الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومع ذلك منهم من خالع ولعب، ومنهم من لعب ووقع عليه الطلاق الثلاث بعد التوبة والحلف.
فالصبر المستمر مع القدرة من غير خوف على جاهه أو ماله أو عرضه، صبر على المعاصي، ومواظيته على ما أمره الله تعالى به، صبر على الطاعات، فإذا فعل ذلك، ابتغاء وجه الله تعالى، ثوابه أن يوفى أجره بغير حساب.
«ولهذا روى الإمام أحمد في مسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: عجب ربك من شاب ليست له صبوة» .
ولذلك استحق هؤلاء السبعة أن يظلهم في ظله، لكمال صبرهم، ومشقته على نفوسهم، فصبر الملك على العدل مع قدرته على الظلم والانتقام من رعيته، وصبر الشاب على عبادة الله ومخالفة هواه، وصبر الرجل على ملازمة المسجد، وصبر المتصدق على إخفاء الصدقة حتى عن شماله مع قدرته على الرياء، وصبر المدعو إلى الفاحشة مع جمال الداعي، وصبرالمتحابين في الله في اجتماعهما وانفرادهما، وصبر الباكي من خشية الله على كتمان ذلك عن الناس، فهذه الأمور فيها مشقة على النفوس، فالصبر عليها، بتوفيق الله وفضله وإحسانه إلى عبده، صبر عظيم جميل.
فصل: في عقوبة من لم يصبر مع تمكنه من الصبر
ولما كان الداعي، في حق بعض الناس، ضعيفاً، ولم يصبروا مع تمكنهم من الصبر، كان عقوبتهم عند الله تعالى أشد من عقوبة غيرهم، كالشيخ الزاني، والملك الكذاب، والفقير المختال، وإنما كانوا أشد عقوبة من غيرهم، لسهولة التصبر عن هذه المحرمات عليهم، ولضعف دواعيها في حقهم، فكان تركهم الصبر عنها دليلاً على تمردهم على الله تعالى، وعتوهم عليه، ولهذا كان الصبر على معاصي اللسان
والفرج، من أشق أنواع الصبر، لشدة الداعي إليهما وسهولتهما، فإن معاصي اللسان فاكهة الإنسان، لسرعة حركته وسهولة إطلاقه.
فيجب لجامه بلجام الشرع، «لهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت» .
فإن اللسان رحب الميدان في الخير والشر، فمن أطلقه ولم يضبطه بالشرع، سلك به الشيطان في المهالك، وكبه في النار عند مالك، فالكمال إمساكه مطلقاً عن فضول الكلام، إلا في خير، وما لا بد منه، فإن اللسان لا تؤمن غائلته، وخطره عظيم.
ولسهولة حركته، وسرعة إطلاقه، قد بلي أكثر الناس في زماننا بآفاته، التي هي فاكهة وسرور مجالسهم: كالغيبة والنميمة والكذب، والمراء والجدال والخوض في الباطل، والخصومات وفضول الكلام، والتحريف والزيادة والنقصان، وتزكية النفس تفريحاً وتعرضاً، وحكاية كلام الناس، والطعن على ما يبغضه وتزكية من يحبه، وهتك المستورات، ونحو ذلك.
فيتفق قوة الداعي وسرعة حركة اللسان، فيضعف الصبر، و «لهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ: أمسك عليك لسانك» ، وقد تقدم الحديث.
فإذا صارت هذه الآفات التي ذكرناها للسان عادة وسجية، فإنه يشق على العبد الصبر عنها إلا من عصمه الله، فآفات اللسان مهلكة ولها حلاوة في القلب، وعليها بواعث من الطبع، نسأل الله السلامة منها.
لهذا نجد كثيراً من المتفقهة وغيرهم، ممن ينتسب إلى الورع، يتورع من استناده إلى مخدة من الحرير، أو من قعوده على بساط حرير، أو من شربه من قدح زجاج مموه بالذهب، أو الجلوس لحظة واحدة في فرح وغيره، مع ما فيه من الخلاف، ولا يتورع من إطلاق لسانه في الكبائر من الذنوب، كالغيبة والنميمة، والتفكه في أعراض الخلق.
وكذا إذا وقع الكلام في تفسير كلام الله، أو في مسند رسول الله، أطلق لسانه فيهما بغير علم، مع علمه بقوله تعالى:{ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً} .
ثم أيضاً ممن يتورع عن الحبة من الحرام، بل عن الفلس المحرم، وعن القطرة من