الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني والعشرون: هل المصائب مكفرات أم مثيبات
وقد اختلف العلماء في هذا الباب اختلافاً كثيراً، وتباينوا فيه تبايناً شديداً، فذهب بعض العلماء إلى أنه يثاب على كل مصيبة، وذهب طائفة أخرى من العلماء إلى أنه لا يثاب على المصائب مطلقاً، وإنما يثاب على الصبر عليها، حتى قطع به ابن عبد السلام في قواعده، وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة من العلماء إلى أن إطلاق القول بالثواب، كلاهما يرد عليه ما يدفعه، وأن ثم فرقاً مؤثراً نذكره فيما بعد، إن شاء الله.
وقد احتجت كل طائفة بظواهر مرجحة لما ذهبت إليه كما سنذكره بعد.
احتجت طائفة من العلماء إلى أنه يثاب على كل مصيبة بقوله تعالى: {ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطؤون موطئاً يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلاً إلا كتب لهم به عمل صالح..
} الآية.
وفي الصحيحين، «عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب، ولا هم ولا حزن، ولا غم ولا أذى، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه» ، الوصب: الوجع اللازم، ومنه قوله تعالى:{ولهم عذاب واصب} أي لازم ثابت، والنصب: التعب.
وروى الحاكم في المستدرك «أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: المصاب من حرم الثواب» .
وروى ابن ماجة «من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس الزهادة في الدنيا، بتحريم الحلال ولا بإضاعته، ولكن الزهادة في الدنيا، أن
تكون بما في يد الله، أوثق منك بما في يدك، وأن تكون في ثواب المصيبة، إذا أصبت بها، أرغب منك فيها لو أنها بقيت لك» رواه الإمام أحمد، موقوفاً عن أبي مسلم الخولاني.
وفي صحيح البخاري «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مامن مسلم، يموت له ثلاثة من الولد، لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة، بفضل رحمته إياهم» .
و «رواه أحمد والنسائي: ما من مسلمين، يموت لهما ثلاثة من الولد، لم يبلغوا الحنث، إلا غفر لهما» .
وغير ذلك من الأحاديث مما اختصرته.
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم عند قوله صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يشاك بشوكة، فما فوقها، إلا كتبت له بها درجة، ومحيت عنه بها خطيئة» وفي رواية: «إلا رفعه الله بها درجة، أو حط عنه بها خطيئة» .
وفي بعض النسخ «وحط عنه بها خطيئة» بغير ألف، وفي رواية «إلا كتب له بها حسنة أو حطت عنه بها خطيئة» .
قال: وفي هذه الأحاديث بشارة عظيمة للمسلمين، فإنه قل أن ينفك الواحد منهم ساعة من شيء من هذه الأمور، وفيه تكفير الخطايا بالأمراض والأسقام ومصائب الدنيا وهمومها وإن قلت مشقتها، وفيه رفع الدرجات بهذه الأمور وزيادة الحسنات، وهذا هو الصحيح الذي عليه جماهير العلماء.
وحكى القاضي عياض عن بعض العلماء: أنها تكفر الخطايا فقط.
ولم يبلغهم هذه الأحاديث الصحيصة الصربحة برفع الدرجات، وكتب الحسنات، انتهى كلامه.
«ويؤيد ذلك قول عائشة رضي الله عنها: ما رأيت رجلاً أشد عليه الوجع من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقوله صلى الله عليه وسلم: إني لأوعك مثل رجلين منكم، وإنك لتوعك وعكاً شديداً، وقوله صلى الله عليه وسلم: أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل» .
قال جماعة من العلماء: والحكمة في كون الأنبياء أشد بلاءً ثم الأمثل بالأمثل: أنهم مخصصون بكمال الصبر وصحة الاحتساب، والأنبياء معصومون من الخطايا فتعين الثواب، والله أعلم.
وفي حديث المرأة التي كانت تصرع: دليل على أن الصرع يثاب عليه أكمل ثواب.
وفي صحيح مسلم «قالت امرأة يا رسول الله، دفنت ثلاثة من الولد قال: