الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عمله الصالح الذي يثاب عليه، كالصائم إذا احتسب جوعه وعطشه.
«وقد قال صلى الله عليه وسلم: لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك» والخلوف تولد عن صومه بغير اختياره، ولكن تولد عن عمل صالح، وكذلك القائم بالليل، إذا احتسب تعبه وسهره، فإن الأذى الذي يحصل باختيارك في طاعة الله، أنت جلبته على نفسك باختيارك طاعة الله، فليس هو كمن أوذي بغير اختياره، فإن ذلك أذاه مصيبة محضة، لكن هي حق له على الظالم.
وقال الشيخ رحمه الله «في قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيراً له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيراً له» .
وهي نفسها تكفر خطاياه ويؤجر على الصبر عليها، ففيها له مغفرة من جهة ما يكفره من الخطايا.
وله فيها رحمة من جهة ما يؤجر على الصبر عليها، لا سيما إذا اقترن بها توبة وإنابة إلى الله، وتوكل عليه وتوحيد له وإخلاص الدين له، فإنها تكون من أعظم النعم، ومصيبة تقبل بها على الله خير لك من نعمة تنسيك ذكر الله.
وقال بعض السلف: يا ابن آدم، لقد بورك لك في حاجة أكثرت فيها قرع باب سيدك.
«وفي الحديث إذا قالوا للمرض: اللهم ارحمه، يقول الله عز وجل: كيف أرحمه من شيء به أرحمه؟» .
وفي الأثر: يا ابن آدم، البلاء يجمع بيني وبينك، والعافية تجمع بينك وبين نفسك.
انتهى.
والمقصود من كلام الشيخ رحمه الله أن كل ما تولد عن عمله الصالح من المصائب أثيب عليه، بخلاف المصائب التي لم تتولد عن عمله، فإنها مكفرات لا مثيبات.
ت
فصل ـ في قوله أيضاً رحمه الله في أن المصائب نعمة من نعم الله تعالى
قال الشيخ رحمه الله: وكثير من الناس لا يعرف النعمة إلا ما يلتذ به في دنياه، كما قال بعض السلف: من لم يعرف نعمة الله إلا في مطعمه ومشربه، فقد قل علمه، وحضر عذابه.
فمن الناس من يرى النعمة في بدنه فقط، بالأكل
والشرب والنكاح، ومنهم من يرى النعمة بالرئاسة والجاه ونفاذ الأمر والنهي وقهر الأعداء، ومنهم من يرى النعمة في جميع الأموال والقناطير المقنطرة، وهؤلاء من جنس الكفار، يرون هذه نعماً، وأعلى من هؤلاء: من يرى النعمةفي الإيمان والعمل الصالح، لكن لا يرى الأمر بذلك والجهاد عليه نعمة، بل يرى فيه من المضار ما يوجب تركه والذين يرون هذه النعمة: منهم من لا يراه نعمة إلا مع السلامة والغنيمة، فإن جرح أو قتل بعض أولاده، أو أخذ ماله، عد ذلك مصيبة لا نعمة.
وحجة هؤلاء كلهم أن النعمة ما يتنعم به العبد، وهذه الأمور تؤلم النفس، فلا تكون من النعم، بل من المصائب، ولا ريب أنها من المصائب، باعتبار ما يحصل فيها من الألم، ولهذا أمر بالصبر عليها، لكن لا منافاة بين كون الشيء مصيبة باعتبار، ونعمة باعتبار، فباعتبار ما يحصل له من الأذى هو مصيبة، وباعتبار ما حصل به من الرحمة نعمة، وهذا لأنه إذا قيل: هذا يكفر به الخطايا ويؤجر عليها ويؤجر على الصبر عليها كانت نعمة، وهذا بمنزلة شرب المريض الدواء الكريه، هو مصيبة باعتبار مرارته، وهو نعمة باعتبار إزالته للمريض الذي هو أشد ضرراً فيه، وأدنى الشرين إذا زال أعظمهما كان نعمة، ومن استعمل نعمة الله في المعاصي، كانت شراً في حقه، لأنها جرته إلى العذاب الذي هو أعظم من تلك اللذة كمن أكل عسلاً فيه سم، فإن ضرر السم أعظم من حلوة العسل، والله أعلم.
انتهى كلامه.