الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطر، وعُبِّر عنه بالسماء؛ لأنه ينزل من السماء، وقوله:{مِدْرَارًا} حال من السماء، أي: حال كونه مدرارًا يدر عليهم كلما احتاجت أرضهم إلى الماء نزل.
قوله: {وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ} (الأنهار) يحتمل أنها أنهار الثلوج التي تتسرب من قمم الجبال، ويحتمل أنها الأودية التي تكون من المطر، وسواء هذا أو هذا لا شك أن الأرض ستكون خصبة وستأكل منها أنعامهم وأنفسهم.
قوله: {فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ} ، أي: أتلفناهم {بِذُنُوبِهِمْ} والباء هنا للسببية، أي: بسبب ذنوبهم، والذنوب بمعنى المعاصي.
قوله: {وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ} ، أي: خلقنا من جديد، من بعدهم قومًا آخرين، وهل القوم الآخرون عصوا أو أطاعوا؟ منهم من عصي، ومنهم من إطاع، ولكن الله قال:{ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (44)} [المؤمنون: 44].
من فوائد الآية الكريمة:
الفائدة الأولى: تهديد المكذبين لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصيبهم ما أصاب الأمم السابقة، وجه ذلك أن الله قرر أنهم قد رأوا الأمم التي أهلكت من قبل.
الفائدة الثانية:
الاستدلال بالأعلى على الأدنى
، وجه ذلك أنهم لما كانوا أقوى من هؤلاء، فقد أرسل الله عليهم السماء مدرارًا، وجعل الأنهار تجري من تحتهم، ومع ذلك أهلكهم فمن دونهم من باب أولى.
الفائدة الثالثة: بيان عظمة الله سبحانه وتعالى وغَيْرَتِه، حيث أهلك أولئك القوم مع ما عندهم من القوة والنَعْمَةِ.
الفائدة الرابعة: أن ما يحصل من النعم، واندفاع النقم، فإنه من الله عز وجل لقوله:{مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ} .
الفائدة الخامسة: إثبات الأسباب لقوله: {فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ} .
الفائدة السادسة: أن الذنوب من أسباب الهلاك لكن هل المراد الهلاك الحسي بمعنى أن يموت الناس، أو يفقدوا الأموال، أو ما أشبه ذلك، أو يشمل الهلاك الحسي والمعنوي الذي هو موت القلوب؟ لظاهر أنه كلاهما، يعني: يشمل هذا وهذا؛ ولذلك قال الله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ} [المائدة: 49] فجعل توليهم من أسباب الذنوب.
الفائدة السابعة: تمام قدرة الله تبارك وتعالى وسلطانه، حيث يهلك أقوامًا وينشئ آخرين؛ لأن الأمر أمره عز وجل، والملك ملكه، والسلطان سلطانه، فهو سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء من إهلاك وإنشاء.
* * *
* قال الله عز وجل: {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7)} [الأنعام: 7].
قال تعالى مبينًا عتو هؤلاء المكذبين لرسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -، وقوله:{وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ} الخطاب للنبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - و (لو) هنا شرطية بدليل وجود فعل الشرط وجوابه، فعل الشرط {نَزَّلْنَا} وجواب الشرط {لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} .
وقوله: {كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ} ، يعني: كتابًا عاديًا يدركه الناس.
قوله: {فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ} ، يعني: لم يتخيلوه من بُعْدٍ بل هو بين أيديهم يلمسونه نازلًا من السماء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.
فإذا قال قائل: وهل هناك لمس بغير اليد حتى يقول الله عز وجل {فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ} ؟
فالجواب إن شئت فقل: نعم؛ لأن الإنسان يمس بقدمه، ويمس بلسانه، ويمس بكل أجزاء جلده؛ وإن شئت فقل إن اللمس يكون باليد لكن ذكرت اليدُ هنا من باب التوكيد؛ كقوله تبارك وتعالى:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام: 38]، ومعلوم أن الطائر لا يطير إلا بجناح.
قوله: {لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} هذا جواب الشرط، وفي قوله:{لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} إظهار في موضع الإضمار لم يقل لقالوا: إشارة إلى فائدتين فائدة متعدية وفائدة لازمة، الفائدة اللازمة هي الحكم عليهم بالكفر، والمتعدية هي أن من قال قولهم فهو كافر.
وقوله: {إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} {إِنْ} هنا نافية؛ بدليل قوله: {إلَّا} فـ (إِنْ) إذا أتت بعدها (إلا) فهي للنفي، وقد تكون للنفي وإن لم تَأتِ بعدها إلا.
و (إنْ) تأتي نافية كما في هذه الآية، وتأتي شرطية مثل قوله تعالى {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ} [الزمر: 7] وتأتي مخففة من الثقيلة؛ كقوله: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} [طه: 63] أصلها إنَّ هذين لساحران، وتأتي زائدة كما في قول الشاعر:
بني غُدَانَةَ ما إنْ أنتمُ ذَهبٌ
…
لا صريفٌ، ولكن أنتم الخزفُ
(1)
والتقدير (ما أنتمُ ذهبٌ) لكنها جاءت زائدة، وهذا ليس بغريب، وهو مما يدل على أن اللغة العربية واسعة، خلافًا لمن قال: إنها ضيقة؛ لأن معانيها أكثر من ألفاظها، نقول كون الحرف الواحد أو الكلمة الواحدة تأتي بمعانٍ متعددة هذا يدل على مرونة اللغة العربية، لا على قلة مواردها، ولا شك أنه إذا كانت اللغة مرنة كان ذلك أوسع للمتخاطبين بها وأيسر عليهم.
وقوله: {إِنْ هَذَا} المشار إليه الكتاب في القرطاس.
وقوله: {إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} (السحر): كل شيء خفيِّ يسمى سِحْرًا، مأخوذٌ من السَحَر الذي هو آخر الليل، والغالب أن آخر الليل يكون خفيًا، الناس لا يخرجون من بيوتهم، فيكون هناك خفاء في الأمور التي تحدث، لكنه في الاصطلاح: هو عبارة عن عُقد ورقي وأدوية تصدر من الساحر بواسطة الشياطين، كما قال الله تبارك وتعالى في سورة البقرة:{وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ} [البقرة: 102]، يعني: ويعلمونهم ما أنزل على الملكين ببابل {هَارُوتَ وَمَارُوتَ} ، هذان اسمان لملكين {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} [البقرة: 102]، ولذلك كثيرًا ما يكون السحر مرتبطًا بالجن، حتى إن الجني يتكلم ويقول: إني لا أستطيع أن أخرج لأني مسحور، لكن إذا أراد الله عز وجل عُثِرَ على السحر وَأُتْلِفَ، ثم برئ المريض.
(1)
البيت غير معروفٍ قائلهُ، وهو في شواهد شرح الكافية الشافية (1/ 431)، وخزانة الأدب (4/ 119)، ومغني اللبيب (ص 38).