الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب العاشر: في أنه يصلى على كل مولود مسلم ويدعى لوالديه
وهذا الباب عظيم، لأن فيه بشارة عظيمة لكل من أصيب في أولاده، أو في واحد منهم، لأنه أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن نصلي عليهم، وأن ندعو لوالديهم، كما سنذكره إن شاء الله تعالى.
وجمهور العلماء، على أنه يصلى على الطفل الصغير، وإن سقطاً قد نفخ فيه الروح، وذهب بعض السلف إلى أنه لا يصلى على الصغير ما لم يحتلم.
وسنذكر ما يدفع هذا القول ويضعفه:
قال البخاري: «حدثنا أبو اليمان، ثنا شعبة، قال ابن شهاب: يصلى على كل مولود يتوفى وإن لغية، من أجل أنه ولد على فطرة الإسلام، يدعي أبواه الإسلام، أو أبوه خاصة، وإن كانت أمه على غير دين الإسلام، إذا استهل صارخاً صلي عليه، ولا يصلى على من لم يستهل، من أجل أنه سقط.
وأبو هريرة كان يحدث عن رسول الله، قال: ما من مولود إلا يولد على الفطرة
…
» الحديث.
وروى أبو داود، «عن عائشة رضي الله عنها قال: مات إيراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانية عشر شهراً ـ فلم يصلي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم» .
في إسناده محمد بن إسحاق، والكلام فيه معروف، وهويعضد من قال من السلف بعدم الصلاة على الأطفال، لكن الحديث فيه كلام.
وقد رورى أبو داود أيضاً ضد هذه الرواية «من حديث البهي، قال: لما مات إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم، صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المقاعد» .
هذا مرسل.
ـ والبهي ـ هذا اسمه عبد الله بن يسار، مولى مصعب بن الزبير، تابعي يعد من الكوفيين.
وقد تقدم ما رواه الإمام أحمد، «من
حديث البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى على إبنه إبراهيم..» الحديث.
وقال الإمام أحمد أيضا: «حدثنا هاشم بن القاسم ثنا المبارك، أخبرني زياد بن خير، عن المغيرة بن شعبة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الراكب خلف الجنازة، والماشي أمامها قريباً منها عن يمينها أو عن يسارها، والسقط يصلى عليه، ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة» ورواه أبو داود، والنسائي، والترمذي، وقال: حسن صحيح.
«ورواه ابن ماجة مرفوعاً، ولفظه: قال: الراكب يسير خلف الجنازة، والماشي يمشي خلفها وأمامها، وعن يمينها وعن يسارها، والطفل يصلى عليه، ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة» فذكر ابن ماجة بدل السقط: الطفل.
وروى ابن ماجة، «من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلوا على أطفالكم فإنهم من أفراطكم» .
«وعن جابر بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الطفل لا يصلى عليه، ولا يورث ولا يرث حتى يستهل» رواه الترمذي من رواية إسماعيل بن مسلم المكي.
قال الترمذي هذا حديث قد اضطرب الناس فيه، فروي مرفوعاً، وروي موقوفاً، وهو أصح من المرفوع.
قال الحافظ الضياء: إسماعيل بن مسلم المكي قد تكلم فيه غير واحد من الأئمة.
وروى ابن ماجة «عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا استهل الصبي صلي عليه وورث» .
الاستهلال: هو رفع الصوت حين خروجه من الأحشاء، والله أعلم.
وهو من رواية الربيع بن يزيد، وقد ضعفه غير واحد من الأئمة
قال الحافظ الضياء: وقيل: يصلى على الطفل إذا نفخ فيه الروح، استهل أو لم يستهل.
قلت: وهو ظاهر مذهب الإمام أحمد، أنه يصلى عليه إذا نفخ فيه الروح، وهوأن يستكمل أربعة أشهر.
قال الشيخ مجد الدين: وإن أسقط لدون أربعة أشهر، فلا يصلى عليه، لأنه ليس بميت، إذ لم ينفخ فيه الروح.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: الصلاة على السقط مالم ينفخ فيه الروح، مبنية على بعثه، وللعلماء فيه قولان، فإن
قلنا: إنه يبعث، صلي عليه، وإلا لم يصلى عليه، والله أعلم.
انتهى كلامه.
قال أحمد بن عبدة: سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل: متى يصلى على السقط؟ قال: إذا أتى عليه أربعة أشهر، لأنه قد نفخ فيه الروح.
ولكن «حديث المغيرة بن شعبة المتقدم، الذي رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه: والسقط يصلى عليه» و «في رواية ابن ماجة والطفل يصلى عليه» ، ولم يفرق بين أن يكون له أربعة أشهر أو أقل أو أكثر، لكن لم أعلم أن أحداً ذهب إلى الصلاة على السقط مطلقاً إلاسعيد بن المسيب، وهو ظاهر الحديث.
لكن قيل: إن السقط ليس بميت، لأنه لم ينفخ فيه الروح.
يؤيد ذلك ما ثبت في الصحيحين «من حديث ابن مسعود، قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق المصدوق: إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح
…
» الحديث، فإذا نفخ فيه الروح وجبت الصلاة عليه، وبعث يوم القيامة.
وقد اختلف الناس في هذه الآثار، فمنهم من أثبت الصلاة عليه، ومنع صحة حديث عائشة وغيره من الأحاديث، كما قال الإمام أحمد وغيره، وهذه المراسيل من حديث البراء يشد بعضها بعضاً.
ومنهم من ضعف حديث البراء لأجل جابر الجعفي وضعف هذه المراسيل، قال: حديث ابن اسحاق أصح منها.
قال أبو يعلى الموصلي: «حدثنا عقبة بن مكرم، ثنا بشر بن أبي بكر، ثنا محمد بن عبيد الله الفزاري، عن عطاء، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على ابنه إبراهيم، فكبر عليه أربعاً» .
وقال محمد بن سعد كاتب الواقدي: «حدثنا محمد بن عمر ـ يعني الواقدي ـ، قال: حدثني أسامة بن زيد الليثي، عن المنذر بن عبيد، عن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت، عن أمه سيرين، قالت: حضرت موت إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما صحت أنا وأختي ما نهانا، فلما مات نهانا عن الصياح، وغسله الفضل بن عباس، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كإنسان، ثم حمل، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على شفة القبر،
والعباس إلى جنبه، وترك في حفرته الفضل وأسامة بن زيد، وأنا أبكي عند قبره، ما ينهاني أحد، وخسفت الشمس ذلك اليوم، فقال الناس: لموت إبراهيم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنها لاتخسف لموت أحد ولا لحياته.
ورأى رسول الله فرجة في اللبن، فأمر بها أن تسد، فقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أما إنها لاتضر ولا تنفع، ولكن تقر عين الحي، وإن العبد إذا عمل عملاً أحب الله أن يتقنه» ومات يوم الثلاثاء، لعشر ليال خلون من شهر ربيع الأول، سنة عشر.
وهكذا رواه الحافظ بن عساكر في ترجمة عبد الرحمن بن حسان بن ثابت، عن أبيه، ثم قال: هذا حديث غريب.
ثم ساقه من طرق أخرى، من حديث الزبير بن بكار حدثني محمد بن طلحة عن إسحاق بن إبراهيم بن عبد الله بن حارثة، عن عبد الرحمن بن حسان، فذكر نحوه.
وفيه مدرج يوم وفاته وشهره وسنته، والظاهر ـ والله أعلم ـ أنه من كلام الواقدي.
ولكن قيل: إن في بعض طرق هذا الحديث أنه صلى عليه، ولكن لم أره في هذين الطريقين، فالله تعالى أعلم بذلك.
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي: «حدثنا إبراهيم الشامي، ثنا حماد، عن ثمامة بن عبد الله، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على صبي أو صبية، وقال: لو نجا أحد من ضمة القبر، لنجا هذا الصبي» .
وقد روى أبو داود مرسلاً «عن عطاء بن أبي رباح، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على ابنه إبراهيم، وهو ابن سبعين ليلة» .
قال البيهقي ـ بعد أن ذكر مرسل البهي وقد تقدم ذكره، ومرسل عطاء هذا، وغيرهما من أحاديث الصلاة على الأطفال قال: فهذه الآثار، وإن كانت مراسيل، فبعضها يشد بعضاً، وقد أثبتوا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنه إبراهيم، وذلك أولى من رواية من روى أنه لم يصل ـ يعني حديث عائشة المتقدم المتصل وقد روي متصلاً أنه صلى عليه، من حديث البراء بن عازب ـ وقد تقدم ـ لكنه حديث لا يثبت، لأنه من رواية الجعد ولا يحتج بحديثه.
وقال الخطابي وغيره: اختلف في السبب الذي لأجله لم يصل.
قال بعضهم: إنما ترك الصلاة على ابنه، لأنه استغنى ببنوة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عليه التي هي شفاعة له كما استغنى الشهيد بشهادته عن الصلاة عليه
وقال غيره: إنما لم يصل عليه، لأنه يوم مات إبراهيم عليه السلام كسفت الشمس، فاشتغل بصلاة الكسوف عن الصلاة عليه، والله أعلم.
رجعنا إلى كلام الخطابي: ثم إنه ذكر مرسل عطاء، وقال هذا أولى الأمرين وإن كان حديث عائشة أحسن اتصالاً، وقد اعتل من لم ير الصلاة على الطفال بترك صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة على ابنه، واشتغاله بنفل صلاة الكسوف، والجواب ـ والله أعلم ـ عن ذلك: أن صلاة الكسوف كانت واجبة في حقه، لأنه لو لم يصلها لم نعلمها نحن، وأيضاً ولو لم يقع ذلك لم نعلم كيفية صلاة الكسوف، فصلاته كصلاة الكسوف على هذه الصفة، دليل على أن الله أوحى إليه أن يشرعها لنا على هذه الصفة، ويجب أن يبين كل ما أنزل إليه من ربه، لقوله تعالى:{يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} .