المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الخامس والعشرون: في أن الله يثبت الذين آمنوا عند المسألة - تسلية أهل المصائب

[المنبجي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأول ـ في المصيبة وحقيقتها وما أعد الله لمسترجعها

- ‌فصل ـ في كلمة " إنا لله وإنا إليه راجعون

- ‌فصل ـ في تسلية أهل المصائب بالعلاج الإلهي والنبوي

- ‌فصل: في النظر في كتاب الله تعالى وسنة رسوله

- ‌فصل ـ في أن مرارة الدنيا هي حلاوة في الآخرة

- ‌فصل ـ في الاستعانة بالله والاتكال عليه والعزاء بعزائه

- ‌فصل ـ ومن أعظم المصائب المصيبة في الدين

- ‌فصل ـ في البشارة لمن تذكر المصيبة فاسترجع

- ‌فصل ـ في الفرق بين تمتع الدنيا الفاني والآخرة الباقي

- ‌فصل ـ في أن يوطن الإنسان نفسه على توقع المصائب وأنها بقضاء الله وقدره

- ‌فصل ـ في أن لا ننكر وقوع المصائب في الدنيا بجميع أنواعها

- ‌فصل ـ في المصائب المختصة بذات الإنسان

- ‌فصل ـ في أن المصائب والمحن دواء للكبر والعجب

- ‌فصل ـ في اعتراض المصاب على الأقدار ودلالته بعبادته

- ‌فصل ـ في أن الأفضل إبدال الشكوى والأنين بذكر الله تعالى

- ‌فصل ـ في أن الجزع لا يرد المصيبة بل يضاعفها

- ‌فصل ـ في أن من سلم أمره في مصيبته واحتسب لله عوضه خيراً منها

- ‌فصل ـ فيمن طلب المصائب وفرح بها رجاء ثوابها

- ‌الباب الثاني ـ في البكاء على المصيبة وما ذكر العلماء في ذلك

- ‌فصل ـ فيما روي على النبي صلى الله عليه وسلم في البكاء على الميت

- ‌فصل ـ في التحذير مما يتفوه به المصاب من ألفاظ التظلم والشكوى

- ‌فصل ـ في البكاء والتأسف على من فرط في جانب الله تعالى

- ‌فصل ـ في أن الحزن لم يأمر به الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب الثالث ـ في تحريم الندب والنياحة وشق الثياب

- ‌فصل ـ فيما ورد من تحريم ذلك، وما ورد من الوعيد عليه

- ‌فصل ـ فيما ورد من عذاب الميت بالنياحة

- ‌فصل ـ في أن البكاء لا ينفع الميت بل ينفعه العمل الصالح

- ‌فصل ـ في بيان أن الله سبحانه هو الفعال لما يريد

- ‌فصل ـ فيما يفعله الإنسان إذا أحس بدنو أجله

- ‌فصل ـ في قول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه

- ‌فصل ـ في أن ما أورده من الأحاديث لا يخالف قواعد الشرع

- ‌فصل ـ في وسوسة الشيطان للمريض ولأقاربه وأهله

- ‌فصل ـ فيما ذكر في النعي والمناداة على الميت

- ‌الباب الرابع ـ فيمن أصيب بفقد ثلاثة من الولد فأكثر والبشارة له بذلك

- ‌فصل ـ فيمن أصيب بأربعة من الأولاد

- ‌الباب الخامس: فيمن أصيب بفقد ولدين والاحاديث الواردة فيه

- ‌الباب السادس ـ فيمن أصيب بفقد ولد واحد

- ‌فصل ـ في بشارة من مات ولده وصبر

- ‌فصل ـ في الثواب على الولد الصغير والشيخ البالغ

- ‌فصل ـ في التأسي ببعض ما كان يفعله الصحابة والتابعون إذا نزلت بهم المصائب

- ‌فصل ـ في البشارات الهائلة لمن أصيب بمصيبة وإن لم تكن في ولده

- ‌الباب السابع: في ذكر السقط وثوابه، وزيارة القبور

- ‌فصل ـ في زيارة القبور وحكمها

- ‌الباب الثامن: في تطييب خاطر الوالدين على الأولاد

- ‌فصل ـ في معنى الفطرة التي نشأعليها كل مولود من بني آدم من ذكر وأنثى

- ‌فصل ـ في اختلاف العلماء في معنى الفطرة

- ‌الباب التاسع: فيمن مات له طفل رضيع أنه يكمل رضاعه في الجنة

- ‌فصل ـ في شفاعة الأطفال الرضع لوالديهم

- ‌الباب العاشر: في أنه يصلى على كل مولود مسلم ويدعى لوالديه

- ‌الباب الحادي عشر: في استحباب اصطناع الطعام لأهل المصيبة

- ‌الباب الثاني عشر: في الذبح عند القبور وكراهة صنع الطعام من أهل المصيبة

- ‌الباب الثالث عشر: في الثناء الحسن على الميت، وذكر محاسنه والسكوت عن مساويه

- ‌فصل: بشارة للمؤمن بعمله الصالح

- ‌فصل: في الكف عن ذكر مساوي الأموات

- ‌الباب الرابع عشر: في فرح العبد وتسليته بكونه من أمة محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب الخامس عشر: في استحباب التعزية لأهل المصيبة والدعاء لميتهم

- ‌فصل ـ في استحباب تعزية أهل الميت ووقتها

- ‌فصل: فيمن يكره تعزيتهم من أهل الميت وخاصة من النساء

- ‌فصل: فيما يفعله بعض الناس من الجلوس عند القبر يوم الدفن وبعده

- ‌فصل: فيما يجوز أن يلبسه المصاب وزيه

- ‌فصل: في أن التعزية قبل الدفن أو بعده

- ‌فصل: في الألفاظ التي وردت في التعزية عن النبي

- ‌فصل: فيما يقال عند العلم بوفاة أحد المؤمنين

- ‌فصل ـ فيما نقل إلينا من ألفاظ التعزية عن السلف والخلف

- ‌الباب السادس عشر: في وجوب الصبر على المصيبة

- ‌الباب السابع: فيما ورد بالصبر على المصيبة

- ‌فصل ـ في كلام السلف في الصبر

- ‌الباب الثامن عشر: في أن الشخص لا يستغني عن الصبر لا في المصيبة ولا في غيرها

- ‌فصل: في الحالات التي يحتاج فيها العبد إلى الصبر

- ‌فصل: في مشقة الصبر على السراء أيضاً

- ‌فصل ـ في التحذير من فتنة المال والأزواج والأولاد

- ‌الباب التاسع: في أن الصبر من أشق الأشياء على النفوس

- ‌فصل: في عقوبة من لم يصبر مع تمكنه من الصبر

- ‌فصل: في علامات الصبر ورضا النفس عن قضاء الله تعالى

- ‌االباب العشرون: في الرضا بالمصيبة

- ‌فصل: في أقوال السلف والخلف في الرضا

- ‌فصل ـ فيما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المصيبة وما نهى عنه

- ‌فصل ـ في تحقيق الرضا وأنه من عمل القلب

- ‌الباب الحادي والعشرون: فيما يقدح في الصبر والرضا وينافيهما

- ‌فصل: في أن شق الثياب ولطم الخدود ينافي الصبر والرضا

- ‌فصل: في البكاء والحزن الصامت لا ينافي الرضا والصبر

- ‌فصل ـ في أن من يبتلي بالمصائب هو أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين

- ‌فصل ـ في أن الشكوى والتحدث بالمصيبة ينافي الصبر والرضا

- ‌فصل ـ في أن الله تبارك وتعالى يختبر عباده بالمصائب

- ‌الباب الثاني والعشرون: هل المصائب مكفرات أم مثيبات

- ‌فصل ـ في سياق كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

- ‌فصل ـ في قوله أيضاً رحمه الله في أن المصائب نعمة من نعم الله تعالى

- ‌الباب الثالث والعشرون: في الصدقة عن المصاب به وأفعال البر عنه

- ‌فصل: في ذكر اختلاف الناس في وصول ثواب إهداء القرب إلى الموتى

- ‌فصل: في الآيات والأحاديث الواردة في هذا الباب

- ‌فصل ـ من الأدلة المستحسنة قوله صلى الله عليه وسلم في الأضحية: بسم الله والله أكبر

- ‌فصل ـ في قوله تعالى " وأن ليس للإنسان إلا ما سعى

- ‌فصل ـ في أن الدفن بجوار الصالحين يجلب نوال بركتهم

- ‌فصل: في استحباب القراءة عند القبر وما ورد فيها

- ‌فصل ـ فيما نص عليه الإمام أحمد بن حنبل في استحباب الدعاء للميت عقب دفنه

- ‌فصل ـ هل يصح إهداء ثواب نوافل العبادات للمسلم الحي

- ‌الباب الرابع والعشرون: في ذكر عمارة القبور

- ‌فصل ـ في أن العمارة ليست من الظاهر بل عمارة الأحياء والأموات في الباطن

- ‌فصل ـ في بكاء عثمان رضي الله عنه على القبور

- ‌فصل ـ في عدم استطاعة التمييز بين السعيد والشقي في القبر

- ‌الباب الخامس والعشرون: في أن الله يثبت الذين آمنوا عند المسألة

- ‌فصل ـ في أن النار والخضرة في القبر ليست كمثلها في الدنيا

- ‌فصل ـ في البرزح والبحث في ماهيته

- ‌فصل: في عرض أعمال الأحياء على أقاربهم الأموات

- ‌فصل ـ في تلقين الصغار وما قيل في التلقين عموماً

- ‌فصل ـ في حياة الميت في قبره والخلاف في ذلك

- ‌الباب السادس والعشرون ـ في اجتماع الأرواح وهيئاتها، وأين محلها، والخلاف في ذلك

- ‌فصل: فيما جاء في أرواح الشهداء وغيرهم وأمكنتها

- ‌فصل ـ في بيان مستقر الأرواح واختلاف مساكنها

- ‌فصل ـ " في قوله صلى الله عليه وسلم: الأرواح جنود مجندة " وكيفية ذلك

- ‌فصل ـ هل الأرواح محدثة عند خلق البدان أم قديمة

- ‌فصل ـ في دليل إضافة الروح إلى الله وتفسير تلك الإضافة

- ‌فصل ـ عن موت الأرواح والأبدان

- ‌فصل ـ في عذاب القبر على الروح والبدن

- ‌فصل: في عذاب القبر حق

- ‌فصل ـ في أن البلي يختص البدن

- ‌الباب السابع والعشرون: في عد الشهداء وفضلهم وأنهم أرفع درجات من الصالحين

- ‌فصل: في تسلية المصاب

- ‌فصل: في الشهادة المطلوبة: شهادة المعركة

- ‌الباب الثامن والعشرون: في ذكر الصراط ودرجات الناس في المرورعليه

- ‌فصل ـ في المرور على الصراط

- ‌الباب التاسع والعشرون: في ذكر سعة رحمة الله ومن مات على التوحيد

- ‌فصل ـ في رحمته وسعت كل شيء

- ‌فصل ـ في أن من مات موحداً داخل الجنة

- ‌الباب الثلاثون: في فضل الزهد في الدنيا والتسلية عنها والرغبة في الآخرة

- ‌فصل ـ في العجب ممن يسعى لدار الغرور

- ‌فصل ـ في أن شرور الدنيا كأحلام نوم

- ‌فصل ـ في اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً

- ‌فصل ـ في أن الدنيا دار ممر

- ‌فصل ـ في أن هذه الدار رحلة

الفصل: ‌الباب الخامس والعشرون: في أن الله يثبت الذين آمنوا عند المسألة

‌الباب الخامس والعشرون: في أن الله يثبت الذين آمنوا عند المسألة

قال الله تعالى: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} .

قال أكثر المفسرين: هي كلمة التوحيد، وهي قول: لا إله إلا الله في الحياة الدنيا ـ يعني قبل الموت ـ وفي الآخرة يعني في القبر ـ.

وذهب بعض المفسرين إلى أن قال: في الحياة الدنيا في القبر عند السؤال، وفي الآخرة: عند البعث، والأول أصح.

«عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المسلم إذا سأل في قبره، فشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فذلك قوله تعالى:{يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} وفي لفظ: نزلت في عذاب القبر.

يقال له: من ربك؟ فيقول ربي الله ونبيي محمد، وذلك قول الله:{يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت} الآية» .

رواه البخاري ومسلم، ورواه أحمد مطولاً، وأهل السنن والمسانيد.

وراه الإمام أبو داود في سننه بأتم من هذا، «من حديث البراء أيضاً، ولفظه: قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولم يلحد، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله، كأنما على رؤوسنا الطير، وفي يده عود ينكت به الأرض، فرفع رأسه وقال: استعيذوا بالله القبر، مرتين أو ثلاثاً.

وذكر صفة قبض الروح وعروجها إلى السماء، ثم عودها إليه، إلى أن قال: وإنه ليسمع خفق نعالهم ـ إذا ولو مدبرين ـ حين يقال له: يا هذا، من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ وفي لفظ فيأتيه ملكان، فيجلسانه ويقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ قال: فيقول: هو رسول الله، فيقولان: وما يدريك؟ فيقول: قرأت كتاب صلى الله عليه وسلم وآمنت به وصدقت؟ فذلك قوله: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} قال: فينادي مناد من السماء: أن صدق عبدي، فأفرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة.

قال: فيأتيه من روحها وطيبها.

قال: ويفسح له مد بصره.

قال: وإن الكافر، فذكر موته، قال: وتعاد روحه إلى جسده، فيأتيه ملكان، فيجلسانه ويقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري! فيقولان له:

ص: 196

ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري! فينادي مناد من السماء: أن كذب عبدي، فأفرشوه من النار، وألبسوه من النار، وافتحوا له باباً إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها.

قال: ويضيق عليه قبره، حتى تختلف عليه أضلاعه، قال: ثم يقيض له أعمى أبكم، معه مرزبة من حديد، لو ضرب بها جبل لصار تراباً، قال: فيضربه بها ضربة يسمعها بين المشرق والمغرب إلا الثقلين، فيصير تراباً، ثم تعاد فيه الروح» .

ورواه الطبراني بأتم من هذا.

فقد اشتمل هذا الحديث على فوائد، منها: التثبيت لأهل الإسلام والإيمان الذين آمنوا بالله، وما جاء من عند الله، وصدقوا به، وآمنوا برسوله واتبعوه، ومنها الإيمان بعذاب القبر، وإعادة الروح إلى الجسد، وغير ذلك من الأمور التي لا تحضرني كما سأذكره مفصلاً بعد إن شاء الله.

«وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن العبد إذا وضع في قبره، وتولى عند أصحابه، إنه ليسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا، قال: يأتيه ملكان فيقعدانه، فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، قال: فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار، قد أبدلك الله به مقعداً من الجنة.

قال: نبي الله صلى الله عليه وسلم: فيراهما جميعاً، وذكر لنا، أنه يفسح له في قبره سبعون ذراعاً، يملأ عليه خضراً إلى يوم يبعثون.

وأما المنافق أو الكافر، فيقول: لا أدري، كنت أقول ما تقول الناس فيه! فقال: لا

ص: 197

دريت ولا تليت، ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه، فيصيح صيحة، يسمعها من يليه إلا الثقلين» .

رواه البخاري ومسلم.

وقد روي من حديث البراء وحديث أنس، في قبض الروح والمسألة، ونعيم صاحب القبر وعذابه، عن أبي هريرة، وحذيفة ابن اليمان، وغيرهما.

فرواه الإمام أحمد في مسنده، وابن حبان في صحيحه «من حديث أبي هريرة، ولفظه: أن لنبي صلى الله عليه وسلم، قال: إن الميت إذا وضع في قبره، إنه ليسمع خفق نعالهم حين يولون عنه، فإن كان مؤمناً، كانت الصلاة عند رأسه، وكان الصيام عن يمينه، وكانت الزكاة عن شماله، وكان فعل الخيرات والصدقة والصلة والمعروف والإحسان عند رجليه، فيأتيان من قبل رأسه، فتقول الصلاة: ما قبلي مدخل، ثم يؤتى عن يمينه فيقول الصيام: ما قبلي مدخل، ثم يؤتى عن يمينه فيقول الصيام: ما قبلي مدخل، ثم يؤتى من قبل شماله، فتقول الزكاة: ما قبلي مدخل، ثم يؤتى من قبل رجليه، فيقول فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان: ما قبلي مدخل، فيقال اجلس، فيجلس، قد مثلت له الشمس قد أضاءت الغروب، فيقال له: هذا الرجل الذي كان فيكم، ما تقول فيه؟ وماذا تشهد به عليه؟ فيقول دعوني حتى أصلي: فيقال: إنك ستصلي، أخبرنا عما نسألك عنه، أرايت هذا الرجل الذي كان فيكم، ما تقول فيه؟ وما تشهد به عليه؟ قال: فيقول: محمد، أشهد أنه رسول الله، جاء بالحق من عند الله، فيقال له: على ذلك حييت، وعلى ذلك تموت، وعلى ذلك تبعث إن شاء الله، ثم يفتح له باب من أبواب الجنة، فيقال له هذا مقعدك وما أعد الله لك فيها، فيزداد غبطة وسرور اً، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعاً، وينور له فيه، ويعاد الجسد لما بدأ منه، فيجعل نسمة في النسيم الطيب، وهو طير يعلق من شجر الجنة، قال: فذلك قوله تعالى: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} .

وذكر في الكافر ضد ذلك، إلى أن قال: يضيق عليه قبره، إلى أن تختلف أضلاعه، فتلك المعيشة الضنك التي قال الله تعالى:{فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى} » وهذا مختصر من الحديث.

ص: 198

ورواه مسلم في صحيحه، «من حديث أبي هريرة أيضاً، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إذا خرجت روح المؤمن، تلقاها ملكان يصعدانها ـ فذكر من ريح طيبها، وذكر المسك ـ قال: فيقول أهل السماء: روح طيبة جاءت من قبل الأرض، صلى الله عليك وعلى جسد كنت تعمرينه، فينطلق به إلى ربه، ثم يقول: انطلقوا به إلى آخر الأجل، قال: وإن الكافر، إذا خرجت روحه، وذكر من نتنها وذكر اللعن، فيقول أهل السماء: روح جاءت من قبل الأرض، فيقال انطلقوا به إلى آخر الأجل، قال أبو هريرة: فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم ريطة كانت عليه على أنفه هكذا» .

و «في رواية أخرى: فيقول عبدك فلان ـ يعني المؤمن ـ فيقول أرجعوه، فإني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى.

قال: فإنه يسمع خفق نعال أصحابه إذا ولوا عنه، فيأتيه آت، وفي لفظ فيأتيه ملكان أسودان أزرقان، يقال لأحدهما المنكر، وللآخر: النكير، ففي الترمذي: فيقولان، وفي غيره: فيقول من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ فيقول: ربي الله.

وديني الإسلام، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم، فينتهره، فيقول: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ وهي آخر فتنة تعرض على المؤمن، فذلك حين يقول:{يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت} الآية، فيقول كما قال، فيقول له: صدقت، ثم يأتيه آت حسن الوجه، طيب الريح، حسن الثياب، فيقول: أبشر بكرامة من الله ونعيم مقيم، فيقول: وأنت فبشرك الله بخير، من أنت؟ فيقول أنا عملك الصالح، كنت والله سريعاً في طاعة الله، بطيئاً عن معصية الله، فجزاك الله خيراً، ثم يفتح له باب من الجنة وباب من النار، فيقول: هذا منزلك، لو عصيت الله، أبدلك به هذا، فإذا رأى ما في الجنة قال: رب عجل قيام الساعة كيما أرجع إلى أهلي ومالي، فيقول له: اسكن، وفي لفظ: فيقال له: نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه، حتى يبعثه الله من مضجعه.

وإن الكافر، إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة، نزلت عليه ملائكة غلاظ شداد، فانتزعوا روحه، كما ينتزع السفود الكثير الشعب من الصوف المبتل، وينزع نفسه مع العروق، فيلعنه كل ملك بين السماء والأرض، وكل

ص: 199

ملك في السماء، وتغلق أبواب السماء، ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله أن لا يعرج بروحه من قبلهم، فإذا عرج بروحه قالوا: رب، فلان عبدك، قال: أرجعوه، فإني عهدت إليهم، أني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى، فإنه ليسمع خق نعال أصحابه، إذا ولوا عنه، قال: فيأتيه آت، فيقول: ما دينك؟ فيقول: لا أدري! فيقال: لا دريت ولا تليت، فيأتيه آت قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح، فيقول: أبشر بهوان من الله وعذاب مقيم، فيقول: وأنت بشرك الله بالشر، من أنت؟ فيقول: أنا عملك الخبيث، كنت بطيئاً عن طاعة الله، سريعاً في معصية الله، فجزاك الله شراً، ثم يقيض له أعمى أصم أبكم، في يده مرزبة، لو ضرب بها جبل كان تراباً، فيضربه ضربة فيصير تراباً، ثم يعيده الله كما كان، فيضربه ضربة أخرى، فيصيح صيحة، يسمعه كل شيء إلا الثقلين، قال البراء: ثم يفتح له باب من النار، ويمهد له له من فرش النار» .

ورواه الإمام أحمد.

وروى أحمد، والحافظ ابن منده، بإسناد حسن، «من حديث البراء أيضاً، بأتم ما تقدم من حديث أبي هريرة والبراء، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة، فانتهينا إلى القبر، فجلس فجلسنا، كأن على أكتافنا فلق الصخر، وعلى رؤوسنا الطير، فأرم قليلاً ـ والإرمام السكوت ـ فلما رفع رأسه قال: إن المؤمن، إذا كان في قبل من الآخرة، ودبر من الدنيا، وحضره ملك الموت، فجلس عند رأسه، ونزلت عليه ملائكة معهم كفن من الجنة، وحنوط من الجنة، فجلسوا منه مد الصبر، ثم يقول ـ يعني ملك الموت ـ: اخرجي أيتها النفس الطيبة ـ وفي رواية أيتها النفس المطمئنة ـ إلى مغفرة من الله ورضوان، قال: فتخرج نفسه، كما تسيل القطرة من في السقاء، فإذا خرجت نفسه صلى عليه كل ملك بين السماء والأرض إلا الثقلين، فيأخذها وفي رواية، فإذا أخذها ـ يعني ملك الموت ـ لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها في ذلك الكفن وذلك الحنوط، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض، قال: فيصعدون بها إلى السماء، فيفتح له السماء، ويشيعه مقربوها إلى السماء الثانية، وفي لفظ: فلا يمرون منها على ملأ من

ص: 200

الملائكة، إلا قالوا: ما هذا الروح الطيب؟ فيقولون: فلان بن فلان، بأحسن أسمائه التي يسمونه بها في الدنيا، فيشيعه من كل سماء مقروبها، حتى ينتهي به إلى السماء السابعة، إلى العرش، فإذا انتهى إلى العرش، قال الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين، وأعيدوه إلى الأرض، وفي لفظ ـ إلى مضجعه ـ فإني وعدتهم، أني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى، فتعاد روحه إلى جسده، فيأتيه منكر ونكير، يثيران الأرض بأنيابهما، ويفحصان الأرض بأشفارهما، فيجلسانه ثم يقال له: يا هذا، من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان: صدقت، ثم يقال له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان: صدقت، ثم يقال: من نبيك؟ فيقول: محمد رسول الله: فيقولان: صدقت، ثم يفسح له في قبره مد بصره، ويأتيه رجل حسن الوجه، طيب الريح، حسن الثياب، فيقول: جزاك الله خيراً، وفي لفظ فيقول: أبشر بالذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح، فيقول: رب أقم الساعة، حتى أرجع إلى أهلي ومالي، ثم يفتح له باب إلى الجنة، فينظر إلى مقعده ومنزله منها، حتى تقوم الساعة، وإن العبد الكافر، إذا كان في دبر من الدنيا وقبل من الآخرة، وحضره الموت، نزلت عليه من السماء ملائكة، ومعهم كفن من نار، وفي لفظ ملائكة سود الوجوه معهم المسوح، قال: فيجلسون منه مد بصره، وجاء ملك الموت فجلس عند رأسه، فيقول: اخرجي أيتها النفس الخبيثة، اخرجي إلى غضب الله وسخطه، فتتفرق روحه في جسده كراهية أن تخرج، لما ترى وتعاين، فذكر خروجها كما تقدم، ونتن ريحها، ووضعها في تلك المسوح، ولعن الملائكة لها، وغلق أبواب السماء دونها، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم:{لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط} ، فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في سجين: في الأرض السفلى، فتطرح روحه طرحاً، ثم قرأ:{ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق} فيأتيه منكر ونكير، يثيران الأرض بأنيابهما، ويفحصان

ص: 201