الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كمن رام وجود ما لا يوجد، فلا ينبغي أن يطلب من الدنيا ما لم توضع له.
فصل ـ في قول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه
"
فصل ـ في قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه» و «إن الميت يعذب بالنياحة عليه» وقد تقدمت هذه الأحاديث، فاختلف السلف والخلف في ذلك.
فقالت طائفة: الله يتصرف في خلقه بما يشاء، وأفعال الله لا تعلل، ولا فرق بين التعذيب بالنوح عليه، والتعذيب بما هو منسوب إليه، لأن الله تعالى خالق الجميع، والله تعالى يؤلم الأطفال والبهائم والمجانين بغير عمل عملوه.
وقالت طائفة اخرى: هذه الأحاديث لا تصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أنكرتها عائشة رضي الله عنها واحتجت بقوله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} ثم أحاديث لم نذكرها بعد، وهي مما استدلت بها عائشة رضي الله عنها.
ومنها «عن عروة، قال: ذكر عند عائشة، أن ابن عمر رضي الله عنهما يرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم: إن الميت يعذب في قبره ببكاء أهله.
فقالت: ذهل إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنه ليعذب بخطيئته أو بذنبه، وإن أهله ليبكون عليه الآن» ، وذلك مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم «قام على القليب يوم بدر، وفيه قتلى بعض المشركين، فقال ما قال: إنهم ليسمعون ما أقول، وقد ذهل، إنما قال: إنهم ليعلمون أن ما كنت أقوله لهم حق.
ثم قرأ: {إنك لا تسمع الموتى} {وما أنت بمسمع من في القبور} يقول: تبوؤوا مقاعدهم من النار» .
رواه البخاري ومسلم، وهذا لفظه.
هكذا ساقه بطوله الحافظ الضياء.
«وعن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، قال: توفيت بنت لعثمان بمكة، وجئنا لنشهدها، وحضر ابن عمر وابن عباس، إني لجالس بينهما، أو قال: جلست إلى أحدهما، ثم جاء الأخير فجلس إلى جنبي، فقال عبد الله بن عمر لابن عباس: ألا تنهى عن البكاء، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الميت ليعذب ببكاء
أهله عليه! فقال ابن عباس: قد كان عمر يقول بعض ذلك.
ثم حدث قال: صدرت مع عمر من مكة، حتى إذا كنا بالبيداء إذا هو بركب، حتى إذا ظل سمرة، قال: اذهب فانظر من هؤلاء الركب؟ فنظرت، فإذا صهيب، فأخبرته، فقال: ادعه لي، فرجعت إلى صهيب، فقلت له: ارتحل فالحق أمير المؤمنين، فلما أصيب عمر، دخل صهيب يبكي، يقول: وا أخاه، وا صاحباه، فقال عمر: يا صهيب، أتبكي علي وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه؟ ! قال ابن عباس: فلما مات عمر، ذكرت ذلك لعائشة، فقالت: يرحم الله عمر، والله ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه.
ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله ليزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه.
وقالت: حسبكم القرآن: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} قال ابن عباس رضي الله عنهما عند ذلك: {وأنه هو أضحك وأبكى} ، قال ابن ملكية: والله ما قال ابن عمر شيئاً» .
رواه البخاري، وهذا لفظه، ومسلم.
وفي صحيح البخاري ومسلم، «أن عائشة رضي الله عنها ذكر لها أن عمر وابنه عبد الله يقول: إن الميت ليعذب ببكاء الحي.
قالت إنكم لتحدثوني عن غير كاذبين، ولا متهمين، ولكن السمع يخطىء، وفي لفظ قالت: يغفر الله لأبي عبد الرحمن، أما إنه لم يكذب، ولكنه نسي وأخطأ، إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهودية يبكي عليها، فقال: إنهم ليبكون عليها، وإنها لتعذب في قبرها» .
وقالت طائفة أخرى: قوله: إن الميت ليعذب بنوح أهله، محمول على من أوصى به، أو كانت من عادتهم ذلك ولم ينههم، يعني يوصي قبل موته أن لا يحدثوا قولاً ولا فعلاً منكراً.
وهذا كان مشهوراً عند العرب، وهو كثير في أشعارهم كقول طرفة:
إذا مت فانعني بما أنا أهله
…
... وشقي علي الجيب يا ابنة معبد