الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثامن عشر: في أن الشخص لا يستغني عن الصبر لا في المصيبة ولا في غيرها
اعلم ـ رحمك الله ـ أن الشخص البالغ العاقل المسلم، ما دام في دار التكليف، والأقلام جارية عليه، لا يستغني عن الصبر في حالة من الأحوال، فإنه بين أمر يجب عليه امتثاله، والصبر لا بد منه قولاً وفعلاً، وبين نهي يجب عليه اجتنابه وتركه، وبين قضاء وقدر يجب عليه الصبر فيهما، وبين نعمة يجب عليه شكر المنعم عليها والصبر عليه، وإذا كانت هذه الأحوال لا تفارقه، فالصبر لا زم له إلى الممات.
فإن قيل: النعم يجب الصبر عليه؟
قيل: نعم، لأنها من الابتلاء، كما قال تعالى:{فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن} وقال تعالى: {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم} ، وفي الآية الأخرى:{وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن * كلا} أي ليس الأمر كذلك، وإنما الله تعالى يبتلي عباده بالغنى والفقر، فينظر من هو المجاهد الشاكر الصابر على ما ابتلاه به، كما يبتلي عباده بالمصائب والأسقام تطهيراً لهم من الذنوب والآثام.
فصل: في الحالات التي يحتاج فيها العبد إلى الصبر
ويحتاج العبد إلى الصبر في ثلاثة أحوال:
أحدهما: قبل الشروع في العبادات، بتصحيح النية والإخلاص، وعقد العزم على توفية المأمور به وتجنب دواعي الرياء والسمعة.
والحالة الثانية: الصبر حال العمل، فيلازم الصبر، عند دواعي التقصير فيه والتفريط، ويلازم على استصحاب ذكر النية وحضور القلب بين يدي المعبود، وهو محتاج إلى الصبر توفية أركانها وشروطها وواجباتها وسننها.
والحالة الثالثة: الصبر بعد الفراغ من العمل، فيحذر من الإتيان بما يبطله، كما قال قال تعالى:{لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى} ، فالصبر على محافظتها بعد الفراغ أنفع ما للعبد.
هذا معنى ما ذكره الشيخ الإسلام ابن تيمية.
وقال العلامة ابن اليقيم: وكل ما يلقى العبد في هذه الدار لا يخلو من نوعين:
أحدهما ـ موافق هواه ومراده.
والثاني ـ يخالفه، وهو محتاج إلى الصبر في كل منهما.
أما النوع الموافق لغرضه فكالصحة والسلامة والجاه والمال وأنواع الملاذ المباحة.
وهو أحوج شيء إلى الصبر فيهامن وجوه:
أحدهما ـ أن لا يركن إليها، ولا يغتر بها، ولا يحمله عليه البطر والأشر والفرح المذموم الذي لا يحب الله أهله.
الثاني ـ أن لا ينهمك في نيلها، ولا يبالغ في استقصائها، فإنها تنقلب إلى أضدادها، فمن يبالغ في الأكل والشرب والجماع، انقلب ذلك ضده، وحرم الأكل والشرب والجماع.
الثالث ـأن يصبر على أداء حق الله فيها، ولا يضيعه، فيسلبها.
الرابع ـ أن يصبر عن صرفها في الحرام، فلا يمكن نفسه من كل ما تريده منها، فإنها توقعه في الحرام، فإذا احترز أوقعته في المكروه، ولا يصبر على السراء إلا الصديقون.