الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
احتظرت بحظار من النار» .
قال بعض السلف: فقد الثواب على المصيبة أعظم من المصيبة، فإنه قد «ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: المصاب من حرم الثواب» وقد تقدم.
وتقدم في أثناء الكتاب أحاديث تشهد لهذا القول، والله أعلم.
احتجت الطائفة الأخرى من العلماء ممن أطلق القول بأن المصائب لا يثاب عليها، وإنما يثاب على الصبر عليها.
بقوله تعالى: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} قال ابن عبد السلام في قواعده: الثواب إنما يكون على فعل العبد لا على فعل الله فيه، قال تعالى:{الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} .
فما حصل لهم من صلاة الله عليهم ورحمته لهم وهدايته إياهم بقولهم: {إنا لله وإنا إليه راجعون} فالاسترجاع هو سبب في حصول ما ذكر، وكذلك «حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله عز وجل لملك الموت: يا ملك الموت، قبضت ولد عبدي؟ قبضت قرة عينيه وثمرة فؤاده؟ قال: نعم، قال: فما قال؟ قال: حمدك واسترجع، قال: ابنوا له بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد» فحمده واسترجاعه هو سبب بناء البيت له في الجنة، وتسمية البيت كافية.
قال القاضي عياض: وقد روي عن عبد الله بن مسعود، أنه قال: الوجع لا يكتب به أجر إنما يكفر الخطايا فقط.
فصل ـ في سياق كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
أما ما يحدثه الله من مصائب، فتارة بغير فعل الخلائق كالأمراض ونحوها، وتارة بفعلهم.
وفصل الخطاب: أن المصائب إن تولدت عن عمل صالح، كما تتولد عن
الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحوه، فهذا يثاب عليه، فإن الإنسان يثيبه الله على عمله وعلى ما يتولد من عمله إذا أقدم على احتماله، فإن المجاهد قد أقدم على الجهاد وهو يعلم أنه يؤذى في الله عز وجل، وقد يناله ضرر في جهاده فتموت فرسه، أو يأخذ ماله، أو يضرب أو يشتم ونحو ذلك، كما قال تعالى:{ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطؤون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح} ، فأخبر تعالى، أنه يكتب لهم عمل صالح، بما يصيبهم من التعب والجوع والعطش، ونحو ذلك الذي حصل لهم بسبب الجهاد في سبيل الله عز وجل، فهذه الأمور يغفر الله بها خطاياه، ويؤجر على هذه المصائب، لأنها حصلت بسبب جهاده فهي مما تولد من عمله، وما تولد عن عمله الصالح من المصائب يثاب عليها.
وأما الجوع والعطش والتعب الذي يحصل من دون ذلك فلا يثاب إلا على الصبر عليه، فإنه ليس من عمله ولا متولداً من عمل صالح، لكن هو من المصائب التي يكفر الله بها خطاياه.
وأما المصيبة بالولد، فالولد تولد عن جماعه الذي صان نفسه به عن الزنا، وقصد به النسل، وتكثير الأمة، وغض البصر عن المحارم، فإذا حصل له ذلك، ثم مات الولد، فقد أثيب عليه من جهة، وكفر الله به خطاياه من جهة، لأنه تولد عن عمله.
وأما الأمراض والأسقام فهي تكفر الخطايا.
وقد روي أن أبا عبيدة بن الجراح لما عادوه وقالوا: له أجر.
فقال: ليس لي من الأجر مثل هذه، ولكن المرض حطة يحيط الله بها الخطايا.
فهذا الذي ذكرته هو الفرق بين المصائب التي يثاب عليها، والمصائب التي لا يثاب عليها، فإن بعض الناس يظن أنه يثاب على كل مصيبة، ومن العلماء من يطلق القول بأن المصائب لا يثاب عليها، وإنما يصاب على الصبر عليها.
ثم قال بعد ذلك بكلام كثير: فمن فعل فعلاً صالحاً باختياره، فأوذي، واحتسب ذلك الأذى، كان ذلك الأذى من