الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كيف تجدك؟» وهو استخبار منه واستعلام بحاله.
وأما الأنين فهل يقدح في الصبر؟ فيه روايتان عن الإمام أحمد، قال القاضي أبو الحسين: أصح الروايتين الكراهة، لما روي عن طاووس، أنه كان يكره الأنين في المريض.
وقال مجاهد: يكتب على ابن آدم مما سطر به، حتى أنينه في مرضه.
انتهى.
وقال جماعة من العلماء: الأنين شكوى بلسان الحال، فينافي الصبر.
وقال عبد الله بن الإمام أحمد: قال لي أبي في مرضه الذي توفي فيه: أخرج إلي كتاب عبد الله بن إدريس، فأخرجت الكتاب، فقال: أخرج أحاديث ليث بن أبي سليم، فأخرجت أحاديث ليث بن أبي سليم، فقال: اقرأ علي أحاديث الليث، قال: قلت لطلحة: إن طاووساً كان يكره الأنين في المرض، فما سمع له أنين حتى مات، فما سمعت أبي أن في مرضه ذلك إلى أن توفي.
والرواية الثانية أنه لا يكره ولا يقدح في الصبر، بل قد يقدح في الرضا.
قال بكر بن محمد عن أبيه: «سئل الإمام أحمد عن المريض، يشكو ما يجد من الوجع! فقال: يعرف فيه شيئاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، حديث عائشة: وا رأساه! وجعل يستحسنه» .
وقال المروزي: دخلت على أبي عبد الله أحمد بن حنبل، وهو مريض، فسألته، فتغرغرت عينيه، وجعل يخبرني ما مر به في ليلته من العلة.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: اعلم أن الأنين على قسمين: أنين شكوى، فيكره، وأنين استراحة وتفريج، فلا يكره، والله أعلم.
فصل: في أن شق الثياب ولطم الخدود ينافي الصبر والرضا
ومما ينافي الصبر والرضا، ما يفعله أكثر الناس في زماننا عند المصيبة، من شق
ثيابهم، ولطم خدودهم، وخمش وجوههم، ونتف شعورهم، والتصفيق بإحدى اليدين على الأخرى، ورفع أصواتهم عند المصيبة.
ولقد حضرت عند شخص، حين فارق الدنيا، وهو من الجند، فحين خرجت روحه، أتوا بجعبة نشاب، فكسروها بمجموعها، واحدة بعد واحدة عليه، وأتوا أيضاً بعدة الحرب فرموها عليه، وأنا مع ذلك أعظم وأقول لهم: هذا حرام، نهى الله ورسوله عن ذلك، وهذا فيه إضاعة مال، فقال بعضهم لي: لم يصبك ما أصابنا، فخرجت عنهم، ثم إنهم بعد ذلك ندموا على ما فعلوا من إتلاف ما أتلفوه.
«ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الصبر عند الصدمة الأولى» لأن في تلك الحالة هيجان الحزن، واستغراق الذهن، وذهول العقل بما دهمه، وتمكن الشيطان منه، فإن الشيطان ـ لعنه الله دائماً ـ يتمكن من بني آدم عند ذهول عقلهم: إما بسكر كما وقع في قصة هاروت وماروت، وهي مشهورة حين دعتهما المرأة إل ىقتل الولد، أو السجود للصنم، أو شرب القدح من الخمر مراراً، وأنهما شربا القدح من المسكر، فلما شربا سكرا، فأتيا كل ما أمرتهما به.
وكذلك ذهول العقل عند العشق، وعند الولاية، وعند كثرة المال، وعند المصيبة، فكل هذه الأمور العارضة للعبد في الغالب يحصل له بها ذهول العقل، فيتمكن الشيطان بها منه.
نسأل الله العافية، ودوام العافية، والثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، «فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسأل الله في دعائه: اللهم إني أسألك الثبات في الأمر» الدعاء المشهور.
«وكان يقول: اللهم يا مثبت القلوب ثبت قلبي على دينك» .
فالثبات في الأمور مطلوب شرعاً، كما أن العبد نهي عن الأمور المذمومة من اللجاج والطيش، والعجلة والحدة، وافتقاد الحزن، وغير ذلك من الأمور المذمومة التي لا أحصيها عدداً.
ويحاً لمن يقدم على الله تعالى مع هذه الأمور المذمومة التي نهى الشرع عنها، غير تائب منها، معتمداً على صومه وصلاته وحجه وعبادته، وهومع ذلك فرح مستبشر، كأنه قد جاز الصراط، وأعطي البراءة، وجاءه البشير من الله تعالى بالفوز والخلاص! ويحاً لمن بعتز بأعماله الظاهرة، وباطنه مثل المزابل! نسأل الله تعالى حسن التوفيق.