الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأرض بأشفارهما، أصواتهما كالرعد القاصف، وأبصارهما كالبرد الخاطف، فيجلسانه، ثم يقولان: يا هذا، من ربك؟ فيقول: لا أدري، فينادى من جانب القبر: لا دريت، فيضربانه بمزربة من حديد، لو اجتمع عليها من بين الخافقين لم تقل، ويضيق عليه قبره، حتى تختلف أضلاعه، فلا يزال معذباً حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك
…
»
وذكر تمام الحديث كما تقدم.
ورواه أبو داود أيضاً بطوله، بنحو هذه الرواية، وأبو حاتم، وابن حبان في صحيحه، وروى النسائي، وابن ماجة أوله، ورواه أبو عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفراييني في صحيحه، وأما ابن منده، فرواه في كتاب الإيمان بطوله، وقال: هذا إسناد متصل مشهور، ولم أذكر سنده للاختلاف فيه.
قال أبو عوانة: قال زاذان الكندي: سمعت البراء، وقال غيره: لم يسمعه من البراء، والله أعلم.
وفي صحيح البخاري ومسلم، «عن مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أحدكم، إذا مات، عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة، فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار، فمن أهل النار، فيقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة» .
ورواه الإمام أحمد أيضاً في مسنده.
فصل ـ في أن النار والخضرة في القبر ليست كمثلها في الدنيا
وليعلم أن النار والخضرة التي ورد ذكرهما في القبر: كما تقدم، ليست من نار الدنيا، ولا الخضرة زرع الدنيا، وإنما هي من نار الآخرة، ومن خضرها، وهما أبلغ وأشد من نار الدنيا وخضرها، فإن من قضى الله بعذابه، فإنه يحمى عليه ذلك التراب، وتلك الحجارة التي فوقه وتحته، أو اللبن، حتى يكون أعظم حراً من جمر الدنيا، ولو مسها أهل الدنيالم يحسوا بذلك، ولم يروا إلا تراباً وحجارة ولبناً، بل قد يدفن شخصان: أحدهما إلى جانب صاحبه، هذا في حفرة من حفر النار، وهذا في روضة من رياض الجنة، لا حر هذا يصل إلى هذا، ولا نعيم هذا يصل إلى هذا، وقدرة الرب عز وجل أوسع وأبلغ وأعجب من ذلك، وكل
ذلك حتى يحصل للمؤمنين اجتهاد وخوف من الله تعالى، ومراقبته في السر والعلانية، فينتج من ذلك مضاعفة الأجر العظيم، والثواب الجزيل، لأن ما ذكرناه هو من الإيمان بالغيب، ويعلم المؤمن أن أمامه أهوال وعقبات ـ نسأل الله السلامة ـ وما ذكرته، وإن كان من المغيبات، قد يطلع الله بعض خلقه على ما يشاء من عجائب قدرته، كما في الصحيح «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لولا أن لا تدافنوا، لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع» .
وفي الصحيح أيضاً: «أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين وقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير
…
» الحديث المشهور.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله في كتاب الروح ـ: حدثني صاحبنا أبو عبد الله محمد بن الوزير الحراني، أنه خرج من داره بعد العصر بآمد من بستان، قال: فلما كان قبل غروب الشمس، توسطت القبور، فإذا بقبر منها وهو جمرة من نار مثل كور الزجاج، والميت في وسطه فجعلت أمسح عيني وأقول: أنا نائم أم يقظان؟ ! ثم التفت، فإذا سور المدينة، قلت: والله ما أنا نائم! ثم ذهبت إلى أهلي وأنا مدهوش فأتوني بطعام فلم أستطع أن آكل، ثم دخلت البلد، فسألت عن صاحب ذلك القبر، فقالوا رجل مكاس توفي، فإذا به توفي ذلك اليوم، انتهى ما ذكره.
وقد ذكر ابن أبي الدنيا في كتاب القبور وكتاب المنامات من هذا النوع شيئاً كثيراً عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين، في الخير والشر، فمن رام المطالعة فليطلب ذلك من موضعه.
ومما ذكر مرفوعاً، «أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: مررت ببدر، فرأيت رجلاً يخرج من الأرض، فيضربه رجل بمقمع حتى يغيب في الأرض، ثم يخرج، فيفعل به ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك أبو جهل بن هشام يعذب إلى يوم القيامة» .