الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل ـ في العجب ممن يسعى لدار الغرور
ومن العجب كل العجب، يصدق بدار الخلود، وهو يسعى لدار الغرور، فمن أحبه الله حماه عن الدنيا، كما يحمي أحدكم مريضه عن الماء.
وروى ابن أبي الدنيا في ذم الدنيا: قال مالك بن دينار: قالوا لعلي رضي الله عنه: يا أبا الحسن، صف لنا الدنيا؟ قال: أطيل أم اقصر؟ قالوا: بل أقصر، قال: حلالها حساب، وحرامها النار.
وعنه أيضاً: قالوا: يا أمير المؤمنين، صف لنا الدنيا؟ قال: وما أصف لكم من دار؟ من صح فيها أمن، ومن سقم فيها ندم، ومن افتقر فيها حزن، ومن استغنى فيها فتن، في حلالها الحساب، وفي حرامها النار.
وروي عن يونس بن عبيد، قال: ما شبهت الدنيا إلا كرجل نائم، فرأى في منامه ما يكره وما يحب، فبينما هو كذلك إذ انتبه.
وقال الحسن بن علي: الدنيا ظل زائل.
وقال أبو سليمان الداراني: إذا كانت الآخرة في القلب: جاءت الدنيا تزحمها، وإذا كانت الدنيا في القلب، لم تزحمها الآخرة، لأن الآخرة كريمة، والدنيا لئيمة.
وقال الأوزاعي: سمعت بلالاً بن سعيد يقول: والله لكفى به ذنباً، أن الله عز وجل يزهد في الدنيا ونحن نرغب فيها، فزاهدكم راغب، ومجتهدكم مقصر، وعالمكم جاهل.
فصل ـ في أن شرور الدنيا كأحلام نوم
واعلم أن شرور الدنيا كأحلام نوم، أو كظل زائل، إن أضحكت قليلاً أبكت كثيراً، وإن سررت يوماً أو أياماً ساءت أشهراً وأعواماً، وإن متعت
قليلاً منعت طويلاً، وما حصلت للعبد فيها سروراً إلا خبأت له أضعاف ذلك شروراً.
قال ابن مسعود: لكل فرحة ترحة وما ملىء بيت فر حاً إلا ملىء ترحاً.
قال ابن سيرين: ما من ضحك إلا يكون بعده بكاء.
وقالت هند بنت النعمان: لقد رأيتنا، ونحن من أعز الناس، وأشدهم ملكاً، ثم لم تغب الشمس، حتى رأيتنا ونحن أذل الناس، وإنه حق على الله عز وجل، أن لا يملأ داراً حبرة، إلا ملأه عبرة.
وسألها رجل أن تحدثه عن أمرها، فقالت أصبحنا ذات صباح، وما في العرب أحد إلا يرجونا، ثم أمسينا، وما في العرب أحد إلا يرحمنا.
وبكت أختها حرقة بنت النعمان يوماً وهي في عزها، فقيل لها: ما يبكيك؟ فذكر أنها قالت: رأيت كثرة أهلي وسرورهم، وقلما املأت دار سروراً إلا املأت حزناً.
قال إسحاق بن طلحة: دخلت عليها يوماً فقلت لها: كيف رأيت عبرات الملوك؟ فقالت: ما نحن فيه اليوم خير مما كنا فيه بالأمس، إنا نجد في الكتب: أنه ليس من أهل بيت يعيشون في حبرة إلا سيعقبون بعدها عبرة، وإن الدهر لم يظهر لقوم بيوم يحبونه إلا بطن لهم بيوم يكرهونه، ثم قالت:
فبينا نسوس الناس، والمر أمرنا
…
... إذ نحن فيهم سوقة نتنصف
فأف لدنيا، لا يدوم نعيمها
…
تقلب تارات بنا أو تصرف
رواه ابن أبي الدنيا
وروى أيضاً: قال عيسى عليه السلام: ويل لصاحب الدنيا، كيف يموت ويتركها؟ يأمنها وتغره، ويثق بها وتخذله، ويل للمغترين، كيف أرقهم ما يكرهون، وفارقهم ما يحبون، وجاءهم ما يوعدون، ويل لمن الدنيا همته، والخطايه عمله، كيف يفتضح غدا بذنبه؟ !
وروى ابن أبي الدنيا بإسناده، عن وهب بن منبه، قال عيسى عليه السلام: بحق أقول لكم، كما ينظر المريض إلى طيب الطعام ولا يلتذ من شدة الوجع، كذلك