الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومثال الذي يراد به الإحاطة: قول الله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1)} [المجادلة: 1].
فقوله: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} المراد بالسمع هنا سمع الإجابة وسمع الصوت، إذاً يراد بها المعنيان، وكذلك قول الله تعالى:{إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} [إبراهيم: 39] يشمل سمع الصوت والإجابة؛ لأنه يسمعه ثم يجيبه، وأيضاً قول الله تبارك وتعالى:{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21)} [الأنفال: 21] هذا نص صريح؛ لأن قوله: {سَمِعْنَا} ، يعني: إدراك الصوت وقوله: {وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} ، أي: لا يستجيبون، وإلا فهم يسمعون بآذانهم.
من فوائد الآية الكريمة:
الفائدة الأولى: اختصاص الله تبارك وتعالى بملك كل شيء، وجه الاختصاص تقديم الخبر {وَلَهُ} ؛ لأن
تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر
، ولهذا قلنا إن قوله تعالى:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] توحيد خالص بمعنى: لا نعبد إلا إياك، وكذلك نقول: في إياك نستعين.
الفائدة الثانية: أن السكون والحركة بيد الله عز وجل؛ لأن مالك مَنْ يسكن ويتحرك مالك للحركة والسكون، فيكون في هذا دليل على أن
أفعال العباد مخلوقة
لله تعالى، وهذا هو مذهب السلف وأهل السُّنَّة، وهو وسط بين مذهبي الجبرية والقدرية.
الفائدة الثالثة: إثبات هذين الاسمين (السميع والعليم)، وإثبات ما تضمناه من صفة، صفة السمع في السميع، والعلم في العليم.
* * *
* قال الله عز وجل: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14)} [الأنعام: 14].
أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول معلناً: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا} أستنصر به، ويتولى أمري، وأتولى شرعه، والاستفهام هنا للنفي.
قوله: {أَتَّخِذُ} فعل ينصب مفعولين، المفعول الأول {أَغَيْرَ} مقدّماً، والثاني:{وَلِيًّا} ، ولو أردنا أن نرتب حسب العمل لكانت الآية (قل أتخذُ غيرَ الله ولياً).
وقوله: {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ، أي: خالقهما على غير مثال سبق، والسماوات والأرض تقدم الكلام عليهما مراراً.
قوله: {وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ} ، فالله عز وجل هو الذي يُطعِم، ما من طاعم يُطْعَمُ إلا والله الذي أطعمه، بأن يسر له الطعام، ولولا ذلك ما وصل إليه الطعامُ قال الله عز وجل مبيناً هذا {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64)} [الواقعة: 63، 64].
الجواب: بل أنت يا ربنا.
{لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67)} [الواقعة: 65 - 67]، ولو جعله الله حطاماً ما طعمناه، ثم قال:{أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69)} [الواقعة: 68، 69] والجواب: بل أنت يا ربنا هذا الطعام وهذا الشراب، الزرع وهو طعام، والماء وهو الشراب، ثم ما يصلح به الطعام والشراب وهو الطبخ والطهي
الذي يكون بالنار {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ (72)} [الواقعة: 71، 72]، إذاً الذي يطعم هو الله عز وجل، ثم لو شاء الله تعالى ما طعمنا، حتى مع وجود الطعام لو أراد الله لم يخلق لنا أفواهاً ولا أمعاء ولا معدات، فلا نطعم إذاً.
قوله: {يُطْعِمُ} ، أي: يُوجِد الطعامَ من مأكول ومشروب، وما يصلح به الطعام والشراب، وكذلك يُوجِد الآلات في بني آدم التي تقبل الطعام وتنتفع به، ذكر بعض أهل العلم رحمهم الله: أنه لا يصل إليك الطعام إلا بعد أن يعمل به أكثر من ثلاثمائة شخص؛ لأنك تبدأ من الحرث والسقي، وتصريف الماء والشراء والطحن والعجن وغير ذلك، تجد مراحل كثيرة لا يصل إليك الطعام إلا بعد أن يتجاوز هذه المراحل.
وقوله: {وَلَا يُطْعَمُ} إذاً غيره محتاج إليه، وهو لا يحتاج لأحد، فهو لا يُطعم لغناه عن كل أحد، ثم هو - جل وعلا - لا يَطْعم؛ لأنه أحد صمد، ولو طعم لكان محتاجاً لطعام، وهذا مستحيل على الله عز وجل.
* * *
* قال الله عز وجل: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 14].
قوله: {قُلْ} إعلان آخر.
وقوله: {إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ} ، فالأمر الأول لتحقيق توحيد الربوبية، والثاني لتحقيق توحيد العبادة