الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل: فيما جاء في أرواح الشهداء وغيرهم وأمكنتها
وقد أشرنا إلى بعضه فيما تقدم، ولو ذكرنا كل قول، وحجج من نصره وذهب إليه، لطال الكتاب وخرج عن موضوعه، ولكن نذكر ما يسره الله تعالى من الأحاديث، فمنها ما ثبت في الصحيح من حديث عبد الله بن مسعود ـ كذا وقع في نسخ معتمد عليها، ووقع في بعض النسخ عبد الله فقط، فمن الحفاظ من يقول عبد الله بن عمرو، ومنهم من يقول ابن مسعود، والله أعلم بالصواب ـ «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الشهداء: أرواحهم في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوى إلى تلك القناديل» .
«وفي حديث قتادة لفظ غريب.
قال: أرواح المؤمنين في صورة طير بيض» .
قال القاضي عياض: في هذا الحديث ذكر أرواح الشهداء، وفي حديث مالك: إنما نسمة المؤمن، لم يذكر الشهداء، والنسمة تطلق على ذات الإنسان جسماً وروحاً، وتطلق على الروح مفردة، وهو المراد بها في هذا الحديث، والله أعلم.
وفي الحديث دلالة على أن المراد بها الروح قطعاً، فإنه قال: حتى يرجعه الله إلى جسده يوم القيامة، ولكن تارةً في هذا الحديث ذكر نسمة المؤمن، وفي اللفظ الآخر أرواح الشهداء.
وقد ورد في حديث ابن عمر، أن غير الشهداء إنما يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي، كما رود في النظر، في قوله تعالى في حق آل فرعون:{النار يعرضون عليها غدواً وعشياً} .
قال القاضي عياض أيضاً، في موضع آخر: وقيل: المراد جميع أرواح المؤمنين الذين يدخلون الجنة بغير عذاب، فيدخلونها الآن بدليل عموم الحديث.
كذا ذكره النووي في شرح مسلم.
وقد «ورد بلفظ آخر في صحيح مسلم، أرواح الشهداء في حواصل طير خضر، ترد أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها» .
ليس فيه ذكر أجواف الطيور.
وهذا إخبار منه صلى الله عليه وسلم عن الشهداء المؤمنين.
وذكر ابن منده بإسناده، «عن اسماعيل بن طلحة بن عبد الله، عن أبيه، قال:
أردت مالي بالغابة، فأدركني الليل، فآويت إلى قبر عبد بن عمرو بن حزم، فسمعت قراءة من القبر ما سمعت أحسن منها، فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال: ذاك عبد الله، ألم تعلم أن الله قبض أرواحهم، فجعلها في قناديل من زبرجد وياقوت، وعلقها وسط الجنة؟ فإذا كان الليل ردت إليهم أرواحهم، فلا تزال كذلك، حتى إذا طلع الفجر، ردت أرواحهم إلى مكانهم التي كانت» .
وأخبر سبحانه وتعالى عن أرواح قوم فرعون، أنها تعرض على النار غدواً وعشياً قبل يوم القيامة، وليس للعقول في هذا مجال، فإنه سبحانه وتعالى يتصرف فيها كيف شاء، وغير مستحيل أن يصور هذا الجزء طائراً، أو يجعل في جوف طائر، أو في حواصل طير، أو في قناديل معلقة بالعرش.
قال العلامة ابن القيم: وهذه حياة أرواح ورزقها، والأبدان قد تمزقت.
وقد فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الحياة، بأن أرواحهم في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع عليهم ربهم اطلاعه فقال: هل تشتهون شيئاً؟ قالوا: أي شيء نشتهي، ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا؟ يفعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا.
قالوا: نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا، حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى.
وصح عنه صلى الله عليه وسلم الحديث من غير وجه، وفي بعض الألفاظ تعلق من ثمر الجنة وتعلق ـ بضم اللام ـ: تأكل العلقة.