الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وروي عن عبد الرحمن بن أبي حاتم، ثنا محمد بن أبي الوزير، ثنا خلاد بن منصور الواسطي، ثنا داود بن أبي هند، قال: رأيت في المنام، كأن القيامة قد قامت، وكأن الناس يدعون إلى الحساب، قال: فقربت إلى الميزان، فوضعت حسناتي في كفة وسيئاتي في كفة، فرجحت السيئات على الحسنات، فينا أنا كذلك مغموم، إذ أتيت بشيء كالمنديل، أو كالخرقة البيضاء، فوضعت مع حسناتي، فرجحت على السيئات، فقيل: تدري ما هذه؟ قلت: لا، قال: سقط كان لك، قلت: فإنه قد مات لي صبية ابنة لي: تيك ليست لك، لأنك كنت تتمنى موتها.
وروى يزيد بن أبي مريم، عن أبيه عن سهل الحنظلية الأنصاري ـ وكان ممن بايع تحت الشجرة ـ وكان لا يولد له، أنه قال: لأن يولد لي ولو سقط، فأحتسبه، أحب إلي من الدنيا جميعاً.
فصل ـ في زيارة القبور وحكمها
زيارتها مستحبة، وهي تذكر الآخرة، وتفرح الموتى، بما يحصل لهم من الأحياء، من قراءة واستغفار ودعاء وصدقة ونحو ذلك، فزيارة القبور فيها نفع للأحياء والأموات، فالحي يذكر الآخرة، والموت الذي ما ذكر في قليل من متاع الآخرة إلا كثره، ولا في كثير من متاع الدنيا إلا قلله، ويقرأ على نفسه آيات الصبر وقصر الأمل مثل قوله تعالى: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق
…
} .
وقوله تعالى: {أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون} .
وفي صحيح البخاري «من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي، فقال: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل» .
وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك.
فإذا تذكر ذلك، حصل له الخشوع والإقلاع، وتذكر من سلف من الأهل والأقارب، هذا في الزيارة النافعة، لا كما يفعل في زماننا هذا، من البدع في الزيارة يوم الخميس والسبت، فتتزين النساء، ويتبهرجن ويجلسن على القبور.
وقد نهى في سنن أبو داود «من حديث أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: لأن يجلس أحدكم على جمرة، فتحرق ثيابه، فتخلص على جلده، خير له من أن يجلس على قبر.
وقال: لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها» .
لكن اختلف العلماء في الجلوس ما هو؟ فأكثر العلماء على أنه الجلوس المعروف.
وقال مالك: هو التغوط عليها.
وروي في الموطأ: أن علياً كان يتوسد القبور ويضطجع عليها، وأن ابن عمر كان يجلس على القبور، وأن عثمان بن حكيم قال: أخذ خارجة ابن زيد بيدي فأجلسني على قبر، وأخبرني عن عمه يزيد بن ثابت، أنه قال: إنما كره ذلك لمن أحدث عليها.
والمقصود أن النساء يخرجن إلى المقابر، وتحضر الشباب الفسقة، فيجلسون على سكك المقابر، ويختلطون بهم في الغالب، وربما تصعد السوقة بملاذ المأكل وغيرها للبيع والشراء، وربما تحدثوا بما لا يليق.
فهؤلاء، قبحهم الله تعالى، وأبعدهم عن بابه، وختم على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم، لأنهم يشاهدون منازل الآخرة ـ يعني المقابر ـ وهم معرضون عما يراد بهم.
وقد نص الإمام أحمد رحمه الله على أن الموتى يتأذون بفعل المعصية عندهم.
وفي زماننا هذا تفعل المعاصي في الترب، فيحصل للموتى الأذى بذلك، كما نص أحمد علىذلك لأنهم ـ رحمهم الله تعالى ـ قد تيقنوا شؤم عاقبة الذنب، وعاينوا عين اليقين، نسأل الله العافية في الدنيا والآخرة.
ونص الإمام أحمد: على أن الزيارة للقبور يوم الجمعة قبل طلوع الشمس، فإن الاموات يرون زائرهم.
وقال الغزالي في إحياء علوم الدين: الزيارة تكون يوم الجمعة، ويوم السبت قبل طلوع الشمس.
ويستحب الإكثار من ذكر الموت، كما ثبت في الترمذي وحسنه «من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكثروا ذكر هاذم اللذات» .
ـ يعني الموت ـ.
ويستحب للشخص، إذا دخل المقابر، أن يسلم على أهل المقابر، كما ثبت في صحيح مسلم «عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من آخر الليل إلى البقيع، فيقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، أتاكم ما توعدون، غداً مؤجلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد» .
وفي صحيح مسلم «من حديث سليمان بن بريدة، عن أبيه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا من المقابر، فكان قائلهم يقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون» نسأل الله لنا ولكم العافية.
وفي صحيح مسلم أيضاً، «من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المقبرة، فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين» الحديث.
وروى الإمام أحمد، «عن أبن عباس رضي الله عنهما قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبور المدينة، فأقبل عليهم بوجهه، فقال: السلام عليكم أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن بالأثر» .
ورواه الترمذي، وهذا لفظه، وقال: حديث حسن غريب.
ورواه ابن ماجة، «من حديث عائشة رضي الله عنها ولفظه: السلام عليكم دار قوم مؤمنين أنتم لنا فرط، وإنا بكم لاحقون، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم» .
وللإمام أحمد والنسائي: نهيتكم عن زيارة القبور، فمن أراد فليزر، ولا يقول هجراً.
رواه مسلم.
رواه الإمام أحمد.
ورواه ابن ماجة، «من حديث ابن مسعود، وفيه: فزوروها، فإنها تزهد في الدنيا، وتذكر الآخرة» .
ورواه أحمد أيضاً، «من حديث أبي سعد مرفوعاً، وفيه: فزوروها، فإن فيها عبرةً» .
وفيه دليل لمن جوز زيارة القبور للنساء.
وللعلماء فيها ثلاثة أقوال:
أحدها: تحريمها عليهن، لحديث لعن الله زوارات القبور.
الثاني: يكره.
والثالث: يباح، لما تقدم، فالنساء يدخلن في خطاب الرجال على الصحيح عند الأصوليين.
«وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ألا أحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعني؟ قلنا: بلى، قالت: لما كانت ليلتي، التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها عندي، وضع رداءه، وخلع نعليه، فوضعهما عند رجليه، وبسط طرف إزاره على فراشه فاضطجع، فلم يلبث إلا ريثما ظن أن قد رقدت، فأخذ رداءه رويداً، وانتعل رويداً، وفتح الباب فخرج، ثم أجافه رويداً، وجعلت درعي في رأسي، واختمرت، وتقنعت إزاري،
ثم انطلقت على أثره، حتى أتى البقيع، فقام، فأطال القيام، ثم رفع يديه ثلاث مرات، ثم انحرف، فانحرفت، فأسرع، فأسرعت، فهرول فهرولت، فأحضر، فأحضرت، فسبقته، فدخلت، فليس إلا أن اضطجعت فدخل، فقال: مالك يا عائش حشياء رابيةً؟ قلت: لا شيء، قال: لتخبريني أو ليخبرني اللطيف الخبير، قلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، فأخبرته، قال: فأنت السواد الذي رأيت أمامي؟ ! قلت: نعم! فلهزني في صدري لهزة أوجعتني، ثم قال: أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله؟ قالت: مهما يكتم الناس يعلمه الله، نعم! قال: فإن جبريل أتاني حين رأيت، فناداني، فأخفاه منك، فأجبته، فأخفيته منك، ولم يكن يدخل عليك، وقد وضعت ثيابك، وظننت أن قد رقدت، فكرهت أن أوقظك، وخشيت أن تستوحشي، فقال: إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم، قالت: قلت: كيف أقول يا رسول الله؟ قال قولي: السلام على أهل الديار، من المسلمين والمؤمنين، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله للاحقون» رواه مسلم.