الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل ـ في قوله تعالى " وأن ليس للإنسان إلا ما سعى
"
فصل ـ في قوله تعالى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى
وأما احتجاج بعض من خالف، من أصحاب الشافعي ومالك، بهذه الآية على أن الميت لا ينتفع بثواب من سعي غيره، «لأن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به من بعده، أو ولد صالح يدعو له» .
قالوا: ولأن نفع العبادة لا يتعدى فاعلها.
فيقال لهم: قد ثبت بالسنة المتواترة وإجماع الأمة، أن الميت يصلى عليه ويدعى له ويستغفر له، وهذا من سعي غيره، وكذلك ما وافقوا عليه وسلموه من أن ينتفع بالصدقة والعتق وهو من سعي غيره، فما كان جوابهم على مورد الإجماع، فهو جواب الباقين عن محل النزاع، وللناس في ذلك أجوبة متعددة سبيلها الكتب المطولة، ولكن تحقيق ذلك أن يقال: إن الله تعالى لم يقل: إن الإنسان لا ينتفع إلا بسعي نفسه، وإنما قال:{وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} وهو لا يملك إلا سعيه، ولا يستحق غير ذلك، وإنما سعي غيره فهو له، كما أن الإنسان لا يملك إلا مال نفسه، ويملك نفع نفسه بمال غيره.
وقد روي عن ابن عباس أن الآية منسوخة بقوله تعالى: {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم} ، فأدخل الأبناء الجنة بصلاح الآباء، ولا يصح هذا، لأن لفظ الآيتين لفظ خبر، والأخبار لا تنسخ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: اللفظ المنقول عن ابن عباس هو من تفسير علي بن طلحة الوالبي عنه، وقد قيل: إنه لم يسمعه من ابن عباس، وقال عكرمة: هي خاصة بقوم إبراهيم وموسى دون هذه الأمة، وشرع من قبلنا ليس بشرع لنا، وأما هذه الأمة فلهم ما سعوا وسعي لهم.
قال الشيخ: وهذا ضعيف، لأن الله إنما ذكر هذا ليخبر به هذه الأمة، وليعلموا أن هذا حكم شامل، ولو كان هذا
مخصوصاً بأمة موسى وإبراهيم لم يقم به حجة، على أن من أرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم وجميع المسلمين بما في هذا القوله:{ولا تزر وازرة وزر أخرى}
وأيضاً، فمن أين لهم أن تلك الأمة، لم تكن تنفعهم الصدقة عنهم بعد الموت والدعاء لهم؟ وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أنا إذا قلنا: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أصابت كل عبد لله في السماء والأرض، ونحن إذا ذكرنا الصالحين من الأمم وترحمنا عليهم، وصل ذلك إليهم، وليس هو من سعيهم، وإبراهيم قد دعا لأولاده بنص القرآن، وليس ذلك من سعيهم.
وقال الربيع بن أنس: المراد بالإنسان والكافر، وهذا ليس بشيء، لأن سياق الآية يناقضه بقوله:{ثم يجزاه الجزاء الأوفى} ، وهذا يتناول المؤمن قطعاً، فلو عكس كان أولى، مع أن حكم العدل، لا فرق فيه بين مؤمن وكافر.
قال الحسن بن الفضل: ليس للإنسان إلا ما سعى من طريق العدل، فأما من طريق الفضل فجائز أن يزيده الله ما شاء.
قال شيخ الإسلام ابن تميمة: وهذا القول أمثل من غيره، ومعناه صحيح، لكنه لم يفسر لفظه الآية، فإن قوله: ليس للإنسان: نفي عام فليس له إلا ذلك، وهذا هو العدل، ثم إن الله قد ينفعه ويرحمه بغير سعيه من جهة فضله وإحسانه، وإن كان ذلك ليس له، ثم قال الشيخ: وقال ابن الزاغوني، إنه ليس له إلا سعيه، غير أن الأسباب مختلفة، فتارة يكون سعيه في تحصيل الشيء نفسه، وتارة يكون في تحصيل سببه، مثل سعيه في تحصيل قرابة أو نكاح ليحصل له ولد صالح يدعو له، أو صديق صالح، وتارة يسعى في خدمة أهل الدين والعبادة، فيكتسب محبتهم بسب سعيه في ذلك.
قال الشيخ رحمه الله: وهذا أمثل من غيره، وقد استحسنه ورجحه أبو البركات وهو ضعيف، فإنه قد ينتفع بعمل غيره من لم يحصل سبباً، وبسط القول على هذا وعلله بأمور، وذكر ابن أبي الزغواني قولاً آخر، قال: وأن ليس