الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدنيا، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم:«أن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول ما يسخط الرب» ومنها: قال البخاري: قال عمر: دعهن يبكين على أبي سلمان ما لم يكن نقع أو لقلقة.
والنقع: التراب على الرأس.
واللقلقة: الصوت.
فصل ـ فيما روي على النبي صلى الله عليه وسلم في البكاء على الميت
وقد ذكر بعض العلماء أن البكاء الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله وأباحه، أو أمر به للاستحباب، هو البكاء الذي هو دمع العين ورقة القلب ورحمته، والذي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه، وهو البكاء ـ بالمد ـ الذي يستلزم الصراخ والندب والعويل.
ويشهد لهذا قوله: «ما كان من العين والقلب فمن الله عز وجل، وما كان من اليد واللسان فمن الشيطان، ونهى عن رنة الشيطان» وهو رفع الصوت عند المصيبة.
قلت: هذا وإن كان حسناً، يعكر عليه وما حكيناه عن الجوهري: إن البكاء يمد ويقصر، فهو لغتان، فلا فرق فيه بين المد والقصر، والله أعلم.
فصل ـ في التحذير مما يتفوه به المصاب من ألفاظ التظلم والشكوى
وليحذر العبد كل الحذر، أن يتكلم في حال مصيبته وبكائه، بشيء يحبط به أجره، ويسخط به ربه، مما يشبه التظلم، فإن الله تعالى عدل لا يجور وعالم ل يضل ولا يجهل، وحكيم أفعاله كلها حكم ومصالح، ما يفعل شيئاً إلا لحكمة، فإنه سبحانه له ما أعطى، وله ما أخذ، لا يسأل عما يفعل، وهم يسألون، وهو الفعال لما يريد، والقادر على ما يشاء، له الخلق والأمر.
بل إنما يتكلم بكلام يرضي به ربه ويكثر به أجره، ويرفع الله به قدره.
وقد روى ابن أبي الدنيا بإسناده قال: حدثني يونس بن محمد المكي، قال: زرع رجل من أهل الطائف زرعاً، فلما بلغ، أصابته آفة فاحترق، فدخلنا عليه لنسليه
عنه، فبكى وقال: والله ما عليه أبكي ولكن سمعت الله تعالى يقول: {كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته} .
فأخاف أن أكون من أهل هذه الصفة، فذلك الذي أبكاني.
قال أبو العرب: لما أمر عبد الله بن زياد بالبلجاء أن يمثل بها، جاؤوا ومعهم الحديد والحبال، فقالت: إليكم أتكلم بكلام يحفظه عني من سمعه قال: فحمدت الله وأثنت عليه، ثم قالت: هذا آخر يومي من الدنيا، وهو غير مأسوف عليه، وأرجو أن يكون أول أيامي من الآخرة، وهو اليوم المرغوب فيه، ثم قالت: والله، إن علمي بفنائها هو الذي زهدني في البقاء فيها، وسهل علي بلواءها، فما أحب تعجيل ما أخر الله، ولا تأخير ما عجل الله، والحمد لله على السراء والضراء، وعلى العافية وعلى البلاء، ثم قالت: كنت أؤمل في الله ما هو أكثر من هذا قال: ثم إنهم قطعوا يديها ورجليها، فجعل الدم لا يرقأ، فقالت: حياة كريمة، وميتة طيبة، لأني نلت ما أملت ـ يا نفس ـ من جزيل ثواب الله، فقد نلت سروراً دائماً لا يضرك معه كدر.
وهي حين قطعوا يديها ورجليها، فلم تتكلم، فقيل لها ذلك، فقالت: شغلني هول المطلع عن ألم حديدكم هذا.
ثم أتوا بالنار، لتكوى بها، فلما رأتها صرخت، فقيل لها: لقطع اليدين والرجلين لم تنطقي، فلما رأيت النار صرخت؟ فقالت والله ليس من ناركم صرخت، ولا على دنياكم أسفت، ولكنني ذكرت بها النار الكبرى، فكان الذي رأيتم من ذلك.
قال: فأمر بها، فسملت عيناها، فقالت اللهم قد طال في الدنيا حزني، فأقر في الآخرة عيني ثم قالت: لئن كنت على بصيرة من أمري إن هذا لقليل في جنب ما أطلب من ثواب الله.
قال: فما تكلمت بغيرها حتى ماتت رحمها الله تعالى.
وكانت البلجاء من شيعة علي رضي الله عنه وكان قد بلغ الحسن بن علي أن ابن زياد يتتبع شيعة علي فيقتلهم، فقال: اللهم اقتله وأمته حتف أنفه.
والإسناد: قال أبو العرب: حدثنا عبد الله بن الوليد، عن جابر بن خداش بن