الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: {وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} خاطبهم مخاطبة غير الأولى، يعني: كرر المخاطبة؛ لأن المقام هنا وهو نَفْي أن يكون مَلكًا أبلغ وأشد والإتيان بكاف الخطاب يدل على شدة توجيه الخطاب للمخاطب، ولهذا اقرأ في سورة الكهف قول الخضر لموسى في الآية الأولى {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72)} [الكهف: 72]، وفي الثانية:{قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75)} [الكهف: 75].
قوله: {وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} (الملك) مفرد الملائكة، إذاً النبي صلى الله عليه وسلم هو بشر من بني آدم، ثم ذكر الله تعالى وظيفته بقوله:{إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} (إن) بمعنى (ما) فهي نافية، و (إن) في اللغة العربية لها معانٍ حسب السياق، فتأتي نافية، وتأتي شرطية، ومثالها: إن اجتهدت نجحت، وتأتي مخففة من الثقيلة مثل:{وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)} [آل عمران: 164]، أي: إنهم كانوا، وتأتي زائدة لا معنى لها إلا بالتوكيد كقول الشاعر:
بني غدانة ما إن أنتمُ ذهبٌ
…
ولا صَريف ولكن أنتم الخَزَفُ
(1)
الصريف الفضة، الشاهد في قوله:[ما إن أنتم ذهب] فـ (إن) زائدة، ولهذا لو قال الشاعر:(ما أنتم ذهبٌ) صحّ لكن ما الذي يعيِّن هذه المعاني؟ الذي يعينه السياق، فدل ذلك على أن
الألفاظ يتعين معناها بالسياق
، وهو مما يؤيد قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ألا مجاز في اللغة؛ لأن الكلمة يتعين معناها بسياقها، حتى وإن استعملت بمعنى آخر في غير هذا السياق، وكذلك يعين المعنى القرينة الحالية؛ لأن السياق قرينة
(1)
سبق عزوه.
لفظية، والقرينة الحالية وهي أن يدل حال المتحدث عنهم على المعنى، مثل قول الشاعر:
أنا ابنُ أباة الضيم من آل مالك
…
وإنْ مالكٌ كَانتْ كرام المعادن
(1)
هنا لا يمكن أن تكون (إنْ) نافية؛ لأنه كان يفتخر بقومه فيتعين أن تكون مخففة من الثقيلة.
وقوله: {إِنْ أَتَّبِعُ} ، أي: ما أتبع {إِلَّا مَا يُوحَى} ، يعني: إلا ما أوحاه الله إليَّ من العبادات والمعلومات، يعني: علم الغيب لا أعلمه فلا أتبع إلا ما أوحي إليَّ وكذلك لا أتعبد له إلا بما أوحاه إليَّ، و (الوحي): هو إعلام الله تبارك وتعالى لأحد أنبيائه بالشرع، وسمي بذلك من الإيحاء وهو السر والإخفاء؛ لأن الوحي يقع خفياً، ليس كل أحد يدري عنه، ولم يبين الموحي وذلك للعلم به كما قال عز وجل:{وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي} [سبأ: 50]، فالموحي هو الله عز وجل، فهذه وظيفة النبي صلى الله عليه وسلم وتلك ما لا يختص بها ولا تقع منه.
قوله: {قُلْ} ، يعني: يا محمد بعد أن تبيَّنَ هذا {هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِير} (هل) بمعنى (ما) وجاءت أداة الاستفهام بمعنى النفي؛ لأنها مُشْرَبَة معنى التحدي، يعني: لا يستوي الأعمى والبصير وإن كنتم صادقين فبينوا لي.
وقوله: {الْأَعْمَى} صفة مشبهة {وَالْبَصِيرُ} مَنْ يبصر، فبصير من البصيرة، وبصير من البصر، ومن المعلوم أنه لا أحد يقول: إن الأعمى والبصير سواء، فما المراد بالأعمى هنا، وما المراد
(1)
البيت للطرماح بن حكيم الطائي، والبيت في ديوانه (ص 173)، وهو من شواهد شرح الكافية الشافية (1/ 509)، وشواهد التوضيح (ص 51).