الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل ـ في الثواب على الولد الصغير والشيخ البالغ
وفي الأحاديث والآثار أكثر ورودها في الولد الذي لم يبلغ الحنث، ولكن الولد الصالح البالغ، أشد مصيبة من والديه، وأكثر حزناً وجزعاً، منهما على الولد الصغير، خصوصاً إذا كان قد برز في العلم، أو له بر وإحسان إلى والديه وأقاربه وأصحابه، أو له صفات جميلة وأفعال حميدة.
وأين يقع الولد الصغير موقع الكبير في النفع لوالديه ولغيرهما، إذا كان متصفاً بما ذكر؟ فهل يستريب عاقل أن الحزن عليه أشد؟ فكذلك أجره أعظم وأكثر.
فإن قيل: البالغ قد جرى عليه القلم وهو من المكلفين، فنهايته يخلص نفسه، يعتقها أو يوبقها.
قيل: الجزاء على الكبير إنما يحصل على الصبر على المصيبة والاسترجاع والحمدلة، بل هو داخل في «قول النبي صلى الله عليه وسلم: ادخل الجنة ثواب ما أخذ منك» .
وروى ابن منده، «من حديث ابن لهيعة، عن عبد الله بن هبيرة النسائي، عن حسان بن كريب، أن غلاماً منهم توفي بحمص فوجد عليه أبوه، فقال له حوشب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبرك؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في مثل ابنك: إن رجلاً من الصحابة كان له ابن قد أدرك، وكان يأتي مع أبيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم توفي، فوجد عليه قريبا من ستة أيام
…
» الحديث، وهذا الحديث ذكر فيه أنه أدرك، وذكر فيه دخول الجنة ثواب ما أخذ منه، وقد تقدم من رواية الإمام أحمد، لكن لم يذكر في روايته أنه أدرك.
وقد روى الحافظ أبو القاسم بن عساكر بإسناده، «عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات له ابن أو ولد، سلم أو لم يسلم، رضي أو لم يرض، لم يكن له ثواب دون الجنة، وفي لفظ آخر: من مات له ابن، صبر أو لم يصبر، احتسب أو لم يحتسب، لم يكن له ثواب إلا الجنة» .
وقد روى ابن
عساكر، هذا الحديث، بعدة طرق، وإن كان قد تكلم في بعضها، أو في أكثرها، ففيها بشارة عظيمة لأكثر الناس في زماننا هذا، لأن بموت الولد، في غالب أهل زماننا، يحصل لوالديه جزع وهلع وعدم تصبر، وما ذاك إلا لقلة الزواجر الشرعية، فإن الوعد والوعيد يحصل للعبد به تسلية عظيمة، فنسأل الله تعالى أن لا يمتحنا وإن امتحننا أن يثبتنا.
وقال أبو القاسم بن عساكر: «أخبرنا أبو العز أحمد بن عبد الله العكبري ببغداد أنبأنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري، أنبأنا أبو الحسن علي بن محمد الوراق، أنبأ أبو حفص عمربن أيوب السقطي، ثنا أبو الوليد بشر ابن الوليد القاضي، ثنا الفرج بن فضالة، ثنا هلال أبو جبلة، عن سعيد بن المسيب، عن عبد الرحمن بن سمرة، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً، ونحن في صفة بالمدينة، فقام علينا فقال: إني رأيت البارحة عجباً، رأيت رجلاً من أمتي، أتاه ملك الموت لقبض روحه، فجاءه بره بوالديه فرد ملك الموت عنه، ورأيت رجلاً من أمتي قد بسط عليه عذاب القبر، فجاءه وضوءه فاستنقذه من ذلك، ورأيت رجلاًمن أمتي، قد احتوشته الشياطين، فجاء ذكر الله عز وجل، فطرد الشياطين عنه، ورأيت رجلاً من أمتي، قد احتوشته ملائكة العذاب، فجاءته صلاته، فاستنقذته من أيديهم، ورأيت رجلاً من أمتي، يلتهب عطشاً، كلما دنا من حوض منع منه وطرد، فجاءه صيامه شهر رمضان فأسقاه وأرواه، ورأيت رجلاً من أمتي، ورأيت النبيين حلقاً حلقاً، كلما دنا إلى حلقة طرد، فجاءه غسله من الجنابة، فأخذ بيده فأقعده إلى جنبي، ورأيت رجلاً من أمتي، من بين يديه ظلمة، وعن يمينه ظلمة، وعن شماله ظلمة، ومن فوقه ظلمة، وهو متحير، فجاءه حجته وعمرته، فاستخرجاه من الظلمة وأدخلاه في النور، ورأيت رجلاً من أمتي، يتقي بيده وهج النار وشررها، فجاءته صدقته، فصارت سترة بينه وبين النار، وظلاً على رأسه، ورأيت رجلاً من أمتي، يكلم المؤمنين ولا يكلمونه، فجاءته صلته لرحمه، فقالت: يا معشر المؤمنين، إنه كان وصولاً لرحمه، فكلموه، فكلمه المؤمنين وصافحوه، وصار فيهم، ورأيت رجلاً من أمتي، قد احتوشته الزبانية، فجاءه أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر،
فاستنقذه من أيديهم، وأدخله في ملائكة الرحمة ورأيت رجلاً من أمتي، جاثياً على ركبتيه، وبينه وبين الله عز وجل حجاب، فجاءه حسن خلقه، فأخذ بيده فأدخله على الله عز وجل، ورأيت رجلاً من أمتي، قد هوت صحيفته من قبل شماله، فجاءه خوفه من الله عز وجل، فأخذ صحيفته فوضعها في يمينه، ورأيت رجلاً من أمتي، خف ميزانه، فجاءه أفراطه، فثقلوا ميزانه، ورأيت رجلاً من أمتي، قائم على شفير جهنم، فجاءه رجاؤه من الله عز وجل، فاستنقذه من ذلك ومضى، ورأيت رجلا من أمتي، قد هوى في النار، فجاءته دمعته التي بكى من خشية الله عز وجل، فاستنقذته من ذلك، ورأيت رجلا من أمتي قائماً على الصراط، يرعد كما ترعد السعفه في ريح عاصف، فجاءه حسن ظنه بالله عز وجل، فسكن رعدته ومضى، ورأيت رجلاً من أمتي، يزحف على الصراط ويحبو أحياناً، ويتعلق أحيانا، فجاءته صلاته علي، فأنقذته وأقامته على قدميه، ورأيت رجلا من أمتي، انتهى إلى أبواب الجنة، فغلقت الأبواب دونه، فجاءته شهادة أن لا إله إلا الله، ففتحت له أبواب الجنة، وأدخلته الجنة» .
هذا الحديث قد ذكر جماعة من الحفاظ، أن لوائح الصحة ظاهرة عليه، وأن القلب يركن الى متنه، وقد أومأت إليه فيما تقدم وبكل حال، في هذا الحديث بشارة عظيمة للأمة عامة، وفيه تطيب خاطر الوالدين على الأطفال خاصة، سواء كان الطفل ولد قبل إسلام والده أو بعده، فإنه صلى الله عليه وسلم، قال:«رأيت رجلاً من أمتي خف ميزانه فجاءته أفراطه فثقلوا ميزانه» .
ويؤيد ذلك، ما ثبت «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل مولود يولد على الفطرة» .
قال تعالى: {فطرة الله التي فطر الناس عليها} .
فالولدان الذين يتوفون على ما فطرهم الله عليه من التوحيد، هم من السعداء الذين يدخلون الجنة بلا عمل عملوه، ولا خير قدموه، بل برحمة الله لهم ومنته عليهم.
بل أعظم من هذا، أنهم يشفعون في آبائهم، ولهذا يكونون في البرزخ في كفالة أبيهم إبراهيم الخليل عليه السلام ـ