الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال العلامة موفق الدين في المغنى: التلقين بعد الدفن لم أجد فيه عن أحمد شيئاً، ولا أعلم فيه للأئمة قولاً سوى ما رواه الأثرم، قال: قلت لأبي عبد الله، فهذا الذي يصنعون إذا دفن الميت، يقف الرجل ويقول: يا فلان بن فلانة
…
الحديث المعروف.
قال: ما رأيت أحداً يفعل هذا إلا أهل الشام، حين مات أبو المغيرة جاء إنسان فقال ذلك، ثم قال بعد كلام: وقال القاضي أبو الحطاب: يستحب ذلك.
ورويا فيه، «عن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا مات أحدكم، فسويتم عليه التراب، فليقم أحدكم عند رأس قبره، ثم ليقل: يا فلان بن فلانة، فإنه يسمع ولا يجيب، ثم ليقل: يا فلان بن فلانة الثانية، فيستوي قاعداً، ثم ليقل: يا فلان بن فلانة، فإنه يقول: أرشدنا يرحمك الله، ولكن لا تسمعون، فيقول: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وأنك رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً، وبالقرآن إماماً، فإن منكراً ونكيراً، يتأخر كل واحد منهما فيقول: انطلق فما يقعدنا عند هذا وقد لقن حجته؟ ويكون الله حجيجه دونهما، فقال رجل يا رسول الله، فإن لم يعرف اسم أمه؟ قال: فلينسب إلى حواء» رواه ابن ماجة أيضاً في كتاب ذكر الموت.
فصل ـ في حياة الميت في قبره والخلاف في ذلك
ومن غرائب ما ذكره أبو محمد بن حزم في كتابه في الملل والنحل.
قال: وأما من ظن أن الميت يحيا في قبره يوم القيامة فخطأ، لأن الآيات التي ذكرناها تمنع من ذلك، وكان قد ذكر قبل ذلك قوله تعالى:{قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين} وقوله تعالى: {كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم} ثم قال: ولو كان الميت يحيا في قبره، لكان تعالى أماتنا ثلاثاً، وهذا باطل وخلاف القرآن، إلا من أحياه الله آية لنبي من الأنبياء، فصح بنص القرآن أن أرواح سائر من ذكرنا لا ترجع إلى أجسادها إلا إلى أجل
مسمى ـ وهو يوم القيامة ـ وأخبر يوم بدر، إذ خاطب الموتى، أنهم قد سمعوا قوله قبل أن يكون لهم قبور، ولم ينكر على الصحابة قولهم قد جيفوا.
واعلم أنهم سامعون قوله مع ذلك، فصح أن الخطاب والسماع لأرواحهم بلا شك، وأما الجسد فلا حس له.
وقد قال تعالى {وما أنت بمسمع من في القبور} فنفى السمع عمن في القبور وهي أجساد، ولم يات قط عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك خبر صحيح، أن أرواح الموتى ترد إلى أجسادهم عند المسألة، ولو صح ذلك عنه لقلنا به، وإنما هذه رواية شاذة عن المنهال بن عمرو وحده، وليس بالقوي، تركه شعبة وغيره.
وقال جماعة من الحفاظ: ما جازت للمنهال شهادة في الإسلام قط.
انتهى كلامه.
فهذا مضمون ما ذكره.
ومن اطلع على ما قدمته من أحاديث، وآمن بها وصدقها، فليحمد الله تعالى على التوفيق لذلك، فإنه لو لم تكن هذه الأحاديث، كان إجماع الناس من أمة محمد صلى الله عليه وسلم على إعادة الروح في الجسد لأجل المسألة، فكيف وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ ! بل قد كفانا الرسول صلى الله عليه وسلم أمر هذه المسالة وأغنانا عن أقوال الناس، حيث صرح بإعادة الروح إليه، وما كان يليق بأبي محمد بن حزم أن يجازف هذه المجازفة، وأن يقول القول بهذا الخطأ: فجوابه مردود بالنصوص الصريحة المتقدم ذكرها، وهو «قوله صلى الله عليه وسلم: فتعاد روحه في جسده» ، بل لقد قيل: إن هذا إجماع الأمة على هذا، وأنهم تلقوه بالقبول، وأنهم مجمعون على: من رد ذلك وأنكره، إنه مخطىء، وأن تصديق ذلك من الإيمان بالبعث.
ولكن إن أراد ابن حزم أن الميت لا يحيا في قبره الحياة المعهودة في الدنيا، التي يقوم فيها الروح بالبدن وتدبره وتصرفه، ويحتاج معها إلى الطعام والشراب واللباس، فهذا صحيح، يشهد العقل بصحة ذلك، وإن أراد به حياة أخرى غير هذه الحياة، بل تعاد الروح إليه غير الإعادة المألوفة في الدنيا، لأجل المسألة والامتحان، كما وردت بذلك النصوص الصحيحة، فهذا حق، ونفيه خطأ بين، بل نفيه باطل قادح فيمن نفاه، بل قد ورد في سنن أبي داود مرفوعاً «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما
من رجل يمر بقبر أخيه، كان يعرفه في الدنيا، فسلم إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام» فهذه إعادة الروح إلى الجسد أيضاً غير الإعادة المألوفة في الدنيا لأجل رد السلام، بل لو سلم على الميت في الليل والنهار مراراً عديدة، عادت روحه لرد السلام ولا يلزم من ذلك أن يحيا الحياة المعروفة.
وقوله: الحديث لا يصح، لتفرد المنهال بن عمرو به، فهذه مجازفة، فإن ما قيل فيه، قال أحمد تركه شعبة.
هذا مضمون ما ذكره أبو الفرج بن الجوزي في الكلام على الرجال، ولم يذكر أن أحداً رد شهادته، والحديث صحيح لا شك فيه، وقد رواه عن البراء بن عازب جماعة غير المنهال، منهم عدي بن ثابت، ومحمد بن عقبة، ومجاهد، وغيرهم.
قال العلامة بن القيم رحمه الله: الروح لها بالبدن خمسة أنواع من التعلق، متغايرة الأحكام:
أحدهما: تعلقها به في بطن الأم.
الثاني: تعلقها به بعد خروجه إلى وجه الأرض.
الثالث: تعلقها به في حال النوم، فلها به تعلق من وجه ومفارقة من وجه.
الرابع: تعلقها به في البرزخ، فإنها وإن فارقته وتجردت عنه، فإنها لم تفارقه فراقاً كلياً بحيث لا يبقى لها التفات إليه، بل تعاد إليه وقت المسألة، وترد إليه أيضاً وقت سلام المسلم، وهذا الرد إعادة خاصة لا يوجب إعادة البدن قبل القيامة.
الخامس: تعلقها به يوم بعث الأجساد.
وهو أكمل تعلقها به، ولا نسبة لما قبله من أنواع التعلق البتة، إذ هو تعلق لا يقبل البدن موتاً ولا نوماً ولا فساداً، والله أعلم.
انتهى كلامه.
فهذا العلامة ابن القيم رحمه الله قد كفانا مؤنة الرد بلا تكلف.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية الأحاديث الصحيحة المتواترة تدل على عود الروح إلى البدن وقت السؤال، وسؤال البدن بلا روح قول طائفة من الناس، وأنكره الجمهور، وقابلهم آخرون فقالوا: السؤال للروح بلا بدن، وهذا قاله ابن مسرة وابن حزم، وكلاهما غلط، والأحاديث الصحيحة ترده، والله أعلم.
انتهى كلامه.