الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب السادس والعشرون ـ في اجتماع الأرواح وهيئاتها، وأين محلها، والخلاف في ذلك
قال الله تعالى: {ويسألونك عن الروح، قل الروح من أمر ربي} وقال الله تعالى: {ونفخت فيه من روحي} وقوله: {فنفخنا فيه من روحنا} و «قوله صلى الله عليه وسلم: ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح» .
وأما قوله تعالى: {فأرسلنا إليها روحنا} و {يقوم الروح والملائكة صفا} فهل هو جبريل، أو ملك آخر؟ فيه خلاف للمفسرين.
وأما كلام العلماء في هذا الباب، فقد ألف الناس فيه شيئاً كثيراً، لكن على غير هذا الترتيب، فنذكر نبذة يسيرة، جامعة لكلام غالب العلماء، في مستقر الأرواح بعد الموت إلى أن تقوم الساعة، هل هي في السماء أم في الأرض؟ وهل هي في الجنة أم في النار؟ وهل تنعم في أجسادها وتعذب، أم تودع في أجساد غير أجسادها؟ أم تكون مجردة، أو تعدم بالكلية، فلا يبقى لها وجود أصلاً؟
فقد نقلوا عن العلماء في ذلك اختلافاً كثيراً متبايناً، ذهب كل طائفة إلى قول نصرته ورجحته على غيره، وهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، وهذه المسألة إنما تعرف من جهة الشرع بالسمع.
فمن العلماء من ذهب إلى أن أرواح المؤمنين والشهداء في الجنة، بشرط أن لا يحسهم عنها ذنب عظيم، كمظالم العباد ونحوها، فإذا كانوا خالين من ذلك تلقاهم ربهم بالعفو والرحمة.
قال الله تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون} ، وممن ذهب إلى هذا القول: أبو هريرة، وعبد الله بن عمر، وجماعات من السلف.
قال الإمام أحمد في رواية ابنه عبد الله: إن أرواح المؤمنين
في الجنة، وأرواح الكفار في النار.
وذهبت طائفة إلى أن أرواح المسلمين على أبواب الجنة، يأتيهم من روحها ونعيمها ورزقها.
وقال أبو عبد الله بن منده: وقالت طائفة من العلماء من الصحابة والتابعين: أرواح المؤمنين عند الله عز وجل، ولم يزيدوا على ذلك.
ثم قال: وقد روي عن جماعة من الصحابة والتابعين أن أرواح المؤمنين بالجابية، وأرواح الكفار في بئر برهوت ـ بئر حضرموت ـ.
وقال أبو عمر بن عبد البر: أرواح الشهداء في الجنة، وأرواح عامة المؤمنين على أفنية قبورهم.
وحكى ابن المبارك، عن ابن جريج، فيما قرئ عليه، عن مجاهد قال: أرواح المؤمنين في الجنة، يأكلون من ثمارها، ويجدون ريحها.
وقال مالك: بلغني أن الروح مرسلة تذهب حيث شاءت.
وقال صفوان بن عمر: سألت عامر بن عبد الله، هل لأنفس المؤمنين مجتمع؟ قال: إن الأرض التي يقول الله: {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون} قال: هي الأرض التي تجتمع إليها أرواح المؤمنين حتى يكون البعث.
وقال هي الأرض التي يورثها الله المؤمنين في الدنيا.
وقال كعب الأحبار: أرواح المؤمنين في عليين، في السماء السابعة وأرواح الكفار في سجين، في الأرض السابعة.
وروي، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: أرواح الأبرار في عليين، وأرواح الفجار في سجين، وعن عبد الله بن عمر نحوه.
وذهب طائفة من العلماء، إلى أن أرواح المؤمنين في بئر زمزم.
ولم أطلع على دليل يدل على هذا القول.
ثم قال أرباب هذا القول: وأرواح الكفار في بئر برهوت.
وقال سليمان الفارسي: أرواح المؤمنين تذهب حيث شاءت، كما قال مالك ـ وقد تقدم ـ وأرواح الكفار في سجين.
وقال ابن قتيبة: ذهب جماعة من العلماء، إلى أن أرواح المؤمنين على أفنية قبورهم.
ومنهم من ذهب من أهل السنة والجماعة، إلى أن أرواح المؤمنين والكفار في القبور، وأن الروح تنعم وتعذب في القبر إلى يوم القيامة، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق، وأن القبر روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار، ولهذا نهى عن الجلوس على القبر، وأمر بالسلام عليهم، وقال: إذا مات أحدكم عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، يقال له: هذا مقعدك، حتى يبعثك الله إلى يوم القيامة.
وذهب جماعة من العلماء إلى أن محل الأرواح ومستقرها في سماء الدنيا، كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء، أنه رأى ليلة أسري به في السماء الدنيا آدم عليه السلام، وعن يمينه أرواح أهل السعادة، وعن شماله أرواح أهل الشقاوة.
ومن هذا الباب ما ثبت في صحيح البخاري «من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الرؤيا، إلى أن قال فيه، فأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإبراهيم عليه السلام، وأما الولدان حوله فكل مولود يولد على الفطرة، فقيل يا رسول الله: وأولاد المشركين؟ قال: وأولاد المشركين» .
«وفي رواية له: والشيخ في أصل الشجرة إبراهيم والصبيان حوله أولاد الناس» ، فهذا الحديث ليس هو عام في جميع الأرواح، وإنما هو خاص بأرواح الصغار، وما رأيت أحداً ذهب إلى التفرقة بين أرواح الصغار والكبار لهذا الحديث، ولا أعلم أحداً قال به، والله أعلم.