الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتأتي نافية: مثاله قوله تعالى: {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25)} [المدثر: 25]، أي: ما هذا إلا قول البشر.
وتأتي مخففة من الثقيلة: مثاله قوله تعالى: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ} [القلم: 51].
وتأتي زائدة: مثالها: قول الشاعر:
بَني غُدَانةَ مَا إنْ أنتمُ ذَهَبٌ
…
ولا صَريفٌ ولكنْ أنتمُ الخَزَفُ
(1)
فـ (إنْ) في هذه الآية الكريمة نافية.
وقوله: {إِلَّا أَسَاطِيرُ} أساطير جمع أسطورة، والأسطورة هي ما يتحدث الناس به في المجالس من أجل قتل الوقت، ليس لها معانٍ، وتسمى عند العامة السواليف، لكن يريد الإنسان أن يزيل عنه الملل والكسل وقطع الوقت.
قوله: {الْأَوَّلِينَ} ، أي: السابقين.
من فوائد الآية الكريمة:
الفائدة الأولى: أنه
ليس كل مستمع بمنتفع
لقوله: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} . وانظر إلى قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا} [محمد: 16] لا يدرون ماذا قال.
الفائدتان الثانية والثالثة: التحذير من الاستماع بلا انتفاع، وأن هذا دأب الكفار، ويتفرع على هذا أنه ينبغي للإنسان إذا استمع أن يتأمل ويتفكر فيما استمع، لا سيما إذا كان الكتاب والسُّنَّة حتى يعرف معناهما.
(1)
سبق عزوه.
الفائدة الرابعة: أن الفقه محله القلب؛ لقوله: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ} .
فإن قال قائل: ما سبب هذه الأكنة التي تحجب الحق عن القلب؟
فالجواب: أن سببها المعاصي، كما قال الله تبارك وتعالى:{إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13) كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14)} [المطففين: 13، 14]، فالمعاصي تحول بين الإنسان وبين الفقه في دين الله، ولهذا قال بعض العلماء: ينبغي لمن يُستفتى أن يستغفر الله قبل الإجابة، حتى يمحو الاستغفار ما كان على القلب من الرين، واستدل بقول الله تبارك وتعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (106)} [النساء: 105، 106]، وهذا استنباط جيد، لا سيما إذا اشتبهت عليك المسألة وحيل بينك وبين معرفة الصواب فيها، فعليك بالاستغفار والدعاء ولا تتسرع؛ لأنك تعبر عن شرع الله عز وجل.
الفائدة الخامسة: أن عدم الانتفاع بالسماع كالصمم تمامًا؛ لقوله: {وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا} بل صاحب الصمم معذور، والذي لا ينتِفع بما سمع غير معذور؛ لأن صاحب الصمم لم يسمع من آفةٍ حلَّت به.
الفائدة السادسة: أن هؤلاء الكفار لا ينتفعون بما سمعوا ولا ينتفعون بما شاهدوا؛ لقوله: {وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا} والآيات نوعان، آيات قدرية وآيات شرعية، فمن الآيات القدرية
ما يحدثه الله عز وجل في الكون؛ كانشقاق القمر، وهبوب الرياح التي أرسلها الله عز وجل على الأحزاب، وكذلك نزول المطر وامتناعه، وأشياء كثيرة لا تحصى، ثم الشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب، كلها من آيات الله الكونية.
وأما آيات الله الشرعية فهي الوحي، إذا تأملت الوحي، وأشرفه القرآن، عرفت ما فيه من الآيات العظيمة في الأخبار والأحكام، فالمؤمن ينتفع، وغير المؤمن لا ينتفع، حتى قال الله عز وجل:{وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ (44)} [الطور: 44] لا يصدقون بأنه عذاب، ومن ذلك ما يحدث في زماننا الآن من العواصف القواصف والفيضانات والزلازل هي عند قوم من الأمور الطبيعية التي لا تدل على التهديد والتخويف، وذلك من رين القلوب - نسأل الله العافية - ومن مشابهة الكفار في أنهم {وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا} .
الفائدة السابعة: أن الله عز وجل يرسل الآيات تأييدًا للرسل، وتخويفًا لمخالفيهم، كما قال عز وجل:{وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [العنكبوت: 50، 51]، وقال عز وجل:{وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59]، فالآيات التي يرسلها الله عز وجل هي تأييد للرسل وتخويف لمخالفيهم، ولكن كما تقدم أن هؤلاء المخالفين - نسأل الله العافية - لا ينتفعون بالآيات فلا يؤمنون بها.
الفائدة الثامنة: أن الكفار يجادلون المسلمين ويجادلون
النبي عليه الصلاة والسلام، ويجادلون من اتبع النبي صلى الله عليه وسلم، لكن بالباطل ليدحضوا به الحق، ولكن ليبشر صاحبُ الحق الذي هو أهله أن النصر له، لقول الله تعالى:{بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18)} [الأنبياء: 18] لكن هذا يحتاج إلى أمرين، إلى نية صادقة، وإلى علم يدفع به شبهة المحتج، ولا يجوز للإنسان أن يدخل مع صاحب باطل يجادله وليس عنده علم؛ لأنه لو فعل لكانت الهزيمة على الحق، فلا تدخل مع شخص في مجادلة إلا وأنت تعرف كيف تصيبه مع إحسان النية، أما أن تدخل في مجادلة مع شخص ذي بيان فصيح وشُبَهٍ قوية فلا تفعل؛ لأنك إن فعلت هزمت وصارت هزيمتك هزيمة للحق الذي تجادل عنه.
الفائدتان التاسعة والعاشرة: أنه ينبغي للإنسان أن يتعلم طرق الجدل؛ لقوله: {حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ} ، فتعلَّم يا أخي طرق الجدل، من أجل أن تجادل بها لنصرة الحق.
وربما يقال: يتفرع على هذا أن ما بثه بعض الناس من قولهم: إنه لا حاجة إلى أن نراجع جدل المتكلمين من الأشعرية والمعتزلة وأشباههم؛ لأن زمنهم انقضى، فإن هذا توهم واضح.
أولًا: أن هؤلاء لم ينتهِ زمنهم، فما زالوا موجودين (معتزلة، وجهمية، وأشعرية، وخوارج، وشيعة).
ثانيًا: أن طرق الجدل مع هؤلاء تفيد الإنسان في مجادلة آخرين؛ لأنها تفتح للإنسان أبواب الجدل، ويعرف كيف يقضي على صاحبه بما يجادل به، ثم إننا بالنسبة لبلادنا هنا في المملكة العربية السعودية كنا لا نعرف عن هذه الطوائف شيئًا كثيرًا، لكن