الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كما ثبت في الصحيح، في حديث المنام الطويل من حديث «سمرة بن جندب، أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه جبريل وميكائيل، فانطلقا به فأرياه عجائب، وفيه: والشيخ في أصل الشجرة إبراهيم، والصبيان حوله أولاد الناس» وفي لفظ البخاري: «والولدان حوله، فكل مولود يولد على الفطرة، فقيل: يا رسول الله، وأولاد المشركين؟ قال: وأولاد المشركين» .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وفطرة الله أضافها إليه إضافة مدح لا إضافة ذم، فعلم أنها فطرة محمودة لا مذمومة، يبين ذلك:{فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها} .
ولهذا نصب على المصدر الذي دل عليه الفعل الأول عند سيبويه وأصحابه، فدل على إقامة الوجه للدين حنيفاً هو فطرة الله التي فطر الناس عليها، كما في نظائره مثل قوله تعالى:{كتاب الله عليكم} و {سنة الله التي قد خلت} ، فهو عندهم مصدر منصوب بفعل مضمر لازم إضماره دل عليه الفعل المتقدم، كأنه قال: كتب الله عليكم ذلك، وسن الله ذلك لكم.
انتهى كلامه.
وقد تكلمنا عن الأطفال، وأشبعنا الكلام فيهم، في كتاب مفرد، فمن رام كشفه فليطلبه، ولكن لا يليق التطويل بل ليس نحن بصدده بأكثر من هذا، فهذا تنبيه على الأطفال أنهم ولدوا على الفطرة، وقد ذكرنا في الفطرة نحواً من عشرة أقوال في الصنف المشار إليه، والله أعلم.
فصل ـ في التأسي ببعض ما كان يفعله الصحابة والتابعون إذا نزلت بهم المصائب
فقد ثبت في صحيح البخاري «عن أنس، قال: اشتكى ابن لأبي طلحة، قال: فمات وأبوه أبوطلحة خارج، فلما رأت امرأته أنه قد مات، هيأت شيئاً، وجعلت
ابنها في جانب البيت، فلما جاء أبو طلحة، قال: كيف الغلام؟ قالت: قد هدأت نفسه، وأرجو أن يكون قد استراح، وظن أبو طلحة أنها صادقة، قال: فبات، فلما أصبح اغتسل، فلما أراد أن يخرج، أعلمته أنه قد مات، فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أخبره بما كان منها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعل الله أن يبارك لهما في ليلتهما» فقال رجل من الأنصار: فرأيت لهما تسعة أولاد، كلهم قد قرأ القرآن.
«وفي لفظ أنها قالت لأهلها لما مات ولدها: لا يكلم لأبي طلحة أحد قبلي، فلما دخل، سأل عن الصبي، فقالت: إنه قد هدأ مماكان، وقدمت له طعاماً فأكل، ثم تصنعت له حتى واقعها، ثم قالت: يا أبا طلحة، أرأيت قوماً أودعوا قوماً وديعة، ثم طلبوها منهم، أفما يجب أن يؤدوها إليهم؟ قال بلى، قالت: فاحتسب ابنك.
فغضب لما صنعت به، فلما كان الصباح، ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يشكوها إليه، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: بارك الله لكما في غابر ليلتكما فجاءت بغلام حنكه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسماه عبد الله، وهو الذي كان من سلالته الإخوة القراء، والأول هو أبو عمير الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يداعبه ويقول له: يا أبا عمير ما فعل النغير» أي ما فعل عصفورك.
فهذه امرأة، قد تصبرت ورضيت، وتثبتت واحتسبت، فأخلف الله لها خيراً من الذي أصيبت به، فإذا نظر من أصيب بمصيبة، إلى امرأة قد فعلت عند المصيبة أمراً لا يكون إلا عند السرور والأفراح، فليتأس الشخص، وليتعلم أوصاف السابقين الأولين، ويعلم الرجال أولى بهذا الصنيع والصبر من النساء.
ولم تصب امرأة في الوجود بما أصيبت به فاطمة رضي الله عنها التي هي سيدة نساء أهل الجنة، فإنها أصيبت بموت أبيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم تقل في هذه الحال العظيمة إلا قولاً صدقاً محفوظاً عنها فإنها قالت: يا أبتاه، من ربه ما أدناه!
يا أبتاه، إلى جبريل أنعاه! يا أبتاه، أجاب رباً دعاه! يا أبتاه جنة الفردوس مأواه! فالذي ينبغي لنا، التأسي بسادات المسلمين من الرجال والنساء.
مات لرجل من السلف ولداً، فعزاه سفيان بن عيينة، ومسلم بن خالد، وآخرون، وهو في حزن شديد، حتى جاءه الفضيل بن عياض، فقال: يا هذا
أرأيت لو كنت في سجن وابنك، فأفرج عن ابنك قبلك، أما كنت تفرح؟ قال: بلى! قال: فإن ابنك، خرج من سجن الدنيا قبلك، قال فسري عن الرجل، وقال تعزيت.
رواه الحافظ ابن عساكر.
وقال مالك: إنه بلغه «عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما يزال المؤمن يصاب في ولده وخاصته، حتى يلقى الله وليست عليه خطيئة» .
وقد تقدم ما رواه الإمام أحمد، والترمذي، من حديث أبي موسى الأشعري.
والمقصود أن من سمع بهذا الحديث وكان قد أصيب بمصيبة حصل له تسلية.
ومن التأسي بمن أصيب في نفسه، فصبر، وعزى نفسه، وتكلم بما حفظ عنه: لما حضرت معاوية الوفاة قال: أقعدوني، فأقعدوه، فجعل يذكر الله ويسبحه، ثم قال: الآن تذكر ربك يا معاوية، بعد الانحطام والانهزام؟ ألا كان ذلك وغصن الشباب ريان؟ ! وبكى حتى علا بكاؤه، ثم قال منشداً:
هو الموت لا منجا من الموت، والذي
…
أحاذر بعد الموت، أدهى وأفظع
ثم قال اللهم يا رب ارحم الشيخ العاصي والقلب القاسي، اللهم أقل العثرة واغفر الزلة وجد بحلمك، على من لا يرجو غيرك، ولا يثق بأحد سواك، ثم قال لابنه: يا بني، إذا وافاني أجلي، فاعمد إلى المنديل الذي في الخزانة، فإن فيها ثوباً من أثواب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقراضة من شعره وأظفاره، فاجعل الثوب مما يلي جسدي، واجعل أكفاني فوقه، واجعل القراضة في فمي وأنفي وعيني، فإن نفعني شيء فهذا، فإذا وضعتموني في قبري، فخلوا معاوية وأرحم الراحمين.
ولما حضرت أبا هريرة رضي الله عنه الوفاة بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: يبكيني بعد السفر، وقلة الزاد، وضعف اليقين، والعقبة الكؤود التي المهبط منها إما إلى الجنة وإما إلى النار.
ولما حضرت عمر بن عبد العزيز الوفاة قال: أجلسوني، فأجلسوه، فقال: اللهم أنا الذي أمرتني فقصرت، ونهيتني فعصيت،