ما قبلي مدخل، ثم يؤتى من قبل رجليه، فيقول فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان: ما قبلي مدخل، فيقال اجلس، فيجلس، قد مثلت له الشمس قد أضاءت الغروب، فيقال له: هذا الرجل الذي كان فيكم، ما تقول فيه؟ وماذا تشهد به عليه؟ فيقول دعوني حتى أصلي: فيقال: إنك ستصلي، أخبرنا عما نسألك عنه، أرايت هذا الرجل الذي كان فيكم، ما تقول فيه؟ وما تشهد به عليه؟ قال: فيقول: محمد، أشهد أنه رسول الله، جاء بالحق من عند الله، فيقال له: على ذلك حييت، وعلى ذلك تموت، وعلى ذلك تبعث إن شاء الله، ثم يفتح له باب من أبواب الجنة، فيقال له هذا مقعدك وما أعد الله لك فيها، فيزداد غبطة وسرور اً، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعاً، وينور له فيه، ويعاد الجسد لما بدأ منه، فيجعل نسمة في النسيم الطيب، وهو طير يعلق من شجر الجنة، قال: فذلك قوله تعالى: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} .
وذكر في الكافر ضد ذلك، إلى أن قال: يضيق عليه قبره، إلى أن تختلف أضلاعه، فتلك المعيشة الضنك التي قال الله تعالى:{فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى} » وهذا مختصر من الحديث.
و «في رواية أخرى: فيقول عبدك فلان ـ يعني المؤمن ـ فيقول أرجعوه، فإني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى.
قال: فإنه يسمع خفق نعال أصحابه إذا ولوا عنه، فيأتيه آت، وفي لفظ فيأتيه ملكان أسودان أزرقان، يقال لأحدهما المنكر، وللآخر: النكير، ففي الترمذي: فيقولان، وفي غيره: فيقول من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ فيقول: ربي الله.
وديني الإسلام، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم، فينتهره، فيقول: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ وهي آخر فتنة تعرض على المؤمن، فذلك حين يقول:{يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت} الآية، فيقول كما قال، فيقول له: صدقت، ثم يأتيه آت حسن الوجه، طيب الريح، حسن الثياب، فيقول: أبشر بكرامة من الله ونعيم مقيم، فيقول: وأنت فبشرك الله بخير، من أنت؟ فيقول أنا عملك الصالح، كنت والله سريعاً في طاعة الله، بطيئاً عن معصية الله، فجزاك الله خيراً، ثم يفتح له باب من الجنة وباب من النار، فيقول: هذا منزلك، لو عصيت الله، أبدلك به هذا، فإذا رأى ما في الجنة قال: رب عجل قيام الساعة كيما أرجع إلى أهلي ومالي، فيقول له: اسكن، وفي لفظ: فيقال له: نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه، حتى يبعثه الله من مضجعه.
وإن الكافر، إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة، نزلت عليه ملائكة غلاظ شداد، فانتزعوا روحه، كما ينتزع السفود الكثير الشعب من الصوف المبتل، وينزع نفسه مع العروق، فيلعنه كل ملك بين السماء والأرض، وكل
ملك في السماء، وتغلق أبواب السماء، ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله أن لا يعرج بروحه من قبلهم، فإذا عرج بروحه قالوا: رب، فلان عبدك، قال: أرجعوه، فإني عهدت إليهم، أني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى، فإنه ليسمع خق نعال أصحابه، إذا ولوا عنه، قال: فيأتيه آت، فيقول: ما دينك؟ فيقول: لا أدري! فيقال: لا دريت ولا تليت، فيأتيه آت قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح، فيقول: أبشر بهوان من الله وعذاب مقيم، فيقول: وأنت بشرك الله بالشر، من أنت؟ فيقول: أنا عملك الخبيث، كنت بطيئاً عن طاعة الله، سريعاً في معصية الله، فجزاك الله شراً، ثم يقيض له أعمى أصم أبكم، في يده مرزبة، لو ضرب بها جبل كان تراباً، فيضربه ضربة فيصير تراباً، ثم يعيده الله كما كان، فيضربه ضربة أخرى، فيصيح صيحة، يسمعه كل شيء إلا الثقلين، قال البراء: ثم يفتح له باب من النار، ويمهد له له من فرش النار» .
ورواه الإمام أحمد.
وروى أحمد، والحافظ ابن منده، بإسناد حسن، «من حديث البراء أيضاً، بأتم ما تقدم من حديث أبي هريرة والبراء، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة، فانتهينا إلى القبر، فجلس فجلسنا، كأن على أكتافنا فلق الصخر، وعلى رؤوسنا الطير، فأرم قليلاً ـ والإرمام السكوت ـ فلما رفع رأسه قال: إن المؤمن، إذا كان في قبل من الآخرة، ودبر من الدنيا، وحضره ملك الموت، فجلس عند رأسه، ونزلت عليه ملائكة معهم كفن من الجنة، وحنوط من الجنة، فجلسوا منه مد الصبر، ثم يقول ـ يعني ملك الموت ـ: اخرجي أيتها النفس الطيبة ـ وفي رواية أيتها النفس المطمئنة ـ إلى مغفرة من الله ورضوان، قال: فتخرج نفسه، كما تسيل القطرة من في السقاء، فإذا خرجت نفسه صلى عليه كل ملك بين السماء والأرض إلا الثقلين، فيأخذها وفي رواية، فإذا أخذها ـ يعني ملك الموت ـ لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها في ذلك الكفن وذلك الحنوط، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض، قال: فيصعدون بها إلى السماء، فيفتح له السماء، ويشيعه مقربوها إلى السماء الثانية، وفي لفظ: فلا يمرون منها على ملأ من
الملائكة، إلا قالوا: ما هذا الروح الطيب؟ فيقولون: فلان بن فلان، بأحسن أسمائه التي يسمونه بها في الدنيا، فيشيعه من كل سماء مقروبها، حتى ينتهي به إلى السماء السابعة، إلى العرش، فإذا انتهى إلى العرش، قال الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين، وأعيدوه إلى الأرض، وفي لفظ ـ إلى مضجعه ـ فإني وعدتهم، أني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى، فتعاد روحه إلى جسده، فيأتيه منكر ونكير، يثيران الأرض بأنيابهما، ويفحصان الأرض بأشفارهما، فيجلسانه ثم يقال له: يا هذا، من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان: صدقت، ثم يقال له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان: صدقت، ثم يقال: من نبيك؟ فيقول: محمد رسول الله: فيقولان: صدقت، ثم يفسح له في قبره مد بصره، ويأتيه رجل حسن الوجه، طيب الريح، حسن الثياب، فيقول: جزاك الله خيراً، وفي لفظ فيقول: أبشر بالذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح، فيقول: رب أقم الساعة، حتى أرجع إلى أهلي ومالي، ثم يفتح له باب إلى الجنة، فينظر إلى مقعده ومنزله منها، حتى تقوم الساعة، وإن العبد الكافر، إذا كان في دبر من الدنيا وقبل من الآخرة، وحضره الموت، نزلت عليه من السماء ملائكة، ومعهم كفن من نار، وفي لفظ ملائكة سود الوجوه معهم المسوح، قال: فيجلسون منه مد بصره، وجاء ملك الموت فجلس عند رأسه، فيقول: اخرجي أيتها النفس الخبيثة، اخرجي إلى غضب الله وسخطه، فتتفرق روحه في جسده كراهية أن تخرج، لما ترى وتعاين، فذكر خروجها كما تقدم، ونتن ريحها، ووضعها في تلك المسوح، ولعن الملائكة لها، وغلق أبواب السماء دونها، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم:{لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط} ، فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في سجين: في الأرض السفلى، فتطرح روحه طرحاً، ثم قرأ:{ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق} فيأتيه منكر ونكير، يثيران الأرض بأنيابهما، ويفحصان